مطلوب مفاوضات سرية بين الحكومة والشعب
التجديد العربي
د. محمد صالح المسفر
من يتأمل منا حال الأمة العربية هذه الأيام يصيبه الاحباط والآلام الشديدة فى كامل الجسد، أحزاب سياسية حاكمة فى أكثر من قطر عربى فشلت فى كل شيء إلا المحافظة على البقاء فى السلطة وقهر كل من يحاول الاقتراب منها. أحزاب سياسية معارضة البعض منها ارتبط بقوى أجنبية معادية للأمة العربية والإسلامية فحققت أهدافها بالاستيلاء على الدولة بكل معنى الكلمة وسلمت إرادة الدولة لقوى الاحتلال ما ظهر منها وما بطن، ونموذج تلك الأحزاب والطوائف فى العراق الشقيق، وأحزاب أخرى تتطلع إلى النموذج السيئ فى العراق بغية محاكاته كالمعارضة السودانية المقيمة خارج السودان ومخالبها تعبث بأمن وسلامة واستقلال السودان كما فى إقليم دارفور وجنوب السودان، ونمط اخر من الأحزاب العربية منشغل بالتنظير والنقد المستمر للنظام السياسى القائم دون أن يتقدم خطوة إلى الإمام، وهذا النمط من الأحزاب من السهل تفتيته من قبل النظام القائم باستقطاب بعض قيادته وإغرائهم بالمال والجاه بجلوسهم إلى جوار السلطان فى المحافل الرسمية وتوظيفهم لخدمة الحزب الحاكم لتهدئة المواطنين وبث الأمل فى نفوسهم بان النظام سيحقق كل مطالبهم إذا تمت تهدئة الجبهة الداخلية.
نظم تقليدية وراثية شاخت وأصيب معظم قادتها بالملل لطول بقاهم فى السلطة ورغم تولى قيادات شابة فى مقتبل العمر زمام السلطة والقيادة فيها إلا أن طبيعة النظام غير مستعد للتغيير نحو الإصلاح والخروج من ربقة الارتهان لقوى أجنبية بهدف الحفاظ على امن النظام واستمراريته. معظم النظم الوراثية فى عالمنا العربى احاطت نفسها بطوق من الانتهازيين والكذابين والمنافقين وأصحاب المصالح الأمر الذى أصبحوا يشكلون حاجزا بين صانع القرار والمواطنين، ولطول بقائهم إلى جانب صاحب القرار أصبحوا يرددون ما يقول به قادة النظام للنظام نفسه وهنا تكمن الكارثة على الأمة والوطن، لان مصدر معلومات صانع القرار واحد لا يتغير.
معروف لدينا جميعا أن بعض النظم العربية متورط فى محادثات سرية وعلنية مع أعداء هذه الأمة وخاصة اسرائيل، وهذه المحادثات والمساومات ما خفى منها وما أعلن لا تمس حق المواطن ولا السيادة الوطنية وإنما تدور حول حماية النظام وضمان استمراريته ولو على حساب السيادة وامن المواطن.
فى مصر حوارات واجتماعات ومؤتمرات تتم بين القيادة المصرية وأعداء هذه الأمة مع فريق فى الإدارة الأمريكية، وقيادات إسرائيلية وغير ذلك ومنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد (1978) وحتى هذه الساعة لم يتحقق انجاز واحد نعتز به ولو على النطاق المصرى ناهيك عن الحقوق العربية، قد يقول قائل فى مصر نحن حققنا تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلى، لكن نقول هل تستطيعون إدخال جيشكم إلى الحدود المصرية الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل، وهل لكم السيادة والقدرة فى فتح حدودكم الوطنية مع فلسطين؟ الجواب تجدونه فى معبر رفح حدودكم مع فلسطين، النظام فى مصر منشغل بملاحقة تنظيم الإخوان المسلمين وجماعة كفاية وغير ذلك من التنظيمات خوفا على استمراريته وليس خوفا على سيادته وأمنه الوطنى وإلا بماذا نسمى الاهتمام بالجندى شاليط وليس بالأسرى الفلسطينيين؟
فى سوريا الحبيبة حزب يحكم قرابة الأربعين عاما غالبية قيادته العليا والمتنفذة من شريحة محددة فى المجتمع السورى ويقينى أن الرأى العام فى سوريا ليس ضد الحزب الحاكم لكنه يطالب بإصلاح الإدارة العامة فى الدولة، المجتمع السورى يريد الإدارة للأكفاء، ونزاهة القضاء واستقلاله، وإصلاح النظام الاقتصادى، وإعلان بنود ميزانية الدولة وطرق تمويلها ومنع المحسوبية، ومحاسبة الفاسدين، وتكافؤ الفرص أمام مكونات المجتمع السورى. إذا كانت مصر منشغلة بأمر تنظيم "الإخوان المسلمين"، فان سوريا منشغلة أيضا إلى جانب أمور أخرى، بتنظيم "إعلان دمشق" وفى هذا السياق نعلن تأييدنا المطلق للنظام القائم فى دمشق لأى موقف وطنى يتخذ للرد على العدوان الأمريكى على الحدود السورية الأسبوع الماضى، وكنت أتمنى على جمهور المظاهرة الكبيرة التى اجتاحت شوارع دمشق الأسبوع الماضى ومنظميها ان تردد هتافات تطالب النظام السياسى بالثأر من المعتدين الأمريكيين واعوانهم فى بغداد لعدوانهم السافر على السيادة الوطنية السورية، وكم كنت أتمنى أن تصدر أحكام بالافراج عن المعتقلين السياسيين والعفو التام عنهم من اجل رص صفوف الوحدة الوطنية فى وجه العدوان الأمريكى ونظامه العميل فى بغداد، كنت أتمنى أن تعلن القيادة السورية سحب دبلوماسييها من بغداد احتجاجا على العدوان الأمريكى على الأراضى السورية وخاصة بعد تصريح المتحدث باسم الحكومة العميلة فى بغداد على الدباغ عندما برر العدوان الأمريكى على الحدود السورية.
اخر القول: اتمنى ان تجرى الحكومات العربية مفاوضات سرية او علنية مع شعوبها بغية الوصول الى تحقيق الاعتراف المتبادل بين الطرفين، كما تفعل مع الاعداء المتربصين بالانظمة والشعوب.