كي لا يرث أوباما أخطاء إدارة كلينتون
نيويورك - راغدة درغام - الحياة
الفريق الذي يعده الرئيس الأميركي المنتخب، باراك اوباما، للشؤون الخارجية والأمن القومي والتجارة والاقتصاد فريق ملّم بمنطقة الخليج والشرق الأوسط من النواحي الأمنية والسياسية والنفطية ويفهم تعقيداتها ومطباتها. ما يحتاج اوباما أن يقوم به لرسم خريطة الطريق لفريقه هو أن يصر على تنفيذ تعهداته ووعده بالتغيير وألا يسمح لشخصيات مؤسسة الحزب الديموقراطي التي برزت في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون أن تبقى متقوقعة في الفكر الذي ساد قبل عقد تقريباً بما فيه من رواسب وحقائب مهترئة.
فالتغيير الذي وعد به باراك أوباما جيل الشباب الذي أتى به الى البيت الأبيض يتزامن مع التغيير في الخريطة السياسية - الاقتصادية العالمية ومع الرغبة بانتقال عدوى التغيير الى منطقة الخليج والشرق الأوسط. فالرئيس المنتخب ونائبه، جو بايدن، وفريقه الذي يفترض أن يشمل هيلاري كلينتون كوزيرة خارجية، والجنرال المتقاعد القائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي الذي أوكلت إليه مسؤوليات أمنية في العراق وفي الشرق الأوسط جيم جونز كمستشار للأمن القومي، والسفير السابق لدى الأمم المتحدة وحاكم ولاية نيومكسيكو حالياً بيل ريتشاردسون كوزير تجارة، يضم شخصيات قوية ولها خبرة في الشؤون الخارجية.
إنما ما على الرئيس المنتخب وفريقه أن يقوما به الآن هو احسان قراءة ما حدث ويحدث في اطار ديناميكيات غير تلك التي كانت سائدة عندما كان الحزب الديموقراطي في السلطة. عليهم التنبه للديناميكات كي لا تسبقهم التطورات، لأن أسوأ ما يمكن أن تواجهه الادارة المقبلة هو أن تضطر للانجرار وراء الأحداث بدلاً من إمساك زمام توجيهها. فالتحديات الآتية من تلك المنطقة فيها ما يكفي من قديم على نسق «عملية السلام» بين العرب واسرائيل - وفيها جديد صعود ايران الى مرتبة مختلفة منذ حرب العراق، فيها قديم الارهاب المعروف وجديد ارهاب القرصنة، فيها قديم السأم وجديد الوعد بالتغيير. والمعادلة بين القديم والجديد ليست اقليمية وانما عالمية.
لا جديد مثلاً في مهاترات رئيس فنزويلا هوغو تشافيز الذي يحاول إبعاد الأنظار عن انحدار وضعه وسمعته مع شعبه من خلال مزايداته المستمرة لا سيما لجهة علاقاته مع ايران. فهو اليوم يهاجم باراك أوباما وينتقده على قوله إن «من غير المقبول» أن تصنع ايران السلاح النووي، وهو يستعد لزيارة ايران قريباً لأن «لدي دين تجاه الرئيس الأخ احمدي نجاد»، حسب تعبيره. الجديد هو الحدث غير المسبوق منذ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والذي تمثل هذا الاسبوع بوصول مجموعة من السفن الحربية الروسية الى مرفأ لاغوايرا في شمال فنزويلا لاجراء مناورات مع البحرية الفنزويلية بينها السفينة النووية «بطرس الأكبر» والمدمرة «الاميرال تشابانكينكو». وتتزامن زيارة الروسي ديمتري ميدفيديف الى فنزويلا مع المناورات المشتركة التي لا بد أن تلفت انتباه طاقم الرئيس المنتخب وليس فقط الادارة الحاكمة. فالعلاقة النفطية وشبه الاستراتيجية بين روسيا وفنزويلا وايران قديمة، انما للمناورات العسكرية المشتركة بُعد جديد.
في الوقت ذاته، صعّد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، لهجته مع باراك اوباما ودعاه الى التخلي عن الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية محذراً من «رد مناسب» من موسكو. حاول استباق الادارة الجديدة بتخويفها قائلا «نأمل ان تكون القيادة الأميركية الجديدة بنّاءة أكثر ومسؤولة وبعيدة النظر»، من الادارة السابقة التي تأزمت معها العلاقات بسبب النزاع المسلح بين روسيا وجورجيا وبسبب الدرع الصاروخية. وفي الوقت ذاته، ترك بوتين رئيسه ميدفيديف ووزير خارجيته سيرغي لافروف ليرطبا الأجواء قليلاً بتلميحهما الى استعداد موسكو للرد بالمقابل بالتخلي عن نشر صواريخ في كاليننغراد الواقعة بين بولندا وليتوانيا للتصدي لمشروع الدرع الصاروخية الأميركية، وذلك بهدف التراجع عن المواجهة مع الولايات المتحدة بعد تأزم العلاقات.
هذه المؤشرات المتعددة الآتية من روسيا وفنزويلا تأتي في زمن الأزمة الاقتصادية وانهيار أسعار النفط بصورة تؤذي الاقتصاد الروسي والفنزويلي والايراني، كل بدرجات مختلفة.
إبرة البوصلة الرئيسية في رسم التوجهات ورسم العلاقات في هذه الفترة هي الإبرة الاقتصادية التي تعصف بدول وترميها في رياح لم تحسب حسابها، مثل ايران، وتضع دولاً أخرى في طليعة الدول القيادية اقليميا وعالمياً، مثل السعودية التي قدّرت موازنتها على أساس 40 دولاراً لبرميل النفط.
هبوط أسعار النفط وانعكاسه على الموازنة الايرانية عالج الى حد ما الأزمة الايرانية الناتجة عن تطلعاتها النووية وطموحاتها نحو الهيمنة الاقليمية وفرض نموذج حكمها في أكثر من دولة عربية. وبسبب انحسار القدرات المالية الايرانية، قد تصبح أوراق اوباما أقوى في تعاطيه مع ايران بحكم الصدفة الاقتصادية وليس بسبب أي تغيير في الفكر والسياسة الايرانيين.
وكمثال، فاللغة التي خاطب بها ملالي طهران ورئيسها محمود أحمدي نجاد زائرهم الرئيس اللبناني ميشال سليمان هذا الاسبوع تبيّن قرارهم في رفض الاعتراف باستقلال هذا البلد وحقه في أن تكون له دولة ذات سيادة قادرة وحدها على بسط سلطتها في جميع انحاء البلاد.
القادة الايرانيون اختزلوا لبنان الى كلمة «مقاومة» بمحو عملي لكلمة «السيادة»، وهم الذين يدفقون السلاح الى «حزب الله» الذي تطالب القرارات الدولية بتجريده منه وتطالب ايران بالكف عن خرق حظر السلاح اليه. فلو كان الهدف الايراني صادقاً في إزالة الاحتلال الاسرائيلي عن الأراضي العربية، فإن أمامه حليفه السوري الذي له أراض تحتلها اسرائيل والذي يمكن له شن المقاومة عبر حدوده معها. فإذا كان فريق باراك أوباما جاهزاً حقاً للتفكير الجديد في كيفية التعاطي مع إيران، فواجبه أن ينظر إلى إيران من منظور أدوارها الاقليمية وليس فقط من منظار طموحاتها النووية. وكل من يترفّع عن تناول ملف لبنان باعتباره - حسب التفكير التقليدي في الحزب الديموقراطي - أقل أهمية من الدول ذات الأهمية الاستراتيجية كسورية وإيران - إنما يكون جاهلاً حقاً ورافضاً للخروج من التفكير القديم.
تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك هذا الأسبوع التي هددت بتدمير عمق لبنان رداً على امتلاك «حزب الله» تلك الترسانة الضخمة، إنما هو استدعاء لحرب أخرى بين إسرائيل و «حزب الله» على حساب لبنان وشعبه وبنيته التحتية. كلامه الذي يدخل في خانة شق فجوة بين سورية وإيران أو بين سورية و «حزب الله»، إنما يعكس تزاوج النفاق والازدواجية. فهو صاحب نظرية التضحية بلبنان وإعادته إلى حظيرة سورية واسقاط المحكمة الدولية لمحاكمة الضالعين في الاغتيالات السياسية بإدعاء سلخ سورية عن إيران لأهداف استراتيجية، وفي الوقت ذاته هو ينفذ عملياً ما يريده وهو الالتهاء بكلام المفاوضات على المسار السوري - الإسرائيلي بهدف منع أي تقدم على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي.
درجت العادة بين صفوف الحلقة التي أحاطت بالمرشح للرئاسة باراك أوباما أن «اشترت» فكرة اعطاء مسار المفاوضات بين سورية وإسرائيل، عبر تركيا، الأولوية بأي ثمن كان. على أولئك الكف عن هذه الفكرة الخطيرة لأن لا قفز على معالجة المسألة الفلسطينية، ولا فسخ لسورية عن إيران، ولأن المفاوضات السورية - الإسرائيلية يجب ألا تُستخدم لفك العزلة عن دمشق. فاذا كانت دمشق صادقة حقاً في فتح صفحة جديدة مع لبنان تحترم عبرها استقلاله وسيادته وتكف عن استخدامه ساحة للفصائل الفلسطينية المسلحة التي تأخذ تعليماتها من دمشق، أهلاً بمثل هذا التطور لو حدث. إنما التجربة السورية مع لبنان لا تبشر بمثل هذه النقلة النوعية لأن دمشق على اقتناع تام بأن لبنان يبقى عمقها الاستراتيجي. اما إذا كانت عدلت فكرها ونهجها بسبب التطورات، فيجدر بإدارة أوباما المقبلة أن تحصل على ضمانات واضحة بهذا الاتجاه.
إلى حين ذلك، يبقى لبنان الوسيلة لفك العزلة الدولية عن سورية، وليس شبح المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل. فالقرارات الدولية المعنية بلبنان عنوانها الفعلي هو سورية، إذ أن هذه القرارات طالبت دمشق بالكف عن التدخل في لبنان، والكف عن تمرير السلاح إلى الميليشيات فيه ضد الجيش والدولة، والكف عن رفض ترسيم الحدود معه، والكف عن محاولة تجميد المحكمة الدولية. فإذا لم تكن النوايا السورية صادقة مع لبنان، تبقى سورية تحت المراقبة مهما تهيأ لها ولغيرها أنها تغلبت على الضغوط وأنها في أمان بمجرد انتخاب اوباما.
كذلك الأمر مع ايران، فلبنان ساحة امتحان لها وليس فقط العراق، حيث المعادلة مختلفة تماماً. فـ «حزب الله» قد يُصبح عبئاً على طهران، لا سيما اذا فتحت صفحة جديدة مع إدارة باراك أوباما، أو، إذا وقعت حرب أخرى بين الحزب وإسرائيل. ففي الحالة الأولى هو عقبة، وفي الحالة الثانية هو كلفة غالية في زمن شد الأحزمة.
لذلك، وعندما يبدأ التفاوض بين إدارة باراك أوباما وبين حكومة طهران، ستكون الفرصة مؤاتية جداً لتقديم فريق باراك اوباما السلّم الى طهران لتلتقط ايادي «حزب الله» وهو يتسلق هبوطاً. فالوسيلة الوحيدة لمعالجة ما آل اليه «حزب الله» اليوم هي أن يتخذ هو المبادرة ويعلن اعتزامه أن يتحول من منظمة عسكرية موازية للجيش، إلى جزء من الجيش والدولة بمكانة مرموقة كحزب له حقه ومكانته في الحكم السياسي في لبنان.
المطلوب هو أن تكون استراتيجية فريق أوباما شمولية، بحيث لا تفكر بإيران بمعزل عن العراق، أو بسورية بمعزل عن لبنان، أو بإسرائيل بمعزل عن فلسطين، وغير ذلك. فهناك أكثر من نافذة مفتوحة على فرص سياسات جديدة، منها النافذة الاقتصادية ونافذة صنع السلام العربي - الإسرائيلي، التي ستساعد جداً في تحييد التذرع بالقضية الفلسطينية لشن الإرهاب والتطرف ضد الولايات المتحدة وضد قوى الاعتدال.
فريق اوباما قادر على صياغة سياسة متكاملة قادرة على التغيير. ما يلزمه هو الجرأة على الطلاق من انماط السياسات التقليدية التي رافقت إدارة كلينتون الديموقراطية السابقة
نيويورك - راغدة درغام - الحياة
الفريق الذي يعده الرئيس الأميركي المنتخب، باراك اوباما، للشؤون الخارجية والأمن القومي والتجارة والاقتصاد فريق ملّم بمنطقة الخليج والشرق الأوسط من النواحي الأمنية والسياسية والنفطية ويفهم تعقيداتها ومطباتها. ما يحتاج اوباما أن يقوم به لرسم خريطة الطريق لفريقه هو أن يصر على تنفيذ تعهداته ووعده بالتغيير وألا يسمح لشخصيات مؤسسة الحزب الديموقراطي التي برزت في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون أن تبقى متقوقعة في الفكر الذي ساد قبل عقد تقريباً بما فيه من رواسب وحقائب مهترئة.
فالتغيير الذي وعد به باراك أوباما جيل الشباب الذي أتى به الى البيت الأبيض يتزامن مع التغيير في الخريطة السياسية - الاقتصادية العالمية ومع الرغبة بانتقال عدوى التغيير الى منطقة الخليج والشرق الأوسط. فالرئيس المنتخب ونائبه، جو بايدن، وفريقه الذي يفترض أن يشمل هيلاري كلينتون كوزيرة خارجية، والجنرال المتقاعد القائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي الذي أوكلت إليه مسؤوليات أمنية في العراق وفي الشرق الأوسط جيم جونز كمستشار للأمن القومي، والسفير السابق لدى الأمم المتحدة وحاكم ولاية نيومكسيكو حالياً بيل ريتشاردسون كوزير تجارة، يضم شخصيات قوية ولها خبرة في الشؤون الخارجية.
إنما ما على الرئيس المنتخب وفريقه أن يقوما به الآن هو احسان قراءة ما حدث ويحدث في اطار ديناميكيات غير تلك التي كانت سائدة عندما كان الحزب الديموقراطي في السلطة. عليهم التنبه للديناميكات كي لا تسبقهم التطورات، لأن أسوأ ما يمكن أن تواجهه الادارة المقبلة هو أن تضطر للانجرار وراء الأحداث بدلاً من إمساك زمام توجيهها. فالتحديات الآتية من تلك المنطقة فيها ما يكفي من قديم على نسق «عملية السلام» بين العرب واسرائيل - وفيها جديد صعود ايران الى مرتبة مختلفة منذ حرب العراق، فيها قديم الارهاب المعروف وجديد ارهاب القرصنة، فيها قديم السأم وجديد الوعد بالتغيير. والمعادلة بين القديم والجديد ليست اقليمية وانما عالمية.
لا جديد مثلاً في مهاترات رئيس فنزويلا هوغو تشافيز الذي يحاول إبعاد الأنظار عن انحدار وضعه وسمعته مع شعبه من خلال مزايداته المستمرة لا سيما لجهة علاقاته مع ايران. فهو اليوم يهاجم باراك أوباما وينتقده على قوله إن «من غير المقبول» أن تصنع ايران السلاح النووي، وهو يستعد لزيارة ايران قريباً لأن «لدي دين تجاه الرئيس الأخ احمدي نجاد»، حسب تعبيره. الجديد هو الحدث غير المسبوق منذ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والذي تمثل هذا الاسبوع بوصول مجموعة من السفن الحربية الروسية الى مرفأ لاغوايرا في شمال فنزويلا لاجراء مناورات مع البحرية الفنزويلية بينها السفينة النووية «بطرس الأكبر» والمدمرة «الاميرال تشابانكينكو». وتتزامن زيارة الروسي ديمتري ميدفيديف الى فنزويلا مع المناورات المشتركة التي لا بد أن تلفت انتباه طاقم الرئيس المنتخب وليس فقط الادارة الحاكمة. فالعلاقة النفطية وشبه الاستراتيجية بين روسيا وفنزويلا وايران قديمة، انما للمناورات العسكرية المشتركة بُعد جديد.
في الوقت ذاته، صعّد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، لهجته مع باراك اوباما ودعاه الى التخلي عن الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية محذراً من «رد مناسب» من موسكو. حاول استباق الادارة الجديدة بتخويفها قائلا «نأمل ان تكون القيادة الأميركية الجديدة بنّاءة أكثر ومسؤولة وبعيدة النظر»، من الادارة السابقة التي تأزمت معها العلاقات بسبب النزاع المسلح بين روسيا وجورجيا وبسبب الدرع الصاروخية. وفي الوقت ذاته، ترك بوتين رئيسه ميدفيديف ووزير خارجيته سيرغي لافروف ليرطبا الأجواء قليلاً بتلميحهما الى استعداد موسكو للرد بالمقابل بالتخلي عن نشر صواريخ في كاليننغراد الواقعة بين بولندا وليتوانيا للتصدي لمشروع الدرع الصاروخية الأميركية، وذلك بهدف التراجع عن المواجهة مع الولايات المتحدة بعد تأزم العلاقات.
هذه المؤشرات المتعددة الآتية من روسيا وفنزويلا تأتي في زمن الأزمة الاقتصادية وانهيار أسعار النفط بصورة تؤذي الاقتصاد الروسي والفنزويلي والايراني، كل بدرجات مختلفة.
إبرة البوصلة الرئيسية في رسم التوجهات ورسم العلاقات في هذه الفترة هي الإبرة الاقتصادية التي تعصف بدول وترميها في رياح لم تحسب حسابها، مثل ايران، وتضع دولاً أخرى في طليعة الدول القيادية اقليميا وعالمياً، مثل السعودية التي قدّرت موازنتها على أساس 40 دولاراً لبرميل النفط.
هبوط أسعار النفط وانعكاسه على الموازنة الايرانية عالج الى حد ما الأزمة الايرانية الناتجة عن تطلعاتها النووية وطموحاتها نحو الهيمنة الاقليمية وفرض نموذج حكمها في أكثر من دولة عربية. وبسبب انحسار القدرات المالية الايرانية، قد تصبح أوراق اوباما أقوى في تعاطيه مع ايران بحكم الصدفة الاقتصادية وليس بسبب أي تغيير في الفكر والسياسة الايرانيين.
وكمثال، فاللغة التي خاطب بها ملالي طهران ورئيسها محمود أحمدي نجاد زائرهم الرئيس اللبناني ميشال سليمان هذا الاسبوع تبيّن قرارهم في رفض الاعتراف باستقلال هذا البلد وحقه في أن تكون له دولة ذات سيادة قادرة وحدها على بسط سلطتها في جميع انحاء البلاد.
القادة الايرانيون اختزلوا لبنان الى كلمة «مقاومة» بمحو عملي لكلمة «السيادة»، وهم الذين يدفقون السلاح الى «حزب الله» الذي تطالب القرارات الدولية بتجريده منه وتطالب ايران بالكف عن خرق حظر السلاح اليه. فلو كان الهدف الايراني صادقاً في إزالة الاحتلال الاسرائيلي عن الأراضي العربية، فإن أمامه حليفه السوري الذي له أراض تحتلها اسرائيل والذي يمكن له شن المقاومة عبر حدوده معها. فإذا كان فريق باراك أوباما جاهزاً حقاً للتفكير الجديد في كيفية التعاطي مع إيران، فواجبه أن ينظر إلى إيران من منظور أدوارها الاقليمية وليس فقط من منظار طموحاتها النووية. وكل من يترفّع عن تناول ملف لبنان باعتباره - حسب التفكير التقليدي في الحزب الديموقراطي - أقل أهمية من الدول ذات الأهمية الاستراتيجية كسورية وإيران - إنما يكون جاهلاً حقاً ورافضاً للخروج من التفكير القديم.
تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك هذا الأسبوع التي هددت بتدمير عمق لبنان رداً على امتلاك «حزب الله» تلك الترسانة الضخمة، إنما هو استدعاء لحرب أخرى بين إسرائيل و «حزب الله» على حساب لبنان وشعبه وبنيته التحتية. كلامه الذي يدخل في خانة شق فجوة بين سورية وإيران أو بين سورية و «حزب الله»، إنما يعكس تزاوج النفاق والازدواجية. فهو صاحب نظرية التضحية بلبنان وإعادته إلى حظيرة سورية واسقاط المحكمة الدولية لمحاكمة الضالعين في الاغتيالات السياسية بإدعاء سلخ سورية عن إيران لأهداف استراتيجية، وفي الوقت ذاته هو ينفذ عملياً ما يريده وهو الالتهاء بكلام المفاوضات على المسار السوري - الإسرائيلي بهدف منع أي تقدم على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي.
درجت العادة بين صفوف الحلقة التي أحاطت بالمرشح للرئاسة باراك أوباما أن «اشترت» فكرة اعطاء مسار المفاوضات بين سورية وإسرائيل، عبر تركيا، الأولوية بأي ثمن كان. على أولئك الكف عن هذه الفكرة الخطيرة لأن لا قفز على معالجة المسألة الفلسطينية، ولا فسخ لسورية عن إيران، ولأن المفاوضات السورية - الإسرائيلية يجب ألا تُستخدم لفك العزلة عن دمشق. فاذا كانت دمشق صادقة حقاً في فتح صفحة جديدة مع لبنان تحترم عبرها استقلاله وسيادته وتكف عن استخدامه ساحة للفصائل الفلسطينية المسلحة التي تأخذ تعليماتها من دمشق، أهلاً بمثل هذا التطور لو حدث. إنما التجربة السورية مع لبنان لا تبشر بمثل هذه النقلة النوعية لأن دمشق على اقتناع تام بأن لبنان يبقى عمقها الاستراتيجي. اما إذا كانت عدلت فكرها ونهجها بسبب التطورات، فيجدر بإدارة أوباما المقبلة أن تحصل على ضمانات واضحة بهذا الاتجاه.
إلى حين ذلك، يبقى لبنان الوسيلة لفك العزلة الدولية عن سورية، وليس شبح المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل. فالقرارات الدولية المعنية بلبنان عنوانها الفعلي هو سورية، إذ أن هذه القرارات طالبت دمشق بالكف عن التدخل في لبنان، والكف عن تمرير السلاح إلى الميليشيات فيه ضد الجيش والدولة، والكف عن رفض ترسيم الحدود معه، والكف عن محاولة تجميد المحكمة الدولية. فإذا لم تكن النوايا السورية صادقة مع لبنان، تبقى سورية تحت المراقبة مهما تهيأ لها ولغيرها أنها تغلبت على الضغوط وأنها في أمان بمجرد انتخاب اوباما.
كذلك الأمر مع ايران، فلبنان ساحة امتحان لها وليس فقط العراق، حيث المعادلة مختلفة تماماً. فـ «حزب الله» قد يُصبح عبئاً على طهران، لا سيما اذا فتحت صفحة جديدة مع إدارة باراك أوباما، أو، إذا وقعت حرب أخرى بين الحزب وإسرائيل. ففي الحالة الأولى هو عقبة، وفي الحالة الثانية هو كلفة غالية في زمن شد الأحزمة.
لذلك، وعندما يبدأ التفاوض بين إدارة باراك أوباما وبين حكومة طهران، ستكون الفرصة مؤاتية جداً لتقديم فريق باراك اوباما السلّم الى طهران لتلتقط ايادي «حزب الله» وهو يتسلق هبوطاً. فالوسيلة الوحيدة لمعالجة ما آل اليه «حزب الله» اليوم هي أن يتخذ هو المبادرة ويعلن اعتزامه أن يتحول من منظمة عسكرية موازية للجيش، إلى جزء من الجيش والدولة بمكانة مرموقة كحزب له حقه ومكانته في الحكم السياسي في لبنان.
المطلوب هو أن تكون استراتيجية فريق أوباما شمولية، بحيث لا تفكر بإيران بمعزل عن العراق، أو بسورية بمعزل عن لبنان، أو بإسرائيل بمعزل عن فلسطين، وغير ذلك. فهناك أكثر من نافذة مفتوحة على فرص سياسات جديدة، منها النافذة الاقتصادية ونافذة صنع السلام العربي - الإسرائيلي، التي ستساعد جداً في تحييد التذرع بالقضية الفلسطينية لشن الإرهاب والتطرف ضد الولايات المتحدة وضد قوى الاعتدال.
فريق اوباما قادر على صياغة سياسة متكاملة قادرة على التغيير. ما يلزمه هو الجرأة على الطلاق من انماط السياسات التقليدية التي رافقت إدارة كلينتون الديموقراطية السابقة