«معاداة السامية» تسير في طرق جديدة
فاينانشال تايمز
سايمون كوبر
حي لو ماريه في باريس لديه خبرة في العبارات الطنانة المعادية للسامية. كان الحي يهودياً للغاية حتى عام 1942. وتوجد اليوم لوحات في كل مكان – في المنتزه المحلي وفي مدرسة الحي – تخلد ذكرى الأطفال المقتولين.
في شباط (فبراير) الماضي اعتقلت السطات الفرنسية جون جاليانو بعد مزاعم بإطلاقه عبارات ضد السامية في حانة لا بيرل. يقول جاليانو إنه ''لا يتذكر''. وفي الثامن من الشهر الجاري ستصدر إحدى محاكم باريس حكمها في القضية. لكن شركة كريستيان ديور فصلته منذ فترة. هذه طقوس مألوفة. شخص مشهور – مثل لارس فون تيير، أو تشارلي شين، أو سيلفيو برلسكوني – يطلق عبارات معادية للسامية، ويقوم العالم ولا يقعد. السبب في ذلك هو أن هذه التعليقات، حين تصدر في أوروبا، تحدث على خلفية معينة: وهي اللوحات المذكورة المعلقة في المدارس. والسؤال المهم هو ما إذا كانت الأحداث التي من قبيل تعليق جاليانو تكشف عن حقيقة مثيرة للقلق؛ ما مدى قوة العداء للسامية في أوروبا في الوقت الحاضر؟
تشير استطلاعات الرأي إلى أن هذه المشاعر لا تزال قوية. هذا العام أجرت المؤسسة السياسية الألمانية فريدريش إيبرت شتيفتونج استطلاعا عن التسامح بين ثمانية آلاف أوروبي في ثمانية بلدان. وهذه بعض النقاط البارزة فيه: 69 في المائة من الهنغاريين وافقوا على أن ''اليهود يتمتعون بنفوذ قوي فوق الحد'' في هنغاريا. ومعظم البرتغاليين ونحو ربع الفرنسيين والألمان والبريطانيين يرون أن ''اليهود بصورة عامة لا يكترثون بأي شيء آخر، أو أي شخص آخر سوى بني جلدتهم''. ويعتقد 72 في المائة من البولنديين ونصف الألمان تقريباً أن ''اليهود يحاولون استغلال كونهم ضحايا أثناء العهد النازي''.
قبل سنتين وجدت جمعية مناهضة التشهير في الولايات المتحدة أن 31 في المائة من الأوروبيين المشاركين في أحد استطلاعاتها يلقون باللوم على اليهود في الأزمة الاقتصادية العالمية. (استطلعت الجمعية آراء 3500 أوروبي في سبعة بلدان.) وفي الاستبيان نفسه، قال 74 في المائة من الإسبان إن ''اليهود يتمتعون بقوة تزيد على الحد في الأسواق المالية العالمية''. وقال معظم الأستراليين إن اليهود يظلون يتحدثون بصورة مبالغ فيها عن المحرقة النازية.
حين تقرأ هذه الأخبار، تتساءل عن ماذا يمكن أن تجد إذا رصدت الأحاديث التي تتناول مواضيع معينة في المقاهي والحانات الأوروبية فيما وراء لا بيرل.
لكن العداء للسامية يأتي في أشكال قوية وضعيفة، وهو الآن في أضعف أشكاله في أوروبا. يقول إريك بلايش، أستاذ العلوم السياسية في كلية مدلبري في فيرمونت، ومؤلف كتاب بعنوان ''الحرية لأن يكون المرء عنصرياً؟''، إنه لا يوجد اليوم عدد كبير من الأوروبيين من الذين يشغلون بالهم باليهود. وبالتالي حين تسأل الناس حول اليهود ''فإن الأجوبة التي تحصل عليها تكشف على الأرجح عن شعور بالعداء للسامية يفوق ما يشعر به الناس بالفعل في معظم الأيام''.
ويضيف: ''هناك أناس يحملون آراء مناهضة للسامية، لكنهم بصورة عامة لا يتمسكون بها بحدة. إنهم لا يخشون أن يهدد اليهود أرزاقهم، أو ثقافتهم، أو أي شيء من الأشياء التي يقلق الناس حولها بالفعل''، بل كثير من المعادين للسامية لا يريدون حتى عودة هتلر.
ويقترح بلايش اللجوء إلى مقاييس ومجسات أخرى لقياس العداء للسامية. مثلا، هل يستطيع الزعماء الأوروبيون إطلاق تصريحات معادية للسامية والنجاة من دون عواقب؟ (لا). هل هناك أحزب كبيرة معادية للسامية في أوروبا؟ (لم يعد لها وجود). هل توجد في الدول قوانين ضد العداء للسامية؟ (نعم). هل يستطيع اليهود في أوروبا الغربية أن يعيشوا حياة متكاملة مع بقية الناس ويتولوا مناصب رسمية عالية؟ (نعم). كذلك تعترف جميع البلدان الأوروبية بدولة إسرائيل. وحين تطالب البلدان، كما يفعل الأوروبيون ''بحل قائم على دولتين'' في إسرائيل، فإن هذا لا يدل إطلاقاً على تأييد القتل الجماعي. هذه المقاييس تشير إلى أن العداء للسامية ضعيف للغاية.
بالنسبة لمعظم العنصريين الأوروبيين في الوقت الحاضر يعتبر العداء للسامية عادة شبيهة بنكش الأنف: شيء من الأفضل ألا يتم أمام الناس. ربما يشعرهؤلاء الناس بكره اليهود في قلوبهم، لكن كما قال لي صديق من الحاخامات: ''من الذي يكترث بما في قلوبهم؟ المهم ألا يتصرفوا وفق مشاعرهم''.
وتعطي أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا دليلاً جديداً على الضعف الحالي لمشاعر العداء للسامية.فقد تخلت هذه الأحزاب إلى حد كبير عن مهاجمة اليهود. مارين لو بان، الزعيمة الجديدة للجبة الوطنية في فرنسا، تحتضن اليهود. أما جيرت وايلدرز، الزعيم الهولندي اليميني المتطرف، والذي عاش فترة من الزمن في أحد الكيبوتزات، فإنه يحب إسرائيل. وفي السنة الماضية قام الديمقراطيون السويديون، والبلجيكي فيليب ديفنتر، وهاينز كريستيان ستراتشي، زعيم حزب الحرية في النمسا، برحلة غريبة من اليمين المتطرف إلى الموقع التذكاري لضحايا المحرقة في ياد فاشيم في إسرائيل. وطلب ستارتشي التقاط صور له وهو يرتدي بزة قتالية من التي يرتديها أفراد الجيش الإسرائيلي. (بعض هذه الصور كانت شبيهة بصور سابقة لستراتشي في زي للقوات المساندة، وسط مجموعة من النازيين الجدد حوالي عام 1990). بالمثل، فإن الزعيم المحافظ الأمريكي، جلين بيك، قاد عدداً من التظاهرات في إسرائيل.
باختصار، حتى أصحاب اليمين المتطرف يتخلون الآن عن العداء للسامية، التي كان أثرها الوحيد هو تلويث سمعتهم. يقول بلايش: ''إن جمهور الناخبين ليس معرضاً في واقع الأمر لجاذبية الشعار القائل إن اليهود هم الخطر الرئيسي على المجتمع الأوروبي. والواقع أن الخروج إلى العلن والتصريح بهذا الرأي هو في العادة طريقة مضمونة لأن يفقد الناس الثقة في هذا الشخص كزعيم سياسي''. وتُفضل أحزاب اليمين المتطرف بدلاً من ذلك، الحديث عن أفضل منتجاتها من حيث المبيعات: الخوف من الإسلام.
إن تعليقات جاليانو ليست إرهاصاً ببعث قوي لمشاعر العداء للسامية في أوروبا. الواقع أن التشنجات الشعائرية التي تأتي في أعقاب التعليقات المعادية للسامية هي طريقة المجتمع الأوروبي لتأكيد نظرته المحرمة ضد العداء للسامية. ووجود هذا التحريم نفسه ربما يلهم بعض الناس في المهن الإبداعية لمخالفته. هؤلاء الناس يحصلون على الثناء بسبب أعمالهم ''الباعثة على الصدمة''، أو ''التي تعتدي على القيم''. وهم يشعرون بأن مهاجمة اليهود تثير هذه الجوانب. وحين يقومون بذلك، ويحصلون على استجابة سيئة، يتم تذكير المسيئين المحتملين الآخرين بألا يجربوا إظهار العداء للسامية إلا حين يكونوا بمأمن في بيوتهم. بالمقابل، لا يزال الخوف من الإسلام مسموحاً به في العلن.