العوامل الدافعة لفوز أوباما
التجديد العربي
نجيب الخنيزي
هناك جملة من العوامل الموضوعية والذاتية تظافرت لتعبيد طريق الفوز الكاسح بالرئاسة الأمريكية لأول مرشح أسود في التاريخ الأمريكي، في مقدمتها الوضع الاقتصادي/ الاجتماعي الحرج والمتدهور الذي بات يعيشه الشعب الأمريكي وخصوصا العمال والأجراء والطبقة المتوسطة، من جراء ما سمي بأزمة الرهن العقاري التي اندلعت قبل أكثر من عام، كما انعكس في اتساع نطاق البطالة التي وصلت إلى 6.5%، حيث فقد قرابة مليوني أمريكي وظائفهم منذ مطلع العام الحالي، ناهيك عن اتساع رقعة الفقر الذي يطول قرابة 36 مليون أمريكي، وقد بلغ عدد الأمريكيين المحرومين من التأمين الصحي حوالى 47 مليون مواطن، إلى جانب العجز القياسي في الموازنة العامة والبالغ 455 مليار دولار، وشمل العجز الميزان التجاري الذي بلغ 58.8 مليار دولار في شهر يونيو وارتفع إلى 62.2 مليار دولار في شهر يوليو الماضي وهو ما يعادل 5.2% من المنتج الداخلي الخام، كما وصل الدين العام الأمريكي إلى مستويات قياسية حيث يقدر بحوالى 11 تريليون دولار وهو ما يعادل 50% من إجمالي الدخل القومي. هذا المشهد الاقتصادي غير الزاهي على الإطلاق ترافق مع النهج التصعيدي والمغامر في مجال السياسية الخارجية، والذي أدى إلى توريط الولايات المتحدة في سلسلة حروب (العراق وأفغانستان) دامية ونزاعات إقليمية ودولية لا تنتهي، وذلك على حساب دافع الضرائب الأمريكي. وقد قدرت الكلفة المباشرة وغير المباشرة لغزو العراق فقط بأكثر من تريليون دولار وهو يتجاوز إلى حد كبير ما رصد من أموال (700 مليار دولار) حكومية لمواجهة تداعيات الأزمة المالية الحالية. تلك النتائج الكارثية اعتبرتها قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي، وغالبية دول وشعوب العالم إنها نتاج تطبيقات «الليبرالية الجديدة» و«قوانين اقتصاد السوق» الحرة والغابيّة والمنفلتة من أي ضوابط، والتي اعتمدتها إدارة الرئيس بوش (الجمهورية) المحافظة واليمينية الحالية، وبالتالي اعتبر المرشح الجمهوري جون ماكين على نطاق واسع أنه يمثل امتدادا لها. لا شك أن الأرضية الشعبية في الولايات المتحدة كانت ناضجة للبديل ولشعار التغيير الذي رفعه باراك أوباما، والذي تمثل في برنامجه الانتخابي. لقد استطاع باراك أوباما تحقيق الفوز لأنه تمكن من قراءة الواقع والمتغيرات في الواقع الأمريكي وتعامل معها على نحو أفضل، وقد استطاع إدارة حملته بنجاح لافت حيث كان محاطاً بفريق وطيف واسع من الخبراء والأنصار والمتطوعين (أكثر من نصف مليون متطوع) وخصوصا الشباب منهم، كما استغل على نحو أفضل تقنيات الاتصال والتواصل الحديثة إلى جانب وسائل الإعلام (صحف ومحطات التلفزيون والإذاعة) المختلفة التي أبدت غالبيتها تعاطفها وتبنيها لأطروحاته حول التغير. كما لا يمكن إغفال المزايا والسمات الشخصية التي تعتبر من العوامل الحاسمة بالنسبة لقطاع مهم من الناخبين المنجذبين نحو ظاهرة التمسرح السياسي على الطريقة الهوليودية. لقد استغل أوباما ما يمتلكه من حيوية وشباب (47 عاما) وذكاء متوقد وملكة الخطابة التي كونت أهم سمات شخصيته الكارزمية في إقناع شريحة الشباب (صوت 70% منهم لصالحه) والأقليات العرقية (يمثلون قرابة 100 مليون نسمة) وقطاعات واسعة من الناخبين البيض ومن ضمنهم أعداداً ليست قليلة من القاعدة الانتخابية التقليدية للحزب الجمهوري، والسبب بكل بساطة أنه طرح نفسه ليس بصفته العرقية (أسود) بل كممثل للخيار الأمريكي الوطني البديل، وكان تركيزه على الهموم والقضايا الحياتية المباشرة التي تهم الناخب الأمريكي، والتي عبر عنها بوضوح في إجابته على تساؤلات السباك «جو» من ولاية أوهايو لدى حواره مع أوباما حول موضوع الضرائب، وحماية ذوي الدخل المحدود وصغار رجال الأعمال، حيث رد عليه أوباما أنه يؤيد«إعادة توزيع الثروة» بين شرائح المجتمع الأمريكي وبما يضمن مصالحهم، الأمر الذي أثار حنق ماكين وفريقه الانتخابي، حيث صرح ماكين في ردة فعل غاضبة، وفي محاولة لتخويف الناخبين، بأن أوباما يساري واشتراكي متطرف، علما بأنه سبق لماكين أن تحدث عن علاقة قديمة لأوباما مع جماعة يسارية أمريكية، لم ينفها أوباما غير أنه اعتبرها جزء من الماضي. أولوية القضايا والمشاغل الداخلية لم تغيب القضايا الخارجية تماما عن اهتمام الناخب الأمريكي، وخصوصا إزاء موضوعي ما سمي بالحرب على الإرهاب، والاحتلال والوجود العسكري الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان لأنهما في التحليل الأخير يؤثران ويصبان في الشأن الأمريكي الداخلي، سواء لجهة التكاليف المادية (أكثر من تريليون دولار) والبشرية (الآلاف من القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين) الباهظة التي يدفع ضريبتها المواطن الأمريكي، خصوصا بعد ما تبين على أرض الواقع فشل سياسة الحروب الاستباقية، والفشل في التصدي للتحديات الأخرى في مناطق التوتر في العالم، وخصوصا إزاء النزاع والمواجهة مع إيران حول الموضوع النووي، وإزاء قضايا إقليمية (لبنان، فلسطين، سوريا) ودولية (روسيا، الصين، كوريا الشمالية، جورجيا) ساخنة. كل ذلك أدى إلى تآكل المكانة الاقتصادية والسياسية والأخلاقية للولايات المتحدة وتزايد موجة الرفض العالمي وعلى نحو غير مسبوق لتلك السياسات والممارسات، ومن بينها الانتهاكات والتعذيب والاعتقال التحوطي وغير القانوني الذي شمل أعدادا كبيرة من الناس، والتعدي على الحقوق والحريات المدنية في داخل الولايات المتحدة وخارجها على غرار المراقبة والتصنت الفردي والجماعي، وما تكشف من فضائح مقرفة في سجون أبو غريب وغوانتانامو وغيرها من السجون السرية الأمريكية حول العالم.
خطاب باراك أوباما وتوجهاته العامة كانت أكثر إقناعا للناخب الأمريكي، غير أنه في الوقت نفسه لا نستطيع تجاهل حجم التغير النوعي الحاصل في وعي الشعب الأمريكي، وتجاوزه إلى حد بعيد المرحلة البغيضة لعهد العبودية وسياسة التمييز العنصري التي سادت في المجتمع الأمريكي لعدة قرون. السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل ينجح أوباما في مواجهة جملة الاستحقاقات والتحديات الداخلية والخارجية، ويجسد شعار التغيير والإصلاح الذي دشن به حملته الانتخابية على أرض الواقع؟ صدقية وقدرة أوباما في كل ذلك ستكون على المحك، في غضون الأشهر القليلة القادمة.