"طالبان" تنتصر وأمريكا تكرر أخطاءها
الاقتصادية
د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري - كاتب متخصص في التنمية 12/11/1429هـ
[email protected]
بعد أكثر من سبع سنوات من الحرب على الإرهاب وبعد تدمير العراق التي ليس لها علاقة بأحداث 11 أيلول (سبتمبر)، ها هي حكومة طالبان في أفغانستان تعود مرة أخرى بعد حرب مع دول العالم للمدة نفسها، المؤلم أن حكومات العالم التي حاربت طالبان ومعها ابن لادن خلال تلك السنوات تبحث اليوم عن مخرج من تلك الحرب وتسعى إلى هدنة معهم، وفي المقابل ترفض "طالبان" هذه الهدنة بل إن الأمر زاد على ذلك حيث وسعت "طالبان" اعتداءاتها خارج المناطق التي تسيطر عليها وبدأت في مهاجمة قوات التحالف وقوافل المعونات الإنسانية في جميع أفغانستان وأطراف باكستان، إضافة إلى امتداد نفوذها وقوتها إلى الاغتيالات والتفجيرات في كل مكان خصوصاً في باكستان، هذا الانتشار والقوة لـ "طالبان" وما يقابلها من تخاذل وانسحاب من قبل الولايات المتحدة وحلفائها مؤشر خطير لوضع أمني مستقبلي.
إن عدم القضاء النهائي على تنظيم طالبان سيعطي هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية قوة إضافية في قدرتهم على البقاء والنمو والسيطرة لقناعتهم بضعف الخصم وعدم قدرته على الاستمرار في الحرب ضدهم، هذا الخصم هو دول العالم المحاربة للإرهاب والهيمنة البربرية على شعوبه، وما يحدث اليوم مع تنظيم طالبان يكرر ما حدث مع ابن لادن ومجموعته، فبعد انتهاء حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي السابق الذي جيشت له الولايات المتحدة الأمريكية دول العالم وخاصة دول العالم الإسلامي، وبسبب تلك الحرب هاجر آلاف الشباب العرب والمسلمين للحرب أو الجهاد في أفغانستان، تلك الحرب التي علمتهم استخدام السلاح واستسهال القتل، وبعد انتهاء الحرب لم يجدوا من يحتويهم فانقلبوا على دولهم وبدأوا في حروب جديدة ضد تلك الدول.
إن انقلاب المحاربين العرب والمسلمين ضد دولهم والولايات المتحدة الأمريكية لم يأت من فراغ وإنما نتيجة عدم وجود رؤية أو استراتيجية للتعامل معهم واحتوائهم بعد انتهاء الحرب ضد الاتحاد السوفياتي. غياب هذه الرؤية أو الاستراتيجية وعدم قبول العديد منهم في دولهم حتى أن أحد رؤساء الدول العربية وفي لقاء تلفزيوني معه قال إن هؤلاء المحاربين ما هم إلا كلاب مسعورة يجب قتلها، هذه النظرة جعلت منهم أعداء لدولهم وعدو لصديق دولهم خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية ومن هنا جاءت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) وما قبلها وما بعدها.
إن الضعف وعدم الاستمرار في إنهاء الحرب ضد نظام طالبان سوف يعيد الحدث مرة أخرى بمعنى أن ما حدث مع المحاربين العرب والمسلمين في أفغانستان ثم انتشارهم في مختلف دول العالم سوف يتكرر مع تنظيم طالبان حيث سيجد هذا النظام الفرصة للانتشار بأفكاره وأساليبه في مختلف دول العالم وخصوصاً العالم الإسلامي وسيجد اتباعه وأتباع أتباعه أن هذا النموذج الطالباني نموذج يمكن تطبيقه في دولهم، كما أن هذا التخاذل من الولايات المتحدة خاصة وقوات التحالف عامة ضد إنهاء الحرب والقضاء على تنظيم طالبان وعدم تحقيق استقرار أفغانستان وباكستان سوف يكون دافعا أقوى لأنصار الإرهاب في الاستمرار في خططهم ويؤكد قناعتهم بأنهم أقوى من تحالف دول العالم.
الولايات المتحدة أخطأت عندما تركت أفغانستان بعد الحرب ضد الاتحاد السوفياتي دون أن تضع خطة واضحة للتعامل مع المقاتلين الذين كانت تدعمهم هناك واعتقادها أن انتهاء الحرب ينهي مسؤوليتها عن هؤلاء المقاتلين، ولعل المتابع لهذا الشأن يعرف كيف تحول هؤلاء المقاتلون من مجاهدين إلى إرهابيين بسبب عدم قدرتهم على الانسجام مع دولهم وغياب البرامج التوعوية والتثقيفية والاحتوائية لهم مما أدى إلى ما نحن فيه من قلق وحروب وتفجيرات، ما كان يجب أن تحدث لو أحسنا تنظيف آثار الحرب بعد انتهائها.
اليوم ووفقا لما يجري في أفغانستان من ضعف وانسحاب للقوات الحليفة وازدياد لشوكة تنظيم طالبان فإننا نعيد السيناريو نفسه الذي حدث بعد انتهاء حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي من ترك الساحة وإعطاء أنصار الإرهاب الفرصة للتجمع وتوحيد الجهود والبدء من جديد في تنفيذ أفكارهم ومعتقداتهم ولكن هذه المرة بتجربة أكبر وجلد أعظم وثقة في النفس وثقه بهم من أنصارهم داخل أفغانستان وخارجها.
الولايات المتحدة قادت العالم خلال حرب أفغانستان وبعدها وخلال احتلال العراق وربما بعدها وأثناء الحرب على الإرهاب وحتى اليوم بخطط واستراتيجيات تعرف فيها كيف تبدأها لكنها لا تعرف كيف تنهيها، ولهذا جاءت الحرب ضد الاتحاد السوفياتي بالإرهابيين وها هي تثير حربا ضد تنظيم طالبان والقاعدة ولا تعرف كيف تنهيه وتغزو العراق ولا نعرف كيف تنهيه، والأمثلة كثيرة لمثل هذه التصرفات اللامسؤولة من دولة يفترض فيها المسؤولية العالمية، وأخيرا جاءت فترة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بكل المصائب التي يعيشها العالم اليوم ولا أعتقد أن قيادة أمريكا المقبلة قادرة على حلها وتجنيب العالم شيئا من آثارها.
إن ترك الساحة الأفغانية اليوم لتنظيمي طالبان والقاعدة سيعيد التوتر والتخريب والتفجيرات وربما أكثر من ذلك لجميع دول العالم، ولهذا يجب ألا نكرر غلطة انتهاء الحرب ضد الاتحاد السوفياتي مرة أخرى ونفسح المجال للإرهاب للضرب بيد من حديد ضد دول العالم، الأمر يتطلب دراسة متأنية لكيفية القضاء عليهم واحتواء أنصارهم ودمجهم في مجتمعاتهم خصوصاً أنهم عاشوا ويعيشون حياة من التقشف والعوز والإرهاق تتطلب الاهتمام والرعاية والاحتواء.
وقفة تأمل:
من دبر العيش بالآراء دام له صفوا وجاء إليه الخطب معتذرا
يهون بالرأي ما يجري القضاء به من أخطأ الرأي لا يستجنب القدرا
من فاته العز لا بالأقلام أدركه بالبيض يقدح من أطرافها الشررا
لا يحسن الحلم إلا في مواطنه ولا يليق الوفا إلا لمن شكرا
و لا ينال العلى إلا فتى شرفت خلاله فأطاع الدهر ما أمرا