أمريكا: لا جدوى كم تغتسلي.. ستبقى أيديكِ قذرة..
التجديد العربي
ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد
كان من المستحيل أن تجد صحيفة أو مجلة رئيسة في العالم بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية لا تقرأ لها عنوان عريض يتضمن ما معناه "التغيير وصل إلى أمريكا". آمل أن ما تعنيه هذه المطبوعات هو أن الأمريكان الأفارقة نجحوا أخيراً في الوصول إلى البيت الأبيض وأن التمييز العنصري rasicm قد ولّى.
ولكن كيف تغيرت أمريكا في الحقيقة؟ هل أن العنصرية التي تأصلت في الكينونة التي أصبحت تُسمى الولايات المتحدة الأمريكية منذ البدايات الكولونيالية لنشوئها على أنقاض سكانها الأصليين من الهنود الحمر وعقود العبودية للأفارقة، قد ولّت حقيقةً وتغيّرت بين ليلة وضحاها بمجرد نصر انتخابي؟ كيف يمكن رؤية ما حدث في 4 نوفمبر 2008 (حصيلة انتخابات الرئاسة الأمريكية)؟
هذه الانتخابات، كما في الانتخابات السابقة، وكما في الانتخابات القادمة، كانت بين حزبين سياسيين تقليديين، أحدهما في الحكم والآخر في موقع المعارضة- الجمهوري والديمقراطي. إذا ما كُنتَ متابعاً نتيجة استقصاءات آراء الناخبين للستة أشهر الماضية ولغاية أواخر سبتمبر فقط (قبل الانتخابات الرئاسية)، عندئذ تكون قد لاحظتَ أن كلا الحزبين كانا يتنافسان كتفاً إلى كتف (فيما يخص الأصوات المؤيدة لهما). هذا بعد سبع سنوات من إدارة بوش (الجمهوري) التي لم تُحقق شيئاً سوى البؤس والتعاسة misery، ليس فقط للعالم، بل كذلك للشعب الأمريكي نفسه. هذا أمر مذهل amazing، لأنه حتى الخروف المُكبّل بالقيود كان سيتصرف بشكل مختلف تجاه حزب قاد أمريكا إلى الإفلاس المالي.. يُقاتل في حربين ضد "أعداء" ليسوا "أعداءً" مزّق fractured الدستور، هَدّد الحقوق المدنية لشعبه، وحرَّّض وحرَّر بمستويات غير مسبوقة مشاعر الكراهية والعداء ضد أمريكا بين أغلبية شعوب العالم.
وفي لحظة تحول الاقتصاد الأمريكي من سنوات الأزمة إلى السقوط الاختياري free fall، كانت حملة اوباما في موقع وحيد منفرد لتحقيق المكاسب في ظروف توقف البنوك تماماً عن عمليات الائتمان credit وانتشارالرعب بين الأمريكان، وهم محمّلون بديون ثقيلة، من خسارة كل شيء يملكون. ما هي التغيرات التي يتحدث عنها الناس؟ فرغم سقوط السماء على رؤوس الشعب الأمريكي (والعالم)، لم يتعدَّ الفارق الحدي لفوز اوباما 6%. هل تُريد أن تخبرني بأنه لو كان هناك أي بديل "أبيض" ديمقراطي لـ اوباما لم يكن ليحقق هذا الفارق الحدي؟ لقد استخدم كلا الحزبين، كالعادة، جمهور الناخبين كما تُستخدم الحيوانات، لكن تكتيكات حزب الحمار donkey party للحصول على أختام حوافر المقترعين كانت أكثر فعالية من تكتيكات حزب الفيل elephant party. تم تمويل حملة اوباما في ظروف اللهفة المكبوتة المتصاعدة pent up eagerness عبر مختلف مجموعات المقترعين الأمريكان بُغية التخلص من بوش، بغض النظر عن المخاوف العنصرية- ولكن ليس بدرجة كبيرة.
وبمقدار ما تُجسّد فوز اوباما من معنى لبقية العالم، فإن العناوين الرئيسة لوسائل إعلامها لم تقصد فوز "أمريكي أفريقي" ولا أن العنصرية انتهت في الولايات المتحدة، ذلك أن العنصرية حيّة وقائمة بشكل واضح في معظم بقية دول العالم. التغيير الذي يبغونه حقيقة هو أن يُشاهدوا ذهاب بوش دون رجعة. يُريد العالم التوقف وإنهاء مسيرة السبع سنوات المرعبة الذي عاش في ظلها. يُريد العالم من رجل العصابات gang- الذي سلبهم robbed وفي وضح النهار، وقبل أسابيع قليلة فقط (الأزمة المالية/ البورصات)- أن يرحل إلى الأبد. هذا ما كانت بقية العالم تعنيه وتقصده في وسائل إعلامها من عبارة " أخيراً، تحقق التغيير في أمريكا"، لا أكثر ولا أقل.
ولكن هل جاء التغيير فعلاً إلى أمريكا؟ هل أن فوز اوباما يعني أن الحزب الديمقراطي قد تغير؟ هل يختلف حقاً عن الحزب الجمهوري أم يُماثله؟ وهل أن اوباما مهتم بـ وقادر على إحداث التغيير الذي وعد به؟
اوباما هو عضو في أحد حزبين يُشاركان معا للسيطرة control على العالم وموارده. في بداية حملته كان من الواضح بأنه لم يكن الخيار الأول للحزب الديمقراطي في الفوز بتسمية nomination الحزب وتالياً مرشح الرئاسة. وحالما تبين أنه يضغط ويتقدم للأمام مع حملته ويكسب أرضية متزايدة ضد المؤسسة المفضلة establishment's favorite- هيلاري كلنتون- عندئذ تحرك الحزب نحو العمق. وضع الحزب الشروط المطلوبة لعمله حتى يحصل (اوباما) على كامل تأييد حزبه. أثناء اجتماع في محل إقامة السيناتور Diane Feinstein عشية تثبيت تسمية الحزب لـ اوباما، تم وضع الدليل guideline من قبل الحزب أمامه ليضمن التأييد الكامل للحزب، وتسرّب كذلك إلى خارج الاجتماع بغية جلب إنتباه وتأييد وسائل الإعلام وعامة الناس إلى جانبه.
يمكن للمرء أن يُلاحظ حصول التغيير في لهجة وسلوك عرض اوباما منذئذ، وليتحول من موقفه بشأن الحرب وسحب القوات للوطن (أمريكا) إلى الاقتصاد. أصبحت لهجته بشكل كامل وفق مقايسس الحزب الديمقراطي. ومع مباركة حزبه، حقق أخيراً الفوز بالرئاسة.
إن ممثل الحزب الديمقراطي لن يُحقق التغيير سواء محلياً أم دولياً، لتخفيف المشاكل المستمرة التي يواجه الأمريكان والعالم. لا الجمهوريون ولا الديمقراطيون راغبون أو قادرون على تغيير طبيعة هذا البلد وتبديل العلاقات القائمة في إطار البلاد وفي بقية العالم. إن هذا الأمر منوط بالناس، والتصويت ليس كافياً.
لكي يحدث التغيير على الولايات المتحدة أن تتخلى abandon عن القسوة والوحشية ruthlessness التي بُني على أساسها النظام الرأسمالي. وهذا يعني رعاية طبية شاملة لشعبها، العدل، المساواة والتكافؤ بغض النظر عن اللون والجنس لكافة من يعتبرون هذا البلد وطنهم. إنه يعني أيضاً أن تتخلى الولايات المتحدة عن شهوة غزو/ احتلال البلدان الأخرى وأطماع السيطرة على ثروات وموارد الكوكب.
لا اوباما ولا الولايات المتحدة جاهز أو جاهزة لهذا الفعل. وهذا هو السبب لماذا لا زلنا ننتظر مجيئ التغيير بغض النظر عن اللون أو مَنْ يمسك بمقاليد الأمور في البيت الأبيض.
.. وهكذا سوف تبقى أيدي الولايات المتحدة قذرة.. ويستمر جسدها ملوثاً بدم ونفط العالم..
No matter how much you try to clean yourself ,America your hands will always be dirty...(Yousef Abudayyeh), uruknet.info,November 11, 2008.