إياد مسعود - المستقبل اللبنانية
أوضحت «القائمة العربية المشتركة« في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، مدى أهمية الدور الذي بإمكان النائب العربي في الكنيست أن يلعبه في خدمة قضايا شعبه في مواجهة نظام يقوم على مبدأ التمييز العنصري، مستنداً في عنصريته الفاقعة إلى سلسلة من النظم القانونية الموغلة في عدائها للعرب الفلسطينيين، وفي تحيزها لليهود، وإن كانت الممارسات، في السياق تميز حتى بين يهودي وآخر، في إطار من الاستغراق في العنصرية حتى ضد الذات اليهودية نفسها.
فعدا عن كونهم احتلوا الموقع الثالث في قائمة الكتل البرلمانية، بات بإمكان النواب العرب اقتحام أكثر من لجنة برلمانية، من شأنها، في حال أجادوا التحرك فيها، أن تحل العديد من القضايا الحياتية التي يعاني منها فلسطينيو الـ48، إن في إسناد البلديات العربية وموازناتها، أو في تحسين الخدمات التعليمية، والصحية وتطوير البنى التحتية للبلدات العربية والأحياء العرية في المدن المسماة مختلطة.
لذلك اعتذر النواب الفلسطينيون عن الدخول في لجنة الأمن والشؤون الخارجية في الكنيست، (كحق مكتسب لهم باعتبارهم الكتلة الثالثة) وطالبوا، إلى جانب عضويتهم في لجنة المالية، المشاركة في عضوية لجان الصحة والتعليم والبلديات والشؤون الاقتصادية مما يوفر لهم الفرص العملية للضغط على المؤسسة الحكومية، عبر الكنيست للحد من سياستها التمييزية ضد الوجود الفلسطيني في الـ48. ولعل هذا من شأنه، في خلاصة مهمة أن يكشف مدى عبثية الدعوة لمقاطعة الانتخابات، باعتبارها مجرد أداة لتلميع الوجه البشع لإسرائيل وتقديمها إلى الرأي العام باعتبارها نظاماً ديمقراطياً. كما يكشف أهمية اعتماد السياسات الواقعية المستندة إلى التوازن الفعلي للقوى، والأخذ في الاعتبار الظرف الموضوعي، في التقائه مع الظرف الذاتي، لصياغة موقف «ثوري« حقيقي، يقود إلى نتائج عملية، خارج السياق السياسية الانتظارية التي لا تجدي نفعاً. علماً أن مأزق السياسة الانتظارية (بل قل العدمية) هذا، وقعت فيه قوى، لا يقتصر وجودها على تيارات داخل مناطق الـ48، بل وحتى قوى فلسطينية وعربية، يسارية وقومية، وما زالت حتى الآن خارج أية مراجعة لسياستها هذه، رغم ما قدمته الوقائع العملية من نتائج ملموسة تبين مدى خواء مثل هذه السياسات الانتظارية.
بتقديرنا، لا تقتصر النتائج الإيجابية لتجربة «القائمة العربية المشتركة« على ما أوردناه أعلاه، بل نعتقد أنها أعمق بكثير من هذا. ونعتقد، أيضاً، إن رؤية فلسطينية، ذات طابع استراتيجي للوجود الفلسطيني في الـ48، خارج الإطار الاستعمالي الضيق، وخارج إطار تكتيكات فارغة المضمون، من شأنها أن تزخم مثل هذا الوجود، وأن تكشف مدى عمقه السياسي وقدرته على التأثير في الحالة الصراعية، الفلسطينية ـ الإسرائيلية.
وكمثال يمكن اعتبار مسألة الأربعين قرية فلسطينية، تصر إسرائيل على نزع الشرعية عنها، وعدم مدها بالخدمات التحتية الضرورية، نموذجاً بسيطاً لما يمكن القيام به، في سبيل ترسيخ الوجود الفلسطيني في الـ48، وترسيمه رغم أنف منظومة القوانين العنصرية، فالفلسطيني في هذه القرى بين خيارين مرين: إما البقاء تحت سطوة التهجير من منزله بالقوة، باعتباره مقيماً غير شرعي (على أرضه الأم!) وإما الهجرة الطوعية إلى المدينة، في إطار تذويب الشخصية القومية للفلسطينيين، وإما الهجرة خارج البلاد بحثاً عن ملاذ أكثر أمناً. لذلك لا نعتقد أن نجاح «القائمة العربية المشتركةا على رأس الحراك الشعبي الفلسطيني، في تكريس شرعية هذه القرى، ستكون مجرد خطوة قانونية بل هي ذات أبعاد مختلفة، من شأنها ـ هنا بالتحديد، أن تكشف زيف الديمقراطية الإسرائيلية، وأن تكشف حقيقة منظومة القوانين العنصرية التي يستند إليها النظام الصهيوني، وأن تكشف حقائق جديدة للصراع، تحاول إسرائيل أن تغطي عليها. من هذه الحقائق إن حرب 1948، الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين من بلادهم لم تنتهِ فصولاً حتى الآن، وإنها ما زالت مستمرة، لكن بأشكال أخرى، وتحت سقف من القوانين العنصرية التي تبرر هذا التهجير وتقوننه.
ربطاً بما سبق، يطرح على جدول أعمال «القائمة العربية المشتركة« مهمة جوهرية تتمثل في إعادة تظهير قضية أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني، ما زالوا مقيمين في الـ 48، مشردين خارج بلداتهم وقراهم المدمرة. هؤلاء يعتبرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من القضية العامة للاجئين الفلسطينيين في الشتات. ويربطون مصير قضيتهم بمصير قضية هؤلاء. ويعتبرون أن عودتهم هم إلى قراهم وبلداتهم، ستشكل طليعة العودة لعموم اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم لتي هجروا منها منذ العام 1948.
يمكن القول إن ثمة خللاً في تأطير العلاقة بين تجمعات اللاجئين المقيمين في الـ48، وبين تجمعات اللاجئين في الضفة الفلسطينية والقطاع، وباقي مخيمات الشتات. وهو خلل تتحمل مسؤولياته قوى العمل الوطني، خصوصا في الخارج، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني للاجئين الناشطة في إطار الدفاع عن حق العودة. كما تتحمل مسؤوليته الظروف الموضوعية التي تحد من إمكانية العلاقة اليومية بين «خارج« و «داخل«، رغم توفر الإمكانيات الكثيرة لتجاوز هذه الظروف عبر وسائل الاتصالات المتطورة والمتوفرة بكثرة بين أيدي الجميع. ويمكن بقليل من الجهد، والعمل المشترك، تحويل كتلة اللاجئين في الـ48 إلى رأس الحرية الفلسطينية لقضية اللاجئين، وإلى رافعة جديدة، لإعادة تموضع قضة اللاجئين وحق العودة خارج إطار السياسات التفاوضية القائمة على المساومة على حق العودة والمقايضة بينه وبين باقي الحقوق.
نحن على ثقة أن مراكز الدراسات والتخطيط الإسرائيلية كانت أكثر وعياً وإدراكاً منا لأهمية الوجود الفلسطيني في الـ48؛ ولخطورة هذا الوجود على المشروع الصهيوني. لذلك لا غرابة أن يعتبر مؤتمر هرتسيليا عام 2001 هذا الوجود بمثابة الطابور الخامس، داخل إسرائيل، وبمثابة القنبلة الديمغرافية التي من شأنها إن هي انفجرت أن تشظي الكيان الصهيوني.
لكننا نعتقد أن صحة هذا التقدير الإسرائيلي، وإن قامت على بعض المبالغة ستبقى رهنا بتوفر استراتيجية فلسطينية تعيد توحيد السياسات الفلسطينية في دوائرها الثلاث: دائرة الـ48، ودائرة مناطق الـ67 المحتلة، ودائرة الشتات والمهاجر. إن توحيد هذه السياسات يفترض مراجعة، فلسطينية شاملة، في ما يشبه المؤتمر الوطني الفلسطيني، على قاعدة وحدة الشعب ووحدة قضيته، ووحدة حقوقه، دون أن يمس ذلك خصوصية كل دائرة، وخصوصية التحرك وأساليبه في كل منها.
ونعتقد أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تنقل العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية إلى مستوى جديد، ستكون له آلياته وأدواته الصراعية الجديدة.
أوضحت «القائمة العربية المشتركة« في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، مدى أهمية الدور الذي بإمكان النائب العربي في الكنيست أن يلعبه في خدمة قضايا شعبه في مواجهة نظام يقوم على مبدأ التمييز العنصري، مستنداً في عنصريته الفاقعة إلى سلسلة من النظم القانونية الموغلة في عدائها للعرب الفلسطينيين، وفي تحيزها لليهود، وإن كانت الممارسات، في السياق تميز حتى بين يهودي وآخر، في إطار من الاستغراق في العنصرية حتى ضد الذات اليهودية نفسها.
فعدا عن كونهم احتلوا الموقع الثالث في قائمة الكتل البرلمانية، بات بإمكان النواب العرب اقتحام أكثر من لجنة برلمانية، من شأنها، في حال أجادوا التحرك فيها، أن تحل العديد من القضايا الحياتية التي يعاني منها فلسطينيو الـ48، إن في إسناد البلديات العربية وموازناتها، أو في تحسين الخدمات التعليمية، والصحية وتطوير البنى التحتية للبلدات العربية والأحياء العرية في المدن المسماة مختلطة.
لذلك اعتذر النواب الفلسطينيون عن الدخول في لجنة الأمن والشؤون الخارجية في الكنيست، (كحق مكتسب لهم باعتبارهم الكتلة الثالثة) وطالبوا، إلى جانب عضويتهم في لجنة المالية، المشاركة في عضوية لجان الصحة والتعليم والبلديات والشؤون الاقتصادية مما يوفر لهم الفرص العملية للضغط على المؤسسة الحكومية، عبر الكنيست للحد من سياستها التمييزية ضد الوجود الفلسطيني في الـ48. ولعل هذا من شأنه، في خلاصة مهمة أن يكشف مدى عبثية الدعوة لمقاطعة الانتخابات، باعتبارها مجرد أداة لتلميع الوجه البشع لإسرائيل وتقديمها إلى الرأي العام باعتبارها نظاماً ديمقراطياً. كما يكشف أهمية اعتماد السياسات الواقعية المستندة إلى التوازن الفعلي للقوى، والأخذ في الاعتبار الظرف الموضوعي، في التقائه مع الظرف الذاتي، لصياغة موقف «ثوري« حقيقي، يقود إلى نتائج عملية، خارج السياق السياسية الانتظارية التي لا تجدي نفعاً. علماً أن مأزق السياسة الانتظارية (بل قل العدمية) هذا، وقعت فيه قوى، لا يقتصر وجودها على تيارات داخل مناطق الـ48، بل وحتى قوى فلسطينية وعربية، يسارية وقومية، وما زالت حتى الآن خارج أية مراجعة لسياستها هذه، رغم ما قدمته الوقائع العملية من نتائج ملموسة تبين مدى خواء مثل هذه السياسات الانتظارية.
بتقديرنا، لا تقتصر النتائج الإيجابية لتجربة «القائمة العربية المشتركة« على ما أوردناه أعلاه، بل نعتقد أنها أعمق بكثير من هذا. ونعتقد، أيضاً، إن رؤية فلسطينية، ذات طابع استراتيجي للوجود الفلسطيني في الـ48، خارج الإطار الاستعمالي الضيق، وخارج إطار تكتيكات فارغة المضمون، من شأنها أن تزخم مثل هذا الوجود، وأن تكشف مدى عمقه السياسي وقدرته على التأثير في الحالة الصراعية، الفلسطينية ـ الإسرائيلية.
وكمثال يمكن اعتبار مسألة الأربعين قرية فلسطينية، تصر إسرائيل على نزع الشرعية عنها، وعدم مدها بالخدمات التحتية الضرورية، نموذجاً بسيطاً لما يمكن القيام به، في سبيل ترسيخ الوجود الفلسطيني في الـ48، وترسيمه رغم أنف منظومة القوانين العنصرية، فالفلسطيني في هذه القرى بين خيارين مرين: إما البقاء تحت سطوة التهجير من منزله بالقوة، باعتباره مقيماً غير شرعي (على أرضه الأم!) وإما الهجرة الطوعية إلى المدينة، في إطار تذويب الشخصية القومية للفلسطينيين، وإما الهجرة خارج البلاد بحثاً عن ملاذ أكثر أمناً. لذلك لا نعتقد أن نجاح «القائمة العربية المشتركةا على رأس الحراك الشعبي الفلسطيني، في تكريس شرعية هذه القرى، ستكون مجرد خطوة قانونية بل هي ذات أبعاد مختلفة، من شأنها ـ هنا بالتحديد، أن تكشف زيف الديمقراطية الإسرائيلية، وأن تكشف حقيقة منظومة القوانين العنصرية التي يستند إليها النظام الصهيوني، وأن تكشف حقائق جديدة للصراع، تحاول إسرائيل أن تغطي عليها. من هذه الحقائق إن حرب 1948، الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين من بلادهم لم تنتهِ فصولاً حتى الآن، وإنها ما زالت مستمرة، لكن بأشكال أخرى، وتحت سقف من القوانين العنصرية التي تبرر هذا التهجير وتقوننه.
ربطاً بما سبق، يطرح على جدول أعمال «القائمة العربية المشتركة« مهمة جوهرية تتمثل في إعادة تظهير قضية أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني، ما زالوا مقيمين في الـ 48، مشردين خارج بلداتهم وقراهم المدمرة. هؤلاء يعتبرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من القضية العامة للاجئين الفلسطينيين في الشتات. ويربطون مصير قضيتهم بمصير قضية هؤلاء. ويعتبرون أن عودتهم هم إلى قراهم وبلداتهم، ستشكل طليعة العودة لعموم اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم لتي هجروا منها منذ العام 1948.
يمكن القول إن ثمة خللاً في تأطير العلاقة بين تجمعات اللاجئين المقيمين في الـ48، وبين تجمعات اللاجئين في الضفة الفلسطينية والقطاع، وباقي مخيمات الشتات. وهو خلل تتحمل مسؤولياته قوى العمل الوطني، خصوصا في الخارج، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني للاجئين الناشطة في إطار الدفاع عن حق العودة. كما تتحمل مسؤوليته الظروف الموضوعية التي تحد من إمكانية العلاقة اليومية بين «خارج« و «داخل«، رغم توفر الإمكانيات الكثيرة لتجاوز هذه الظروف عبر وسائل الاتصالات المتطورة والمتوفرة بكثرة بين أيدي الجميع. ويمكن بقليل من الجهد، والعمل المشترك، تحويل كتلة اللاجئين في الـ48 إلى رأس الحرية الفلسطينية لقضية اللاجئين، وإلى رافعة جديدة، لإعادة تموضع قضة اللاجئين وحق العودة خارج إطار السياسات التفاوضية القائمة على المساومة على حق العودة والمقايضة بينه وبين باقي الحقوق.
نحن على ثقة أن مراكز الدراسات والتخطيط الإسرائيلية كانت أكثر وعياً وإدراكاً منا لأهمية الوجود الفلسطيني في الـ48؛ ولخطورة هذا الوجود على المشروع الصهيوني. لذلك لا غرابة أن يعتبر مؤتمر هرتسيليا عام 2001 هذا الوجود بمثابة الطابور الخامس، داخل إسرائيل، وبمثابة القنبلة الديمغرافية التي من شأنها إن هي انفجرت أن تشظي الكيان الصهيوني.
لكننا نعتقد أن صحة هذا التقدير الإسرائيلي، وإن قامت على بعض المبالغة ستبقى رهنا بتوفر استراتيجية فلسطينية تعيد توحيد السياسات الفلسطينية في دوائرها الثلاث: دائرة الـ48، ودائرة مناطق الـ67 المحتلة، ودائرة الشتات والمهاجر. إن توحيد هذه السياسات يفترض مراجعة، فلسطينية شاملة، في ما يشبه المؤتمر الوطني الفلسطيني، على قاعدة وحدة الشعب ووحدة قضيته، ووحدة حقوقه، دون أن يمس ذلك خصوصية كل دائرة، وخصوصية التحرك وأساليبه في كل منها.
ونعتقد أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تنقل العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية إلى مستوى جديد، ستكون له آلياته وأدواته الصراعية الجديدة.