في مصر معركة النفوذ على جبهة الإعلام
فاينانشال تايمز
فرح حليم
في إحدى فترات ما بعد الظهر ظهر توفيق عكاشة على شاشة تلفزيون التحرير، وهو واحد من مجموعة من الشخصيات التي أعلنت نية الترشُح للانتخابات الرئاسية المصرية، محاولا كسب الجمهور بابتسامة مشرقة وخط لين من الإجابات البارعة.
عكاشة مقدم برامج تلفزيونية، ورجل أعمال يمتلك محطته الفضائية الخاصة به، وهي قناة الفراعين (الفراعنة). وظهر في مناقشة مليئة بالحيوية مع محاورته، دعاء سلطان، حول فرص نجاحه في الوصول إلى الرئاسة.
وبينما تضحك سلطان والجمهور، استجابة للنكات التي يلقيها، يقول عكاشة: ''إذا فزت (بالانتخابات الرئاسية)، سأرث مشاكل 85 مليون نسمة. وتذكري أنكِ تتحدثين إلى رجل إعلام''.
كانت قناة التحرير واحدة من عشرات القنوات التلفزيونية التي أطلقت عقب الثورة المصرية، لكن النقاد يقولون إن فورة القنوات البادئة الجديدة منذ الإطاحة بحسني مبارك، وفرص الظهور الممنوحة لأناس مثل عكاشة، هي أقل من أن تعتبر إشارة إلى التحرر، أو مؤشراً إلى أن كثيرا من وسائل الإعلام المصرية تطورت سريعاً لتصبح أداة للمناورات السياسية.
يقول جمال زايدة، مدير التحرير في جريدة الأهرام، التي هي إحدى ثلاث صحف تملكها الحكومة: ''فجأة نشاهد محطات فضائية وصحفاً جديدة، دون أن نعرف من الذين يقفون وراءها''. ويضيف: ''إننا نمر عبر فترة انتقالية، ومن يمتلك وسائل الإعلام تكون له اليد العليا في التأثير على الرأي العام في مصر. سيؤثرون على الانتخابات والدساتير المقبلة''.
ومنذ انطلاق الثورة، تم إطلاق نحو 30 قناة فضائية مثل التحرير، أو توجد طلبات لإطلاقها، بحسب نائلة حمدي، أستاذة الصحافة في الجامعة الأمريكية في القاهرة.
وقفز عدد الصحف إلى 50 صحيفة على الأقل، على الرغم من أن عدداً قليلاً منها تم إصداره بعد الثورة، بما فيها صحيفة شقيقة لقناة التحرير.
ومع أن اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، وهو جهة البث المحلية التابعة للدولة، لا يزال يقدم الأنباء الرئيسية، ومواد التسلية، والشؤون العامة في البلاد، إلا أن موقف هذه المؤسسة ضعُف بسبب تغطيتها المنحازة لنظام مبارك.
ويوجد ميثاق للأخلاق الصحافية يعمل ظاهرياً من أجل ضمان تغطية إعلامية موضوعية ودقيقة، كما توجد جهات تنظيمية تشرف على البث والاتصالات، لكنها ليست مستقلة تماماً، إذ تجعل من الحكومة ملاذا أخيرا يتم اللجوء إليه لاتخاذ القرارات. وبالنسبة للصحافة المطبوعة لا وجود لجهة تنظيمية تتولى الرقابة.
وتقول نوال السعداوي، الكاتبة المصرية المخضرمة، الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، إنها لا تزال تتعرض للرقابة بصورة متكررة، ويتم منعها من الكتابة في بعض الأحيان في الشؤون السياسية، أو الظهور في برامج الأحاديث العامة.
وهذا الوضع كما تقول، يزداد سوءا بالتحول باتجاه رجال الأعمال الذين يحاولون ممارسة السلطة من خلال شراء وسائل الإعلام. وتضيف: ''إن رجال الأعمال الذين عملوا مع الثورة أرادوا التخلص من مبارك للحصول على الكعكة، كل الكعكة''.
وتسبب قرار المجلس العسكري في الشهر الماضي بإعادة وزارة الإعلام إلى وضعها السابق في قلق لدى النشطاء. وتم إغلاق الوزارة خلال الثورة، لأنها كان ينظر إليها باعتبارها إقطاعية لصفوت الشريف، أحد الرجال الأقوياء للنظام السابق، إضافة إلى أنها كانت أداة لقمع الاحتجاجات.
ويحاول بعض مؤسسي المشاريع معالجة قضية الملكية من إخلال إنشاء ما يعتبرونه وسائل إعلام مستقلة بالفعل.
ويعكف هشام قاسم، الذي كان ناشراً لصحيفة ''المصري اليوم'' لدى انطلاقها عام 2004، وهو مؤيد قوي للصحافة المستقلة، على تأسيس غرفة أخبار موحدة تهدف إلى الجمع بين الأخبار على الشبكة، والمطبوعة، والتلفزيون، والهاتف الجوال.
ويهدف هيكل شركته التي استثمر فيها حتى الآن 30 مليون جنيه مصري (5 ملايين دولار أمريكي)، إلى منع أي مساهم منفرد من امتلاك أكثر من 10 في المائة، حتى يتسنى الحؤول دون ممارسة أي فرد من الأفراد سلطة تحريرية.
ويقول قاسم: ''المشكلة الرئيسية هي (هيكل) المالك الوحيد، وهي نفسها التي كانت تعانيها روسيا وغيرها، حين ينهار نظام مستبد''. ويضيف أن كل الاستثمارات في وسائل الإعلام المصرية من قبل رجال الأعمال ''تعود إلى الاعتقاد بأن ذلك طريق إلى السلطة''.
واجتذب قاسم 17 مساهماً، لكنه قلق من العروض التي يتلقاها، خصوصا التي يقدمها رؤساء الأحزاب السياسية والشخصيات الساعية للرئاسة، لأن من المتوقع أن تتدخل في المحتوى التحريري.
ويتذكر قاسم تدخلات متكررة في المحتوى التحريري من جانب كبار مساهمي صحيفة ''المصري اليوم''. وقال إن هذا هو السبب الرئيسي الذي حمله على الاستقالة من الصحيفة عام 2006.
''لم أحب هيكل المساهمين. كنت في معركة مستمرة مع المالكين الذين لا يفهمون أنك غير قادر على التلاعب بالمحتوى''.