خطوة جريئة فقط يمكنها إنقاذ أوباما
فاينانشال تايمز
كلايف كروك
لم يكد يمضي أسبوع واحد على رهان باراك أوباما على أخذ زمام المبادرة بحافز مالي ثانٍ جديد، وفي الوقت الذي كان يعد فيه العدة لإعلان ثانٍ عن الموضوع، حتى واجه رهانه المتاعب بالفعل. وكما جادلت في الأسبوع الماضي، فإن القسم الأول من الخطة كان جيداً، ودعوة الرئيس إلى عقد جلسة مشتركة للكونجرس استقبلت بصورة جيدة في واشنطن. أما بقية البلاد فكانت أقل إعجاباً. يعطي استطلاع رأي جديد من جانب CBS أوباما أدنى نسبة موافقة على سياساته (43 في المائة)، وأعلى نسبة عدم موافقة (50 في المائة) في سلسلة الاستطلاعات التي جرت حتى الآن. وفي استطلاعات أخرى كان وضعه أسوأ من ذلك. ففي الأسبوع الماضي، وبعد خطاب أوباما الكبير، فاز جمهوري بمقعد في نيويورك كان الديمقراطيون يعتقدون أنه مضمون لهم. وهذا الأمر وحده يزيد من جرأة الحزب العظيم القديم على مقاومة مزيد من الحوافز المالية. وبعد ذلك تراجعت الآمال بخصوص قانون الوظائف الأمريكي إلى مستويات أدنى، حين بدأ مسؤولو البيت الأبيض شرح كيفية تمويله: من خلال ضرائب أعلى على الأغنياء. وقال البيت الأبيض إنه سيقترح ''قانون بوفيت'' (نسبة إلى رئيس بيركشير هاثاواي، الذي يطالب بصورة متكررة بفرض مزيد من الضرائب عليه وعلى غيره من الأغنياء)، لضمان أن يدفع أولئك الذين يحصلون على أكثر من مليون دولار سنوياً النسبة نفسها على الأقل، التي تدفعها الأسر متوسطة الدخل.
وقال البيت الأبيض بالفعل إنه يريد تغطية مبلغ الـ 450 مليار دولار الخاص بقانون الوظائف الأمريكي من خلال الحد من الاقتطاعات الضريبية التي يتمتع بها أصحاب الرواتب العالية. وتخفيض أو إنهاء الاقتطاعات الضريبية التي تشوه قوانين الضريبة الأمريكية، بحيث يشمل ذلك كل دافعي الضرائب وليس الأغنياء فقط، فكرة جيدة يجب أن تكون جزءا من إصلاح شامل – إضافة إلى معدلات حدية أدنى. وضمن نظام جيد التصميم لن يكون ''قانون بوفيت'' ضرورية. لكن الرئيس لن يقدم خطة شاملة للإصلاح الضريبي، بل سيكتفي بالدعوة إلى وجود مثل هذه الخطة. وفي الوقت نفسه المقترحات وحدها، أي أفكار الرئيس حول الضريبة، ليست أمامها فرصة للنجاح – والبيت الأبيض يعرف ذلك. فالجمهوريون سيعارضونها دون تحفظ، بل حتى بعض الديمقراطيين داخل الكونجرس يعترضون عليها. وفي خطابه أمام الكونجرس ركز أوباما على أن كل جزء من خطته – تخفيضات الضرائب المفروضة على الموظفين، وتوسيع منافع العاطلين عن العمل، وغيرها – سبق أن حصل على دعم من الحزبين. وقال إن هذا الأمر لم يكن يتعلق بسياسة العمل بين الحزين. ثم خرج مسؤولوه يفسرون بعد عدة أيام، قائلين إنه سيطلب من الأغنياء تمويل ذلك. في أحد الأيام أوباما هو ذلك الشخص الواقعي الذي يحاول التحدث بمنطق في الكونجرس، لكنه يتحول في اليوم التالي إلى أوباما ليبرالي متحمس يشتكي من عدم العدالة الاجتماعية ومن استخدام مسؤولي الشركات للطائرات النفاثة. وهكذا يواصل الرئيس التناقض مع نفسه. وهذا لا يترك انطباعا جيدا لدى الناس، بل يجعلهم يتوقفون عن الاستماع إليه، ويجعل الرئيس غير ذي صلة. في الأسبوع الماضي هوجم أوباما ليس فقط من جانب التقدميين والوسطيين المحبطين، وإنما من جانب محترفي الحزب المقربين من البيت الأبيض. والآن تفوح رائحة فضيحة من ضمانة قرض لمشروع ''طاقة خضراء'' فاشل. وتظهر مقاطع من كتاب في طريقه للنشر بيتاً أبيضاً في حرب مع نفسه. ويقول جيمس كارفيل، وكان في السابق من كبار الاستراتيجيين الديمقراطيين، إن على الرئيس أن يخاف لأن ما من شيء يعمل بصورة صحيحة. ربما يقول التاريخ إن جانباً بسيطاً من هذا الأمر يعود إلى خطأ أوباما. وإن كل ما يهم هو أنه ورث اقتصاداً مشلولاً عام 2009. وفي ظل ظروف مستحيلة يمكنك المجادلة بأن أوباما أدى أداءً جيداً للغاية. وأنا أوافق على ذلك إلى حد ما، لكن هذا الحكم، من أحد الجوانب، كريم للغاية. كان أوباما مثقلاً باقتصاد منهار، لكنه كان ينعم بوجود خصوم ضعفاء. والحزب الجمهوري الجديد تماماً، كما يقول الليبراليون، حركة راديكالية. ويهدف الحزب العظيم القديم إلى تقليص شديد للإنفاق العام، رغم أن الضغوط الديمغرافية تدفع باتجاه آخر. والضرائب الأمريكية متدنية، لكن الجمهوريين يريدون أن يجعلوها أدنى من ذلك. ومن أحد الجوانب يريد الحزب العظيم القديم الحديث، أن يقلل ''الصفقة الجديدة''. والطبقة الوسطى الأمريكية لا تشاركه هذه الرؤية، فلماذا فاز الجمهوريون فوزاً كاسحاً عام 2010؟ ولماذا لا تزال شعبية أوباما تتراجع؟ ولماذا تثور شكوك حول إعادة انتخابه في العام المقبل؟ لدى المحللين التقدميين نظريتان، أولاهما أن الحزب الديمقراطي كان جباناً للغاية في 2009/2010، ولذلك يتحول عنه مؤيدوه ويسمحون للجمهوريين الخطرين والمجانين بالفوز في الانتخابات. وتوحي هذه النظرية بأن كثيرا من مؤيدي الحزب أغبياء. والنظرية الثانية مناقضة لذلك، فهي توحي بأن بقية البلاد غبية: نسي الأمريكيون كيف بدأ الانكماش ولا يستطيعون رؤية الحزب العظيم القديم الحديث على حقيقته، ويريدون معاقبة أصحاب المناصب بصورة عمياء. أما نظريتي فهي أن الطبقة الوسطى تهتم بالرؤية التقدمية لدور حكومي أكبر وبالضرائب الأعلى أكثر مما تهتم برؤية الحزب العظيم القديم للدولة قليلة التدخل. ولا تريد البلاد أن تتحول إلى أي من هذين الاتجاهين، وإنما تريد فقط إصلاح الأمور. وناخبو الوسط المحايدون الذين صوتوا لصالح أوباما عام 2008 لم يرق لهم ما شاهدوه خلال العامين التاليين وقالوا ''كفانا''. وشعروا كذلك بأن الرئيس خذلهم وأنه وعد بأن يكون عامل تأثير من أجل الاعتدال، لكنه لم يكن كذلك. إذا كانت نظريات الديمقراطيين صحيحة، فمن الصعب معرفة ما الذي ينبغي النصح به. عليهم أن يتساءلوا ما إذا كانت أمة من الأغبياء مستعدة تماماً للامتياز الشامل. وإذا كانت نظريتي صحيحة، فكان ينبغي لأوباما أن يتحرك لشغل الفراغ الذي حدث من خلال جعل الحزب العظيم القديم راديكالياً. وكان عليه كذلك أن يعزز قاعدة التأييد الجديدة الأكثر اتساعاً للديمقراطيين. ولم يكن لهذا الأمر أن يكون سهلا، ليس فقط بسبب الاقتصاد المشلول، ولكن كذلك لأن تقدميي الحزب حاربوه بصورة مستمرة. ورغم ذلك كان هذا هو أفضل رهان لديه. ربما يتخذ أحد آخر، في يوم ما، هذا المسار. ومن المتصور أن أوباما ما زال بإمكانه اختيار هذا المسار.