سوريا... لماذا كل هذا الضجيج؟
التجديد العربي
د. محمد احمد النابلسي
هل يستحق إنزال أميركي بسيط في سوريا كل هذا الضجيج؟ وماذا لو قتل الاميركيون بضعة سوريين لا يتجاوزوا الثمانية؟. فلو بقي بعض الدماء في عروقنا لملكنا جرأة الحديث عن أكثر من مليون قتيل عراقي ومثلهم في العالم الإسلامي قبل إستنكارنا غارة صغيرة على سوريا. هذا عداك عن إعتيادنا تحمل الإذلال الأميركي لشعوب المنطقة بأساليب سادية متنوعة. بدءاً من الإذلال الجنسي في سجون العراق وصولاً لإطلاق الإساءات ضد العرب والمسلمين وتبنيها. لغاية تأكيد خسارة اوباما لو ثبتت علاقته برشيد الخالدي وهو أكاديمي فلسطيني وليس بن لادن أو الظواهري. ومن مظاهر السادية الاميركية نستذكر المشروع الأميركي لتغيير الخارطة العربية والشرق أوسطية. بتقسيم الدول الصديقة لأميركا قبل الدول المارقة عليها. كما نستذكر فخر بوش بإعلان حربه صليبية علينا وعلى ديننا ومنطقتنا. وتطول قائمة الممارسات السادية في عهد بوش وادارته. لكن قمتها تأتي في البلدان التي دعاها بوش كي تذل نفسها بنفسها على طريقة القرود المدربة أو ما يسميه المصريون ﺒ"عجين الفلاحة".
لمن لا يعرف معنى عجين الفلاحة فهو بالضبط ما يفعله متأمركو المنطقة من كبيرهم وحتى صغيرهم الذي ينتظر تحميل نفط مسروق في العراق أو نصيب فساد صغير في فلسطين أو تظاهرة مدفوعة في لبنان يلعن فيها أصوله العربية وربع المسلمين ومعها الولاء والخضوع والتسليم لولي الأمر الاميركي الذي أزاح جدة ليلى وجلس مكانها ولياً للأمر ولو مرتدياً قناعها راقصاً بسيفها؟!.
ماذا نفعل لسوريا بعد ان إمتد غفراننا الى قبول الإذلال بكل صنوفه بما فيه إطلاق المجرمين من السجون وإستقبالهم في مصر أم الدنيا وفي الجامعة العربية مع تنصيب اللقطاء ولاة أمر بالوكالة علينا.
رافضو الإذلال الأميركي وممارسات قروده موجودون وقائمون وعقائديون وإن اختلفت عقائدهم. لكنهم متريثون منذ فترة عل العدالة الالهية تعيد الأمور الى نصابها وللكرامات نصيبها. والمتريثون لا يتحركون.
لذا نقول لسوريا أن ليس لدينا ما نقدمه لها سوى بلاغة كلامية ضحلة وكاذبة أو صمت ربما اصدق منها. لكن هذا التجاهل لتهديد دمشق عاصمتنا التراثية والقومية والاتنية لا يمنعنا من طرح بعض الأسئلة على سبيل الدردشة لا التمرد لا سمح الله فالأجهزة الارهابية،الاميركية التصنيع، تردعنا عن ذلك بعد ان أسكتت ضمائرنا حتى إشعار آخر.
نسأل هل صحيح أن واشنطن قامت بهذه الغارة تضحية منها لردع تفكير سوري باجتياح لبنان وفق بعض جهابذة عصر ما بعد الحريري؟!.
هل صحيح أن واشنطن نفذت الغارة بناء على أوامر المالكي الذي لم يعد يتحمل تصرفات الرئيس السوري وفق أحد اكبر أصنام العصر ما بعد الحريري؟!.
هل صحيح ان هدف الغارة كان وقف تدفق المقاتلين عبر الحدود السورية؟. وهو يستتبع السؤال لماذا لم تنفذ اميركا هذه الغارة يوم كانت الحدود السورية مفتوحة علانية أمام مئات المقاتلين يومياً؟.
هل يصح أن تكون الغارة مقدمة لحرب اميركية لإفناء سوريا وإيران وحماية سمير جعجع من خطرهما عليه واحتمال تآمرهما لإغتياله؟. أم هي حرب ستخوضها واشنطن كرمى لعيون موظفين هنا أو مستخدمين هناك أو شركاء من وراء الستار العربي؟!. واميركا وحدها تدرك أثمان مثل هذه الحرب!!!.
منذ فوزه عام 2001 قالت لنا الصحافة الاميركية عن بوش أنه غبي وقالت أمه للصحافة انه لم يكن لامعاً في دراسته وطفش منه بعدها أقرب مقربيه وفروا بجلودهم من سلوكه الكحولي الأرعن بحسب وصف كاتب خطاباته ديفيد فرام الهارب بدوره من بوش. ومع كل ذلك لا نستطيع أن نصدق ان الحماقة يمكن أن تبلغ بإدارة اميركية مهما كان نوعها أو رئيسها كي تجيب بنعم واحدة على الأسئلة المطروحة أعلاه. ليبقى السؤال لماذا هذه الغارة على سوريا؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟.
هل تراه الوجه الآخر للديمقراطية الاميركية الموعودة بعد إعلان فشلها الذي يطنشه متأمركو لبنان وفلسطين والعراق وبقية العرب رغم اعلان الصحف الاميركية هذا الفشل ناجزاً في كل البلدان الخاضعة لرعونة الرئيس الاميركي الراحل من البيت الأبيض.
كيف يعترف هؤلاء بفشل هذه الديمقراطية ولا يتجاهلونه أو كيف يقرون به وهم الاولاد غير الشرعيين لهذه الديمقراطية البوشية الفاشلة؟. فهل آن الأوان للخلاص من هؤلاء الاولاد غير الشرعيين ومن لقطاء السياسة المحدثين كي نستمر في طرح أسئلة قد تعطينا بعض الثقة والأمان لمجرد القيام بواجب التعزية بهؤلاء السوريين المساكين الذين قتلهم راعي البقر الاميركي ربما على سبيل التمرين!.
الازمة المالية العالمية والدور الاميركي الارهابي المفضوح فيها عولم العداء لأميركا بدل عولمة الإقتصاد. وهي قد تكشف فضائح اميركية جديدة تعيد تدفق الدماء في عروقنا كي ننقذ قرودنا من لعبة عجين الفلاحة ونخلص مؤسساتنا من لقطاء السياسة الأميركية عندنا. وعندها فقط قد تجد تظاهرة احتجاج عربية ضد العدوان الاميركي على بلد يختصر تراث العرب. أما الان فنكتفي لبنانياً بفصاحة إدانة السنيورة لهذا العدوان ومعها صمت القبور العربي وكفى سوريا ضجيجاً!!.