«الجحيم» الإيراني!
جميل الذيابي الحياة - 10/09/07//
لم تتناول وسائل إعلامية، خليجية وعربية، التهديدات الإيرانية الأخيرة التي جاءت على لسان قائد القوة البحرية في «الحرس الثوري»، بتحويل دول الخليج إلى «جحيم»، فيما لو تعرَّضت بلاده لغزو أميركي، مكتفية بنشر الخبر من دون إخضاعه للتحليل السياسي والقراءة العسكرية والأمنية والأبعاد الاستراتيجية لما يحمل في طياته.
اعتقد بأن بعض تلك الوسائل يخشى رد فعل «هجومياً» إيرانياً أو اتهامه بتسويق الفتنة ومحاولة بث سموم سياسة «اللا استقرار» في منطقة تحلِّق في فضائها حرب أهلية تحاول إقناع شعوبها بأنها لم تحدث حتى الآن.
سؤال بسيط لكنه صعب هو: أيُّ قناع «أسود» تلبسه إيران وتحاول إلباسه لحلفائها «المنساقين» وراء نياتها وطموحاتها ولو على حساب الهوية العربية؟ أي دور تريد أن تلعبه إيران في دول الخليج وغيرها؟ وإلى أين تريد أن تصل ويصل نفوذها الإقليمي؟
ما أرجوه هو ألاّ تضع دول الخليج على رؤوسها قبعات «بلاستيكية» لحمايتها من شمس حارقة، وهي تعلم أنها لن تقيها، خصوصاً أن تلك التهديدات تعنيها وحدها ولا تعني غيرها.
ربما تأمل دول الخليج العربية أن يكون ما هدد به القائد البحري في «الحرس الثوري» علي رازمجو، مجرد حديث «عابر» أو بهدف التهويل الإعلامي، لكبح النزوة العسكرية الأميركية ودفع دول الخليج الى اعادة النظر في حسابات علاقاتها مع واشنطن.
اعتقد أن على دول الخليج الست أن تأخذ مثل هذه التصريحات الايرانية على محمل الجد، فهي الحقيقة المحضة التي لا ينطقها الساسة الإيرانيون «علناً»، لكنها تقال في الأوساط الإيرانية وتصدر عن عسكريين يعدّون العدة لمثل ذلك العمل فيما لو تعرَّضت بلادهم لهجوم عسكري.
كما أن على الحكومات الخليجية أن تعلم أن أول أمر عسكري إيراني سيصدر إلى القوات المسلحة سيكون قصف المصالح الأميركية في بلدان الخليج في ضربة «متزامنة» واحدة (لو قدَّر لها ذلك)، وأول ما ستطوله تلك الصواريخ الإيرانية هو قاعدتا العديد وسيلية في قطر وربما قبلهما أو بعدهما أو تزامناً حقول النفط الخليجية، وربما ترسل إيران مع صواريخها منشورات تقول: «هي خاربة... خاربة... خلونا نعميها»، وحينها ستعم المنطقة من محيطها إلى خليجها فوضى جديدة وحالة لا استقرار ستمتد لسنوات طويلة.
ما أرجوه من بعض العرب الذين باتوا يغطسون أنوفهم في «الدولار» الإيراني، ألا يذهبوا بعيداً في التمجيد لسياسة نجاد والدفاع عنها، بل الأصلح لنا جميعاً هو تحكيم العقل وتقديم المصلحة العربية على المصلحة الشخصية والابتعاد عن الدفاع المستميت عن الأجندة الإيرانية ومشروعها النووي.
أعرف أن عرباً كثيرين يعتقدون أن المشروع النووي الإيراني سيكون من مصلحتنا في قضايانا الدولية، متناسين أنه سيكون على عكس ذلك، ولربما مسلطاً على رؤوسنا شأنه شأن المشروع الصهيوني، ولن يصل إلى الدولة العبرية.
دعونا نحلل بـ «ذكاء» ونكف عن «الغباء»، دعونا نعرف من هم المنافحون عن السياسة الإيرانية «الهجومية»، والناعقون بيننا بصوتها من المنساقين وراء مكاسب ذاتية وآنية على حساب المصالح القومية.
لم تُشر وكالات الأنباء العربية الرسمية إلى خبر التهديد كما بث على وكالة أنباء «فارس» الرسمية، إذ جاء نصه على لسان رازمجو كالآتي: «بالقوة التي يمتلكها الحرس الثوري الآن، إذا أراد الأعداء أن يبدأوا مواجهة عسكرية فسيصير الخليج جحيماً لهم».
وأضاف: «باستخدام النظم الحديثة لن تكون هناك أنشطة أو تهديدات من الأعداء في الخليج الفارسي مخفية عنا». ألا يدعو هذا التصريح إلى القلق ويحتاج إلى قراءة أبعاده ونياته؟!
أيضاً، ما يبعث على حال القلق هو ما توقّعه المنشق الإيراني محسن سازغارا الباحث في جامعة هارفارد والقريب من السياسيين الأميركيين، عن نيات الولايات المتحدة لتوجيه ضربة «قاسية» إلى النظام الإيراني، محذراً من مخاطر تصعيد و «رد انتقامي في العراق وأفغانستان ولبنان».
من وجهة نظري أن من بين الأمور المثيرة، هو موضوع تدخل ايران «المستمر» في العراق ولبنان، والانسياق السوري وراء سياستها، في مقابل غض بعض الأطراف العربية وغير العربية الطرف عن ذلك التدخل والتقليل من خطورته على التركيبة السكانية وحال الاستقرار في المنطقة، خصوصاً أن الهدف الإيراني يتجاوز مكاسب استيطانية وطمس عروبة بعض المحافظات الجنوبية العراقية عبر انتهاك حرماتها وقتل أهلها وتشريدهم.
وما يثر الانتباه هو تنصيب بعض العرب أنفسهم في «خط الدفاع» عن إيران، مستلهمين لغتها الهجومية «المزيفة». والغريب أن بين هؤلاء من يدَّعي «القومية» والدفاع عن الهوية العربية، رافضاً التصدي للمنهج العدواني الإيراني الذي لم يعد بالإمكان تجاوزه أو السكوت عليه، بل هم يريدون من دول الخليج إبداء مواقف إيجابية، لكنهم لا يطالبون النظام الإيراني بالكف عن التدخل في الشؤون العراقية واللبنانية والخليجية، وإعادة الجزر الإماراتية التي تحتلها ايران منذ عام 1971، وترفض حتى التفاوض حولها.
لا أعرف ما هو موقف المدافعين عن سياسة إيران فيما لو وجَّهت صواريخها باتجاه دول الخليج وآبار النفط؟! أليس سؤالاً بريئاً يستحق الإجابة؟!
جميل الذيابي الحياة - 10/09/07//
لم تتناول وسائل إعلامية، خليجية وعربية، التهديدات الإيرانية الأخيرة التي جاءت على لسان قائد القوة البحرية في «الحرس الثوري»، بتحويل دول الخليج إلى «جحيم»، فيما لو تعرَّضت بلاده لغزو أميركي، مكتفية بنشر الخبر من دون إخضاعه للتحليل السياسي والقراءة العسكرية والأمنية والأبعاد الاستراتيجية لما يحمل في طياته.
اعتقد بأن بعض تلك الوسائل يخشى رد فعل «هجومياً» إيرانياً أو اتهامه بتسويق الفتنة ومحاولة بث سموم سياسة «اللا استقرار» في منطقة تحلِّق في فضائها حرب أهلية تحاول إقناع شعوبها بأنها لم تحدث حتى الآن.
سؤال بسيط لكنه صعب هو: أيُّ قناع «أسود» تلبسه إيران وتحاول إلباسه لحلفائها «المنساقين» وراء نياتها وطموحاتها ولو على حساب الهوية العربية؟ أي دور تريد أن تلعبه إيران في دول الخليج وغيرها؟ وإلى أين تريد أن تصل ويصل نفوذها الإقليمي؟
ما أرجوه هو ألاّ تضع دول الخليج على رؤوسها قبعات «بلاستيكية» لحمايتها من شمس حارقة، وهي تعلم أنها لن تقيها، خصوصاً أن تلك التهديدات تعنيها وحدها ولا تعني غيرها.
ربما تأمل دول الخليج العربية أن يكون ما هدد به القائد البحري في «الحرس الثوري» علي رازمجو، مجرد حديث «عابر» أو بهدف التهويل الإعلامي، لكبح النزوة العسكرية الأميركية ودفع دول الخليج الى اعادة النظر في حسابات علاقاتها مع واشنطن.
اعتقد أن على دول الخليج الست أن تأخذ مثل هذه التصريحات الايرانية على محمل الجد، فهي الحقيقة المحضة التي لا ينطقها الساسة الإيرانيون «علناً»، لكنها تقال في الأوساط الإيرانية وتصدر عن عسكريين يعدّون العدة لمثل ذلك العمل فيما لو تعرَّضت بلادهم لهجوم عسكري.
كما أن على الحكومات الخليجية أن تعلم أن أول أمر عسكري إيراني سيصدر إلى القوات المسلحة سيكون قصف المصالح الأميركية في بلدان الخليج في ضربة «متزامنة» واحدة (لو قدَّر لها ذلك)، وأول ما ستطوله تلك الصواريخ الإيرانية هو قاعدتا العديد وسيلية في قطر وربما قبلهما أو بعدهما أو تزامناً حقول النفط الخليجية، وربما ترسل إيران مع صواريخها منشورات تقول: «هي خاربة... خاربة... خلونا نعميها»، وحينها ستعم المنطقة من محيطها إلى خليجها فوضى جديدة وحالة لا استقرار ستمتد لسنوات طويلة.
ما أرجوه من بعض العرب الذين باتوا يغطسون أنوفهم في «الدولار» الإيراني، ألا يذهبوا بعيداً في التمجيد لسياسة نجاد والدفاع عنها، بل الأصلح لنا جميعاً هو تحكيم العقل وتقديم المصلحة العربية على المصلحة الشخصية والابتعاد عن الدفاع المستميت عن الأجندة الإيرانية ومشروعها النووي.
أعرف أن عرباً كثيرين يعتقدون أن المشروع النووي الإيراني سيكون من مصلحتنا في قضايانا الدولية، متناسين أنه سيكون على عكس ذلك، ولربما مسلطاً على رؤوسنا شأنه شأن المشروع الصهيوني، ولن يصل إلى الدولة العبرية.
دعونا نحلل بـ «ذكاء» ونكف عن «الغباء»، دعونا نعرف من هم المنافحون عن السياسة الإيرانية «الهجومية»، والناعقون بيننا بصوتها من المنساقين وراء مكاسب ذاتية وآنية على حساب المصالح القومية.
لم تُشر وكالات الأنباء العربية الرسمية إلى خبر التهديد كما بث على وكالة أنباء «فارس» الرسمية، إذ جاء نصه على لسان رازمجو كالآتي: «بالقوة التي يمتلكها الحرس الثوري الآن، إذا أراد الأعداء أن يبدأوا مواجهة عسكرية فسيصير الخليج جحيماً لهم».
وأضاف: «باستخدام النظم الحديثة لن تكون هناك أنشطة أو تهديدات من الأعداء في الخليج الفارسي مخفية عنا». ألا يدعو هذا التصريح إلى القلق ويحتاج إلى قراءة أبعاده ونياته؟!
أيضاً، ما يبعث على حال القلق هو ما توقّعه المنشق الإيراني محسن سازغارا الباحث في جامعة هارفارد والقريب من السياسيين الأميركيين، عن نيات الولايات المتحدة لتوجيه ضربة «قاسية» إلى النظام الإيراني، محذراً من مخاطر تصعيد و «رد انتقامي في العراق وأفغانستان ولبنان».
من وجهة نظري أن من بين الأمور المثيرة، هو موضوع تدخل ايران «المستمر» في العراق ولبنان، والانسياق السوري وراء سياستها، في مقابل غض بعض الأطراف العربية وغير العربية الطرف عن ذلك التدخل والتقليل من خطورته على التركيبة السكانية وحال الاستقرار في المنطقة، خصوصاً أن الهدف الإيراني يتجاوز مكاسب استيطانية وطمس عروبة بعض المحافظات الجنوبية العراقية عبر انتهاك حرماتها وقتل أهلها وتشريدهم.
وما يثر الانتباه هو تنصيب بعض العرب أنفسهم في «خط الدفاع» عن إيران، مستلهمين لغتها الهجومية «المزيفة». والغريب أن بين هؤلاء من يدَّعي «القومية» والدفاع عن الهوية العربية، رافضاً التصدي للمنهج العدواني الإيراني الذي لم يعد بالإمكان تجاوزه أو السكوت عليه، بل هم يريدون من دول الخليج إبداء مواقف إيجابية، لكنهم لا يطالبون النظام الإيراني بالكف عن التدخل في الشؤون العراقية واللبنانية والخليجية، وإعادة الجزر الإماراتية التي تحتلها ايران منذ عام 1971، وترفض حتى التفاوض حولها.
لا أعرف ما هو موقف المدافعين عن سياسة إيران فيما لو وجَّهت صواريخها باتجاه دول الخليج وآبار النفط؟! أليس سؤالاً بريئاً يستحق الإجابة؟!