مشرق عباس - الحياة
حسناً فعل رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، عندما استهل خطاب إعلان تحرير تكريت بعبارة «دماء العراقيين وحدهم حققت النصر في تكريت»، وعندما دعا وهو يرفع العلم العراقي، متجولاً في شوارعها، الى ان تتولى قوات الشرطة مهمة الأمن، وان تبدأ عمليات الإعمار استعداداً لعودة الاهالي.
وعلى رغم ان مواقع التواصل الاجتماعي نقلت، خلال الأيام الماضية، تجاوزات وأعمال نهب لمنازل في تكريت بعد تحريرها، كما نقلت مشاهد أخرى سبقتها في الدور والعلم والبو عجيل، فإن احداً لم يكن يتوقع حرباً نظيفة وخالية من التجاوزات والانتهاكات، لم يحدث هذا سابقاً، ولن يحدث غداً.
الفارق ان العبادي الذي يحمل صفة القائد العام للقوات المسلحة، لا ينكر حدوثها ولا يبررها، ولكنه يحيلها الى سلوكيات فردية غير ممنهجة، ويعد بمحاسبة مرتكبيها.
من المهم ان يدرك العبادي ان مثل تلك التجاوزات تحاول النيل منه ومن حكومته، قبل ان تنال من سكان المناطق المحررة، وانها تندرج في سياق صراعٍ من المؤكد انه قد تلمسه في محاولات سياسية متعددة لاحتكار أبوة النصر، والذي من المتوقع ان يتطور لاحقاً على يد جيش من المتربصين الذين يواصلون القتال حتى لا يرتبط اي نجاح للدولة باسمه، وان لا تحدث مقارنات تجد طريقها الى صناديق الاقتراع بين انموذجه ونماذج سياسية اخرى.
لم يعر الرجل الذي ورث تركة ثقيلة من الانكسارات العسكرية، والانهيارات الاقتصادية، والتصدعات الاجتماعية، والتخندقات الحزبية، أذناً صاغية للاصوات التي حاولت تحويله الى نسخة مقلدة وموقتة من سلفه، ولم ينتبه الى تلك الاهازيج التي كانت مستعدة لمنحه مختارية العصر، او زعامة الطائفة في حال اراد، كما انه لم يعبأ كثيراً للاصوات التي اتهمته وتواصل اتهامه بالضعف والتنازل والانبطاح للسنّة والاكراد وللعرب واميركا.
كان من المفهوم ان يتم الحديث عن ابوة النصر مبكراً، وان يتقدم الجنرال قاسم سليماني وقيادات في «الحشد الشعبي» كرعاة حصريين له، وان تجري المحاولات الحثيثة لإنهاء اي دور للجيش والشرطة بوصفهما ركيزتين للدولة، والعبادي كقائد للقوات المسلحة.
لكن الرسالة الايجابية التي نجح العبادي في ايصالها إلى سكان المناطق المحررة مفادها ان الدولة، وإن كانت في أضعف صورها، واكثر مراحلها اهتزازاً، ما زالت الطرف الوحيد القادر على حماية السكان وضمان امنهم. وتسليم تكريت الى الشرطة المحلية، والبدء باعمارها سيضع هذه الرسالة واضحة امام كل الغاضبين والناقمين، وحتى اولئك المغرر بهم من بعض سكان المدن المحتلة، والذين اعتقدوا لبعض الوقت ان تنظيماً اجرامياً مثل تنظيم «داعش» يمكن ان يكون بديلاً.
ثمة حقائق لا يمكن اغفالها، فقدرة حكومة العبادي على هزيمة تنظيم «داعش»، بالاعتماد على توافقات إقليمية ودولية نادرة حول هذا الهدف، تختلف عن قدرتها على تطبيع الاوضاع في المدن المحررة، واستعادة هيبة الدولة فيها، وحماية امنها على المدى الطويل.
ان استعادة الدولة لسكان الانبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك، مرهونة بقدرتها على احتكار النصر، اولاً، ومن ثم شروعها في احداث اصلاحات ومصالحات جريئة على المستويات السياسية والقانونية والادارية والاجتماعية.
استيعاب «الحشد الشعبي» ومقاتلي العشائر في اطار قانوني، ومنح المحافظات المحررة القدرة على ادارة شؤونها ذاتياً، وترسيخ قوانين ومشاريع المصالحة ومعالجة اخطاء الاجتثاث، والملاحقات القضائية، والاتهامات الســياسية، وتبعات الفساد الاداري والمالي، خطوات ينبغي ألا تتأخر كضمانات حقيقية للتطبيع.
مثل هذه الخطوات لن تكون كافية، اذا لم تلتزم الحكومة بالتوازن في ادارة سياساتها الخارجية، وتتجنب الانزلاق مجدداً الى الانحيازات الاقليمية والدولية التي لا تحسب الحساب للاعتبارات الوطنية. وهذه مهمة معقدة جداً، وهي اكبر من قدرة العبادي على تسويقها منفرداً، ومن دون غطاء سياسي واجتماعي وديني من الداخل والخارج.
اذا كان بامكان العراقيين الحديث عن امل تفتحه معركة استعادة مدينة تكريت والمدن الاخرى من قبضة تنظيم «داعش»، فإنه يكمن في قدرة الحكومة على عرض نفسها خلال المرحلة المقبلة كممثلة لكل العراقيين وليس لطائفة منهم، ما نجحت فيه خلال الشهور السابقة على الاقل.
إن فرض السلم الاجتماعي والتعايش في العراق بعد سيل الدم والارتكابات التي تتسع قاعدة المتورطين فيها، لن يكون مهمة سهلة، وليست مستحيلة ايضاً، لكنها تتطلب قيادات تمتلك شجاعة القرار، وتستند الى قاعدة من الاسس الوطنية المتفق عليها.
وعلى رغم ان الحديث عن الأسس الوطنية يبدو كأنه مجرد ثرثرة في عصر الانفلات الطائفي، والجسارة التكفيرية، فإن المؤامرات والتسويات الاقليمية والدولية المحسوبة على حد السيف، ليست افضل حالاً، عندما تحاول اقناعنا بأن ذبح بعضنا لبعضنا الآخر هو الحتمية التاريخية التي لا مفر من الاستسلام لها.
حسناً فعل رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، عندما استهل خطاب إعلان تحرير تكريت بعبارة «دماء العراقيين وحدهم حققت النصر في تكريت»، وعندما دعا وهو يرفع العلم العراقي، متجولاً في شوارعها، الى ان تتولى قوات الشرطة مهمة الأمن، وان تبدأ عمليات الإعمار استعداداً لعودة الاهالي.
وعلى رغم ان مواقع التواصل الاجتماعي نقلت، خلال الأيام الماضية، تجاوزات وأعمال نهب لمنازل في تكريت بعد تحريرها، كما نقلت مشاهد أخرى سبقتها في الدور والعلم والبو عجيل، فإن احداً لم يكن يتوقع حرباً نظيفة وخالية من التجاوزات والانتهاكات، لم يحدث هذا سابقاً، ولن يحدث غداً.
الفارق ان العبادي الذي يحمل صفة القائد العام للقوات المسلحة، لا ينكر حدوثها ولا يبررها، ولكنه يحيلها الى سلوكيات فردية غير ممنهجة، ويعد بمحاسبة مرتكبيها.
من المهم ان يدرك العبادي ان مثل تلك التجاوزات تحاول النيل منه ومن حكومته، قبل ان تنال من سكان المناطق المحررة، وانها تندرج في سياق صراعٍ من المؤكد انه قد تلمسه في محاولات سياسية متعددة لاحتكار أبوة النصر، والذي من المتوقع ان يتطور لاحقاً على يد جيش من المتربصين الذين يواصلون القتال حتى لا يرتبط اي نجاح للدولة باسمه، وان لا تحدث مقارنات تجد طريقها الى صناديق الاقتراع بين انموذجه ونماذج سياسية اخرى.
لم يعر الرجل الذي ورث تركة ثقيلة من الانكسارات العسكرية، والانهيارات الاقتصادية، والتصدعات الاجتماعية، والتخندقات الحزبية، أذناً صاغية للاصوات التي حاولت تحويله الى نسخة مقلدة وموقتة من سلفه، ولم ينتبه الى تلك الاهازيج التي كانت مستعدة لمنحه مختارية العصر، او زعامة الطائفة في حال اراد، كما انه لم يعبأ كثيراً للاصوات التي اتهمته وتواصل اتهامه بالضعف والتنازل والانبطاح للسنّة والاكراد وللعرب واميركا.
كان من المفهوم ان يتم الحديث عن ابوة النصر مبكراً، وان يتقدم الجنرال قاسم سليماني وقيادات في «الحشد الشعبي» كرعاة حصريين له، وان تجري المحاولات الحثيثة لإنهاء اي دور للجيش والشرطة بوصفهما ركيزتين للدولة، والعبادي كقائد للقوات المسلحة.
لكن الرسالة الايجابية التي نجح العبادي في ايصالها إلى سكان المناطق المحررة مفادها ان الدولة، وإن كانت في أضعف صورها، واكثر مراحلها اهتزازاً، ما زالت الطرف الوحيد القادر على حماية السكان وضمان امنهم. وتسليم تكريت الى الشرطة المحلية، والبدء باعمارها سيضع هذه الرسالة واضحة امام كل الغاضبين والناقمين، وحتى اولئك المغرر بهم من بعض سكان المدن المحتلة، والذين اعتقدوا لبعض الوقت ان تنظيماً اجرامياً مثل تنظيم «داعش» يمكن ان يكون بديلاً.
ثمة حقائق لا يمكن اغفالها، فقدرة حكومة العبادي على هزيمة تنظيم «داعش»، بالاعتماد على توافقات إقليمية ودولية نادرة حول هذا الهدف، تختلف عن قدرتها على تطبيع الاوضاع في المدن المحررة، واستعادة هيبة الدولة فيها، وحماية امنها على المدى الطويل.
ان استعادة الدولة لسكان الانبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك، مرهونة بقدرتها على احتكار النصر، اولاً، ومن ثم شروعها في احداث اصلاحات ومصالحات جريئة على المستويات السياسية والقانونية والادارية والاجتماعية.
استيعاب «الحشد الشعبي» ومقاتلي العشائر في اطار قانوني، ومنح المحافظات المحررة القدرة على ادارة شؤونها ذاتياً، وترسيخ قوانين ومشاريع المصالحة ومعالجة اخطاء الاجتثاث، والملاحقات القضائية، والاتهامات الســياسية، وتبعات الفساد الاداري والمالي، خطوات ينبغي ألا تتأخر كضمانات حقيقية للتطبيع.
مثل هذه الخطوات لن تكون كافية، اذا لم تلتزم الحكومة بالتوازن في ادارة سياساتها الخارجية، وتتجنب الانزلاق مجدداً الى الانحيازات الاقليمية والدولية التي لا تحسب الحساب للاعتبارات الوطنية. وهذه مهمة معقدة جداً، وهي اكبر من قدرة العبادي على تسويقها منفرداً، ومن دون غطاء سياسي واجتماعي وديني من الداخل والخارج.
اذا كان بامكان العراقيين الحديث عن امل تفتحه معركة استعادة مدينة تكريت والمدن الاخرى من قبضة تنظيم «داعش»، فإنه يكمن في قدرة الحكومة على عرض نفسها خلال المرحلة المقبلة كممثلة لكل العراقيين وليس لطائفة منهم، ما نجحت فيه خلال الشهور السابقة على الاقل.
إن فرض السلم الاجتماعي والتعايش في العراق بعد سيل الدم والارتكابات التي تتسع قاعدة المتورطين فيها، لن يكون مهمة سهلة، وليست مستحيلة ايضاً، لكنها تتطلب قيادات تمتلك شجاعة القرار، وتستند الى قاعدة من الاسس الوطنية المتفق عليها.
وعلى رغم ان الحديث عن الأسس الوطنية يبدو كأنه مجرد ثرثرة في عصر الانفلات الطائفي، والجسارة التكفيرية، فإن المؤامرات والتسويات الاقليمية والدولية المحسوبة على حد السيف، ليست افضل حالاً، عندما تحاول اقناعنا بأن ذبح بعضنا لبعضنا الآخر هو الحتمية التاريخية التي لا مفر من الاستسلام لها.