مرح البقاعي() - المستقبل اللبنانية
يكاد قرار تسليح المعارضة السورية الذي وقعه الرئيس الأميركي بعد ثلاث سنوات من اندلاع الثورة وسقوط ما يقارب ربع مليون ضحية، أن يكون قراراً متأخراً عن زمنه ومتواضعاً في آلياته وضبابياً في أهدافه. فهل تسليح المعارضة اليوم يهدف إلى تعزيز قوتها لمواجهة داعش أم هو لمواجهة النظام؟ وهل قام أوباما بهذه الخطوة من أجل استعادة شعبيته وشعبية حزبه التي تراجعت يشكل غير مسبوق في الشارع الأميركي بسبب تعامله مع الوضع الأمني الدولي الذي أفرزه تنظيم الدولة؟ وهل سيستعمل أوباما المعارضة السورية، التي سيدربها ويسلحها، ليعوّض بها عن جنود أميركيين على الأرض كان قد وعد شعبه ألا يرسلهم أبدا إلى سوريا أو العراق؟ وكيف سيواجه أوباما الرأي العام واستطلاعاته المتهاوية في تقييمه لسياسات رئيسه ولاسيما بعد أن أصدرت شخصيتان قياديتان ونافذتان في إدارته كتباً تنتقد بشدة سياسته التي كانا في مواقع المسؤولية من دوائرها؟
ليس سراً أن الضجة الإعلامية والسياسية التي أثيرت في الولايات المتحدة قبيل إطلاق كتاب هيلاري كلينتون الجديد الذي يحمل عنوان «الخيارات الصعبة» ترجع إلى ارتباط تاريخ إصدار الكتاب بقرب الإعلان عن إنطلاق الحملة الرسمية للسيدة كلينتون للانتخابات الرئاسية في سباقها إلى المكتب البيضاوي للعام 2016 . وقد جاء الكتاب في أجزاء خمسة وقد خصصت الجزء الخامس منه لتحدّد موقفها من أحداث الربيع العربي والثورات المتعاقبة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وكذا من الاقتتال في سوريا، وأسرار السياسة الإيرانية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وكيف تمّ التوصل إلى هدنة هشة بين الجانبين العام الماضي.
تشير كلينتون أنها طالما نأت بنفسها عن توجهات إدارة الرئيس باراك أوباما أثناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، مشيرة إلى أنها ناشدت آنذاك الرئيس حسني مبارك البدء في عملية انتقال منظم للسلطة في مصر، وأوضحت أن تلك المناشدة أُجهضت إثر مطالبة أوباما لمبارك بالتنحي عن منصبه. وتسلّط هيلاري كلينتون في كتابها الضوء على الانقسام الذي شهدته الإدارة الأميركية خلال الأيام المحمومة من الاحتجاجات الشعبية (الربيع العربي) في العام 2011، والمسار المضطرب الذي عاشته مصر منذ الإطاحة بمبارك وفترة حكم الإخوان المسلمين قبيل ثورة 30 يونيو/حزيران. وتضع نفسها مع الحرس القديم في البيت الأبيض من أمثال نائب الرئيس جو بايدن ومستشار الأمن القومي توم دونيلون ووزير الدفاع روبرت غيتس، الذي كان على خلاف مع مساعدي الرئيس الأميركي من الدائرة الضيقة المحيطة به.
تقول كلينتون إنها كانت حريصة على التمسك بحليف قوي - مثل مبارك - وعدم دخول مصر وإسرائيل والأردن والمنطقة في مستقبل مجهول. وتشير هيلاري كلينتون أن من أهم أسباب سعيها للحفاظ على علاقات قوية مع الرئيس المصري الأسبق هو الحاجة لعزل النظام الإيراني، وضمان استمرار الملاحة في قناة السويس، ومكافحة الإرهاب في المنطقة، وحماية إسرائيل، وإفشال مخططات القاعدة في الترتيب لعمليات إرهابية جديدة.
أما وزير الدفاع ورئيس وكالة الاستخبارات الأميركية الأسبق، ليون بانيتا، فأصدر إثر كلينتون كتابه الذي يحمل عنوان «حروب تستحق خوضها»، وهو أقرب إلى المذكرات التي دوّنها خلال فترة عمله في إدارة أوباما، حيث انتقد رئيسه بشدّة واتهمه بخلق فراغ في العراق، إثر أمره للقوات الأميركية بالانسحاب الكامل، فراغ سمح لتنظيم الدولة المعروف بـ «داعش» بالصعود والتغلغل في الفراغات الأمنية التي خلّفها ذاك الانسحاب.
وقد جاءت انتقادات بانيتا لاذعة وقاسية على العكس من الصبغة الدبلوماسية التي اتصفت بها مذكرات كلينتون، كون الأخيرة تريد الاحتفاظ بشعرة معاوية بينها وبين موقع الرئاسة إذا ما ترشّحت لمنصب الرئيس في 2016. ولم يتوانَ بانيتا من توجيه اتهام مباشر لإدارة أوباما بأن معظم القرارات الكبرى التي كان تتخّذ كانت «مركزية»، بمعنى أن أهل البيت الأبيض هم من يتحكمون بصيغتها وبآلياتها. ويشير بانيتا إلى أن المركزية في صنع القرار تعتبر حالة استثنائية وشاذة عن الموروث السياسي الأميركي لم تشهدها الإدارات السابقة.
ولا ينسى بانيتا أن يهزأ من ضعف أوباما ومناوراته من أجل تجنب المواجهات أو المعارك، وكذا صفة التردّد التي لازمت سياسته وأدت إلى إضاعة الكثير من الفرص في حسم الأمور في الوقت المناسب. ويستذكر في هذا الشأن «الخط الأحمر» الذي رسمه أوباما للنظام السوري إذا ما لجأ إلى استخدام السلاح الكيميائي وتراجعه عن ضرب قوات الأسد حين تجاوز هذا الخط!
مذكرات بانيتا وكلينتون، ومن قبلها مذكرات روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي في فترة حكم أوباما الأولى، لاقت إقبالاً منقطع النظير وتصدّرت قوائم الكتب الأكثر مبيعاُ في الأسواق الأميركية. لأن الشعب الأميركي يريد أن يعرف حقيقة ما يدور في كواليس البيت الذي أوصل إليه الرئيس الأكثر شعبية في تاريخ أميركا حين انتخابه في العام 2008. المبيعات العالية لتلك الكتب حدت بالصحافي الشهير ديفيد إغناتيوس إلى أن يكتب في الواشنطن بوست قائلاً:» ربما كان من المفيد لأوباما أن يوقّع مع كبار مسؤوليه حين يؤدون القسم للعمل في إدارته اتفاق مشاركة في حقوق نشر مذكراتهم».
() كاتبة من سوريا
يكاد قرار تسليح المعارضة السورية الذي وقعه الرئيس الأميركي بعد ثلاث سنوات من اندلاع الثورة وسقوط ما يقارب ربع مليون ضحية، أن يكون قراراً متأخراً عن زمنه ومتواضعاً في آلياته وضبابياً في أهدافه. فهل تسليح المعارضة اليوم يهدف إلى تعزيز قوتها لمواجهة داعش أم هو لمواجهة النظام؟ وهل قام أوباما بهذه الخطوة من أجل استعادة شعبيته وشعبية حزبه التي تراجعت يشكل غير مسبوق في الشارع الأميركي بسبب تعامله مع الوضع الأمني الدولي الذي أفرزه تنظيم الدولة؟ وهل سيستعمل أوباما المعارضة السورية، التي سيدربها ويسلحها، ليعوّض بها عن جنود أميركيين على الأرض كان قد وعد شعبه ألا يرسلهم أبدا إلى سوريا أو العراق؟ وكيف سيواجه أوباما الرأي العام واستطلاعاته المتهاوية في تقييمه لسياسات رئيسه ولاسيما بعد أن أصدرت شخصيتان قياديتان ونافذتان في إدارته كتباً تنتقد بشدة سياسته التي كانا في مواقع المسؤولية من دوائرها؟
ليس سراً أن الضجة الإعلامية والسياسية التي أثيرت في الولايات المتحدة قبيل إطلاق كتاب هيلاري كلينتون الجديد الذي يحمل عنوان «الخيارات الصعبة» ترجع إلى ارتباط تاريخ إصدار الكتاب بقرب الإعلان عن إنطلاق الحملة الرسمية للسيدة كلينتون للانتخابات الرئاسية في سباقها إلى المكتب البيضاوي للعام 2016 . وقد جاء الكتاب في أجزاء خمسة وقد خصصت الجزء الخامس منه لتحدّد موقفها من أحداث الربيع العربي والثورات المتعاقبة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وكذا من الاقتتال في سوريا، وأسرار السياسة الإيرانية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وكيف تمّ التوصل إلى هدنة هشة بين الجانبين العام الماضي.
تشير كلينتون أنها طالما نأت بنفسها عن توجهات إدارة الرئيس باراك أوباما أثناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، مشيرة إلى أنها ناشدت آنذاك الرئيس حسني مبارك البدء في عملية انتقال منظم للسلطة في مصر، وأوضحت أن تلك المناشدة أُجهضت إثر مطالبة أوباما لمبارك بالتنحي عن منصبه. وتسلّط هيلاري كلينتون في كتابها الضوء على الانقسام الذي شهدته الإدارة الأميركية خلال الأيام المحمومة من الاحتجاجات الشعبية (الربيع العربي) في العام 2011، والمسار المضطرب الذي عاشته مصر منذ الإطاحة بمبارك وفترة حكم الإخوان المسلمين قبيل ثورة 30 يونيو/حزيران. وتضع نفسها مع الحرس القديم في البيت الأبيض من أمثال نائب الرئيس جو بايدن ومستشار الأمن القومي توم دونيلون ووزير الدفاع روبرت غيتس، الذي كان على خلاف مع مساعدي الرئيس الأميركي من الدائرة الضيقة المحيطة به.
تقول كلينتون إنها كانت حريصة على التمسك بحليف قوي - مثل مبارك - وعدم دخول مصر وإسرائيل والأردن والمنطقة في مستقبل مجهول. وتشير هيلاري كلينتون أن من أهم أسباب سعيها للحفاظ على علاقات قوية مع الرئيس المصري الأسبق هو الحاجة لعزل النظام الإيراني، وضمان استمرار الملاحة في قناة السويس، ومكافحة الإرهاب في المنطقة، وحماية إسرائيل، وإفشال مخططات القاعدة في الترتيب لعمليات إرهابية جديدة.
أما وزير الدفاع ورئيس وكالة الاستخبارات الأميركية الأسبق، ليون بانيتا، فأصدر إثر كلينتون كتابه الذي يحمل عنوان «حروب تستحق خوضها»، وهو أقرب إلى المذكرات التي دوّنها خلال فترة عمله في إدارة أوباما، حيث انتقد رئيسه بشدّة واتهمه بخلق فراغ في العراق، إثر أمره للقوات الأميركية بالانسحاب الكامل، فراغ سمح لتنظيم الدولة المعروف بـ «داعش» بالصعود والتغلغل في الفراغات الأمنية التي خلّفها ذاك الانسحاب.
وقد جاءت انتقادات بانيتا لاذعة وقاسية على العكس من الصبغة الدبلوماسية التي اتصفت بها مذكرات كلينتون، كون الأخيرة تريد الاحتفاظ بشعرة معاوية بينها وبين موقع الرئاسة إذا ما ترشّحت لمنصب الرئيس في 2016. ولم يتوانَ بانيتا من توجيه اتهام مباشر لإدارة أوباما بأن معظم القرارات الكبرى التي كان تتخّذ كانت «مركزية»، بمعنى أن أهل البيت الأبيض هم من يتحكمون بصيغتها وبآلياتها. ويشير بانيتا إلى أن المركزية في صنع القرار تعتبر حالة استثنائية وشاذة عن الموروث السياسي الأميركي لم تشهدها الإدارات السابقة.
ولا ينسى بانيتا أن يهزأ من ضعف أوباما ومناوراته من أجل تجنب المواجهات أو المعارك، وكذا صفة التردّد التي لازمت سياسته وأدت إلى إضاعة الكثير من الفرص في حسم الأمور في الوقت المناسب. ويستذكر في هذا الشأن «الخط الأحمر» الذي رسمه أوباما للنظام السوري إذا ما لجأ إلى استخدام السلاح الكيميائي وتراجعه عن ضرب قوات الأسد حين تجاوز هذا الخط!
مذكرات بانيتا وكلينتون، ومن قبلها مذكرات روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي في فترة حكم أوباما الأولى، لاقت إقبالاً منقطع النظير وتصدّرت قوائم الكتب الأكثر مبيعاُ في الأسواق الأميركية. لأن الشعب الأميركي يريد أن يعرف حقيقة ما يدور في كواليس البيت الذي أوصل إليه الرئيس الأكثر شعبية في تاريخ أميركا حين انتخابه في العام 2008. المبيعات العالية لتلك الكتب حدت بالصحافي الشهير ديفيد إغناتيوس إلى أن يكتب في الواشنطن بوست قائلاً:» ربما كان من المفيد لأوباما أن يوقّع مع كبار مسؤوليه حين يؤدون القسم للعمل في إدارته اتفاق مشاركة في حقوق نشر مذكراتهم».
() كاتبة من سوريا