تقسيم العراق... تقسيم المنطقة
سميح صعب
النهار
... وأخيراً عثر مجلس الشيوخ الاميركي على الحل في العراق. انه التقسيم. هذه هي الوصفة السحرية التي يرى ممثلو الشعب الاميركي انها تضع حداً للعنف، وتعيد الجنود الاميركيين الى الوطن، وتوقف النزف البشري والمادي في أرض الرافدين.
هذا الحل قد يريح الاميركيين، لكن المضاعفات التي من شأن حل كهذا ان يخلفها على العراق والمنطقة لا تبدو أنها تؤرق كثيراً المشرعين الاميركيين. فماذا يعني قيام ثلاث دول على أساس عرقي ومذهبي في العراق؟ وهل أمر خطر كهذا يبقى محصوراً في العراق، أم سيكون مرشحاً للتعميم في منطقة مؤلفة أصلاً من اعراق ومذاهب وطوائف؟ اذ لو قامت لكل مذهب وطائفة دولة فسنشهد قيام دويلات لا تُحصى ولا تعد. ليس هذا فحسب، بل اننا سنشهد صراعاً دموياً بين هذه الدول العرقية – المذهبية - الطائفية على غرار ما يحصل في العراق منذ حط الجيش الاميركي رحاله في هذا البلد.
قد يكون مفهوماً سعي مجلس الشيوخ الاميركي الى البحث عن طريقة للخروج من المأزق العراقي، ولا سيما بعد فشل الكونغرس في فرض جدول زمني على الرئيس جورج بوش للانسحاب. لا بل ان المرشحين الديموقراطيين للرئاسة، وهم الاوفر حظاً في الفوز، لا يملكون رؤية للانسحاب حتى بحلول سنة 2013 مما يعني ان الرئيس الاميركي المقبل عليه التعايش مع التركة الثقيلة التي سيخلفها له بوش في العراق. لكن من غير المفهوم ان الحل المقترح من شأنه زيادة معاناة الشعب العراقي وفتح المنطقة برمتها على الفوضى والدماء، تماماً كما أدى اليه قرار الغزو.
وهكذا يتجه الديموقراطيون الى معالجة المشكلة التي أوجدها الرئيس الجمهوري بإيجاد مشكلة أكبر لن ينجو من شظاياها أي بلد في المنطقة في حال تقسيم العراق. ومع ان الطريق الاسرع للخروج من المستنقع العراقي هو في البدء بالانسحاب، فإن الديموقراطيين كما الجمهوريين بدأوا يخشون ان تملأ ايران الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الاميركي، لذلك يتجه تفكيرهم الى التعايش مع وجود عسكري طويل الامد في العراق.
والى التمسك بالوجود العسكري للوقوف في وجه النفوذ الايراني، فإن الحل البعيد المدى الذي يفكّر فيه صناع القرار في واشنطن هو تفكيك العراق الى ثلاث دويلات تحت إشراف حكومة مركزية اسمية لا تملك صلاحيات فعلية.
وبالتقسيم ينتقل الاميركيون من الاشراف على الحرب الاهلية الدائرة حالياً، الى مرحلة وضع الاسس القانونية للتطهير المذهبي والعرقي الحاصل منذ الغزو.
واذا كان الدافع الى الغزو الاميركي للعراق هو السيطرة على النفط، وفق ما قال الرئيس السابق للاحتياط الفيديرالي الاميركي آلان غرينسبان، فإنه من خلال التقسيم ستضمن أميركا سيطرة دائمة على مصادر النفط في الدويلات العراقية الناشئة المتناحرة.
وعلى رغم ان البيت الابيض رفض القرار غير الملزم أصلاً لمجلس الشيوخ بتقسيم العراق، فإن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس اقترحت على وزراء الخارجية لمجلس التعاون الخليجي ومصر والاردن ما هو أشد وأدهى من قرار مجلس الشيوخ، الدعوة الصريحة الى قيام تحالف بين الدول السنية لمواجهة النفوذ الايراني في المنطقة.
ان اقتراح مجلس الشيوخ ودعوة رايس هما مثالان للتفكير الاميركي في ما يتعلق بمنطقة أوصلتها السياسية الاميركية بقدر ما اوصلها حكامها، الى ما تتخبط فيه الآن. ولكن من المؤكد ان الحلول المقترحة ليس من شأنها إلا تعميق المشكلة وتفاقمها.
فأميركا هي التي جلبت "القاعدة" الى العراق بعدما غزت هذا البلد. وهي التي تشرف اليوم على الحرب الاهلية فيه. فهل تريد تعميم هذا النموذج على المنطقة بأسرها؟
سميح صعب
النهار
... وأخيراً عثر مجلس الشيوخ الاميركي على الحل في العراق. انه التقسيم. هذه هي الوصفة السحرية التي يرى ممثلو الشعب الاميركي انها تضع حداً للعنف، وتعيد الجنود الاميركيين الى الوطن، وتوقف النزف البشري والمادي في أرض الرافدين.
هذا الحل قد يريح الاميركيين، لكن المضاعفات التي من شأن حل كهذا ان يخلفها على العراق والمنطقة لا تبدو أنها تؤرق كثيراً المشرعين الاميركيين. فماذا يعني قيام ثلاث دول على أساس عرقي ومذهبي في العراق؟ وهل أمر خطر كهذا يبقى محصوراً في العراق، أم سيكون مرشحاً للتعميم في منطقة مؤلفة أصلاً من اعراق ومذاهب وطوائف؟ اذ لو قامت لكل مذهب وطائفة دولة فسنشهد قيام دويلات لا تُحصى ولا تعد. ليس هذا فحسب، بل اننا سنشهد صراعاً دموياً بين هذه الدول العرقية – المذهبية - الطائفية على غرار ما يحصل في العراق منذ حط الجيش الاميركي رحاله في هذا البلد.
قد يكون مفهوماً سعي مجلس الشيوخ الاميركي الى البحث عن طريقة للخروج من المأزق العراقي، ولا سيما بعد فشل الكونغرس في فرض جدول زمني على الرئيس جورج بوش للانسحاب. لا بل ان المرشحين الديموقراطيين للرئاسة، وهم الاوفر حظاً في الفوز، لا يملكون رؤية للانسحاب حتى بحلول سنة 2013 مما يعني ان الرئيس الاميركي المقبل عليه التعايش مع التركة الثقيلة التي سيخلفها له بوش في العراق. لكن من غير المفهوم ان الحل المقترح من شأنه زيادة معاناة الشعب العراقي وفتح المنطقة برمتها على الفوضى والدماء، تماماً كما أدى اليه قرار الغزو.
وهكذا يتجه الديموقراطيون الى معالجة المشكلة التي أوجدها الرئيس الجمهوري بإيجاد مشكلة أكبر لن ينجو من شظاياها أي بلد في المنطقة في حال تقسيم العراق. ومع ان الطريق الاسرع للخروج من المستنقع العراقي هو في البدء بالانسحاب، فإن الديموقراطيين كما الجمهوريين بدأوا يخشون ان تملأ ايران الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الاميركي، لذلك يتجه تفكيرهم الى التعايش مع وجود عسكري طويل الامد في العراق.
والى التمسك بالوجود العسكري للوقوف في وجه النفوذ الايراني، فإن الحل البعيد المدى الذي يفكّر فيه صناع القرار في واشنطن هو تفكيك العراق الى ثلاث دويلات تحت إشراف حكومة مركزية اسمية لا تملك صلاحيات فعلية.
وبالتقسيم ينتقل الاميركيون من الاشراف على الحرب الاهلية الدائرة حالياً، الى مرحلة وضع الاسس القانونية للتطهير المذهبي والعرقي الحاصل منذ الغزو.
واذا كان الدافع الى الغزو الاميركي للعراق هو السيطرة على النفط، وفق ما قال الرئيس السابق للاحتياط الفيديرالي الاميركي آلان غرينسبان، فإنه من خلال التقسيم ستضمن أميركا سيطرة دائمة على مصادر النفط في الدويلات العراقية الناشئة المتناحرة.
وعلى رغم ان البيت الابيض رفض القرار غير الملزم أصلاً لمجلس الشيوخ بتقسيم العراق، فإن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس اقترحت على وزراء الخارجية لمجلس التعاون الخليجي ومصر والاردن ما هو أشد وأدهى من قرار مجلس الشيوخ، الدعوة الصريحة الى قيام تحالف بين الدول السنية لمواجهة النفوذ الايراني في المنطقة.
ان اقتراح مجلس الشيوخ ودعوة رايس هما مثالان للتفكير الاميركي في ما يتعلق بمنطقة أوصلتها السياسية الاميركية بقدر ما اوصلها حكامها، الى ما تتخبط فيه الآن. ولكن من المؤكد ان الحلول المقترحة ليس من شأنها إلا تعميق المشكلة وتفاقمها.
فأميركا هي التي جلبت "القاعدة" الى العراق بعدما غزت هذا البلد. وهي التي تشرف اليوم على الحرب الاهلية فيه. فهل تريد تعميم هذا النموذج على المنطقة بأسرها؟
Comment