د. ماجد السامرائي - العرب اللندنية
عملية "عاصفة الحزم" التي تقودها المملكة السعودية في اليمن، وبمشاركة عربية، كانت مفاجئة للبعض ومن بينهم الحوثيون وإيران. ولم تكن مفاجئة للعارفين بالسياسة السعودية، وكيف تتعامل حين تداهم الأخطار أبوابها الداخلية. الحوثيون صدموا بالرد السعودي بعد بناء تحالف إقليمي ودولي سريع، ما عدا العراق وسوريا وحزب الله في لبنان وإيران الراعية للحوثيين.
صدمة الحوثيين كانت بسبب هيمنة النشوة الإيرانية بنصرها في كل من سوريا والعراق ولبنان، وقرب انتزاعها النصر الإستراتيجي من الولايات المتحدة في الملف النووي. الوهم الإيراني وظله الحوثي استندا إلى قراءة مغلوطة تقول أن السعودية منكمشة على محيطها الداخلي، ولن تتمكن من الانتقال إلى مرحلة التعرض والهجوم خارج حدودها.
الغرور الإيراني عبر عنه شعورها بأن اليمن أصبح في حاضنتها، والسعودية ودول الخليج العربي تتهاوى أمامها، ولا تحتاج سوى إلى قطف الثمار، وقد نشطت تعليقات كثيرة تتداولها بعض الأوساط المحسوبة على الجهات الطائفية في العراق والمنطقة تقول أن “السعودية زعيمة الإرهاب وهي على القائمة التالية للسقوط على أيدي الشيعة”، وهذا ما فسّر التصريحات الإيرانية المتواصلة في الآونة الأخيرة حول جعل بغداد عاصمة “للإمبراطورية الفارسية وأن دول منطقة الخليج هي ولايات تابعة لتلك الإمبراطورية”، لتأتي هذه العملية العسكرية بمثابة رد عملي على تلك الأوهام الإمبراطورية.
الأهداف المعلنة للعملية العسكرية هي القضاء على التمدد الحوثي وإعادة سيطرة الشرعية المتمثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي. ردود الفعل السريعة من قبل إيران وسوريا ولبنان حزب الله مبررة، باعتبار أنها عطّلت المشروع الإيراني ووضعت الحوثيين في موقف لا يحسدون عليه، وهم فصيل يخدم الفتوحات الفارسية الجديدة في المنطقة وخصوصا الخليج العربي، قبل مصالح اليمن. لكن ما يثير الاستغراب ما صدر من موقف رسمي عراقي إلى جانب المواقف الأكثر انفعالية من قبل الأحزاب الدينية الشيعية وفصائل الميليشيات، رغم أن كثيرين يرون أن ذلك غير مفاجئ. ويعيدون إلى الذاكرة القريبة الموقف من البحرين ودعوات الدعم والتطوع إلى جانب منظمة “الوفاق الشيعية”.
يمر العراق بظروف غاية في التعقيد بسبب اجتياح تنظيم “داعش” تتطلب دعما عربيا فعليا، وصدرت إعلانات من حيدر العبادي قبل أيام تدعو للانفتاح على العرب وخصوصا السعودية، وهذا ما يتناقض مع الموقف الأخير المتسرع وغير الدبلوماسي من قضيتي اليمن ومشروع القيادة العربية العسكرية المشتركة والتي حصل عليهما شبه إجماع وعربي. علما وأن مشروع القيادة العسكرية يستند إلى مجلس الدفاع العربي المشترك التابع للجامعة العربية.
إن جرّ اليمن إلى مهاوى الحرب الطاحنة والتي لم يشف من جروحها منذ أكثر من نصف قرن، أمر غير مقبول، والحوثيون هم يمنيون قبل كل شيء، وعليهم الانفكاك من اللعبة الإقليمية المدمرة، والعودة إلى وضعهم الطبيعي، والدخول في الحوار السلمي إلى جانب القوى السياسية اليمنية الأخرى.
القراءة الاستراتيجية للخطوة السعودية تقول أنها محاولة لتعديل التوازن الاستراتيجي في أمن الخليج الذي اختل بعد إخراج العراق نهائيا بعد احتلاله وسحق جيشه عام 2003، ولعل البلدان التي قدمت تسهيلات احتلال العراق تعض اليوم أصابع الندم بعد دخول إيران بقوة لسد الفراغ، بما تحمله من طموحات توسعية تشعر السعودية ودول الخليج بأنها خطر على وجودها.
وهناك اعتقاد بأن ما حصل على هامش العملية العسكرية السعودية يعلن عن تطورات سياسية مهمة، وهناك اعتقاد بأن قضية اليمن ستعيد إنتاج وضع عربي جديد، مقابل ذلك يبرز تصور آخر يعتقد أصحابه بأن المنطقة مقبلة على سيناريو يتمثل في حدوث صراع طائفي سني شيعي في المنطقة ترعاه الاستقطابات الإقليمية والدولية بعد وصول هذا الصراع في كل من سوريا والعراق إلى مراحل خطيرة، تمثلت بإيجاد تنظيم داعش ودعمه، ثم قمعه بعد الانتهاء من مهماته في هذين البلدين.
ووفق هذا السيناريو فإن طرف خارطة الصراع السني يتمثل بالسعودية وجميع دول الخليج العربي والأردن ومصر والمغرب العربي والسودان وصولا إلى تركيا وباكستان (السنية النووية)، مقابل المعسكر الشيعي الذي تقوده إيران ومعها كل من سوريا ولبنان حزب الله ناقصا اليمن. إن الصراع وفق هذه القراءة خطير وسيحول العراق وسوريا وباقي بلدان المنطقة الحيوية إلى كانتونات طائفية ممزّقة تستجدي التقسيم وفق نظرية بايدن.
اللعبة خطيرة في المنطقة وتديرها صاحبة النفوذ الأولى أميركا، ومنتزعة النفوذ الجديدة إيران. والعراق هو العقدة الكبيرة التي فتحت أبواب الانهيارات في المنطقة. وعلى أرضه تجري محاولات لاستعادة صراع الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية. إيران تشعر أنها الأكثر “قبولا” بسبب الامتداد الطائفي في العراق بعد تحويل شعبه إلى مكونات متصارعة.
تم بناء استقطابات خطيرة مشحونة بالدم بين أكبر طائفتين (الشيعة والسنة)، وداخل الطائفة الشيعية أخذت تتبلور استقطابات فرعية ما بين الشيعة الموالين لإيران والمناصرين للأحزاب الموالية لطهران، وبين الشيعة العراقيين العروبيين الرافضين للتبعية الإيرانية وهم كثر ولديهم قيادات سياسية يتمثل أبرزها بالخط الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، وغيره من الزعامات الدينية.
وفي أوساط العرب السنة تبلورت استقطابات متصارعة بين الرافضين للعملية السياسية وبين مؤيديها، وهناك أمراء حروب داخل بعض الزعامات العشائرية التي تقدم خدماتها لمن يدفع أكثر، كما يتوقع اندلاع حروب مستقبلية بشعة داخل إقليم السنة إذا تحققت ستؤدي إلى انطلاق لعبة قتال وصراع دموي جديد يمتد إلى المحيط العربي في سوريا ولبنان والخليج.
للأسف سيعطل الموقف العراقي الأخير من القضايا العربية، خصوصا في قضيتي اليمن والعمل العسكري العربي المشترك، جميع محاولات دعمه، ويثير التساؤلات حول مصير هذه السياسات المنغلقة.
كاتب عراقي
عملية "عاصفة الحزم" التي تقودها المملكة السعودية في اليمن، وبمشاركة عربية، كانت مفاجئة للبعض ومن بينهم الحوثيون وإيران. ولم تكن مفاجئة للعارفين بالسياسة السعودية، وكيف تتعامل حين تداهم الأخطار أبوابها الداخلية. الحوثيون صدموا بالرد السعودي بعد بناء تحالف إقليمي ودولي سريع، ما عدا العراق وسوريا وحزب الله في لبنان وإيران الراعية للحوثيين.
صدمة الحوثيين كانت بسبب هيمنة النشوة الإيرانية بنصرها في كل من سوريا والعراق ولبنان، وقرب انتزاعها النصر الإستراتيجي من الولايات المتحدة في الملف النووي. الوهم الإيراني وظله الحوثي استندا إلى قراءة مغلوطة تقول أن السعودية منكمشة على محيطها الداخلي، ولن تتمكن من الانتقال إلى مرحلة التعرض والهجوم خارج حدودها.
الغرور الإيراني عبر عنه شعورها بأن اليمن أصبح في حاضنتها، والسعودية ودول الخليج العربي تتهاوى أمامها، ولا تحتاج سوى إلى قطف الثمار، وقد نشطت تعليقات كثيرة تتداولها بعض الأوساط المحسوبة على الجهات الطائفية في العراق والمنطقة تقول أن “السعودية زعيمة الإرهاب وهي على القائمة التالية للسقوط على أيدي الشيعة”، وهذا ما فسّر التصريحات الإيرانية المتواصلة في الآونة الأخيرة حول جعل بغداد عاصمة “للإمبراطورية الفارسية وأن دول منطقة الخليج هي ولايات تابعة لتلك الإمبراطورية”، لتأتي هذه العملية العسكرية بمثابة رد عملي على تلك الأوهام الإمبراطورية.
الأهداف المعلنة للعملية العسكرية هي القضاء على التمدد الحوثي وإعادة سيطرة الشرعية المتمثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي. ردود الفعل السريعة من قبل إيران وسوريا ولبنان حزب الله مبررة، باعتبار أنها عطّلت المشروع الإيراني ووضعت الحوثيين في موقف لا يحسدون عليه، وهم فصيل يخدم الفتوحات الفارسية الجديدة في المنطقة وخصوصا الخليج العربي، قبل مصالح اليمن. لكن ما يثير الاستغراب ما صدر من موقف رسمي عراقي إلى جانب المواقف الأكثر انفعالية من قبل الأحزاب الدينية الشيعية وفصائل الميليشيات، رغم أن كثيرين يرون أن ذلك غير مفاجئ. ويعيدون إلى الذاكرة القريبة الموقف من البحرين ودعوات الدعم والتطوع إلى جانب منظمة “الوفاق الشيعية”.
يمر العراق بظروف غاية في التعقيد بسبب اجتياح تنظيم “داعش” تتطلب دعما عربيا فعليا، وصدرت إعلانات من حيدر العبادي قبل أيام تدعو للانفتاح على العرب وخصوصا السعودية، وهذا ما يتناقض مع الموقف الأخير المتسرع وغير الدبلوماسي من قضيتي اليمن ومشروع القيادة العربية العسكرية المشتركة والتي حصل عليهما شبه إجماع وعربي. علما وأن مشروع القيادة العسكرية يستند إلى مجلس الدفاع العربي المشترك التابع للجامعة العربية.
إن جرّ اليمن إلى مهاوى الحرب الطاحنة والتي لم يشف من جروحها منذ أكثر من نصف قرن، أمر غير مقبول، والحوثيون هم يمنيون قبل كل شيء، وعليهم الانفكاك من اللعبة الإقليمية المدمرة، والعودة إلى وضعهم الطبيعي، والدخول في الحوار السلمي إلى جانب القوى السياسية اليمنية الأخرى.
القراءة الاستراتيجية للخطوة السعودية تقول أنها محاولة لتعديل التوازن الاستراتيجي في أمن الخليج الذي اختل بعد إخراج العراق نهائيا بعد احتلاله وسحق جيشه عام 2003، ولعل البلدان التي قدمت تسهيلات احتلال العراق تعض اليوم أصابع الندم بعد دخول إيران بقوة لسد الفراغ، بما تحمله من طموحات توسعية تشعر السعودية ودول الخليج بأنها خطر على وجودها.
وهناك اعتقاد بأن ما حصل على هامش العملية العسكرية السعودية يعلن عن تطورات سياسية مهمة، وهناك اعتقاد بأن قضية اليمن ستعيد إنتاج وضع عربي جديد، مقابل ذلك يبرز تصور آخر يعتقد أصحابه بأن المنطقة مقبلة على سيناريو يتمثل في حدوث صراع طائفي سني شيعي في المنطقة ترعاه الاستقطابات الإقليمية والدولية بعد وصول هذا الصراع في كل من سوريا والعراق إلى مراحل خطيرة، تمثلت بإيجاد تنظيم داعش ودعمه، ثم قمعه بعد الانتهاء من مهماته في هذين البلدين.
ووفق هذا السيناريو فإن طرف خارطة الصراع السني يتمثل بالسعودية وجميع دول الخليج العربي والأردن ومصر والمغرب العربي والسودان وصولا إلى تركيا وباكستان (السنية النووية)، مقابل المعسكر الشيعي الذي تقوده إيران ومعها كل من سوريا ولبنان حزب الله ناقصا اليمن. إن الصراع وفق هذه القراءة خطير وسيحول العراق وسوريا وباقي بلدان المنطقة الحيوية إلى كانتونات طائفية ممزّقة تستجدي التقسيم وفق نظرية بايدن.
اللعبة خطيرة في المنطقة وتديرها صاحبة النفوذ الأولى أميركا، ومنتزعة النفوذ الجديدة إيران. والعراق هو العقدة الكبيرة التي فتحت أبواب الانهيارات في المنطقة. وعلى أرضه تجري محاولات لاستعادة صراع الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية. إيران تشعر أنها الأكثر “قبولا” بسبب الامتداد الطائفي في العراق بعد تحويل شعبه إلى مكونات متصارعة.
تم بناء استقطابات خطيرة مشحونة بالدم بين أكبر طائفتين (الشيعة والسنة)، وداخل الطائفة الشيعية أخذت تتبلور استقطابات فرعية ما بين الشيعة الموالين لإيران والمناصرين للأحزاب الموالية لطهران، وبين الشيعة العراقيين العروبيين الرافضين للتبعية الإيرانية وهم كثر ولديهم قيادات سياسية يتمثل أبرزها بالخط الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، وغيره من الزعامات الدينية.
وفي أوساط العرب السنة تبلورت استقطابات متصارعة بين الرافضين للعملية السياسية وبين مؤيديها، وهناك أمراء حروب داخل بعض الزعامات العشائرية التي تقدم خدماتها لمن يدفع أكثر، كما يتوقع اندلاع حروب مستقبلية بشعة داخل إقليم السنة إذا تحققت ستؤدي إلى انطلاق لعبة قتال وصراع دموي جديد يمتد إلى المحيط العربي في سوريا ولبنان والخليج.
للأسف سيعطل الموقف العراقي الأخير من القضايا العربية، خصوصا في قضيتي اليمن والعمل العسكري العربي المشترك، جميع محاولات دعمه، ويثير التساؤلات حول مصير هذه السياسات المنغلقة.
كاتب عراقي