الآسيويون وجوائز نوبل
مسعود ضاهر - المستقبل
بعيداً عن هموم السياسة المحلية والأزمة العامة للرأسمالية، فإن ما لفت الانتباه في موسم الحصاد لجوائز نوبل للعام 2008 هو حصول اليابانيين على أعلى نسبة في مجال الفيزياء. لذلك تعيش اليابان فرحة عارمة بحصول باحثيها على ثلاث جوائز نوبل للفيزياء وواحدة للكيمياء عن العام الحالي. فارتفع عدد اليابانيين الذين حصلوا على جوائز نوبل إلى 16 عالماً وأديباً منهم سبعة في علوم الفيزياء، وخمسة في الكيمياء، وجائزة واحدة للطب، وأخرى للسلام، وجائزتان في الآداب.
بالمقابل، فإن الجوائز التي حصلت عليها الدول الآسيوية الكبرى كانت على التوالي: أربع جوائز للصين، ثلاث منها في الفيزياء وواحدة في الآداب. تضاف إليها جائزة في الكيمياء لعالم صيني من تايوان، وجائزة للسلام للدلاي لاما، وهو من التيبت الصينية.
وحصلت الهند على ثماني جوائز: اثنتان في الفيزياء، واثنتان في الطب، واثنتان في الآداب، وجائزة في الاقتصاد، وجائزة للسلام. وحصلت كوريا الجنوبية على جائزة واحدة للسلام.
لكن هذا العدد القليل من الجوائز ما زال قليلاً قياساً إلى كثافة عدد الجوائز التي نالتها الدول الغربية، بجناحيها الأميركي والأوروبي. إذ حصلت الولايات المتحدة الأميركية حتى العام 2008 على 308 جوائز، تليها بريطانيا 114، وألمانيا 100، وفرنسا 57، والسويد 28، وسويسرا 25، وروسيا 22، وإيطاليا 20، والنمسا 19، وهولندا 18، وكندا 17، والدانمرك 13، والنرويج 11، وبلجيكا 11، وهنغاريا 10، وبولونيا 9، واستراليا 9، وإسرائيل 8، وايرلندا 8، وإسبانيا 7، وتشيكيا 5، والأرجنتين 5.
اللافت للنظر أن العرب حصلوا على سبع جوائز منها خمس لمصر، واثنتان للجزائر. توزعت جوائز المصريين على الشكل التالي: واحدة للكيمياء لأميركي من أصل مصري، وثانية للآداب، وثلاثة للسلام هي للرئيس السادات، ومحمد البرادعي، والرئيس ياسر عرفات الذي وضع في خانة مصر. والطريف أن الجزائري المولد ألبير كامو نال جائزة الآداب، والجزائري المولد كلود كوهين تانودجي جائزة الفيزياء.
تبدو المحصلة العامة لهذه اللوحة أن الدول الآسيوية ما زالت بعيدة جداً عن اللحاق بالدول المتطورة في القارتين الأميركية والأوروبية. فالمرتبة التي حصلت عليها اليابان، وهي في طليعة الدول الآسيوية لا توازي كندا، وبعيدة جداً عن الدول الكبرى كالولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا. يضاف إلى ذلك أن رصيد الصين والهند ما زال هزيلاً جداً قياساً لحجم الباحثين، والإمكانيات المالية الكبيرة التي توظف في مجال البحوث العلمية المتطورة منذ سنوات طويلة.
لكن الدول الآسيوية تولي اهتماماً خاصاً بالفيزياء والكيمياء، وقد عززت مكانتها في هذا المجال في السنوات القليلة الماضية. فحصلت اليابان على ثماني جوائز نوبل في هذين الفرعين منذ العام 2000. وتشدد الصين كذلك على الفيزياء بحيث حصلت على ثلاثة جوائز من أصل أربعة. وهناك دراسات رصينة تظهر حرص مراكز الأبحاث الصينية على تقديم دعم متزايد للطلبة والباحثين في مجالي الفيزياء والكيمياء.
لكن الهوة التاريخية كانت كبيرة جداً بين أنظمة التعليم في كل من الدول الأوروبية والأميركية من جهة، والآسيوية من جهة أخرى. وكانت العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة احتكاراً غربياً شبه تام حتى مطلع القرن العشرين. كما أن حركة التحديث التي شهدتها اليابان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم الصين والنمور الآسيوية في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت بمساندة مباشرة من الدول الأوروبية والأميركية. فأقبلت جميع الدول الآسيوية على اكتساب العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة بانفتاح كلي على الغرب، لكنها تحاشت الاقتباس السهل الذي يحول عملية التحديث إلى تغريب واستلاب، وأصرت على امتلاك الفكر العلمي الذي ساهم في نهضة الغرب ومنحه الأولوية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الظروف التي شهدتها أوروبا وبعض الدول الآسيوية بين الحربين العالميتين، وهيمنة النظم الفاشية والنازية والديكتاتورية والشمولية في كثير من دولها كان لها اثر واضح في تحديد جنسية الحاصلين على جوائز نوبل. فقد دفعت بآلاف الأدمغة للاستقرار والعمل في الولايات المتحدة الأميركية التي أفسحت لهم المجال واسعاً، وقدمت لهم الجنسية الأميركية وكل التسهيلات الضرورية للعمل والإبداع. فتبدلت صورة الجائزة بشكل كامل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث باتت الولايات المتحدة تحصد سنوياً غالبية جوائز نوبل في مختلف حقول المعرفة. وذلك على حساب الجنسيات الأخرى التي تظهر واضحة في أسماء عدد لا بأس به الأميركيين من أصول أوروبية وآسيوية.
لكن الأزمة الراهنة التي تعيشها الولايات المتحدة قد تنعكس سلباً على مراكز الأبحاث العلمية فيها. في حين أن استقرار الدول الآسيوية، واستمرار وتيرة النمو فيها بنسب عالية تشكل أرضاً صلبة لاستعادة كثير من علمائها المهاجرين، ولبروز منافسة جدية بين الدول الآسيوية والدول الغربية، بجناحيها الأوروبي والأميركي. واللافت للنظر أن حقل المنافسة الكبرى سيكون على مستوى العلوم العصرية التي كانت غربية بالكامل خصوصاً العلوم البحتة والتقنيات المتطورة. لكن الباحثين الآسيويين اكتسبوا تلك العلوم ووطنوها وأبدعوا فيها ونالوا عليها جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب.
مسعود ضاهر - المستقبل
بعيداً عن هموم السياسة المحلية والأزمة العامة للرأسمالية، فإن ما لفت الانتباه في موسم الحصاد لجوائز نوبل للعام 2008 هو حصول اليابانيين على أعلى نسبة في مجال الفيزياء. لذلك تعيش اليابان فرحة عارمة بحصول باحثيها على ثلاث جوائز نوبل للفيزياء وواحدة للكيمياء عن العام الحالي. فارتفع عدد اليابانيين الذين حصلوا على جوائز نوبل إلى 16 عالماً وأديباً منهم سبعة في علوم الفيزياء، وخمسة في الكيمياء، وجائزة واحدة للطب، وأخرى للسلام، وجائزتان في الآداب.
بالمقابل، فإن الجوائز التي حصلت عليها الدول الآسيوية الكبرى كانت على التوالي: أربع جوائز للصين، ثلاث منها في الفيزياء وواحدة في الآداب. تضاف إليها جائزة في الكيمياء لعالم صيني من تايوان، وجائزة للسلام للدلاي لاما، وهو من التيبت الصينية.
وحصلت الهند على ثماني جوائز: اثنتان في الفيزياء، واثنتان في الطب، واثنتان في الآداب، وجائزة في الاقتصاد، وجائزة للسلام. وحصلت كوريا الجنوبية على جائزة واحدة للسلام.
لكن هذا العدد القليل من الجوائز ما زال قليلاً قياساً إلى كثافة عدد الجوائز التي نالتها الدول الغربية، بجناحيها الأميركي والأوروبي. إذ حصلت الولايات المتحدة الأميركية حتى العام 2008 على 308 جوائز، تليها بريطانيا 114، وألمانيا 100، وفرنسا 57، والسويد 28، وسويسرا 25، وروسيا 22، وإيطاليا 20، والنمسا 19، وهولندا 18، وكندا 17، والدانمرك 13، والنرويج 11، وبلجيكا 11، وهنغاريا 10، وبولونيا 9، واستراليا 9، وإسرائيل 8، وايرلندا 8، وإسبانيا 7، وتشيكيا 5، والأرجنتين 5.
اللافت للنظر أن العرب حصلوا على سبع جوائز منها خمس لمصر، واثنتان للجزائر. توزعت جوائز المصريين على الشكل التالي: واحدة للكيمياء لأميركي من أصل مصري، وثانية للآداب، وثلاثة للسلام هي للرئيس السادات، ومحمد البرادعي، والرئيس ياسر عرفات الذي وضع في خانة مصر. والطريف أن الجزائري المولد ألبير كامو نال جائزة الآداب، والجزائري المولد كلود كوهين تانودجي جائزة الفيزياء.
تبدو المحصلة العامة لهذه اللوحة أن الدول الآسيوية ما زالت بعيدة جداً عن اللحاق بالدول المتطورة في القارتين الأميركية والأوروبية. فالمرتبة التي حصلت عليها اليابان، وهي في طليعة الدول الآسيوية لا توازي كندا، وبعيدة جداً عن الدول الكبرى كالولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا. يضاف إلى ذلك أن رصيد الصين والهند ما زال هزيلاً جداً قياساً لحجم الباحثين، والإمكانيات المالية الكبيرة التي توظف في مجال البحوث العلمية المتطورة منذ سنوات طويلة.
لكن الدول الآسيوية تولي اهتماماً خاصاً بالفيزياء والكيمياء، وقد عززت مكانتها في هذا المجال في السنوات القليلة الماضية. فحصلت اليابان على ثماني جوائز نوبل في هذين الفرعين منذ العام 2000. وتشدد الصين كذلك على الفيزياء بحيث حصلت على ثلاثة جوائز من أصل أربعة. وهناك دراسات رصينة تظهر حرص مراكز الأبحاث الصينية على تقديم دعم متزايد للطلبة والباحثين في مجالي الفيزياء والكيمياء.
لكن الهوة التاريخية كانت كبيرة جداً بين أنظمة التعليم في كل من الدول الأوروبية والأميركية من جهة، والآسيوية من جهة أخرى. وكانت العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة احتكاراً غربياً شبه تام حتى مطلع القرن العشرين. كما أن حركة التحديث التي شهدتها اليابان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم الصين والنمور الآسيوية في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت بمساندة مباشرة من الدول الأوروبية والأميركية. فأقبلت جميع الدول الآسيوية على اكتساب العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة بانفتاح كلي على الغرب، لكنها تحاشت الاقتباس السهل الذي يحول عملية التحديث إلى تغريب واستلاب، وأصرت على امتلاك الفكر العلمي الذي ساهم في نهضة الغرب ومنحه الأولوية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الظروف التي شهدتها أوروبا وبعض الدول الآسيوية بين الحربين العالميتين، وهيمنة النظم الفاشية والنازية والديكتاتورية والشمولية في كثير من دولها كان لها اثر واضح في تحديد جنسية الحاصلين على جوائز نوبل. فقد دفعت بآلاف الأدمغة للاستقرار والعمل في الولايات المتحدة الأميركية التي أفسحت لهم المجال واسعاً، وقدمت لهم الجنسية الأميركية وكل التسهيلات الضرورية للعمل والإبداع. فتبدلت صورة الجائزة بشكل كامل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث باتت الولايات المتحدة تحصد سنوياً غالبية جوائز نوبل في مختلف حقول المعرفة. وذلك على حساب الجنسيات الأخرى التي تظهر واضحة في أسماء عدد لا بأس به الأميركيين من أصول أوروبية وآسيوية.
لكن الأزمة الراهنة التي تعيشها الولايات المتحدة قد تنعكس سلباً على مراكز الأبحاث العلمية فيها. في حين أن استقرار الدول الآسيوية، واستمرار وتيرة النمو فيها بنسب عالية تشكل أرضاً صلبة لاستعادة كثير من علمائها المهاجرين، ولبروز منافسة جدية بين الدول الآسيوية والدول الغربية، بجناحيها الأوروبي والأميركي. واللافت للنظر أن حقل المنافسة الكبرى سيكون على مستوى العلوم العصرية التي كانت غربية بالكامل خصوصاً العلوم البحتة والتقنيات المتطورة. لكن الباحثين الآسيويين اكتسبوا تلك العلوم ووطنوها وأبدعوا فيها ونالوا عليها جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب.