الغارة الأميركية على سورية... ودلالاتها
عقل العقل - الحياة
العملية العسكرية الأميركية المفاجئة في توقيتها ونوعيتها التي استهدفت قرية في منطقة «البوكمال» داخل الأراضي السورية، جعلت الكثير من المتابعين يطرحون الكثير من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا العمل العسكري الجريء من قبل الجانب الأميركي؟ فمن المعروف ان قيادات لتنظيم «القاعدة» وبعض التيارات الجهادية ناشطة منذ احتلال العراق في العام 2003 في سورية، وتعمل بشكل واضح في جلب ودعم الجماعات والأفراد العابرين من سورية إلى الداخل العراقي، وقد كان مستوى العنف والقتل والدمار مرتفعاً نتيجة لتوافر العناصر الجاهزة للقيام بعمليات انتحارية في العراق، وللتأكيد على ذلك نشرت دراسات غربية عن تدفق المجاهدين العرب إلى العراق من الجانب السوري، بل ان دولاً عربية بثت مقابلات تلفزيونية مع بعض مواطنيها العائدين من العراق، والذين أكدوا أن سورية وحدودها مع العراق كانت هي الجهة المستخدمة من قبل التنظيمات والأفراد للوصول إلى العراق، إضافة إلى ان سورية دولة لا يمكن ان تحدث فيها مثل هذه العمليات من مرور وجمع تبرعات إلا إذا كان الحكم لا يمانع حدوثها.
وبالرغم من كل تلك الدلائل لم تقدم الإدارة الأميركية على تهديد دمشق بعمل عسكري في الداخل السوري، بل كانت الساحة اللبنانية هي منطقة التجاذب بين الجانبين، ويمكن ان تكون الاتفاقية الأمنية بين واشنطن وبغداد، التي يصر الجانب العراقي على تعديل بعض بنودها، لها دور في العمل العسكري الأميركي الأخير من قبيل تأزيم العلاقات العراقية - السورية، ودفعها إلى المواجهة السياسية وحتى العسكرية للضغط على بغداد من قبل الإدارة الأميركية بأنها في حاجة إليها دائماً ولا تستطيع الدفاع عن نفسها وحدودها مع الجيران، إضافة إلى ان السلوك الأميركي يدل على ان التغيير في الإدارة الأميركية من خلال وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، سواء كان جمهورياً او ديموقراطياً، لن يغير الاستراتيجية العسكرية في العراق، كما يعتقد البعض.
إن الغارة الأميركية لها دلالات واضحة بأن الوضع الأميركي قد تبدل من الدفاع والمناشدة لوقف الارهابيين من الدخول إلى العراق من دول الجوار إلى ضربات استباقية لتلك الأهداف قبل وصولها إلى الداخل العراقي، وهي رسالة واضحة للنظامين السوري والإيراني، بأن الاستقرار في العراق سيكون أولوية للإدارة الأميركية بسبب الاستحقاقات الانتخابية في العراق التي ستكون حاسمة للوضع في العراق في المرحلة المقبلة. أما على الجانب السوري فقد اتسم موقفها بالتصعيد الشديد، خصوصاً على المستويين الإعلامي والسياسي، تمثل في التصعيد الإعلامي من قبل وزير الخارجية السوري في مؤتمره الصحافي الذي عقده في لندن الأسبوع الماضي، الذي هدد بأن سورية لن تكون في الموقف الدفاعي في حال تكرار مثل هذه الهجمات داخل الأراضي السورية، بالإضافة إلى المظاهرات وإغلاق بعض المراكز الثقافية الأميركية في سورية، ان ما يثير الشكوك حول الموقف السوري في التحقيق في مثل هذه الأحداث، سواء الحالية او السابقة، مثل الهجوم الإسرائيلي على منشآت عسكرية في الداخل السوري، او مقتل عماد مغنية، وكذلك بعض التفجيرات في العاصمة السورية دمشق.
إننا في كل مرة نسمع ان التحقيقات سوف تبين الحقائق والأطراف في تلك الأعمال، ولكن في النهاية لا نسمع نتائج محددة عن ملابسات تلك الأعمال، بل ان البعض قد يعتقد ان أجهزة الأمن السورية على علم وتنسيق مسبق مع الجانب الأميركي للاتفاق على هذه العملية، فقد نشرت صحيفة «الصنداي تايمز» في عددها الأخير هذا الأسبوع تقريراً مفصلاً عن العملية الأميركية في «البوكمال» السورية، ونقلت عن مسؤولين أميركيين ان هناك تعاوناً استخباراتياً بين دمشق وواشنطن حول هذه العملية، وأشار التقرير إلى ان المخابرات السورية هي من دل القوات الأميركية على تحديد مكان الهدف عن طريق تتبع هاتفه المحمول، بل ان التقرير المنشور أشار إلى ان التعاون في هذا المجال بين الدولتين موجود منذ فترة طويلة إلا انه تقطع ولكنه استأنف أخيراً.
العمل الأميركي المتمثل في ملاحقة أعضاء التنظيمات المتشددة، ومن ضمنها قيادي تنظيم القاعدة في الداخل السوري، هو رسالة واضحة لدمشق تعبر فيه واشنطن عن إحباطها من فشل سورية في ضبط حدودها مع العراق، ان مثل هذه الخطوة الأميركية المتمثلة في مهاجمة دولة ذات سيادة يدل على انه اتخذ على اعلى المستويات السياسية الأميركية، وانه قد يكون رسالة أميركية واسرائيلية لدمشق لفك تحالفها الاستراتيجي مع طهران، إذا كان النظام السوري جاداً في محادثاته غير المباشرة مع إسرائيل لاستعادة أراضيه المحتلة، بالإضافة إلى عودة طبيعية لعلاقاته مع واشنطن التي أكدت عليها القيادة السورية في مسار محادثات السلام مع إسرائيل، فالوعود السورية في ما يبدو غير كافية للغرب في هذه المرحلة، وقد نتوقع تصعيداً بين واشنطن ودمشق في المرحلة المقبلة.
*كاتب سعودي
عقل العقل - الحياة
العملية العسكرية الأميركية المفاجئة في توقيتها ونوعيتها التي استهدفت قرية في منطقة «البوكمال» داخل الأراضي السورية، جعلت الكثير من المتابعين يطرحون الكثير من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا العمل العسكري الجريء من قبل الجانب الأميركي؟ فمن المعروف ان قيادات لتنظيم «القاعدة» وبعض التيارات الجهادية ناشطة منذ احتلال العراق في العام 2003 في سورية، وتعمل بشكل واضح في جلب ودعم الجماعات والأفراد العابرين من سورية إلى الداخل العراقي، وقد كان مستوى العنف والقتل والدمار مرتفعاً نتيجة لتوافر العناصر الجاهزة للقيام بعمليات انتحارية في العراق، وللتأكيد على ذلك نشرت دراسات غربية عن تدفق المجاهدين العرب إلى العراق من الجانب السوري، بل ان دولاً عربية بثت مقابلات تلفزيونية مع بعض مواطنيها العائدين من العراق، والذين أكدوا أن سورية وحدودها مع العراق كانت هي الجهة المستخدمة من قبل التنظيمات والأفراد للوصول إلى العراق، إضافة إلى ان سورية دولة لا يمكن ان تحدث فيها مثل هذه العمليات من مرور وجمع تبرعات إلا إذا كان الحكم لا يمانع حدوثها.
وبالرغم من كل تلك الدلائل لم تقدم الإدارة الأميركية على تهديد دمشق بعمل عسكري في الداخل السوري، بل كانت الساحة اللبنانية هي منطقة التجاذب بين الجانبين، ويمكن ان تكون الاتفاقية الأمنية بين واشنطن وبغداد، التي يصر الجانب العراقي على تعديل بعض بنودها، لها دور في العمل العسكري الأميركي الأخير من قبيل تأزيم العلاقات العراقية - السورية، ودفعها إلى المواجهة السياسية وحتى العسكرية للضغط على بغداد من قبل الإدارة الأميركية بأنها في حاجة إليها دائماً ولا تستطيع الدفاع عن نفسها وحدودها مع الجيران، إضافة إلى ان السلوك الأميركي يدل على ان التغيير في الإدارة الأميركية من خلال وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، سواء كان جمهورياً او ديموقراطياً، لن يغير الاستراتيجية العسكرية في العراق، كما يعتقد البعض.
إن الغارة الأميركية لها دلالات واضحة بأن الوضع الأميركي قد تبدل من الدفاع والمناشدة لوقف الارهابيين من الدخول إلى العراق من دول الجوار إلى ضربات استباقية لتلك الأهداف قبل وصولها إلى الداخل العراقي، وهي رسالة واضحة للنظامين السوري والإيراني، بأن الاستقرار في العراق سيكون أولوية للإدارة الأميركية بسبب الاستحقاقات الانتخابية في العراق التي ستكون حاسمة للوضع في العراق في المرحلة المقبلة. أما على الجانب السوري فقد اتسم موقفها بالتصعيد الشديد، خصوصاً على المستويين الإعلامي والسياسي، تمثل في التصعيد الإعلامي من قبل وزير الخارجية السوري في مؤتمره الصحافي الذي عقده في لندن الأسبوع الماضي، الذي هدد بأن سورية لن تكون في الموقف الدفاعي في حال تكرار مثل هذه الهجمات داخل الأراضي السورية، بالإضافة إلى المظاهرات وإغلاق بعض المراكز الثقافية الأميركية في سورية، ان ما يثير الشكوك حول الموقف السوري في التحقيق في مثل هذه الأحداث، سواء الحالية او السابقة، مثل الهجوم الإسرائيلي على منشآت عسكرية في الداخل السوري، او مقتل عماد مغنية، وكذلك بعض التفجيرات في العاصمة السورية دمشق.
إننا في كل مرة نسمع ان التحقيقات سوف تبين الحقائق والأطراف في تلك الأعمال، ولكن في النهاية لا نسمع نتائج محددة عن ملابسات تلك الأعمال، بل ان البعض قد يعتقد ان أجهزة الأمن السورية على علم وتنسيق مسبق مع الجانب الأميركي للاتفاق على هذه العملية، فقد نشرت صحيفة «الصنداي تايمز» في عددها الأخير هذا الأسبوع تقريراً مفصلاً عن العملية الأميركية في «البوكمال» السورية، ونقلت عن مسؤولين أميركيين ان هناك تعاوناً استخباراتياً بين دمشق وواشنطن حول هذه العملية، وأشار التقرير إلى ان المخابرات السورية هي من دل القوات الأميركية على تحديد مكان الهدف عن طريق تتبع هاتفه المحمول، بل ان التقرير المنشور أشار إلى ان التعاون في هذا المجال بين الدولتين موجود منذ فترة طويلة إلا انه تقطع ولكنه استأنف أخيراً.
العمل الأميركي المتمثل في ملاحقة أعضاء التنظيمات المتشددة، ومن ضمنها قيادي تنظيم القاعدة في الداخل السوري، هو رسالة واضحة لدمشق تعبر فيه واشنطن عن إحباطها من فشل سورية في ضبط حدودها مع العراق، ان مثل هذه الخطوة الأميركية المتمثلة في مهاجمة دولة ذات سيادة يدل على انه اتخذ على اعلى المستويات السياسية الأميركية، وانه قد يكون رسالة أميركية واسرائيلية لدمشق لفك تحالفها الاستراتيجي مع طهران، إذا كان النظام السوري جاداً في محادثاته غير المباشرة مع إسرائيل لاستعادة أراضيه المحتلة، بالإضافة إلى عودة طبيعية لعلاقاته مع واشنطن التي أكدت عليها القيادة السورية في مسار محادثات السلام مع إسرائيل، فالوعود السورية في ما يبدو غير كافية للغرب في هذه المرحلة، وقد نتوقع تصعيداً بين واشنطن ودمشق في المرحلة المقبلة.
*كاتب سعودي