دول الخليج والأطماع المالية الغربية
التجديد العربي
فوزية رشيد
قبل أن يلف (براون) رئيس الوزراء البريطاني على بعض دول الخليج (السعودية والامارات وقطر) قدم الى المنطقة نائب الخزانة الأمريكي، والهدف واحد: المساعدة المالية العاجلة لحل الأزمة العالمية، التي تم صنعها في الولايات المتحدة، ثم تصديرها الى العالم كله.
بل إن (براون) جاء ونياته الداخلية تسبقه على لسانه، حين أومأ في السعودية، حسبما تناقل بعض الأخبار، الى أن دول الخليج ربحت آلاف المليارات (2 تريليون دولار) من خلال زيادة أسعار النفط خلال 13 شهرا، وبالتالي فان عليها الآن أن تضخ جزءا من الفائض المالي لمساعدة اقتصادات الدول المأزومة، وعلى رأسها أمريكا نفسها، التي أنتجت الأزمة المالية في العالم بسبب جشع مؤسساتها المالية وشركاتها العولمية، العقارية والخدماتية، وفسادها، مما أدى الى ما عرف بالاعصار المالي العالمي.
ولذلك فان السعودية، اكثر من غيرها، مطلوبة بالاسم للمشاركة في قمة ستعقد في واشنطن في 15 نوفمبر الجاري للحفاظ على النظام المالي العالمي، باعتبارات أن تكون (دولة مانحة) وليس على اعتبار أن تكون شريكا كاملا في الاقتصاد العالمي، كما ترغب السعودية، وكما هو مفترض أصلا، لو توحدت الفوائض المالية الخليجية.
زيارة (براون) الحالية، وزيارة نائب الخزانة الأمريكي قبله، توحيان بشفافية واضحة للمتتبع أن المسألة هي محاولة استنزاف الأموال العربية لحساب أزمة الشراهة والفساد الأمريكية، وأن المطلوب ليس جزءا من الفائض المالي، بل الفائض المالي كله، وقد طرح المحللون صورة مهمة عن المخاطر التي تهدد فوائض الأموال العربية بسبب الأزمة المالية العالمية، التي فتحتها أزمة (الرهن العقاري الأمريكي) وأغلب المحللين الاقتصاديين ينوهون بأنها مجرد البداية لأزمات مستعجلة قادمة ستصيب قطاعات امريكية أخرى من بينها قطاع التعليم الأمريكي وقطاع الخدمات وكل القطاعات التي تعتمد على اقتراض المواطنين وتسديد القرض على دفعات، وهي تشمل مجمل حياة المواطن الأمريكي بشكل عام.
فمثلا فان قطاع التعليم، إذا ما أفلست البنوك أو المؤسسات التي يمول المواطنون من خلالها تعليم أولادهم في المدارس والكليات والجامعات فذلك يعني عدم قدرة المواطن الأمريكي على تمويل التعليم لأبنائه، مما سيستدعي لاحقا انهيار كبيرا في النظام التعليمي في الولايات المتحدة، وهلم جرا.
وهذا يجعل بوضوح من الأزمة المالية الحالية بسبب أزمة (الرهن العقاري في أمريكا) مجرد بداية لأزمات أخرى في قطاعات أخرى، مما يستدعي نظام الاعتماد على المساعدات فما دخل دول الخليج - وهذا هو المهم- في أن تسهم في انتشال الاقتصاد الأمريكي المأزوم من أزماته التي سوف تتلاحق بسبب فساد النظام الرأسمالي، وجشع المؤسسات المالية والعقارية الكبرى، ليتم بذلك استنزاف كل فوائض الأموال الخليجية تحديدا، لجهة من المفترض أنها غير مسؤولة عن انقاذها؟
ورغم أن بعض دول مجلس التعاون الكبرى، كما يقال، لها مصالح هائلة في العالم المالي الغربي، فمن المفترض ألا تتحول المسألة الى ابتزاز أمريكي وغربي على هيئة صراع دافعه الجشع أيضا في المال النفطي العربي.
إن الخسائر الضخمة التي تكبدتها دول الخليج جراء الأزمة المالية العالمية، وبشكل متنوع وفي كل المجالات، من بينها الانخفاض الهائل في أسعار النفط، يجعل من هذه الدول معنية بإصلاح شأنها الداخلي ومتطلبات التنمية والمعيشية فيها، أكثر بكثير من كونها معنية اليوم بإشباع الطمع الأمريكي والأوروبي في فوائضها المالية، بسبب ارتفاع أسعار النفط مدة عام واحد، سرعان ما تهاوت بعدها تلك الأسعار الى أقل من النصف بسبب الأزمة التي تم تصنيعها في أمريكا.
وإذا كان هناك إمكانيات لتقديم (منح مالية طائلة) كما يرغب السيد (براون) من ميزانية الدول التي زارها في الخليج، فان هناك أزمات حقيقية أيضا في دول الخليج نفسها بحاجة الى رصد ميزانيات ومنح لها، بدل ضخ الأموال لإنقاذ أزمات المؤسسات المالية الغربية التي تفتح فمها واسعا اليوم لابتلاع ميزانيات الدول الأخرى.
ويكفي دول الخليج حجم الخسائر التي تكبدتها في مختلف القطاعات بسبب عولمية الأزمة المالية الأمريكية، وحيث تأثرت أسواق المال العربية، مما أدى الى تراجعها خلال الشهر الماضي حيث فقدت في المتوسط نحو 22% من قيمتها لأسباب متعلقة بالأزمة العالمية، وقدر الخبراء خسائر بورصات دول مجلس التعاون الخليجي السبع مع بدايات الأزمة بنحو (150 مليار دولار).
ولكن الصورة أكثر سوادا من ذلك وتحديدا بما يخص دول مجلس التعاون، وهو ما سنتركه للغد وللحديث صلة.