Announcement

Collapse
No announcement yet.

الآثار السلبية لتصريحات هيلين توماس

Collapse
X
 
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الآثار السلبية لتصريحات هيلين توماس

    الآثار السلبية لتصريحات هيلين توماس



    الوطن

    حمزة قبلان المزيني

    يقول نعوم تشومسكي، تعليقا على جريمة اقتحام القوات الإسرائيلية لأسطول الحرية: "لا يمكن للقانون الدولي أن يُطبَّق ضد الدول القوية إلا بجهود مواطني تلك الدول. وهذه مهمة صعبة دائما خاصة حين يدَّعي المعلِّقون الجريئون (!) بأن الجريمة مشروعة، إما بالتصريح بذلك أو بتبنيهم الضمني لإطار إجرامي ـ أكثر خطرا لأنه يسعى إلى إخفاء الجريمة" ("التهديد الحقيقي على ظهر أسطول الحرية"The Real Threat Aboard the Freedom Flotilla", Znet, June, 10, 2010).
    ويؤكد قولُه هذا ما أشرت إليه في مقالي الأسبوع الماضي من أن أفضل السبل لكبح جماح السياسات العدوانية الإسرائيلية هو التواصل مع الفعاليات الاجتماعية الأمريكية، واليهودية خاصة، المناهضة لتلك السياسات والتعاون معها ومساندتها في مقاومتها.
    لكن بعض المواقف ربما تحول دون هذا التواصل. ومن أمثلة هذه المواقف تصريحات هيلين توماس، الصحفية الأمريكية من أصل لبناني. وربما تُنفِّس هذه التصريحات بعض الغضب الذي نشعر به بسبب الظلم المستمر ضد الفلسطينيين نتيجة لإنشاء إسرائيل، لكنها ستؤدي حتما إلى قطع ذلك التواصل المفيد حتما.
    فقد طار أنصار إسرائيل بتلك التصريحات واستغلوها لإخفات النقد الصارم الذي وجه إليها بسبب جريمة اقتحام قواتها لأسطول الحرية، واستخدموها لبعث الحياة في الاستراتيجيات الدعائية المألوفة التي تعتمد على استدرار العواطف نحوها.
    ومن أمثلة هذا الاستغلال مقال كتبه ريتشارد كوهين، الصحفي في واشنطن بوست، عنوانه "ما لا تعرفه هيلين توماس" (8/6/2010).
    فيغتنم كوهين الفرصة لتكرار المسوغات المعهودة لقيام إسرائيل، ويسائل هيلين توماس عن تلك البلدان الأصلية التي تريد أن يعود إليها اليهود. ويشير إلى أن تلك البلدان هي نفسها التي تعرض فيها اليهود للإفناء، الذي استمر حتى حين أراد بعضهم العودة إليها بعد الحرب العالمية الثانية.
    ويبين أن أمريكا نفسها لم ترحب باليهود لكرهها لهم، ولخوفها المَرَضي من الشيوعية، وبسبب العداء للمهاجرين. ويدلل على ذلك الكره بعداوة جورج باتون، القائد الأمريكي لجيوش الحلفاء في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، لليهود، وهي لا تقل عن عداوة النازيين أنفسهم. فقد سَجَن آلافا منهم داخل معسكرات محاطة بالأسلاك الشائكة تحت مسمى "النازحين". وكتب عن اليهود النازحين في مذكراته: "ربما يظن أحدٌ أن النازح إنسان"، أما هو فيعرف "أنه ليس كذلك". ويصف اليهودَ "على وجه الخصوص (بأنهم) أحط من الحيوانات". ويشعر أنه "يجب وضعهم تحت المراقبة المسلحة وإلا فإنهم سيَهربون وينتشرون في (ألمانيا) كالجراد، وهو ما يوجب مطاردتهم والقبض عليهم وقتل بعضهم لقتلهم الألمان المسالمين ونهب ممتلكاتهم".
    ويقول كوهين إن أوروبا كلها كانت معادية لليهود، ولم تُبد أي حزن أو أسف على ما تعرضوا له. ويقول إن "النازحين" اليهود كانوا واعين بهذا العداء الغربي وكان أكثرهم يصرحون، حين يسألون عن الوجهة التي يريدون الذهاب إليها، بأنهم يريدون الهجرة إلى فلسطين مع أنهم "كانوا يعرفون أن الحياة ستكون أصعب هناك، لكنهم سيكونون وسط شعبهم ـ وسيكونون أكثر شعورا بالأمان". ويروي عن أحدهم قوله لإحدى لجان الأمم المتحدة: "أريد الذهاب إلى فلسطين. إني أعرف الظروف هناك. لكن أين هو المكان في العالم الذي يمكن أن يكون جيدا لليهودي؟ إنه سيتعرض للمعاناة طال الزمن أو قصر. أما في فلسطين فاليهود، في الأقل، سيقاتِلون بعضُهم إلى جانب بعض دفاعا عن أنفسهم ووطنهم".
    لكن كوهين، كعادة أنصار إسرائيل، لا يطرد المنطق إلى نهاياته. فالسؤال المنطقي الذي يجب أن ينتهي إليه هو: وما ذنب الفلسطينيين حتى يدفعوا ثمن العنصرية الغربية ضد اليهود؟ ومن المستغرب أن ينطلي هذا القصور المنطقي على كثير من الغربيين الذين يتباهون بأنهم رواد العقلانية ومؤسسو ثقافة النقد التي لا تقتنع بالحجج الدعائية التافهة.
    وهناك مغالطة أخرى في ربطه بين إنشاء إسرائيل والمحرقة النازية. وهو ما يبين مقاله نفسه عدم صحته. ذلك أنه يشير إلى أن اليهود ـ قبل المحرقة النازية وقبل معسكرات النازحين ـ كانوا يحارِبون في فلسطين، كما أن فكرة المشروع الصهيوني ترجع إلى أواسط القرن التاسع عشر.
    ويملي المنطق على كوهين أن يشير إلى أنه كان يجب على الحلفاء ـ إن صدقت السرديات الصهيونية، وكانت حياة اليهود تعني لهم شيئا ـ اقتطاع جزء من ألمانيا لإقامة دولة لليهود الذين أوقع بهم الألمان أبشع أنواع الجرائم التي وصلت إلى إحراقهم في أفران الغاز، وسيكون ذلك العقاب منطقيا وعادلا ولن تجد إنسانا سويا يعارضه.
    ويغفل كوهين عن أن موقف العنصرية الأوروبية قبل المحرقة النازية وبعدها إنما يقوم على تخطيط مبيّت للتخلص من اليهود بإفنائهم وطرد من بقي منهم خارج أوروبا. وكان يمكن له، منطقيا، بالإضافة إلى إدانة هذه العنصرية الأوروبية المتأصلة، أن يشارك في البحث عن حل عادل يعالج الجريمة التاريخية التي تتمثل في تشريد الفلسطينيين نتيجة لتلك العنصرية.
    ومع هذا التهافت المنطقي في السرديات الصهيونية، وفي قصور كوهين عن المعالجة المنطقية للمشكلة، يجب القول إن تصريحات هيلين توماس غير ملائمة وغير واقعية. وينبغي عدم الانسياق وراءها.
    أما ما ينبغي أن تتوجه إليه المساعي العربية الآن فهو دفع إسرائيل إلى وضع يشبه وضع جنوب أفريقيا إبان الحكم العنصري. وهو ما يعني اللجوء إلى المعايير القانونية والأخلاقية المعاصرة لإرغامها على التحول إلى دولة لمواطنيها كلهم، ومنهم الفلسطينيون.
    ولا يتحقق ذلك بالتصريحات المجانية، بل بالتعاون مع الفعاليات الاجتماعية الأمريكية، واليهودية خصوصا، لتنوير الرأي العام الأمريكي بالموقف العربي المنادي بالسلام العادل الذي يقبل بالحل الممكن الآن وهو إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وهو الموقف الذي يلخصه تشومسكي بقوله: "كان هناك إطار لحل الصراع العربي الإسرائيلي منذ 1976، حين اقترحت الدول العربية على مجلس الأمن قرارا يدعو إلى حل بإنشاء دولتين ضمن الحدود الدولية، ويشمل ذلك التعهدات التي يتضمنها قرار الأمم المتحدة 242 الذي صدر بعد حرب يونيو 1967. وأيد العالم كله تقريبا المبادئ الأساسية للقرار، ومن ذلك الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي (ويشمل ذلك إيران) والمنظمات غير الحكومية المعنية، ومنها حماس".
    كما تشير استطلاعات الرأي العام الأخيرة إلى أن 74% من الفلسطينيين يؤيدون حل الدولتين (الوطن، 1/7/1431هـ).
    لقد غذَّت تصريحاتُ هيلين توماس الدعايةَ الصهيونية التي تقوم على سرديات التأسيس الإسرائيلية الخرافية، ولم تخفف من معاناة الفلسطينيين، وربما تؤدي إلى إفشال جهود الفعاليات الاجتماعية الأمريكية المناهضة لسياسات إسرائيل العنصرية.



    حمزة قبلان المزيني

    الزيتون عندما يُضغط يخرج الزيت الصافي فإذا شعرت بمتاعب الحياة تعصرقلبك فلا تحزن انه "الله" يريد أن يخرج أحلى ما فيك ايمانك دعاءك وتضرعك




Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎