العرب.. والفيتو الكريه
كلمة الاقتصادية
مرت 20 عاما على مؤتمر مدريد و17 عاما على اتفاقية أوسلو، وسبع سنوات على المبادرة العربية للسلام، وأربع سنوات على مؤتمر مينابولس، وسنة واحدة على خطاب أوباما الذي أشار فيه إلى أنه يود أن يرى مقعدا لدولة فلسطين في المنظمة الدولية.
قبل هذا وبعده، منذ النكبة عام 1948 ومرورا بحرب 1967 وما بعدها أمعنت إسرائيل في تقطيع أوصال الأرض الفلسطينية، وهودت القدس وجعلتها عاصمة اليهود في العالم، فضلا عن كونها العاصمة الأبدية لها وضمت أراضي السلطة، وأقامت الجدار العنصري على التراب الفلسطيني، حاشرا المدن والقرى والمزارع متلويا عليها كالثعبان الأسطوري، وجعلت أهل الأرض يمرون إلى ما تبقى من مزارعهم وبيوتهم من أنفاق في استهانة لا مثيل لها بكرامة الإنسان، فضلا عن شنها الحرب على قطاع غزة وحصارها، وتاريخ طويل من التشريد والتفجير والتدمير، وتصفية ومطاردة وسجن الفلسطينيين أو من تعاطف معهم من نشطاء حقوق الإنسان.. ولم تجد المبادرة العربية للسلام أدنى أذن صاغية من الدولة الصهيونية وعاضدتها، ووقفت الولايات المتحدة في كل موقف وفي كل آن، إلى جانبها بالدعم الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري.. وحين لم يعد من مخرج من هذا المأزق الكارثي المفروض بالقوة على الفلسطينيين لنيل حقوقهم وما حفظته المواثيق والقرارات الدولية التي اقتنع بها سائر دول العالم عدا أمريكا والدولة العبرية بالطبع، لم يجد الفلسطينيون أمامهم من مخرج سوى اللجوء إلى المظلة الدولية وطلب انضمام دولتهم إلى الأمم المتحدة.. ومنذ تم العمل على هذا التوجه من قبل الفلسطينيين أبدت الولايات المتحدة شديد امتعاضها، وسعت إلى التهديد والوعيد عن مغبة الإقدام على ذلك إلى أن أصبح الحديث صريحا بجحا كالعادة في أن الولايات المتحدة ستستعمل حق الفيتو ضد انضمام دولة فلسطين للأمم المتحدة في نسف تام لكل الكلمات الملساء المراوغة عن السلام وحقوق الفلسطينيين بل إنها - كما صرح زعيم الأكثرية في الحزب الجمهوري في الكونجرس - سنسعى إلى استصدار قرار من الكونجرس بقطع المساعدات المقدمة للفلسطينيين من أمريكا البالغة 550 مليون دولار، وهو إجراء من اليسير تمريره طالما أن اللوبي الصهيوني متحفز باستمرار لمثل هذا الإجراء كي يتم فورا.
الجامعة العربية أعلنت أن العرب ماضون في مساندة فلسطين لنيل مقعد خاص بدولتهم في الأمم المتحدة، ومعهم دول العالم شرقه وغربه، ما يشكل من ناحية إحراجا عالميا لأمريكا باستفرادها بالرفض، وفي الوقت نفسه يوفر لدولة فلسطين وجودا معترفا به بشكل دولي حتى لو وقف الفيتو الأمريكي الكريه ضده.. هذا الموقف ليس سوى واحد من مواقف بائسة لا حصر لها كانت فيها أمريكا ضد السلام والحق غير أنه الموقف الأشد قسوة وحرجا لأمريكا، خصوصا في ظل الوضع الذي تعيشه أمريكا في تضعضع مكانتها سياسيا وعسكريا واقتصاديا على مستوى العالم حتى إن المكانة في الصدارة الاقتصادية باتت رغما عنها للصين.
ولعل ما أشار إليه الأمير تركي الفيصل في مقاله الأخير في ''نيويورك تايمز'' الأمريكية من أن إقدام الولايات المتحدة على استعمال الفيتو ضد دولة فلسطين سيعرض علاقاتها للخطر مع حلفائها العرب ما هو إلا إشارة مكثفة إلى عدم الرضا من قبل العرب الذين منحوا لأمريكا كثيرا من الفرص والمبادرات واللقاءات التي كانت تستهدف تحقيق انفراج لعملية السلام، لكن الأمر ظل دائما يسوء، وبالتالي سيمثل الفيتو الأمريكي نكسة للدبلوماسية الأمريكية ونسفا لكل تلك المحطات من الثقة وتعبيرا عن الممانعة في إعادة الحقوق الشرعية العادلة لأصحابها.. وإذا كان ما يفصلنا عن الذهاب للأمم المتحدة لطلب التصويت على الانضمام مجرد أيام، فإن مساحة التفاؤل بحدوث تغير في موقف الولايات المتحدة تكاد لا ترى.