الفرص المتاحة في الشرق الأوسط أمام أوباما
نيويورك - راغدة درغام - الحياة
التداخل بين الاقتصاد والسياسة الخارجية الناتج عن الوضع المالي العالمي سيفرض بالتأكيد تضاريس السياسة الخارجية الأميركية. لكن شخصية وزير أو وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس المنتخب باراك أوباما سيكون لها أثر مميز بسبب توقع علاقات مختلفة للولايات المتحدة مع دول العالم. إنما التحدي الأكبر لمن سيتسلم مهمات وزارة الخارجية يكمن في التأقلم مع المستجدات الاقتصادية وآثارها على سياسات الآخرين. بين أهم الاقاليم التي للولايات المتحدة مصالح فيها وقواعد، منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية والعراق ومنطقة الشرق الأوسط، وفي هذه المنطقة بالذات يوجد تداخل مهم جداً بين السياسة والاقتصاد لا سيما على ضوء الأزمة المالية وانخفاض اسعار النفط. هناك ايضاً تكمن تحديات أساسية للإدارة الأميركية المقبلة التي سترث - برغبتها وبشبه موافقتها - اتفاقية ثنائية تنظم بقاء القوات الأميركية في العراق حتى آخر عام 2011، في ظل صراع بين العراقيين على الفيديراليات والموارد الطبيعية واقتسام الحكم.
بعض الأسماء المطروحة لمنصب وزير الخارجية يعكس شخصيات مختلفة تماماً عن بعضها بعضاً مزاجاً وطبعاً وهوية وعقلية وأسلوباً في التعامل مع الآخرين.
السيناتور هيلاري كلينتون امرأة ذكية ومطلعة على السياسات الدولية وهي صارمة وقوية وحازمة وغير مستعدة للانبطاح أو للسقوط في فخ الحوار والديبلوماسية المفتوحة الأفق بشراء الوقت والتملص من الاستحقاقات. شخصيتها تقع بين دفع الآخرين بعيداً عنها بابتسامة صعبة وتضع حاجزاً نفسياً يحميها ويجعلها غير محبوبة تلقائياً وبين تمتعها بالتحدي الحقيقي إذا وجدته ممتعاً. طموحها بلا حدود، وسياساتها براغماتية. شهرتها العالمية تمكنها من الجلوس فوراً مع قادة العالم والدخول في صميم القضايا المطروحة. واختيارها مفيد في وجه ما اعتبر تمييزاً ضد المرأة في الانتخابات الأخيرة.
حاكم نيومكسيكو بيل ريتشاردسون، يتمتع بشخصية تكاد تكون العكس تماماً لشخصية هيلاري كلينتون، إذ أنه يرغب دائماً في التواصل والإرضاء والاستحباب واستخدام جاذبية النكتة والبسمة والضحكة العالية لشق طريقه الى ما يصبو الى تحقيقه سياسياً، كديبلوماسي وكسياسي. خبرته في شؤون الطاقة والنفط والسياسة الخارجية واسعة. اسلوبه مختلف كلياً عن اسلوب هيلاري، إذ يرى انه عبر الحوار الدائم والديبلوماسية الرقيقة يستطيع التأثير لحل الأزمات المستعصية. في رأيه ان حسن اللسان أفضل سلاح، وان الكلام الهادئ في الغرف المغلقة يؤدي الى الصفقات المرجوة. انه رجل الديبلوماسية والصفقات.
ريتشارد هولبروك شأنه شأن بيل ريتشاردسون عمل سفيراً للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، بدوره يكاد يكون نقيض ريتشاردسون من حيث الشخصية والاسلوب والايديولوجية. معروف عنه ترفعه بغرور نتيجة اقتناعه - بموافقة آخرين - ان حدة ذكائه تضعه في مرتبة فوق الآخرين. لا يحاول ولا يريد ان يرضي ويسترضي وانما يعتقد ان الصرامة والتحدي والمواجهة الديبلوماسية والعسكرية ايضاً إذا تطلب الأمر - هي الاسلوب الذي يضمن المصلحة الأميركية العليا ويوقف الآخرين عن مغامرات خطرة. ينتقد بشدة سياسات فلاديمير بوتين في روسيا ونحو جورجيا، مثلاً، ولا يؤمن ابداً بالحوارات المفتوحة الأفق مع أي كان إذا اقتنع ان هدفها المماطلة.
من ناحية أخرى، إذا صدق ان الرئيس المنتخب مثلاً ينوي تسليم ملف الشرق الأوسط الى دنيس روس، منسق عملية السلام في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، فإن الرسالة أقوى وفحواها ان أوباما يعتزم ادارة السياسة الخارجية بنفسه وان وزير الخارجية سيكون شبه واجهة فقط. فقد سبق لبيل كلينتون ان ترفع عن الاهتمام بعملية السلام في الشرق الأوسط، وسمح لدنيس روس بإدارة العملية ذاتها، لهواً وعمداً، الى حين السنة السابعة من ولايته. باراك اوباما قد ينوي تكرار ما فعله كلينتون - إذا ما كلف حقاً دنيس روس هذه المهمة مجدداً. وبهذا يوصل رسالة بأنه غير راغب في خوض معركة مع اسرائيل أو اليمين الاميركي في مطلع ولايته، وانه هو صاحب قرار الاستغناء عن معالجة أزمة الشرق الأوسط وليس من يعينه أو يوكل اليه الملف.
أما إذا أحسن الرئيس المنتخب قراءة التطورات الاقتصادية والسياسية وانعكاساتها على المنطقة العربية والشرق الأوسط، فإنه عندئذ سيقرر الاستفادة فوراً من الفرص المتاحة ويبعث رسائل حازمة الى جميع المعنيين، من قادة الدول الى قيادات شبكة «القاعدة» المبعثرة في كل مكان. فأمام الرئيس الاميركي الجديد نافذة لم تكن متاحة أبداً في السابق، وهي تشكل امتحانه في حسن القراءة والقيادة.
في ما يخص السلام العربي - الاسرائيلي، الفرصة متاحة في المبادرة العربية للسلام والتي بدأت القيادات اليهودية الاميركية وبدأ الاسرائيليون، شعباً وحكومة، بالتمعن بها والتفكير الجدي بقبولها لما تتضمنه من معادلة واضحة للسلام والتعايش والاعتراف بإسرائيل مقابل إنهائها الاحتلال. وقد يفيد ادارة باراك أوباما ان يلقي بثقله حقاً وراء هذه المبادرة، لا سيما ان المملكة العربية السعودية تتعهد بحشد الدعم الاسلامي الكبير وراءها لتكون عبارة عن تطبيع عربي واسلامي مع اسرائيل إذا ما اتخذت اسرائيل قرار صنع السلام الحقيقي بقبولها.
معالجة النزاع العربي - الإسرائيلي بالغة السهولة والوضوح ولا أحد مضطر لـ «اختراع البارود» للوصل إليها. وكل ما هو مطلوب في هذا المنعطف هو أن تنطلق إدارة باراك أوباما فوراً إلى هذا الملف بدل أن تفعل ما فعلته الإدارات الأميركية السابقة في عهدي جورج دبليو بوش وبيل كلينتون، أي اهمال الملف حتى اللحظة الأخيرة.
لقد تركت ادارة كلينتون العراق وقد تم تدمير نسيجه الاجتماعي بسبب عقوبات شاملة لا سابقة لها، وتركته ادارة بوش بعد حرب مدمرة تذرعت بأسلحة الدمار الشامل للإطاحة بحكم استبدادي - إنما علماني - واستبداله بحكم ديني وبصراع طائفي ومذهبي، ومعارك على الفيديرالية توحي باحتمال تطورها إلى حرب أهلية.
النزاع والخلاف والاشتباك القائم بسبب الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة، التي تنسحب بموجبها القوات الأميركية من المدن العراقية لتبقى في العراق حتى عام 2011، متعدد الأسباب. السنّة يجدون في الاتفاقية تعزيزاً وتكريساً لحكم الشيعة ويخشون على مستقبلهم في العراق، من الناحية الأمنية كما من ناحية استبعادهم عن موارد العراق الطبيعية، وبالذات النفط، في نظام الفيديراليات. وإيران وافقت على الاتفاقية لأنها تقوي الحكم الشيعي وتعززه، ولأن طهران مستفيدة من بقاء القوات الأميركية في هذه المرحلة لمساعدة الحكومة العراقية إذا ثارت ضدها قوى سنّية. ثم إن إيران ليست جاهزة لأن ترث على حدودها عراقاً ممزقاً. إنها تريد عراقاً مستقراً بحكمه الحالي وبخدمة القوات الأميركية الموقتة. ما ترفضه ايران هو القواعد الأميركية الدائمة في العراق، وهذا ليس وارداً - أقله بوضوح بحسب الاتفاقية.
ليونة إيران نحو الاتفاقية الأمنية تأتي كرسالة منها الى أوباما من ناحية، ومن ناحية اخرى نتيجة طموحاتها الاقليمية. وحكم الملالي يفهم أنه بحاجة الى الوقت وترطيب الأجواء وتجنب التصعيد وهو لا يرى نفسه خاسراً نتيجة تعزيز الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي - بل العكس.
ولأن إيران تقرأ في الوضع الاقتصادي والمالي تنامي الدور السعودي عالمياً، وليس فقط اقليمياً، فهي تتصرف على غير عادتها الاستفزازية والتصعيدية التي أطلقها رئيسها محمود أحمدي نجاد بموافقة مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي. إنها تحسب حساب ما ستمليه التطورات الاقتصادية على الشراكات في المنطقة، ولا تريد أن تكون مُستبعدة عن هذه الشراكات والتفاهمات في عهد الإدارة الجديدة.
اللاعب الاقليمي المهم اليوم هو السعودية وليس إيران. مجموعة العشرين التي عقدت قمة اقتصادية الأسبوع الماضي في واشنطن لم تضم أي دولة من المنطقة باستثناء السعودية. وكما قال اقتصادي مخضرم في وصفه أهمية هذه القمة «إن ذلك الاجتماع هو اعتراف بموت ونهاية مجموعة الدول السبع التي تطورت إلى مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى في العالم بعد انضمام روسيا إليها».
فهناك واقع اقتصادي وسياسي جديد، وهناك قادة لنظام عالمي جديد، من بينهم السعودية. وهذا مهم لأسباب عدة من ضمنها كون السعودية موقع الحرمين الشريفين وبالتالي دولة يتطلع إليها مسلمو العالم. ومن ضمن الأسباب الأخرى تلك المبادرات لحوار الأديان وللسلام مع إسرائيل، إنما هناك أيضاً تطور في التفكير الاقتصادي وترابطه مع النفوذ السياسي والتأثير في مختلف بقع العالم.
الشراكة ما بين الولايات المتحدة والسعودية بدورها ستأخذ منحى جديداً في هذه المرحلة الحاسمة. ولذلك يستحسن لو أدرك فريق باراك اوباما أن الفرصة متاحة أمامه، عبر هذه الشراكة، لمعالجة صحيحة لأكثر من ملف. فالسياسة السعودية ليست قائمة على الاستبعاد والتفرقة وانما تجد فائدة لها وللمنطقة عامة إذا تمكنت من حشد الشراكة المحلية العربية معها لتتحدث بصوت واحد وباستراتيجية مشتركة بغض النظر عن الخلافات والاختلافات، ومن دون ضرورة للاتفاق على كل شاردة وواردة.
السياسة السعودية تسعى في هذا المنعطف وراء التهدئة والمصالحات، شرط ألا تكون على حساب المواقف المبدئية. ولذلك لها دور مساعد في معالجة الملف الدولي مع ايران. ودور أساسي في الحؤول دون تحول العراق الى ساحة حرب أهلية إذ ان علاقاتها مع القبائل العراقية متينة ومؤثرة. للسعودية دور فائق الأهمية في افغانستان قد لا يتمكن غيرها من لعبه، وعلاقاتها مع باكستان مميزة. وفي موضوع لبنان تلتزم السعودية باستقلاله وسيادته وبإبلاغ سورية وايران ان لبنان غير قابل للمساومة ولا للاستخدام كساحة لتصفية الحسابات.
نيويورك - راغدة درغام - الحياة
التداخل بين الاقتصاد والسياسة الخارجية الناتج عن الوضع المالي العالمي سيفرض بالتأكيد تضاريس السياسة الخارجية الأميركية. لكن شخصية وزير أو وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس المنتخب باراك أوباما سيكون لها أثر مميز بسبب توقع علاقات مختلفة للولايات المتحدة مع دول العالم. إنما التحدي الأكبر لمن سيتسلم مهمات وزارة الخارجية يكمن في التأقلم مع المستجدات الاقتصادية وآثارها على سياسات الآخرين. بين أهم الاقاليم التي للولايات المتحدة مصالح فيها وقواعد، منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية والعراق ومنطقة الشرق الأوسط، وفي هذه المنطقة بالذات يوجد تداخل مهم جداً بين السياسة والاقتصاد لا سيما على ضوء الأزمة المالية وانخفاض اسعار النفط. هناك ايضاً تكمن تحديات أساسية للإدارة الأميركية المقبلة التي سترث - برغبتها وبشبه موافقتها - اتفاقية ثنائية تنظم بقاء القوات الأميركية في العراق حتى آخر عام 2011، في ظل صراع بين العراقيين على الفيديراليات والموارد الطبيعية واقتسام الحكم.
بعض الأسماء المطروحة لمنصب وزير الخارجية يعكس شخصيات مختلفة تماماً عن بعضها بعضاً مزاجاً وطبعاً وهوية وعقلية وأسلوباً في التعامل مع الآخرين.
السيناتور هيلاري كلينتون امرأة ذكية ومطلعة على السياسات الدولية وهي صارمة وقوية وحازمة وغير مستعدة للانبطاح أو للسقوط في فخ الحوار والديبلوماسية المفتوحة الأفق بشراء الوقت والتملص من الاستحقاقات. شخصيتها تقع بين دفع الآخرين بعيداً عنها بابتسامة صعبة وتضع حاجزاً نفسياً يحميها ويجعلها غير محبوبة تلقائياً وبين تمتعها بالتحدي الحقيقي إذا وجدته ممتعاً. طموحها بلا حدود، وسياساتها براغماتية. شهرتها العالمية تمكنها من الجلوس فوراً مع قادة العالم والدخول في صميم القضايا المطروحة. واختيارها مفيد في وجه ما اعتبر تمييزاً ضد المرأة في الانتخابات الأخيرة.
حاكم نيومكسيكو بيل ريتشاردسون، يتمتع بشخصية تكاد تكون العكس تماماً لشخصية هيلاري كلينتون، إذ أنه يرغب دائماً في التواصل والإرضاء والاستحباب واستخدام جاذبية النكتة والبسمة والضحكة العالية لشق طريقه الى ما يصبو الى تحقيقه سياسياً، كديبلوماسي وكسياسي. خبرته في شؤون الطاقة والنفط والسياسة الخارجية واسعة. اسلوبه مختلف كلياً عن اسلوب هيلاري، إذ يرى انه عبر الحوار الدائم والديبلوماسية الرقيقة يستطيع التأثير لحل الأزمات المستعصية. في رأيه ان حسن اللسان أفضل سلاح، وان الكلام الهادئ في الغرف المغلقة يؤدي الى الصفقات المرجوة. انه رجل الديبلوماسية والصفقات.
ريتشارد هولبروك شأنه شأن بيل ريتشاردسون عمل سفيراً للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، بدوره يكاد يكون نقيض ريتشاردسون من حيث الشخصية والاسلوب والايديولوجية. معروف عنه ترفعه بغرور نتيجة اقتناعه - بموافقة آخرين - ان حدة ذكائه تضعه في مرتبة فوق الآخرين. لا يحاول ولا يريد ان يرضي ويسترضي وانما يعتقد ان الصرامة والتحدي والمواجهة الديبلوماسية والعسكرية ايضاً إذا تطلب الأمر - هي الاسلوب الذي يضمن المصلحة الأميركية العليا ويوقف الآخرين عن مغامرات خطرة. ينتقد بشدة سياسات فلاديمير بوتين في روسيا ونحو جورجيا، مثلاً، ولا يؤمن ابداً بالحوارات المفتوحة الأفق مع أي كان إذا اقتنع ان هدفها المماطلة.
من ناحية أخرى، إذا صدق ان الرئيس المنتخب مثلاً ينوي تسليم ملف الشرق الأوسط الى دنيس روس، منسق عملية السلام في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، فإن الرسالة أقوى وفحواها ان أوباما يعتزم ادارة السياسة الخارجية بنفسه وان وزير الخارجية سيكون شبه واجهة فقط. فقد سبق لبيل كلينتون ان ترفع عن الاهتمام بعملية السلام في الشرق الأوسط، وسمح لدنيس روس بإدارة العملية ذاتها، لهواً وعمداً، الى حين السنة السابعة من ولايته. باراك اوباما قد ينوي تكرار ما فعله كلينتون - إذا ما كلف حقاً دنيس روس هذه المهمة مجدداً. وبهذا يوصل رسالة بأنه غير راغب في خوض معركة مع اسرائيل أو اليمين الاميركي في مطلع ولايته، وانه هو صاحب قرار الاستغناء عن معالجة أزمة الشرق الأوسط وليس من يعينه أو يوكل اليه الملف.
أما إذا أحسن الرئيس المنتخب قراءة التطورات الاقتصادية والسياسية وانعكاساتها على المنطقة العربية والشرق الأوسط، فإنه عندئذ سيقرر الاستفادة فوراً من الفرص المتاحة ويبعث رسائل حازمة الى جميع المعنيين، من قادة الدول الى قيادات شبكة «القاعدة» المبعثرة في كل مكان. فأمام الرئيس الاميركي الجديد نافذة لم تكن متاحة أبداً في السابق، وهي تشكل امتحانه في حسن القراءة والقيادة.
في ما يخص السلام العربي - الاسرائيلي، الفرصة متاحة في المبادرة العربية للسلام والتي بدأت القيادات اليهودية الاميركية وبدأ الاسرائيليون، شعباً وحكومة، بالتمعن بها والتفكير الجدي بقبولها لما تتضمنه من معادلة واضحة للسلام والتعايش والاعتراف بإسرائيل مقابل إنهائها الاحتلال. وقد يفيد ادارة باراك أوباما ان يلقي بثقله حقاً وراء هذه المبادرة، لا سيما ان المملكة العربية السعودية تتعهد بحشد الدعم الاسلامي الكبير وراءها لتكون عبارة عن تطبيع عربي واسلامي مع اسرائيل إذا ما اتخذت اسرائيل قرار صنع السلام الحقيقي بقبولها.
معالجة النزاع العربي - الإسرائيلي بالغة السهولة والوضوح ولا أحد مضطر لـ «اختراع البارود» للوصل إليها. وكل ما هو مطلوب في هذا المنعطف هو أن تنطلق إدارة باراك أوباما فوراً إلى هذا الملف بدل أن تفعل ما فعلته الإدارات الأميركية السابقة في عهدي جورج دبليو بوش وبيل كلينتون، أي اهمال الملف حتى اللحظة الأخيرة.
لقد تركت ادارة كلينتون العراق وقد تم تدمير نسيجه الاجتماعي بسبب عقوبات شاملة لا سابقة لها، وتركته ادارة بوش بعد حرب مدمرة تذرعت بأسلحة الدمار الشامل للإطاحة بحكم استبدادي - إنما علماني - واستبداله بحكم ديني وبصراع طائفي ومذهبي، ومعارك على الفيديرالية توحي باحتمال تطورها إلى حرب أهلية.
النزاع والخلاف والاشتباك القائم بسبب الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة، التي تنسحب بموجبها القوات الأميركية من المدن العراقية لتبقى في العراق حتى عام 2011، متعدد الأسباب. السنّة يجدون في الاتفاقية تعزيزاً وتكريساً لحكم الشيعة ويخشون على مستقبلهم في العراق، من الناحية الأمنية كما من ناحية استبعادهم عن موارد العراق الطبيعية، وبالذات النفط، في نظام الفيديراليات. وإيران وافقت على الاتفاقية لأنها تقوي الحكم الشيعي وتعززه، ولأن طهران مستفيدة من بقاء القوات الأميركية في هذه المرحلة لمساعدة الحكومة العراقية إذا ثارت ضدها قوى سنّية. ثم إن إيران ليست جاهزة لأن ترث على حدودها عراقاً ممزقاً. إنها تريد عراقاً مستقراً بحكمه الحالي وبخدمة القوات الأميركية الموقتة. ما ترفضه ايران هو القواعد الأميركية الدائمة في العراق، وهذا ليس وارداً - أقله بوضوح بحسب الاتفاقية.
ليونة إيران نحو الاتفاقية الأمنية تأتي كرسالة منها الى أوباما من ناحية، ومن ناحية اخرى نتيجة طموحاتها الاقليمية. وحكم الملالي يفهم أنه بحاجة الى الوقت وترطيب الأجواء وتجنب التصعيد وهو لا يرى نفسه خاسراً نتيجة تعزيز الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي - بل العكس.
ولأن إيران تقرأ في الوضع الاقتصادي والمالي تنامي الدور السعودي عالمياً، وليس فقط اقليمياً، فهي تتصرف على غير عادتها الاستفزازية والتصعيدية التي أطلقها رئيسها محمود أحمدي نجاد بموافقة مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي. إنها تحسب حساب ما ستمليه التطورات الاقتصادية على الشراكات في المنطقة، ولا تريد أن تكون مُستبعدة عن هذه الشراكات والتفاهمات في عهد الإدارة الجديدة.
اللاعب الاقليمي المهم اليوم هو السعودية وليس إيران. مجموعة العشرين التي عقدت قمة اقتصادية الأسبوع الماضي في واشنطن لم تضم أي دولة من المنطقة باستثناء السعودية. وكما قال اقتصادي مخضرم في وصفه أهمية هذه القمة «إن ذلك الاجتماع هو اعتراف بموت ونهاية مجموعة الدول السبع التي تطورت إلى مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى في العالم بعد انضمام روسيا إليها».
فهناك واقع اقتصادي وسياسي جديد، وهناك قادة لنظام عالمي جديد، من بينهم السعودية. وهذا مهم لأسباب عدة من ضمنها كون السعودية موقع الحرمين الشريفين وبالتالي دولة يتطلع إليها مسلمو العالم. ومن ضمن الأسباب الأخرى تلك المبادرات لحوار الأديان وللسلام مع إسرائيل، إنما هناك أيضاً تطور في التفكير الاقتصادي وترابطه مع النفوذ السياسي والتأثير في مختلف بقع العالم.
الشراكة ما بين الولايات المتحدة والسعودية بدورها ستأخذ منحى جديداً في هذه المرحلة الحاسمة. ولذلك يستحسن لو أدرك فريق باراك اوباما أن الفرصة متاحة أمامه، عبر هذه الشراكة، لمعالجة صحيحة لأكثر من ملف. فالسياسة السعودية ليست قائمة على الاستبعاد والتفرقة وانما تجد فائدة لها وللمنطقة عامة إذا تمكنت من حشد الشراكة المحلية العربية معها لتتحدث بصوت واحد وباستراتيجية مشتركة بغض النظر عن الخلافات والاختلافات، ومن دون ضرورة للاتفاق على كل شاردة وواردة.
السياسة السعودية تسعى في هذا المنعطف وراء التهدئة والمصالحات، شرط ألا تكون على حساب المواقف المبدئية. ولذلك لها دور مساعد في معالجة الملف الدولي مع ايران. ودور أساسي في الحؤول دون تحول العراق الى ساحة حرب أهلية إذ ان علاقاتها مع القبائل العراقية متينة ومؤثرة. للسعودية دور فائق الأهمية في افغانستان قد لا يتمكن غيرها من لعبه، وعلاقاتها مع باكستان مميزة. وفي موضوع لبنان تلتزم السعودية باستقلاله وسيادته وبإبلاغ سورية وايران ان لبنان غير قابل للمساومة ولا للاستخدام كساحة لتصفية الحسابات.