المفتاح الوحيد ؟!
راجح الخوري - النهار
تحولت "مبادرة السلام العربية" محوراً أساسياً في مؤتمر "حوار الأديان والثقافات" وقد استضافته الامم المتحدة بطلب من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، الذي كان قد رعى المؤتمر الاول لهذا الحوار الذي عقد في مدريد.
لم يكن لكلام شمعون بيريس عن المبادرة أي قيمة عملية تعكس تغييرا في موقف اسرائيل، التي رفضت هذه المبادرة أصلا، ولهذا سارع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل الى التأكيد أن المبادرة غير قابلة لأي تفسير أو تجزئة، فإما ان تأخذها اسرائيل كما هي تماما، وقد أجمعت عليها الدول العربية في قمة بيروت عام 2002 ثم في قمة الرياض عام 2007، وإما ان ترفضها.
❒ ❒ ❒
القيمة الاساسية واللافتة للمبادرة تتمثل، كما تقول جريدة "صاندي تايمز" في أن عدداً كبيراً من زعماء الدول الـ50 الذين شاركوا في مؤتمر الحوار أثنوا على "المبادرة العربية" وتعمّدوا إيصال اشارات صريحة الى الرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما عبر تقرير كان يُعدّ له في كواليس المؤتمر، مفادها أن من الضروري ان تكون المبادرة منطلقاً لدفع التسوية الى الأمام في الشرق الاوسط.
كذلك سمع العاهل السعودي كثيرا من الثناء على المبادرة التي كان قد اقترحها وباتت تمثل ارادة عربية جامعة حيال التسوية في الشرق الاوسط، التي يجب ان تقوم على أساس الانسحاب الاسرائيلي الكامل من كل الاراضي العربية وحل قضية اللاجئين في مقابل الاعتراف العربي باسرائيل، وهو ما يمثل ترجمة عملية لمبدأ الارض مقابل السلام الذي قام عليه "مؤتمر مدريد" للسلام في الشرق الاوسط.
❒ ❒ ❒
واذا كان "مؤتمر مدريد" المذكور لم يمنع اسرائيل من ان تتلاعب وتناور في مسألة المسارات وتقديم مسار تفاوضي على مسار آخر، فإن "المبادرة العربية" تقفل الأبواب في وجه هذه المناورات الخلفية التخريبية، لأنها تقوم على مبدأ الشمولية والعدالة.
وعندما تقول "صاندي تايمز"، استناداً الى مصادر قريبة من أوباما، انه يعتزم دعم المبادرة العربية ومتابعتها، وانه سيلقي بثقله وراءها، وهو بدأ يفكر بتعيين مندوب له يتولى هذا الأمر، فانها بذلك تعيد الى الاذهان ما كان أوباما قد أعلنه في خلال زيارته الى المنطقة، في تموز الماضي، من أنه "سيكون جنوناً بالنسبة الى اسرائيل ان ترفض صفقة تعطيها السلام مقابل الارض التي تحتلها".
❒ ❒ ❒
والواقع ان هناك مجموعة واسعة من المستشارين ذوي الصدقية، وبينهم مستشار الامن القومي الجمهوري السابق برنت سكوكروفت، يحثون الآن أوباما على إبداء اهتمام مبكر بمسألة التسوية في الشرق الاوسط من منطلق انها أكثر مناطق العالم اضطرابا، وان التسوية باعتماد "المبادرة العربية" أساساً هي المدخل الضروري والأساسي لتغيير الطقس السياسي والنفسي في المنطقة بما ينعكس ايجاباً على الخريطة السياسية الدولية.
ويضيف هؤلاء ان إفشال اسرائيل "المبادرة العربية للسلام" سيضيّع فرصة تاريخية مهمة، وقد تكون الاخيرة، لايجاد تسوية للصراع الأشد ضراوة في المنطقة والذي يستمر منذ اكثر من ستة عقود، ويمكن ان يعنف ويتسع من منطلق ان استمرار الاحتلال والعدوان الاسرائيليين ضد الفلسطينيين والعرب انما يشكل بيئة حاضنة لتزايد الكراهية والاحقاد، اما الجرائم الاسرائيلية المسكوت عنها أميركياً ودولياً فهي التي تغذي التيارات العنفية وتوفر لها الذرائع.
❒ ❒ ❒
وفي الواقع، يجب ان يستمع أوباما بعناية شديدة الى رأي رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، الذي دعاه الى المبادرة والتصميم وتركيز الجهود على حل أزمة الشرق الاوسط، التي لا تسمم الاوضاع في المنطقة وحدها بل تخلق خلافاً بين أميركا وأوروبا ايضا.
وفي هذا السياق تنقل صحيفة "الدايلي تلغراف" عن بلير قوله إن من المفارقات التي أدركها بعدما تولى منصب مندوب الرباعية الدولية، أن استيعابه وفهمه لتعقيدات أزمة الشرق الاوسط أصبحا الآن أفضل مما كانا عليه أثناء وجوده في رئاسة الوزراء، ولكنه للأسف بات اليوم بلا سلطات للعب دور فاعل في حلها.
ومن خلال كلام بلير تخلص "الدايلي تلغراف" الى "نصيحة ثمينة" تقدمها الى أوباما وغيره من القادة الكبار والمؤثرين، وهي أنه من الضروري النظر الى الشرق الاوسط ومحيطه الاوسع على أنهما يواجهان أزمة مشتركة، وهي أزمة تنبع من أن المنطقة كلها ساحة صراع بين قوى تتطلع الى المستقبل والحداثة من جهة، وقوى تلوذ بالعنف والتطرف من جهة ثانية.
ولأن اسرائيل عملياً هي التي تشجع على العنف والتطرف من خلال سياستها العدوانية والتوسعية، التي تواجه بالتغاضي او بالتعامي الاميركي، فان أي سعي لترتيب المنطقة وارساء روح التعاون بين دولها وشعوبها يجب ان يعبر من بوابة حل أزمة الشرق الاوسط، التي لا يتوافر حتى الآن سوى مفتاح وحيد لفتحها وهو "المبادرة العربية للسلام".
❒ ❒ ❒
والمبادرة التي شكلت زخماً كبيراً عندما طرحها الملك عبدالله في قمة بيروت، وعندما أعيد تأكيد الاجماع العربي عليها في قمة الرياض، لن تبقى قادرة على فتح باب الحل عندما يتراكم صدأ الرفض الاسرائيلي والتعامي الدولي والاميركي خصوصا من حولها.
والدليل أن الذين صفقوا للمبادرة من قبل باتوا الآن عرضة لرياح اقليمية لافحة في المنطقة العربية، يهمها جداً أن يستمر الصراع متأججاً الى ما لا نهاية، رغم ما نجم وينجم عنه من انقسامات بين الدول العربية وحتى داخل البيت الفلسطيني الواحد.
راجح الخوري - النهار
تحولت "مبادرة السلام العربية" محوراً أساسياً في مؤتمر "حوار الأديان والثقافات" وقد استضافته الامم المتحدة بطلب من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، الذي كان قد رعى المؤتمر الاول لهذا الحوار الذي عقد في مدريد.
لم يكن لكلام شمعون بيريس عن المبادرة أي قيمة عملية تعكس تغييرا في موقف اسرائيل، التي رفضت هذه المبادرة أصلا، ولهذا سارع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل الى التأكيد أن المبادرة غير قابلة لأي تفسير أو تجزئة، فإما ان تأخذها اسرائيل كما هي تماما، وقد أجمعت عليها الدول العربية في قمة بيروت عام 2002 ثم في قمة الرياض عام 2007، وإما ان ترفضها.
❒ ❒ ❒
القيمة الاساسية واللافتة للمبادرة تتمثل، كما تقول جريدة "صاندي تايمز" في أن عدداً كبيراً من زعماء الدول الـ50 الذين شاركوا في مؤتمر الحوار أثنوا على "المبادرة العربية" وتعمّدوا إيصال اشارات صريحة الى الرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما عبر تقرير كان يُعدّ له في كواليس المؤتمر، مفادها أن من الضروري ان تكون المبادرة منطلقاً لدفع التسوية الى الأمام في الشرق الاوسط.
كذلك سمع العاهل السعودي كثيرا من الثناء على المبادرة التي كان قد اقترحها وباتت تمثل ارادة عربية جامعة حيال التسوية في الشرق الاوسط، التي يجب ان تقوم على أساس الانسحاب الاسرائيلي الكامل من كل الاراضي العربية وحل قضية اللاجئين في مقابل الاعتراف العربي باسرائيل، وهو ما يمثل ترجمة عملية لمبدأ الارض مقابل السلام الذي قام عليه "مؤتمر مدريد" للسلام في الشرق الاوسط.
❒ ❒ ❒
واذا كان "مؤتمر مدريد" المذكور لم يمنع اسرائيل من ان تتلاعب وتناور في مسألة المسارات وتقديم مسار تفاوضي على مسار آخر، فإن "المبادرة العربية" تقفل الأبواب في وجه هذه المناورات الخلفية التخريبية، لأنها تقوم على مبدأ الشمولية والعدالة.
وعندما تقول "صاندي تايمز"، استناداً الى مصادر قريبة من أوباما، انه يعتزم دعم المبادرة العربية ومتابعتها، وانه سيلقي بثقله وراءها، وهو بدأ يفكر بتعيين مندوب له يتولى هذا الأمر، فانها بذلك تعيد الى الاذهان ما كان أوباما قد أعلنه في خلال زيارته الى المنطقة، في تموز الماضي، من أنه "سيكون جنوناً بالنسبة الى اسرائيل ان ترفض صفقة تعطيها السلام مقابل الارض التي تحتلها".
❒ ❒ ❒
والواقع ان هناك مجموعة واسعة من المستشارين ذوي الصدقية، وبينهم مستشار الامن القومي الجمهوري السابق برنت سكوكروفت، يحثون الآن أوباما على إبداء اهتمام مبكر بمسألة التسوية في الشرق الاوسط من منطلق انها أكثر مناطق العالم اضطرابا، وان التسوية باعتماد "المبادرة العربية" أساساً هي المدخل الضروري والأساسي لتغيير الطقس السياسي والنفسي في المنطقة بما ينعكس ايجاباً على الخريطة السياسية الدولية.
ويضيف هؤلاء ان إفشال اسرائيل "المبادرة العربية للسلام" سيضيّع فرصة تاريخية مهمة، وقد تكون الاخيرة، لايجاد تسوية للصراع الأشد ضراوة في المنطقة والذي يستمر منذ اكثر من ستة عقود، ويمكن ان يعنف ويتسع من منطلق ان استمرار الاحتلال والعدوان الاسرائيليين ضد الفلسطينيين والعرب انما يشكل بيئة حاضنة لتزايد الكراهية والاحقاد، اما الجرائم الاسرائيلية المسكوت عنها أميركياً ودولياً فهي التي تغذي التيارات العنفية وتوفر لها الذرائع.
❒ ❒ ❒
وفي الواقع، يجب ان يستمع أوباما بعناية شديدة الى رأي رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، الذي دعاه الى المبادرة والتصميم وتركيز الجهود على حل أزمة الشرق الاوسط، التي لا تسمم الاوضاع في المنطقة وحدها بل تخلق خلافاً بين أميركا وأوروبا ايضا.
وفي هذا السياق تنقل صحيفة "الدايلي تلغراف" عن بلير قوله إن من المفارقات التي أدركها بعدما تولى منصب مندوب الرباعية الدولية، أن استيعابه وفهمه لتعقيدات أزمة الشرق الاوسط أصبحا الآن أفضل مما كانا عليه أثناء وجوده في رئاسة الوزراء، ولكنه للأسف بات اليوم بلا سلطات للعب دور فاعل في حلها.
ومن خلال كلام بلير تخلص "الدايلي تلغراف" الى "نصيحة ثمينة" تقدمها الى أوباما وغيره من القادة الكبار والمؤثرين، وهي أنه من الضروري النظر الى الشرق الاوسط ومحيطه الاوسع على أنهما يواجهان أزمة مشتركة، وهي أزمة تنبع من أن المنطقة كلها ساحة صراع بين قوى تتطلع الى المستقبل والحداثة من جهة، وقوى تلوذ بالعنف والتطرف من جهة ثانية.
ولأن اسرائيل عملياً هي التي تشجع على العنف والتطرف من خلال سياستها العدوانية والتوسعية، التي تواجه بالتغاضي او بالتعامي الاميركي، فان أي سعي لترتيب المنطقة وارساء روح التعاون بين دولها وشعوبها يجب ان يعبر من بوابة حل أزمة الشرق الاوسط، التي لا يتوافر حتى الآن سوى مفتاح وحيد لفتحها وهو "المبادرة العربية للسلام".
❒ ❒ ❒
والمبادرة التي شكلت زخماً كبيراً عندما طرحها الملك عبدالله في قمة بيروت، وعندما أعيد تأكيد الاجماع العربي عليها في قمة الرياض، لن تبقى قادرة على فتح باب الحل عندما يتراكم صدأ الرفض الاسرائيلي والتعامي الدولي والاميركي خصوصا من حولها.
والدليل أن الذين صفقوا للمبادرة من قبل باتوا الآن عرضة لرياح اقليمية لافحة في المنطقة العربية، يهمها جداً أن يستمر الصراع متأججاً الى ما لا نهاية، رغم ما نجم وينجم عنه من انقسامات بين الدول العربية وحتى داخل البيت الفلسطيني الواحد.