قمة واشنطن.. نتائج لمصلحة المستقبل
كلمة الاقتصادية
انتهت قمة واشنطن إلى نتائج هي أفضل مما كان يتوقعه أقل الناس تفاؤلا, حيث لم يتعهد أحد من القادة السياسيين بحل الأزمة المالية بين ليلة وضحاها, وكان الاتفاق على أن هناك ضرورة لإصلاح النظام المالي العالمي, فالقمة جاءت لتعالج مشكلة تجاوزت الحدود السياسية, وإحاطة باقتصادات الدول الصناعية والناشئة في ظل إجماع دولي على أنه ليس هناك أحد بمنأى عن التأثر بالأزمة مهما كانت احتياطاته, فالأضرار نسبة وتناسب, ولأنها كذلك فإن أهم ما وصلت إليه القمة ذلك التصميم على إصلاح النظام المالي وتنظيم الأسواق المالية واتخاذ الخطوات لوقف التراجع الذي يشهده الاقتصاد العالمي, مع سد جميع الثغرات وإعادة تنظيم صناديق التحوط وزيادة الشفافية لبعض السندات المعقدة المرتبطة بالرهونات العقارية التي تصدرها الشركات المالية, والتي هي أيضاً مكمن المشكلة التي فجرت الأزمة المالية العالمية الراهنة.
أيضاً كان هناك اتفاق على إعادة إطلاق مفاوضات التجارة العالمية قبل نهاية العام الحالي, وضرورة فرض الرقابة الصارمة على جميع الأسواق والمنتجات, وضبط سلوكيات الأطراف المؤثرين في استقرار السوق, كما أن هناك اتفاقا تم بين ممثلي أقوى اقتصادات العالم على ضرورة دفع الاقتصاد العالمي إلى الأمام وتشجيع حرية التجارة العالمية ومنح الدول الناشئة فرصا جديدة للاستثمار, ولهذا نقول إن هناك فعلاً أملاً معقودا على قمة واشنطن ومضمونه توحد القوى السياسية على مستوى العالم لمواجهة الأزمات الدولية والاتفاق على بناء إرادة دولية مشتركة تعمل على تفادي تكرار مثل هذه الأزمة, أما الرقابة على القطاعات المالية وأهمها القطاع المصرفي فإنها كانت بمنزلة المحور الذي أوجد النية لتعزيز التنسيق المستقبلي والتعاون الدولي لإعطاء دور للرقابة التي تمثلها المنظمات الدولية, ولذا فإن استعادة الاقتصاد العالمي نموه الطبيعي واستمرار تحقيق الأهداف التنموية للشعوب والدول أصبح هدفاً واحداً مشتركاً.
وتبقى الأهمية لتلك الآليات التي تساعد على تحقيق هذه الأهداف وتحويل الإرادة الدولية إلى واقع ملموس, حيث لا يحفى أهمية الدور السياسي الذي يدعم الاستمرارية, وهو اليوم محل تركيز وتأمل بالنظر إلى ما ستقوم به الإدارة الجديدة التي ستتولى القيادة في الولايات المتحدة, التي يفترض أن تواصل ما بدأته الإدارة الحالية من مشروع إصلاح النظام المالي, ودعم الاقتصاد المحلي, والبحث عن مكان الخطر الذي يهدد نجاح ذلك المشروع. ولأن الأمور دائماً تربط بالمؤشرات, فإن كل المؤشرات التي سبقت وصاحبت الانتخابات الأمريكية تؤكد أن الإدارة الجديدة ستعطي الأولية لإصلاح الاقتصاد وإعادة بنائه والتركيز على البرامج التنموية كالتعليم والصحة وكل ما يمس رفاهية الإنسان الذي يعيش في الولايات المتحدة, وهذه العزيمة والتصميم خلقا القناعة بالإدارة الجديدة وأسهما في وصولها إلى البيت الأبيض وتنتظر منها تحقيق وعودها والوفاء بالتزاماتها التي أعلنت عنها ولما يمكن أن تلعبه الإدارة الجديدة من دور مهم ورئيس في إصلاح الاقتصاد الأمريكي, فإن من المتوقع أن تفي بذلك بأنها تعي حجم الصدمة والأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي, وقد تكون هذه الفرصة الأخيرة, بل هي كذلك, حيث يلتفت العالم إلى وجهة أخرى للبحث عن ضمانة فاعلة تسهم في استقرار اقتصاده وتجميده الكوارث التي لا تحتمل.
إن من إيجابيات قمة واشنطن أنها وسعت دور المشاركة في القرار الدولي وأعطت المقاعد الملائمة للدول الأكثر تأثيراً في مسيرة الاقتصاد, وهذا منعطف تاريخي يؤكد الاعتراف الضمني بأن الاقتصاد العالمي لن يصبح في المستقبل مرهوناً بقطب واحد, بل هناك شراكة تضامنية بين الدول الصناعية والناشئة وتلك الدول المصدرة والمستوردة, لأنه مهما بلغت أي قوة في مكانة اقتصادها فإنها لن تستطيع أن تكون بمعزل عن الآخرين, ولأن الوصول إلى الصدارة أمر صعب المنال إلا أن ما هو أصعب منه أن يتم الاحتفاظ بالصدارة والريادة وهي اليوم محل ترقب من جميع الأطراف, وأن علينا أن نكون متفائلين بأن العقل البشري وما أتاه الله من قدرات وإمكانات سيستطيع أن يعيد الأمور إلى مسارها الصحيح.