حان وقت الشجاعة يا سيادة الرئيس
فاينانشال تايمز
كلايف كروك
أرقام التوظيف الجديدة البائسة – الأسوأ خلال سنة وتهدد بحدوث ركود مزدوج – تقدم مادة لخطاب باراك أوباما أمام الكونجرس غدا. ومع تراجع أرقامه في استطلاعات الرأي، واتجاه الاقتصاد الأمريكي إلى الأسوأ، ربما يكون هذا الخطاب هو الأهم خلال رئاسته. فماذا عليه أن يقول؟
إنه بحاجة إلى أن يكون شجاعاً – لكن ليس بالطريقة التي يرغب فيها حزبه. عليه أن يقترح حافزاً مالياً جديداً، وبصورة أكثر طموحاً من الإجراءات التي نوقشت حتى الآن. وفي الوقت ذاته، وبتأكيدٍ جديدٍ ومعادلٍ لذلك، عليه الدعوة إلى انضباط مالي قوي في الأجل الأطول. ويعني هذا زيادات ضريبية على الطبقة الوسطى، وكذلك على الأغنياء، وتخفيضات على الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية. وعلى الرئيس في النهاية أن يوضح هذا الأمر.
هل هو انتحار سياسي؟ سنأتي إلى ذلك قريباً. فالأمور الأولى تأتي أولاً.
إن توقعات الأجل القصير آخذة في التردي. ومن الخطأ توقع تعاف متصاعد من تراجع حفزته الديون، لكن الولايات المتحدة غير مجبرة على الاستسلام إلى الركود، أو ما هو أسوأ من ذلك. ويظل الطلب الضعيف يمثل أكبر مشكلة. ولا يمكن للحوافز المالية والنقدية حل هذه المشكلة، لكن بإمكانها المساعدة في الحل. إن تكاليف الاقتراض الحكومي قريبة من الصفر، والدين ليس من الارتفاع بحيث لا يمكن زيادته مرة أخرى – إذا ألزم الكونجرس نفسه بالتشدد المستقبلي.
ومن دون ذلك الوعد، فإن حافزاً مجدداً سيكون أشد خطورة (يمكن أن تصاب سوق المال بالرعب)، وكذلك أقل فاعلية (يمكن أن تواجه الأسر والشركات زيادة في عدم اليقين). وكلما كان الحافز المالي أقوى، فإن التشدد الأطول أجلاً يجب أن يكون أقوى. وعلى الرئيس أن يشرح ذلك بوضوح.
بعد أن ينجز ذلك، عليه أن يمضي إلى ما يتجاوز توسيع المزايا المقدمة إلى العاطلين عن العمل، وتخفيض ضريبة الموظفين، وعمليات إعادة الرهون وفقاً لأسعار الفائدة المتدنية الجديدة، وبرنامجاً لإصلاح المدارس. وسبق لكل هذه الأمور أن طرحت، لكنها ليست كافية. وعلى الرئيس أن يتعمق أكثر في تخفيض ضريبة الموظفين، وتخصيص مبالغ أكثر جدية للتقليص الرئيسي للرهونات التي تواجه صعوبات التسديد، ودعم الوظائف الجديدة بصورة شديدة الاندفاع، وإعادة المساعدة المالية الطارئة للولايات. وهناك حاجة إلى حافز مالي بكبر حجم الحافز الأول – وإلى جانب ذلك للمرة الأولى، خطة من جانب البيت الأبيض لإصلاح الضرائب وزيادة سن التقاعد.
السياسة المتعلقة بهذا الأمر صعبة، لكنها ليست مستحيلة. وأحد الاعتراضات عليها هو أن الخطة لن تمر من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون. (حافز مالي ثانٍ؟ لا بد أنك تمزح). إنه حافز آخر يمكن أن يغضب كثيراً من الديمقراطيين بقدر ما يغضب كثيراً من أعضاء الحزب العظيم القديم. (ارفع سن التقاعد؟ هذا أمر خارج نطاق التوقع).
فيما يتعلق بما يمكن لمجلس النواب قبوله، دعونا نكون واضحين: لن يلقى أي شيء يتبناه الرئيس يوم الخميس، قبولاً هناك. وليس على الرئيس إقناع مجلس النواب، بل الناخبين. وإذا كان بإمكان أوباما حشد البلاد – حتى الكونجرس الحالي سينصاع – أو يدفع الثمن في العام المقبل. وفشل أوباما لا يعود إلى معارضة الجمهوريين له، بل إلى هجر الناخبين له.
وليس بإمكانه استعادة سلطته بمجرد الإكثار من الكلام، فهو بحاجة كذلك إلى قول الأشياء الصحيحة. وللانتخابات عواقبها، كما قال الديمقراطيون عام 2008. وهي بالفعل كذلك. وقد هُزم الحزب عام 2010، وتراجعت معدلات تأييد سياسات الرئيس منذ ذلك الحين. فهل حدث ذلك لأن الديمقراطيين كانوا لطفاء للغاية، وكانوا يدارون الأمور على نحو مبالغ فيه؟ لا يمكن أن يعتقد ذلك سوى رجل خيالي.
إذا نفذ الرئيس ما ينصح به أغلب أعضاء حزبه – التوقف عن التساهل، والدفع ببرنامج تقدمي غير هيّاب – فإن الحزب العظيم القديم سوف يفوز بالرئاسة عام 2012. وأتوقع حرفياً أن الجمهوريين يُصلّون من أجل أن يظهر أوباما تشدداً أقوى لصالح أجندة ليبرالية خالية من الحلول الوسط. وسوف يمنحهم ذلك سيطرة غير منقوصة على مجلسي النواب والشيوخ والبيت الأبيض في العام المقبل.
ألستم مقتنعين بذلك؟ فكروا في هذا. مع الفشل التام الذي منيت به المناقشات المتعلقة بسقف الدين لم تتحسن شعبية أوباما، رغم ما أظهره الحزب القديم العظيم من انعدام مسؤولية جسيمة. فلماذا حدث ذلك؟
جزئياً، أؤكد لكم أنه حدث لأن الرئيس استسلم للابتزاز، بدلاً من الإصرار على السماح بمزيد من الاقتراض من دون قيد أو شرط. إن الناس تكره الضعف في أي رئيس حتى عندما يكون ''الضعف'' عقلانياً (كما كان في تلك الحال، لأن الرئيس لم يتمكن من كسب ذلك الموقف). لكن كان هناك أكثر من ذلك. إن الناخبين قلقون بشأن تزايد الدين العام ولديهم شك (مبرر) في أن البيت الأبيض يشاطرهم القلق. نعم، لقد نفّرت سياسة حافة الهاوية التي يتبعها الجمهوريون معظم الناخبين، لكن كثيرين أيضاً شعروا بأن الحزب لديه أسبابه. إن أوباما يصبح جدياً بشأن الضبط المالي عندما يجبر على ذلك فقط. وما من شيء أكثر إلحاحاً بالنسبة للديمقراطيين من تبديد تلك الفكرة. فبالنسبة لهم من الضروري، من الناحية السياسية والاقتصادية، أن يجمعوا بين الحوافز الجديدة والخطط بعيدة المدى لاستعادة المالية العامة.
إن مأزق أوباما واضح: التشبث بتلك النقطة الثانية يوقعه في مشكلة مع القاعدة الديمقراطية. فقد أبدى الرئيس مقاومة ضئيلة لرغبة الحزب في منع إصلاح نظام المستحقات وحصر الزيادات الضريبية في الأسر الأكثر ثراء، التي تشكل نسبة 3 في المائة، ولاستخدام الأزمة الاقتصادية رافعة لزيادة الإنفاق العام بشكل دائم. وإذا أخذت واحدة واحدة، فإن هذه الخيارات قد تعود عليه بالفائدة في الانتخابات. وإذا أخذت مجتمعة، فإنها تنم عن عجز في السياسات المالية. وكي يستعيد ثقة الناخبين، يترتب على أوباما أن يتخلى عن تلك المواقف.
مهما يقول الرئيس في هذا الأسبوع، ستصدر السياسة عن الكونجرس وليس عن البيت الأبيض. ذلك أن صلاحية الرئيس المباشرة في الشؤون المالية ضئيلة. لكن إذا تمكن من السيطرة على الناخبين أولاً – فإنه يستطيع أن يحرك الكابيتول هيل. وكي يتمكن من ذلك، عليه أن يخيب آمال التقدميين في حزبه – ليس بكونه جباناً، كما يحتمل أن يكون، ولكن عبر كونه أشجع مما يودون.
كن شجاعاً، سيدي الرئيس. ففي يوم ما سوف يشكرونك على هذه الشجاعة.