ماجد كيالي - المستقبل اللبنانية
منذ اكثر من عامين، ومع بداية ظهور «جبهة النصرة» وبعدها «داعش»، لطالما ظللنا نحذر من مخاطر هذه الجماعات، وتصرفاتها الغريبة والمريبة، وضمنه رفعها الاعلام السوداء كبديل لعلم الثورة السورية، ورفضها معنى هذه الثورة، باعتبارها تتوخى الحرية والكرامة والديمقراطية والتغيير السياسي، إذ وصل بها الأمر حد استهداف نشطاء الثورة وتشريدهم وفرض هيمنتها الأحادية والاقصائية على المناطق المحررة بقوة السلاح. وبديهي أن هذه الممارسات اضرّت بالثورة وبشعب سوريا وقدمت خدمة كبيرة للنظام، كما أضرت بالتيارات الإسلامية المعتدلة، التي بدت أميل إلى مجاملة هذه الجماعات، بتوهم امكان تجيير وجودها لصالحها والاستفادة منها في الحرب ضد النظام.
أنذاك انبرى بعض الاسلاميين، لاسيما من السوريين والفلسطينيين، لرفض أي انتقاد لهذه الجماعات وحتى تبرير التصرفات الوحشية ضد السوريين في المناطق التي تهيمن عليها، واعتبارها بمثابة رد فعل، لمجرد انها تنتمي إلى التيار الاسلامي، في حين اكتفى بعضهم بإبداء بعض من النقد الخجول لها يتعلق بالشكل والمظاهر فقط، دون ان يذهب الى الجوهر، أي إلى تفنيد ادعاءاتها، ونزع شرعية تغطيها بالإسلام أو تمثيلها للمسلمين.
هكذا وصلنا إلى الدرجة التي باتت فيها هذه الجماعات تقتل جماعات «الجيش الحر»، وحتى الجماعات الإسلامية المختلفة معها، كما حصل في الرقة والدير وشمال حلب، وباتت تشتغل على فرض ذاتها بالقسر والقوة الغاشمة على مجتمعات السوريين، التي تخضع لسيطرتها. فوق ذلك فإن جلّ جهد «داعش» العسكري، كما شهدنا، لم يتركز في مواجهة النظام، وفي المقابل لم يعرف عن توجيه النظام ضربات عسكرية جدية ضد «داعش»، وضد مراكزه ومواكبه السيّارة والمسلحة التي ظلت تجوب مناطق مكشوفة طوال الفترة الماضية.
بالنتيجة فقد اوصلنا هذا المسار الكارثي إلى مأساة مخيم اليرموك، حيث وجد شباب المخيم، ولواء «أكناف بيت المقدس»، المقرّب من حركة «حماس»، أنفسهم في مواجهة «داعش» وشقيقته «جبهة النصرة»، في معركة قاسية وكارثية وغير متكافئة، في مخيم ضيّق يعج بنحو 20 الفاً من المدنيين، وتعرض لحصار ظالم ومشدد بات له سبعمئة يوم، مع كل التداعيات المؤلمة التي نجمت عن ذلك.
المهم ان جمهور «حماس» وجد نفسه فجأة في وضع صعب، وغير متوقع، فالذين يستهدفون الفلسطينيين المحاصرين بالقتل والذبح، ويستهدفون معهم مقاتلي «أكناف» الإسلاميين، هم من جماعات «داعش» و»النصرة»، الذين يهاجمونهم وهم يطلقون صيحات الله أكبر، ويقاتلونهم بلا رحمة وبكل وحشية، بدعوى أنهم فرقة خارجة عن الدين، مطلوب منهم ومن المدنيين إشهار التوبة ومبايعة «داعش».
وحقاً فقد كان درس مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، مع المأساة التي تمخض عنها، مفاجئاً وقاسياً على شباب حركة «حماس» والمتعاطفين معها، وشباب التيارات الاسلامية عموماً، إذ كشف لهم حقيقة توهماتهم وخطل تخيلاتهم عن «داعش» و»جبهة النصرة»، ومن لف لفهما، مبيّناً لهم أن العصبية الدينية والايدلوجية تذهب بالعقل، وتحجب الواقع، وتطمس الحقيقة. والحاصل فقد ظهر لمن لم يكن يريد ان يرى حقيقة ما حصل في اماكن اخرى في سوريا، وعبر هذه التجربة المأسوية، أن «داعش» وشقيقته «النصرة» يقتلان باسم الله، وفتاوى المشايخ، وتحت راية «لا إله الا الله«، ويرتكبان الكبائر باسم الدين وتطبيق الشرع.
وقد تكشف مع هول هذه الكارثة أن التطرف والتعصب لا نهاية لهما، إذ إن كل جهة يمكن أن تعتقد انها الجماعة الناجية، ووكيلة الله على الأرض، والمالك الحصري لتفسير الاسلام، وأنها تملك حق انزال القصاص بالبشر، وكأنه ليس ثمة يوم حساب. كما كشفت هذه الكارثة بأن الاستبداد لا دين له، وانه يمكن ان يكون باسم الدين والايديولوجيا وباسم القومية والمقاومة والعلمانية، وهذا ما يفعله النظام وحزب الله ايضاً!
ويفترض بدرس اليرموك الدامي والباهظ هذا أن يعزز توجه «حماس»، والتيارات الاسلامية عموماً، نحو بذل مزيد من الجهود للتمايز عن هذه الجماعات، ونزع شرعيتها الدينية، وكشف تغطية اجرامها بالإسلام. كما يفترض منها ذلك مراجعة فكرتها عن صبغ الصراعات الدنيوية بطابع ديني، ووضع الدين بمكانته المقدسة بعيدا عن استغلال البشر ونزواتهم ومصالحهم الخاصة. أيضاً المطلوب على ضوء هذه التجربة التأكيد ان معيار الموقف من كل التيارات، دينية أو علمانية أو قومية أو ليبرالية أو يسارية، في الصراعات على السياسة والسلطة هو التأسيس للحرية والعدالة والمساواة والكرامة والمواطنة.
أما بالنسبة لحركة «حماس» تحديداً فمطلوب منها مراجعة طريقتها في إدارة السلطة في قطاع غزة، بطريقة نقدية ومسؤولة، وضمنه التخفّف من محاولاتها فرض هيمنتها وما تعتقده قيّمها على المجتمع بطريقة زجرية وقسرية، وأيضا مراجعة تصوراتها عن الكفاح الوطني باعتباره كفاحاً سياسياً، مع احتفاظها بحقها في إنتهال افكارها من اي مرجعية شاءت، على ان لا تقوم بفرض ذلك على الآخرين بوسائل القوة والقسر والقهر.
باختصار فإن درس مخيم اليرموك القاسي والمؤلم يتضمن معاني كبيرة يفترض بالتيارات الاسلامية استخلاصها، واستنتاج العبر المناسبة منها، لتمييز ذاتها، والتصالح مع الواقع والعصر والعالم. كما يجدر بها الانتباه إلى ان استغلال الدين في الصراعات السياسية والصراعات على السلطة، سلاح ذو حدين، وهو أمر يحطّ بالدين ويشوّهه، بدل ان يصونه ويعزّز قدسيته، بدليل ما يفعله «داعش» وأخواته.
مع ذلك اخشى القول إن ما حصل ربما لن يؤدي الى اطلاق مراجعة مناسبة وحاسمة، سواء عند حركة «حماس»، أو عند التيارات الاسلامية عموماً، وان موقف «حماس» ربما كان سيكون مختلفاً لو أن هجمات «داعش» و»النصرة» لم تستهدف فصيلاً مقرباً منها، بل فصيل من نوع أو من لون اخر، إذ إن مشكلتنا اننا لا نتعلم إلا من كيسنا وبثمن باهظ مع الأسف.
منذ اكثر من عامين، ومع بداية ظهور «جبهة النصرة» وبعدها «داعش»، لطالما ظللنا نحذر من مخاطر هذه الجماعات، وتصرفاتها الغريبة والمريبة، وضمنه رفعها الاعلام السوداء كبديل لعلم الثورة السورية، ورفضها معنى هذه الثورة، باعتبارها تتوخى الحرية والكرامة والديمقراطية والتغيير السياسي، إذ وصل بها الأمر حد استهداف نشطاء الثورة وتشريدهم وفرض هيمنتها الأحادية والاقصائية على المناطق المحررة بقوة السلاح. وبديهي أن هذه الممارسات اضرّت بالثورة وبشعب سوريا وقدمت خدمة كبيرة للنظام، كما أضرت بالتيارات الإسلامية المعتدلة، التي بدت أميل إلى مجاملة هذه الجماعات، بتوهم امكان تجيير وجودها لصالحها والاستفادة منها في الحرب ضد النظام.
أنذاك انبرى بعض الاسلاميين، لاسيما من السوريين والفلسطينيين، لرفض أي انتقاد لهذه الجماعات وحتى تبرير التصرفات الوحشية ضد السوريين في المناطق التي تهيمن عليها، واعتبارها بمثابة رد فعل، لمجرد انها تنتمي إلى التيار الاسلامي، في حين اكتفى بعضهم بإبداء بعض من النقد الخجول لها يتعلق بالشكل والمظاهر فقط، دون ان يذهب الى الجوهر، أي إلى تفنيد ادعاءاتها، ونزع شرعية تغطيها بالإسلام أو تمثيلها للمسلمين.
هكذا وصلنا إلى الدرجة التي باتت فيها هذه الجماعات تقتل جماعات «الجيش الحر»، وحتى الجماعات الإسلامية المختلفة معها، كما حصل في الرقة والدير وشمال حلب، وباتت تشتغل على فرض ذاتها بالقسر والقوة الغاشمة على مجتمعات السوريين، التي تخضع لسيطرتها. فوق ذلك فإن جلّ جهد «داعش» العسكري، كما شهدنا، لم يتركز في مواجهة النظام، وفي المقابل لم يعرف عن توجيه النظام ضربات عسكرية جدية ضد «داعش»، وضد مراكزه ومواكبه السيّارة والمسلحة التي ظلت تجوب مناطق مكشوفة طوال الفترة الماضية.
بالنتيجة فقد اوصلنا هذا المسار الكارثي إلى مأساة مخيم اليرموك، حيث وجد شباب المخيم، ولواء «أكناف بيت المقدس»، المقرّب من حركة «حماس»، أنفسهم في مواجهة «داعش» وشقيقته «جبهة النصرة»، في معركة قاسية وكارثية وغير متكافئة، في مخيم ضيّق يعج بنحو 20 الفاً من المدنيين، وتعرض لحصار ظالم ومشدد بات له سبعمئة يوم، مع كل التداعيات المؤلمة التي نجمت عن ذلك.
المهم ان جمهور «حماس» وجد نفسه فجأة في وضع صعب، وغير متوقع، فالذين يستهدفون الفلسطينيين المحاصرين بالقتل والذبح، ويستهدفون معهم مقاتلي «أكناف» الإسلاميين، هم من جماعات «داعش» و»النصرة»، الذين يهاجمونهم وهم يطلقون صيحات الله أكبر، ويقاتلونهم بلا رحمة وبكل وحشية، بدعوى أنهم فرقة خارجة عن الدين، مطلوب منهم ومن المدنيين إشهار التوبة ومبايعة «داعش».
وحقاً فقد كان درس مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، مع المأساة التي تمخض عنها، مفاجئاً وقاسياً على شباب حركة «حماس» والمتعاطفين معها، وشباب التيارات الاسلامية عموماً، إذ كشف لهم حقيقة توهماتهم وخطل تخيلاتهم عن «داعش» و»جبهة النصرة»، ومن لف لفهما، مبيّناً لهم أن العصبية الدينية والايدلوجية تذهب بالعقل، وتحجب الواقع، وتطمس الحقيقة. والحاصل فقد ظهر لمن لم يكن يريد ان يرى حقيقة ما حصل في اماكن اخرى في سوريا، وعبر هذه التجربة المأسوية، أن «داعش» وشقيقته «النصرة» يقتلان باسم الله، وفتاوى المشايخ، وتحت راية «لا إله الا الله«، ويرتكبان الكبائر باسم الدين وتطبيق الشرع.
وقد تكشف مع هول هذه الكارثة أن التطرف والتعصب لا نهاية لهما، إذ إن كل جهة يمكن أن تعتقد انها الجماعة الناجية، ووكيلة الله على الأرض، والمالك الحصري لتفسير الاسلام، وأنها تملك حق انزال القصاص بالبشر، وكأنه ليس ثمة يوم حساب. كما كشفت هذه الكارثة بأن الاستبداد لا دين له، وانه يمكن ان يكون باسم الدين والايديولوجيا وباسم القومية والمقاومة والعلمانية، وهذا ما يفعله النظام وحزب الله ايضاً!
ويفترض بدرس اليرموك الدامي والباهظ هذا أن يعزز توجه «حماس»، والتيارات الاسلامية عموماً، نحو بذل مزيد من الجهود للتمايز عن هذه الجماعات، ونزع شرعيتها الدينية، وكشف تغطية اجرامها بالإسلام. كما يفترض منها ذلك مراجعة فكرتها عن صبغ الصراعات الدنيوية بطابع ديني، ووضع الدين بمكانته المقدسة بعيدا عن استغلال البشر ونزواتهم ومصالحهم الخاصة. أيضاً المطلوب على ضوء هذه التجربة التأكيد ان معيار الموقف من كل التيارات، دينية أو علمانية أو قومية أو ليبرالية أو يسارية، في الصراعات على السياسة والسلطة هو التأسيس للحرية والعدالة والمساواة والكرامة والمواطنة.
أما بالنسبة لحركة «حماس» تحديداً فمطلوب منها مراجعة طريقتها في إدارة السلطة في قطاع غزة، بطريقة نقدية ومسؤولة، وضمنه التخفّف من محاولاتها فرض هيمنتها وما تعتقده قيّمها على المجتمع بطريقة زجرية وقسرية، وأيضا مراجعة تصوراتها عن الكفاح الوطني باعتباره كفاحاً سياسياً، مع احتفاظها بحقها في إنتهال افكارها من اي مرجعية شاءت، على ان لا تقوم بفرض ذلك على الآخرين بوسائل القوة والقسر والقهر.
باختصار فإن درس مخيم اليرموك القاسي والمؤلم يتضمن معاني كبيرة يفترض بالتيارات الاسلامية استخلاصها، واستنتاج العبر المناسبة منها، لتمييز ذاتها، والتصالح مع الواقع والعصر والعالم. كما يجدر بها الانتباه إلى ان استغلال الدين في الصراعات السياسية والصراعات على السلطة، سلاح ذو حدين، وهو أمر يحطّ بالدين ويشوّهه، بدل ان يصونه ويعزّز قدسيته، بدليل ما يفعله «داعش» وأخواته.
مع ذلك اخشى القول إن ما حصل ربما لن يؤدي الى اطلاق مراجعة مناسبة وحاسمة، سواء عند حركة «حماس»، أو عند التيارات الاسلامية عموماً، وان موقف «حماس» ربما كان سيكون مختلفاً لو أن هجمات «داعش» و»النصرة» لم تستهدف فصيلاً مقرباً منها، بل فصيل من نوع أو من لون اخر، إذ إن مشكلتنا اننا لا نتعلم إلا من كيسنا وبثمن باهظ مع الأسف.