خدمة أميركية للعراق!
عبدالله اسكندر
الحياة - 30/09/07//
خدمة نادرة من الولايات المتحدة للعراق، خصوصاً للعراقيين المتمسكين بوحدة بلدهم والعاملين فعلاً، لا ادعاء، من أجلها. هذه الخدمة جاءت من الكونغرس، خصوصاً ان تصويته على تقسيم العراق غير ملزم ولا ترجمة فعلية له، في ظل الإدارة الحالية على الأقل. فهي أكدت، رداً على التصويت، إصراراها على استراتيجيتها الحالية وانها لن تغيرها. وإن كانت هذه الاستراتيجية، من أجل مبررات سياسية في بدء الغزو وعسكرية لاحقاً، تحاول الاستفادة من الانشطار الطائفي والعرقي في العراق.
تقسيم العراق له مبرراته من وجهة نظر أميركية، ثقافياً وسياسياً واقتصادياً، والأهم عسكرياً. فالإدارة المقبلة، جمهورية أو ديموقراطية، التي سترث الغزو ومضاعفاته، تسعى الى ان تخفف الى الحد الأدنى العبء العسكري والحربي. وفي التقسيم أسهل الطرق الى هذا الهدف. وذلك من دون ان تدفع واشنطن شيئاً من حسابها. فالتقسيم سيكون على حساب الشعب العراقي. ولذلك توافق ديموقراطيون وجمهوريون، في مناسبة نادرة تتعلق بالعراق، على التقسيم.
الخدمة التي قدمها الكونغرس للعراقيين هي ان تصويته أعاد الى الواجهة ما يجري فعليا على الأرض والمسكوت عنه. كما أعاد الى الواجهة الخطورة على وحدة البلد من جراء المواد الدستورية التي ما تزال موضع خلاف، خصوصاً المصالحة وأطرافها والفيديرالية، ومعها قضية كركوك، وتوزع الثروة الطبيعية وفي مقدمها النفط. وليس سراً أن السُنة الداخلين في العملية السياسية يعترضون على هذه المواد، وأن تمسك الشيعة والأكراد بها، يصعب على هؤلاء السُنة مهمتهم في اجتذاب جمهورهم الى العملية. كما أنه من هذه المواد تتغذى الفئات المتطرفة لدى الجانبين. فغُلاة في هذا الجانب، خصوصاً في الشمال والجنوب، يعتبرون ان سلطة مركزية قوية قد تعيد شبح الديكتاتورية المركزية السابقة. وغُلاة في الجانب الآخر يعتبرون ان إضعاف هذه السلطة يحرمهم من المشاركة السياسية والتمتع بثروات البلد. وفي هذه الأجواء، يسيل الدم العراقي بفعل التكفيريين والمنتفعين، وتتقطع أوصال البلد الى جزر محلية وعشائرية تقتات على وظائف الدولة المركزية، خصوصاً السياسية والأمنية. ويتشاحن المسؤولون في العملية السياسية على المواقع والنفوذ والاستفادة من الفساد.
وفي الجوار، كما في الداخل، يتحدد الموقف من الدولة المركزية العراقية على اساس المصلحة الخاصة التي يمكن جنيها، سواء في علاقة ملتبسة مع مكونات عراقية او في رسائل دموية الى الاحتلال. حتى يكاد الوضع الحالي، على رغم بشاعته الانسانية، مبرراً لكثيرين للاستمرار في الإبقاء على موطئ قدم لهم في البلد الدامي.
الخدمة الأميركية بالتصويت على التقسيم تتمثل ايضا كمناسبة لعراقيين وعرب لإعلان رفض هذا المشروع. ففي العراق جاء الرفض من رئيس الحكومة ووزراء واحزاب ومن المرجع الشيعي علي السيستاني. وعبرت الجامعة العربية عن الرفض ايضا. وكذلك فعلت عواصم عربية أخرى.
لكن الرفض والتنديد وحدهما لا يعالجان المشكلة، على رغم اهميتهما. والهجاء وحده، وإن كان مريراً، لا يحبط المخططات الأميركية التي لا ينطلق واضعوها من هواجس تقديم الخدمات الانسانية النزيهة. فأقل ما يمكن للذين يعتبرون نفسهم متضررين من هذا المخطط ان يقفوا لحظة امام العوامل الداخلية المنشطة له، وفي مقدمها ما يُعتبر مصلحة خاصة، حزبية او طائفية او مناطقية، يمكن تحقيقها من خلال التباسات الدستور وصورة الدولة الواحدة.
ومن البديهي ان مثل هذه المصلحة التي تغذت من الاحتلال، وما وفره من تغطيات تختلف باختلاف المراحل، لن تكون مضمونة في الدولة الواحدة العادلة.
وعلى المنددين بالمخطط الأميركي الجديد ان يتبادلوا التنازلات في ما بينهم، حفاظا على اوسع مساحة تجمعهم في الدولة، بدلاً من اعتبار ان ما يحققونه حالياً بفعل الاحتلال، سلباً او ايجاباً، يمكن ان يستمر في الدولة الواحدة التي يقولون إنهم يتمسكون بها.
عبدالله اسكندر
الحياة - 30/09/07//
خدمة نادرة من الولايات المتحدة للعراق، خصوصاً للعراقيين المتمسكين بوحدة بلدهم والعاملين فعلاً، لا ادعاء، من أجلها. هذه الخدمة جاءت من الكونغرس، خصوصاً ان تصويته على تقسيم العراق غير ملزم ولا ترجمة فعلية له، في ظل الإدارة الحالية على الأقل. فهي أكدت، رداً على التصويت، إصراراها على استراتيجيتها الحالية وانها لن تغيرها. وإن كانت هذه الاستراتيجية، من أجل مبررات سياسية في بدء الغزو وعسكرية لاحقاً، تحاول الاستفادة من الانشطار الطائفي والعرقي في العراق.
تقسيم العراق له مبرراته من وجهة نظر أميركية، ثقافياً وسياسياً واقتصادياً، والأهم عسكرياً. فالإدارة المقبلة، جمهورية أو ديموقراطية، التي سترث الغزو ومضاعفاته، تسعى الى ان تخفف الى الحد الأدنى العبء العسكري والحربي. وفي التقسيم أسهل الطرق الى هذا الهدف. وذلك من دون ان تدفع واشنطن شيئاً من حسابها. فالتقسيم سيكون على حساب الشعب العراقي. ولذلك توافق ديموقراطيون وجمهوريون، في مناسبة نادرة تتعلق بالعراق، على التقسيم.
الخدمة التي قدمها الكونغرس للعراقيين هي ان تصويته أعاد الى الواجهة ما يجري فعليا على الأرض والمسكوت عنه. كما أعاد الى الواجهة الخطورة على وحدة البلد من جراء المواد الدستورية التي ما تزال موضع خلاف، خصوصاً المصالحة وأطرافها والفيديرالية، ومعها قضية كركوك، وتوزع الثروة الطبيعية وفي مقدمها النفط. وليس سراً أن السُنة الداخلين في العملية السياسية يعترضون على هذه المواد، وأن تمسك الشيعة والأكراد بها، يصعب على هؤلاء السُنة مهمتهم في اجتذاب جمهورهم الى العملية. كما أنه من هذه المواد تتغذى الفئات المتطرفة لدى الجانبين. فغُلاة في هذا الجانب، خصوصاً في الشمال والجنوب، يعتبرون ان سلطة مركزية قوية قد تعيد شبح الديكتاتورية المركزية السابقة. وغُلاة في الجانب الآخر يعتبرون ان إضعاف هذه السلطة يحرمهم من المشاركة السياسية والتمتع بثروات البلد. وفي هذه الأجواء، يسيل الدم العراقي بفعل التكفيريين والمنتفعين، وتتقطع أوصال البلد الى جزر محلية وعشائرية تقتات على وظائف الدولة المركزية، خصوصاً السياسية والأمنية. ويتشاحن المسؤولون في العملية السياسية على المواقع والنفوذ والاستفادة من الفساد.
وفي الجوار، كما في الداخل، يتحدد الموقف من الدولة المركزية العراقية على اساس المصلحة الخاصة التي يمكن جنيها، سواء في علاقة ملتبسة مع مكونات عراقية او في رسائل دموية الى الاحتلال. حتى يكاد الوضع الحالي، على رغم بشاعته الانسانية، مبرراً لكثيرين للاستمرار في الإبقاء على موطئ قدم لهم في البلد الدامي.
الخدمة الأميركية بالتصويت على التقسيم تتمثل ايضا كمناسبة لعراقيين وعرب لإعلان رفض هذا المشروع. ففي العراق جاء الرفض من رئيس الحكومة ووزراء واحزاب ومن المرجع الشيعي علي السيستاني. وعبرت الجامعة العربية عن الرفض ايضا. وكذلك فعلت عواصم عربية أخرى.
لكن الرفض والتنديد وحدهما لا يعالجان المشكلة، على رغم اهميتهما. والهجاء وحده، وإن كان مريراً، لا يحبط المخططات الأميركية التي لا ينطلق واضعوها من هواجس تقديم الخدمات الانسانية النزيهة. فأقل ما يمكن للذين يعتبرون نفسهم متضررين من هذا المخطط ان يقفوا لحظة امام العوامل الداخلية المنشطة له، وفي مقدمها ما يُعتبر مصلحة خاصة، حزبية او طائفية او مناطقية، يمكن تحقيقها من خلال التباسات الدستور وصورة الدولة الواحدة.
ومن البديهي ان مثل هذه المصلحة التي تغذت من الاحتلال، وما وفره من تغطيات تختلف باختلاف المراحل، لن تكون مضمونة في الدولة الواحدة العادلة.
وعلى المنددين بالمخطط الأميركي الجديد ان يتبادلوا التنازلات في ما بينهم، حفاظا على اوسع مساحة تجمعهم في الدولة، بدلاً من اعتبار ان ما يحققونه حالياً بفعل الاحتلال، سلباً او ايجاباً، يمكن ان يستمر في الدولة الواحدة التي يقولون إنهم يتمسكون بها.
Comment