Announcement

Collapse
No announcement yet.

الانتخابات الأميركية...نحن ومنعطفهم التاريخي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الانتخابات الأميركية...نحن ومنعطفهم التاريخي

    الانتخابات الأميركية...نحن ومنعطفهم التاريخي

    د. خالد الدخيل



    يوم أمس يكون الناخب الأميركي قد قرر من هو الرئيس الذي سيدخل البيت الأبيض في العشرين من يناير القادم (أنا أكتب صباح الثلاثاء). حسب استطلاعات الرأي، والتي وصل عددها أكثر من 159 استطلاعاً حتى يوم الأحد الماضي، الأرجح أن المرشح الديمقراطي، باراك أوباما، هو الرئيس الأميركي القادم. لكن كثيرا من الأميركيين يخشون مما يسمونه بـ"عامل برادلي". ويعنون بذلك أنه في أحد الانتخابات الماضية لمنصب عمدة مدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا كان المرشح الأسود، توم برادلي، متقدماً على منافسه الأبيض في جميع استطلاعات الرأي تقريباً. لكن في نهاية يوم التصويت الفعلي ظهرت النتيجة، وعلى عكس ما توقعت الاستطلاعات، فاز المرشح الأبيض بالمنصب. من هنا يخشى البعض أن يتكرر السيناريو نفسه في الانتخابات الرئاسية هذه المرة. هذا الاختلاف بين ما تقوله نتائج الاستطلاعات ونتيجة التصويت الفعلي يشير إلى أن خطأ ما حصل في طريقة قياس الرأي العام في الاستطلاعات أثناء انتخابات لوس أنجلوس. وهو خطأ لا يمكن تفاديه لأنه في هذه الحالة يتعلق بموقف الرأي العام من مسألة الانتماء العرقي للمرشح، والتمييز العنصري على هذا الأساس. فقد يخفي البعض موقفه الحقيقي من هذه المسألة، وبالتالي يجيب على أسئلة الاستطلاع بأنه سوف يصوت للمرشح أوباما، مثلا. لكنه في يوم الانتخابات يصوت للمرشح الأبيض. هذا ما حصل بالفعل في حالة برادلي. لكن لن يتكرر بالضرورة هذه المرة مع أوباما. أهم فارق بين الحالتين أن استطلاعات الرأي في انتخابات لوس أنجلوس كانت محصورة في هذه المدينة، بينما في الانتخابات الرئاسية الحالية تشمل جميع الولايات الأميركية. هذا إلى جانب أن عدد الاستطلاعات كما أشرنا غير مسبوق في حجمه الكبير، ومؤشرات فوز أوباما تبدو كبيرة أيضاً. وبالتالي فإن إمكانية تكرار عامل برادلي هذه المرة تبدو أقل بكثير جداً.



    الأكثر من ذلك أن استطلاعات الرأي الأميركية تشير إلى أن هذه السنة ليست للجمهوريين، لا بالنسبة للسباق إلى البيت الأبيض ولا بالنسبة لانتخابات الكونجرس. ويعود "الفضل" في ذلك للرئيس الحالي جورج بوش، وسياساته المدمرة في الخارج، والمدمرة اقتصادياً في الداخل والخارج معاً. بعبارة أخرى، المرجح أن يسيطر الديمقراطيون في نهاية هذه الانتخابات ليس على البيت الأبيض وحسب، بل وعلى الكونجرس أيضاً. بل إن خسارة الجمهوريين في الكونجرس قد تكون كبيرة جداً. من ناحية ثانية، هناك سلوك انتخابي مستقر في الولايات المتحدة، يعكس ميلا قوياً للناخب الأميركي نحو تحقيق التوازن بين الحزبين، وعدم السماح لأي منهما بالإنفراد بالسلطتين التنفيذية والتشريعية. وإنطلاقاً من ذلك لا يميل هذا الناخب عادة إلى إعطاء هاتين السلطتين لحزب واحد، بل غالباً ما يعطي إحداهما دون الأخرى لأحد الحزبين. مما يعني أن تصويت الناخب الأميركي للمرشح الديمقراطي أوباما، قد يدفعه إما إلى إعطاء الكونجرس للجمهوريين، ولو بأغلبية ضئيلة، أو إعطاء الكونجرس للديمقراطيين انتقاماً من إدارة بوش الجمهورية، لكن بأغلبية ضئيلة أيضاً. هناك احتمال نظري، وهو في الغالب افتراض رياضي بحت، وهو أن هذا السلوك الانتخابي قد يتضافر مع الحس العنصري داخل المجتمع الأميركي، وينتهي إلى إعطاء البيت الأبيض للمرشح الجمهوري، جون ماكين، وإعطاء الكونجرس بأغلبية كبيرة للحزب الديمقراطي.



    في كل الأحوال سوف تكشف نتائج التصويت هذا اليوم عن الخريطة السياسية الأميركية للسنوات الأربع القادمة. وفي انتظار ذلك يبقى أن الانتخابات الأميركية الحالية هي انتخابات تاريخية بكل ما للكلمة من معنى. وهي كذلك لاعتبارات عدة التقت في لحظة زمنية واحدة. فهي، تعلن نهاية حقبة "المحافظين الجدد" وسياساتهم التدميرية على مستوى العالم. وذلك على افتراض أن ماكين خسر الانتخابات أمس. وهي انتخابات تاريخية لأنها تأتي وسط أزمة مالية كبيرة تعصف بالنظام الاقتصادي العالمي، وبالتالي سيكون أمام الرئيس الجديد مهمة المشاركة في إعادة صياغة النظام المالي العالمي. وهي قبل ذلك وبعده انتخابات تاريخية لأنها ستأتي، على الأرجح، بأول رئيس أميركي من أصول أفريقية إلى البيت الأبيض. لأول مرة في التاريخ الأميركي تسكن البيت الأبيض عائلة سوداء. بالمناسبة لم يصبح اسم "البيت الأبيض" المسمى الرسمي لسكن الرئيس الأميركي إلا في عهد الرئيس ثيودور روزفلت، عام 1901. دخول الرجل الأسود لبيت أبيض تعود على أن يكون سكانه دائماً من البيض، يمثل حالة رمزية فريدة تعكس التحول الذي حصل لعلاقة الإنسان الأبيض بالإنسان الأسود في المجتمع الأميركي.


    انتخابات أمس، تاريخية... لأنها تعلن نهاية حقبة "المحافظين الجدد"... ولأنها تأتي وسط أزمة مالية عالمية... ولأنها قد توصل أول رئيس أسود للبيت الأبيض!


    في هذا السياق التاريخي لاحظ الكاتب الأميركي في صحيفة "نيويورك تايمز"، فرانك ريتش، نوعاً من المصادفة التاريخية بين فيلم أميركي من ستينيات القرن الماضي، وفوز أوباما بالانتخابات الرئاسية الحالية. كان اسم الفيلم "توقع من سيأتي على العشاء هذا المساء"، من بطولة الممثل الأميركي الأسود الشهير، سيدني بوتييه. تدور أحداث الفيلم حول قصة فتاة جميلة بيضاء تقع في حب طبيب أسود وسيم، التقته في جامعة هاواي، وتتفق معه على الزواج. كان كاتب السيناريو ذكياً. لم يدع مجالا لاعتراض عائلة الفتاة البيضاء على الرجل الأسود إلا على أساس من اللون. فالرجل، طبيب وسيم، وهادئ، وناجح، وتخرج من جامعات النخبة، جون هوبكنز وييل، ونشاطه في محاربة الأمراض الاستوائية يستحق جائزة نوبل. أي اعتراض هنا لن يكون مصدره إلا عنصرياً. الشاهد، كما لاحظ ريتش، هو المصادفة الغريبة بين سيدني بوتييه وباراك أوباما. الأول يظهر في فيلم يمثل الحلم في مرحلة (1967) تضيق جداً بالإحلام، والثاني يمثل تحقق الحلم في مرحلة لاحقة، وبمواصفات متقاربة بين الإثنين. واللافت أن خطيبة بوتييه في الفيلم قالت لعائلتها "إن أولادهما المختلطين عرقياً سوف يكبر كل واحد منهم ليصبح رئيساً للولايات المتحدة، وستكون إداراتهم متعددة الألوان أيضاً". تبدو قصة أوباما، وترشحة للرئاسة تجسيداً لذلك الحلم. فهو من أب أسود وأم أميركية بيضاء التقيا في جزيرة هاواي. وهذا الطفل الذي اختلط فيه "العرق" الأبيض بالأسود اكتسح الانتخابات ليصبح رئيساً للولايات المتحدة، ويعد بتغيير يجعل من إدارته بالفعل متعددة الألوان. ربما هذه مصادفة غريبة. لكن ربما أنها تكشف عن أن الحلم عندما تتاح له فرصة التعبير عن نفسه سوف يجد طريقاً يتحول بها ليصبح جزءاً من الواقع. المسافة بين الحلم والواقع قد تكون طويلة جداً. وقد تكون عكس ذلك. ولأن المسافة في حقيقتها ثقافية، فإن الثقافة هي في الأخير من يحدد طولها، والزمن المطلوب لتجاوزها. ما بين عام 1967، السنة التي ظهر فيها فيلم "توقع من سيأتي على العشاء هذا المساء"، وعام 2008 هي إحدئ وأربعون سنة. عمر العنصرية الأميركية أكثر من ذلك بكثير. لكن حتى لو أن أوباما لم يفز في انتخابات الأمس، يكفي أنه كان المرشح الأكثر نجاحاً، والأكثر جاذبية، إلى درجة أن من قالوا للاستطلاعات عكس قناعاتهم العرقية فعلوا ذلك بفعل التغير الثقافي الكبير. وهو تغير لم يعد بسببه من المستساغ اتخاذ موقف سياسي بناء على قناعات عرقية. وبالتالي فإن وصول أوباما إلى البيت الأبيض يمثل الخطوة الأخيرة، أو وصول المسيرة التاريخية، والنضال السياسي للشعب الأميركي إلى خاتمته الطبيعية.



    الآن لاحظ كيف تبدو المسافة التاريخية في الثقافة العربية. في القرن الأول الهجري (السابع الميلادي) قرر معاوية بن أبي سفيان توريث الخلافة لابنه، يزيد بن معاوية. بعد أكثر من أربعة عشر قرناً قرر الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، توريث الحكم لابنه بشار الأسد. وتبدو قائمة الانتظار لتكرار العملية ذاتها تزداد اتساعاً لتشمل كلاً من مصر، واليمن، وليبيا. هذا لا يعني فقط أن مفهوم توريث الحكم، وفي النظم الجمهورية، لايزال يحتفظ بحيويته وقابليته الثقافية. بل يبدو الأمر وكأن المسافة بين الحلم والواقع في الثقافة السياسية العربية لا وجود لها. تبدو المسافة وكأنها تغطي الأفق كله، والحلم فاقد لطبيعته، لأنه ليس هناك ما يمكن مقارنته معه بغرض التعرف على طبيعته وحدوده.



    من هذه الزاوية العربية تحديداً تتبدى تاريخية الانتخابات الرئاسية الأميركية. عكس الحالة العربية التي بقيت سياسياً كما هي، تعلن هذه الانتخابات انتقال المجتمع الأميركي إلى مرحلة تاريخية جديدة. السؤال الذي يحير الكثيرين، بما فيهم بعض الأميركيين أنفسهم، هو: كيف أن ثقافة تملك هذا القدر من المرونة والحس التاريخي والإبداع، تفرز سياسة خارجية تنحو كثيراً نحو العنف والتدمير، بل وتقف أحياناً إلى جانب العنصرية كما فعلت مع جنوب أفريقيا سابقاً، ومع إسرائيل حالياً؟

    الدكتور تركي فيصل الرشيد

    رجل أعمال . استاذ زائر كلية الزراعة في جامعة اريزونا توسان - مقيم في الرياض .
    يمكن متابعته على تويتر
    @TurkiFRasheed

Working...
X