Announcement

Collapse
No announcement yet.

أميّون

Collapse
X
 
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • أميّون

    أميّون


    حسان حيدر - الحياة



    قبل أيام عقد مسؤولون في أجهزة الشرطة في دول الخليج ودول عربية اخرى اجتماعا في العاصمة القطرية كان محوره الرئيسي مكافحة الارهاب على شبكة الانترنت. لكن خطورة هذه المسألة الكامنة في تزايد قدرة الحركات الارهابية والمتطرفة على تجنيد الانصار والمتعاونين والمقاتلين والانتحاريين عبر الشبكة، لا تقل اهمية عن ضرورة محاربة الآفة الأكبر المرتبطة بها والمتفشية في عالمنا العربي والتي تبرز جليا على صفحات الانترنت، أي الأمية.

    ذلك ان هذا الداء - كما يظهر من تصفح المواقع العربية وما يستتبعه مما ينشر فيها من تعليقات للقراء او المشتركين - مستفحل اكثر مما يعتقد، وان استخدام الكومبيوتر وارسال الرسائل الالكترونية لا يعني ان الذي يقوم بهذا العمل تخطّى الحد الأدنى المقبول من القدرة على الفهم، بل هو في معظم الاحيان نقل «أميته» معه الى مجال جديد يفضحها اكثر، بعدما كان ممكنا اخفاؤها وحصرها في نطاق ضيق.

    تقول المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) في احصاء أخير إن عدد الأميين في العالم العربي يصل إلى نحو 100 مليون نسمة، 75 مليوناً منهم تتراوح اعمارهم بين 15 و45 عاماً. واذا كان عدد سكان العالم العربي يقارب 330 مليوناً، فإن نسبة الأميين تكون تقارب 33 في المئة.

    لكن الأمية عند العرب أنواع، فمنها ما يتعلق ببديهيات المعرفة من قراءة وكتابة، ومنها ما يتصل بفهم ما يُقرأ ويسمع، أي الأمية السياسية المتمثلة في جهل مطبق بما يجري في العالم وما هو قائم من انظمة وقوانين وهيئات وما يطبق من شرائع ومواثيق.

    ومع ان هناك حقاً بديهياً لكل شخص في المعرفة وابداء الرأي والتعبير، إلا أن القارئ العادي يجد نفسه مضطراً الى تحمل تبعات اقبال «الأميين» على الانترنت والإدلاء بآرائهم الفذة على صفحات المواقع، وإصرارهم على التعليق على كل ما ينشر، سواء ادركوا معناه ام لا، ولجوئهم الى السفاهة كلما اعتبروا ان مقالة ما لا تعجب خواطرهم ولا تنطبق على افهامهم او ان فيها تجاوزاً لما يعتقدون به جهلا ويدافعون عنه تعسفا.

    ولأن بعض المواقع الالكترونية يحرص على نشر كل تعليق يرده لإظهار مدى اتساع شعبيته وحجم الاقبال على تصفحه، سواء لأسباب تجارية او للتفاخر امام اقرانه، فإن المجال مفتوح للغث والسوقي من التعليقات والآراء التي يخرج معظمها عن السياق ويتحول الى ما يشبه الردح. ولهذا لا بد من ضوابط تدرج في اطار مدونة سلوك يتفق عليها الناشرون على الانترنت اذا وجدوا سبيلاً للاجتماع والاتفاق، بهدف رفع مستوى ما يكتب، وحصر نشر الردود والتعليقات بالمفيد منها، منعاً للاسفاف، ومن دون ان يعني ذلك فرض رقابة على الرأي أياً كان توجهه.

    تقول «ألكسو» إن ارتفاع نسبة الأمية بين العرب يشكل فجوة بنيوية عميقة تؤثر على تطور مجتمعاتهم، وتترتب عليه نتائج سياسية واجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة. ونقول ان بعض المواقع العربية على الانترنت يثبت ان الفارق بين انتاج ادوات الحضارة وبين استخدامها كبير جداً جداً.

    الباطل صوته أعلى، وأبواقه اوسع، واكاذيبه لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن ان تقف عند حد. فكيف اذا كان بعض ابطاله قد بات في نظر نفسه والعميان من حوله من انصاف آلهة.
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎