مبادرة أهل السودان وأزمة دارفور
الاقتصادية
السفير د. عبد الله الأشعل - مساعد وزير خارجية مصر الأسبق 03/11/1429هـ
منذ الإعلان في 14/7/2008 في المحكمة الجنائية الدولية عن قرار اعتقال الرئيس البشير ومحاكمته أمام المحكمة، يحاول السودان أن يوقف هذا الاتجاه الخطير الذي يهدد النظام و الدولة ومجمل العملية السياسية في دارفور ومع الجنوب. وقد حاول السودان أن يتحرك على عدة مستويات خاصة قبل أن يصدر حكم الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية والمتوقع أن يصدر في كانون الثاني (يناير) من العام المقبل. وأهم هذه المستويات التي يشملها التحرك السوداني هو تسوية المشكلة من الداخل على أساس أن الصراع بين الحكومة والمتمردين في دارفور هو الذي أدى إلى هذه التداعيات الخطيرة دولياً وخاصة على المستور الجنائي. وقد تحرك العالم العربي والإفريقي لاحتواء ملف البشير ولكن هذه الجهود يجب أن تتعزز بحلول داخلية لصلب المشكلة. في إطار هذا الفهم أطلق الرئيس عمر البشير في الأسبوع الثاني من أكتوبر 2008 مبادرة أهل السودان وهى تقضى بفتح الحوار بين جميع السودانيين وفصائلهم وأحزابهم لبلورة حل شامل للمشكلة ترضى عنه كل الأطراف وتلتزم به. وكان رد الفعل الفوري هو موافقة عدد كبير من القوى السودانية المهمة ماعدا أكثر من 20 فصيلا صغيراً أهمها حزب الدكتور الترابي الذي كان قد انشق عن الحزب الحاكم منذ سنوات. لم يتجاوب أيضاً أحد من الجماعات المسلحة التي ركزت على ضرورة محاكمة البشير واعتبرت أن هذه التحركات تهدف إلى الإفلات من هذه المحاكمة، وأكدت أن هذه المبادرة هي التفاف على جوهر المشكلة التي يعرفها الحزب الحاكم وهو تهميش أبناء دارفور سياسياً ومادياً وأنه يتعين حل هذه المشكلة أولاً ويعتبرون أن اتفاق أبوجا كان قاصراً.
والحق أن هذه المبادرة بالغة الأهمية لأنها تفتح الباب إلى مصالحة سياسية شاملة تنهى الاشتباك بين أصل المشكلة وآثارها الإنسانية والدولية على أساس أن اتهام البشير لن يستمر وأنه أثر من آثار المشكلة وأن طبيعة الأوضاع الدولية لا تسمح بتنفيذ قرار اعتقال رئيس دولة السلطة مهما كانت وجاهة القرار. ورغم أهمية هذه المبادرة من الناحية العملية إلا أن المراقب للمشكلة لابد أن يدرك أن أصل هذه المأساة ونقطة البداية فيها هو التمرد الذي تغذية دول أجنبية وينفذ مخططات هذه الدول ولا علاقة لهذا التمرد بمشكلات دارفور، ولذلك فإن حضور المتمردين لهذا الحوار الوطني سيكشفهم ولا يستطيعون تبرير موقفهم وهو عدم التوقيع على اتفاق أبوجا الذي ضغطت فيه واشنطن على الحكومة حتى تقبل بالتنازلات الكثيرة بحجة العمل على جذب المتمردين. وقد أتيح لي في برنامج تلفزيوني أخيرا أن أتبين هذه الحقائق خلال حوار طويل مع أحد ممثلي المتمردين المقيم في روما حيث لمست أن منطقه سقيم وأن التمرد يعلن عن نفسه، كما أن رفض حركات التمرد المبادرة العربية للسلام في دارفور كان مؤشراً قوياً يجب أن يلتفت إليه أهل دارفور، وأن يدركوا الآن أن التمرد صناعة وحرفة وليس مهمة مقدسة للنضال من أجل الحقوق، وأن هذه الحرفة تجد التمويل والرعاية من الدول الأجنبية.
وأخيراً فإن مبادرة أهل السودان يجب أن تكون جزءاً من الحركة المستمرة للحكومة بحثاً عن تسوية وأن تكون دعماً للمبادرة العربية التي تقوم بها اللجنة العربية برئاسة قطر.