رفيق ابي يونس - النهار اللبنانية
هنالك رغبة عند "المغرمين" بالدور الإيراني بتوصيف ردة الفعل العربية على المغامرة الحوثية في اليمن بأنها وصلة من الخيبة العربية. إنها الرغبة التي تنطوي ضمناً على تجهيل نقطة البداية لهذه الخيبة التي بدأت فعلياً، منذ تولي الدولة الدينية المذهبية في إيران، قضايا العرب عنوة، وحددت لهم أعداءهم وأصدقاءهم، وصولا إلى اتخاذ وضعية المرجعية في الحكم على انتفاضاتهم وثوراتهم وتحديد علامة الاستحقاق لكل منها.
لم يتسلل هذا الاعتبار الإيراني إلى الوعي العربي من نافذة الجغرافيا والمصالح المشتركة في الإقليم، ولا من بوابة حاجة العرب إلى العمق الإستراتيجي، وحاجة إيران إلى التكامل البناء، ولا من نموذج تحديث مفهوم السلطة وصيغة الدولة في الإسلام كما تحاول إيران أن تجتهد وتُصدّر. وهي بذلك محكومة بمرجعية ولاية الفقيه ورسالته الغيبية، كمن يقاتل من اهل السنّة من أجل دولة الخلافة، وكما يسعى اليهود الانغلاقيون إلى اعتماد التلمودية لتثبيت دولتهم وتحصينها.
لقد غزت المساعي الإيرانية بعض الوعي العربي، أو وعي بعض العرب من نوافذ لا تمتّ إلى التفاعل والتكامل والتساند، بل هي مشحونة بعناصر السلب والتداعي عند العرب، ومملوءة بأسباب التعالي والسيطرة عند الإيرانيين، منها الثأري الموروث ومنها الرغبويّ الاعتقادي في القدرة على السيطرة. وتقوم فلسطين والممانعة عند الإيرانيين مقام التغطية على كل ما عداهما من أهداف أخرى.
في سياق هذا التشويه المتواصل، والذي بلغ حدود التعمية، يصبح الخيار وجهة نظر بين قبول يمن العرب العاربة مدمّراً ومحكوماً من مجموعة تطمح إلى اختطاف هذا البلد من أهله. وبين التصدي لهذا الخطر الذي وصل إلى اليمن ولم يتوقف عنده.
تزداد مخاطر الالتباس الذي يفضي إلى الصمت، وفي أحسن الحالات إلى الحياد، بحجة ان "الرجعية العربية"، وأنظمة الملوك والأمراء هي التي تقود المواجهة من اجل عودة اليمن إلى اهله، وإن ذلك الفعل، موصول بطبيعة أصحابه، وفق التعريفات الجامدة للقوى والمصالح. بموازاة ذلك تنعقد المؤتمرات والندوات والأنشطة "القومية" الرتيبة، ويرزح دعاتها تحت وطأة الترغيب الانتهازي والترهيب الفكري والمادّي.
الدعوة إلى المشروع الايراني لها مرتكزات توالت على امتداد العقود الماضية، ولكن أكثرها ترويجاً هذه الايام هو القول ان العرب مقصرون متراجعون يعيشون زمناً رديئاً طال أمده على الصعيدين الرسمي والشعبي، وتتشظى مجتمعاتهم ويلامس مشروعهم النهضوي نقطة الاضمحلال. فلماذا لا تملأ إيران هذا الفراغ او لا تلبي تلك الحاجة؟
بصرف النظر عما هم عليه العرب الآن، ومصدره نفاذ الدور الايراني إلى بعض اقطارهم، هنالك من يريد ان يطمر ذلك في اطار وعي يعكس المفاهيم. فهل يستوي منطق ملء الفراغ وتبديد الهوية مع منطق تحرّر شعوب وتحرير فلسطين؟
إن الاتهام والتعميم وتفريع النقاش الذي يفيد بأن هنالك من يريد ان يفترض عدواً للعرب غير اسرائيل، بصفته تغييباً للعدو التاريخي لهم، هو اتهام يستبطن التعمية على الخطر الايراني، وعلى الهويتين الوطنية والقومية للعرب، في لحظة تتراجع فيها مركزية قضيتهم بسبب استشعارهم مثل هذا الخطر واتساع رقعته.
وفي سياق التعمية نفسها، يتراءى تبديل الأولويات لدى الأكثرية من المكوّن العربي، على أنه انحراف بنيوي ساهمت الدعاية المعادية الوصول إليه، وتارة اخرى يُعتَبَر انتصاراً للمقاومة والممانعة. لكنه في الحالتين حصيلة الدور الايراني التوسعي الذي تنظر إليه اسرائيل بعين الرضى والاطمئنان.
قبل المواجهة في اليمن، كنقطة تحوُّل تؤسس لاستعادة المبادرة العربية رسمياً وشعبياً، كان الوصول إلى مثل هذه الخلاصات يستجلب الإدانة لأي فكرة تصدّ السائل المتمادي.
لقد استقوت هذه المرحلة بثقافة سياسية تقلب الحقائق بالإصرار على تقديمها، وفق وعي نمطي وتحت عنوان ترابط الصراع. وذلك بصرف النظر عن مكانه وزمانه وطبيعة أطرافه ومصالح القوى المنخرطة فيه. فكأن اصطفاف القوى هو نفسه، وكأن مخلوقات وعجائب الحروب المدمّرة لم تولد. ووفق تلك الثقافة نفسها، لم يتغير الدور الاستعماري الغربي، ولا يجب أن تتغير قراءته.
إنها نفس الثقافة التي تُنَسِّب الحوثيين إلى المقاومة التي حررت جنوب لبنان، والدكتاتور الفاسد علي عبدالله صالح الى قيادة الربيع العربي، وتروِّج ضمناً أن أبناء الجزيرة العربية ليسوا عرباً بل هم وهّابيين وتحيل رئيس منظمة التحرير الفلسطيني إلى التقاعد على ان تحدد لاحقاً إيران قائداً للشعب الفلسطيني.
هنالك رغبة عند "المغرمين" بالدور الإيراني بتوصيف ردة الفعل العربية على المغامرة الحوثية في اليمن بأنها وصلة من الخيبة العربية. إنها الرغبة التي تنطوي ضمناً على تجهيل نقطة البداية لهذه الخيبة التي بدأت فعلياً، منذ تولي الدولة الدينية المذهبية في إيران، قضايا العرب عنوة، وحددت لهم أعداءهم وأصدقاءهم، وصولا إلى اتخاذ وضعية المرجعية في الحكم على انتفاضاتهم وثوراتهم وتحديد علامة الاستحقاق لكل منها.
لم يتسلل هذا الاعتبار الإيراني إلى الوعي العربي من نافذة الجغرافيا والمصالح المشتركة في الإقليم، ولا من بوابة حاجة العرب إلى العمق الإستراتيجي، وحاجة إيران إلى التكامل البناء، ولا من نموذج تحديث مفهوم السلطة وصيغة الدولة في الإسلام كما تحاول إيران أن تجتهد وتُصدّر. وهي بذلك محكومة بمرجعية ولاية الفقيه ورسالته الغيبية، كمن يقاتل من اهل السنّة من أجل دولة الخلافة، وكما يسعى اليهود الانغلاقيون إلى اعتماد التلمودية لتثبيت دولتهم وتحصينها.
لقد غزت المساعي الإيرانية بعض الوعي العربي، أو وعي بعض العرب من نوافذ لا تمتّ إلى التفاعل والتكامل والتساند، بل هي مشحونة بعناصر السلب والتداعي عند العرب، ومملوءة بأسباب التعالي والسيطرة عند الإيرانيين، منها الثأري الموروث ومنها الرغبويّ الاعتقادي في القدرة على السيطرة. وتقوم فلسطين والممانعة عند الإيرانيين مقام التغطية على كل ما عداهما من أهداف أخرى.
في سياق هذا التشويه المتواصل، والذي بلغ حدود التعمية، يصبح الخيار وجهة نظر بين قبول يمن العرب العاربة مدمّراً ومحكوماً من مجموعة تطمح إلى اختطاف هذا البلد من أهله. وبين التصدي لهذا الخطر الذي وصل إلى اليمن ولم يتوقف عنده.
تزداد مخاطر الالتباس الذي يفضي إلى الصمت، وفي أحسن الحالات إلى الحياد، بحجة ان "الرجعية العربية"، وأنظمة الملوك والأمراء هي التي تقود المواجهة من اجل عودة اليمن إلى اهله، وإن ذلك الفعل، موصول بطبيعة أصحابه، وفق التعريفات الجامدة للقوى والمصالح. بموازاة ذلك تنعقد المؤتمرات والندوات والأنشطة "القومية" الرتيبة، ويرزح دعاتها تحت وطأة الترغيب الانتهازي والترهيب الفكري والمادّي.
الدعوة إلى المشروع الايراني لها مرتكزات توالت على امتداد العقود الماضية، ولكن أكثرها ترويجاً هذه الايام هو القول ان العرب مقصرون متراجعون يعيشون زمناً رديئاً طال أمده على الصعيدين الرسمي والشعبي، وتتشظى مجتمعاتهم ويلامس مشروعهم النهضوي نقطة الاضمحلال. فلماذا لا تملأ إيران هذا الفراغ او لا تلبي تلك الحاجة؟
بصرف النظر عما هم عليه العرب الآن، ومصدره نفاذ الدور الايراني إلى بعض اقطارهم، هنالك من يريد ان يطمر ذلك في اطار وعي يعكس المفاهيم. فهل يستوي منطق ملء الفراغ وتبديد الهوية مع منطق تحرّر شعوب وتحرير فلسطين؟
إن الاتهام والتعميم وتفريع النقاش الذي يفيد بأن هنالك من يريد ان يفترض عدواً للعرب غير اسرائيل، بصفته تغييباً للعدو التاريخي لهم، هو اتهام يستبطن التعمية على الخطر الايراني، وعلى الهويتين الوطنية والقومية للعرب، في لحظة تتراجع فيها مركزية قضيتهم بسبب استشعارهم مثل هذا الخطر واتساع رقعته.
وفي سياق التعمية نفسها، يتراءى تبديل الأولويات لدى الأكثرية من المكوّن العربي، على أنه انحراف بنيوي ساهمت الدعاية المعادية الوصول إليه، وتارة اخرى يُعتَبَر انتصاراً للمقاومة والممانعة. لكنه في الحالتين حصيلة الدور الايراني التوسعي الذي تنظر إليه اسرائيل بعين الرضى والاطمئنان.
قبل المواجهة في اليمن، كنقطة تحوُّل تؤسس لاستعادة المبادرة العربية رسمياً وشعبياً، كان الوصول إلى مثل هذه الخلاصات يستجلب الإدانة لأي فكرة تصدّ السائل المتمادي.
لقد استقوت هذه المرحلة بثقافة سياسية تقلب الحقائق بالإصرار على تقديمها، وفق وعي نمطي وتحت عنوان ترابط الصراع. وذلك بصرف النظر عن مكانه وزمانه وطبيعة أطرافه ومصالح القوى المنخرطة فيه. فكأن اصطفاف القوى هو نفسه، وكأن مخلوقات وعجائب الحروب المدمّرة لم تولد. ووفق تلك الثقافة نفسها، لم يتغير الدور الاستعماري الغربي، ولا يجب أن تتغير قراءته.
إنها نفس الثقافة التي تُنَسِّب الحوثيين إلى المقاومة التي حررت جنوب لبنان، والدكتاتور الفاسد علي عبدالله صالح الى قيادة الربيع العربي، وتروِّج ضمناً أن أبناء الجزيرة العربية ليسوا عرباً بل هم وهّابيين وتحيل رئيس منظمة التحرير الفلسطيني إلى التقاعد على ان تحدد لاحقاً إيران قائداً للشعب الفلسطيني.