أوباما وإيران .. التحدي بين الذئب والحمل
الاقتصادية
سوزان ديماجيو - 08/11/1429هـ
أثناء حديثي مع أحد المسؤولين الإيرانيين في طهران في وقت سابق من هذا العام، ذكَّرني بولع آية الله الخميني بمقارنة العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران بالعلاقة بين الذئب والحمل. ولكن المسؤول الإيراني استمر في الحديث مساهماً بإضافة خاصة من لدنه فقال: "منذ ذلك الوقت مَـرَّ ما يقرب من 30 عاماً، ولمن نعد ذلك الحمل، بل وربما لم تعد الولايات المتحدة الذئب نفسه الذي كان من قبل". والمقصود من هذا التصريح أن إيران لم تعد تشعر بالتفاوت العميق بينها وبين الولايات المتحدة كما كانت الحال في الماضي، وأن الوقت ربما حان لمحاولة الارتباط بين البلدين.
على مدى العقود الثلاثة الماضية، جاهد خمسة من رؤساء الولايات المتحدة سعياً إلى التوصل إلى الأسلوب السليم في التعامل مع إيران. ولقد فشل الرؤساء الخمسة. وحين يبدأ رئيس الولايات المتحدة المنتخب باراك أوباما ومعه مستشاروه في تقييم أولويات سياستهم الخارجية فلسوف يجدون أنفسهم في مواجهة التحدي المباشر المتمثل في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني والأهمية الاستراتيجية المتنامية التي اكتسبتها إيران في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
سوف يكون لزاماً عليهم أن يتعاملوا بسرعة مع حقيقة مفادها أنهم في سعيهم إلى تحقيق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك تحقيق الاستقرار في العراق وأفغانستان، لابد وأن يدركوا أن المواجهة الحالية مع إيران لا يمكن أن تستمر، وأن التحلي بقدر أعظم من الرغبة في التعاون أمر لا يمكن تجنبه. وإذا كانت لديهم الرغبة في تجنب تكرار إخفاقات الإدارة السابقة، فلسوف يكون لزاماً عليهم أن يقوموا بما لم يفكر أي من الرؤساء الذين سبقوا أوباما في الإتيان به.
يتعين عليهم أن يتخذوا قراراً استراتيجياً بإشراك إيران ـ دون أي شروط مسبقة ـ في المناقشات بشأن نطاق واسع من القضايا ذات الأهمية بالنسبة لكلا الجانبين. أثناء حملته الانتخابية قال أوباما: "إنه لمن غير المنطقي ألا ندخل معهم في حوار". والآن باتت لديه الفرصة لمتابعة الأمر حتى النهاية.
إن هذا التوجه لا يعني جلوس أوباما مع المرشد الأعلى قائد الثورة الإسلامية علي الخامنئي أو الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في أي وقت قريب. إذ أن الأمر يتطلب قدراً عظيماً من العمل التحضيري أولاً. وعلى هذا فمن الممكن أن يضطلع بهذه المهمة فريق صغير يعمل على مناقشة تفاصيل الإطار المقبول من الطرفين لإقامة حوار واسع النطاق وغير مشروط، لتمكين الحكومتين من إحراز بعض النجاحات الأولية المتواضعة، ثم بالتدريج بناء الثقة، وبطبيعة الحال فإن الثقة المتبادلة مطلوبة لوضع تصور لحلول مشكلات أضخم. ومن الممكن أن تشتمل هذه العملية على تعيين مبعوث من الولايات المتحدة إلى إيران. وفي نهاية المطاف لابد وأن يشكل الحوار المباشر على أعلى المستويات هدفاً رئيسياً.
لن تكون هذه بالمهمة اليسيرة. ففي قلب الصراع الأمريكي الإيراني تكمن أزمة ثقة عميقة بشأن استعداد كل من الكيانين لتقبل وجود الآخر على المسرح العالمي. وكل طرف يشعر بأنه تعرض للمهانة والتجريح من جانب الطرف الآخر. والمطلوب الآن عملية تهدف إلى إعادة بناء الثقة والتواصل حتى يصبح من الممكن النظر إلى عملية الأخذ والرد التي ستشتمل عليها المفاوضات باعتبارها أداة لخدمة مصالح مشتركة وليست أداة لتبادل الإهانات وتجريح الكرامة الوطنية أو الهوية.
رغم أن السابقة التاريخية المتمثلة في تفاهم شنغهاي، الذي وقعته الصين والولايات المتحدة في العام 1972 والذي سمح لكل من الحكومتين "بالاتفاق على أن يختلفا" فيما يتصل بالعديد من القضايا بينما منحهما الفرصة للالتزام بالحوار على أعلى مستوى، بعيدة عن كونها سابقة دقيقة يقاس عليها الموقف اليوم بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أنها تشكل نموذجاً واعداً. فقد ثبتت فعالية هذا الإطار العملي بعيد النظر مع الوقت.
من المحتم أن يكون الحوار مع إيران محبطاً وصعباً، إلا أنه يشكل السبيل الوحيدة لوضع الأساس الممكن للمشاركة البناءة وابتكار الاستراتيجية اللازمة لتجنب الدخول في مواجهة قد تكون فادحة التكاليف. إن تركيز الحوار على برنامج إيران النووي وحده أو العراق لن يضمن النجاح لهذا الحوار. بل ينبغي على الطرفين أن يطرحا القضايا ذات الأهمية كافة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران على طاولة المفاوضات.
إن هذا النهج يتطلب من الجانبين أن يمارسا القدر الأعظم من ضبط النفس وأن يتعايشا مع الغموض المصاحب للعمل مع خصم قوي سعياً إلى معالجة الخلافات العميقة. سوف تستمر حالة انعدام الثقة، ولن يخلو الأمر من الخلط بين الإشارات، وسوف تحدث نكسات متكررة، بيد أن النتائج قد تؤدي مع مرور الوقت إلى قدر أعظم من التفاهم المشترك واكتساب القدرة على معالجة بعضٍ من أكثر المشكلات إلحاحاً، تماماً كما تعلمت الولايات المتحدة كيف تتعامل مع الاتحاد السوفياتي والصين.
إن عقد الاتفاقيات الدبلوماسية والاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإيران على أعلى المستويات هو في الواقع اقتراح لم يختبر بعد. ومن خلال سلوك أوباما هذا الطريق بعد أن يتولى مهام منصبه، فلسوف يضطر إيران إلى الاختيار: فإما أن تكون راغبة في التحول إلى دولة كاملة الاندماج في الاقتصاد العالمي، وإما أنها تريد أن تستمر في القيام بدور الكيان الأيديولوجي "المارق". ولقد آن الأوان لكي يتعرف العالم على الاختيار الذي ستستقر عليه إيران.