ماذا عن الدور الباكستاني في هجمات الهند؟
الياس حرفوش - الحياة -
تتراوح هجمات ليل 26 تشرين الثاني (نوفمبر) على مدينة مومباي الهندية في حجمها بين 11 ايلول (سبتمبر) الاميركية و7 تموز (يوليو) اللندنية. المدينة نفسها تمثل موقعاً مهماً على خريطة المال والاتصالات الحديثة والنمو الاقتصادي في الهند، بحيث باتت توازي في الأهمية كلاً من لندن ونيويورك. وبهذا المعنى يصبح استهدافها استهدافاً لما ترمز إليه من ثقل بين المدن الهندية الصاعدة. الى جانب «الرسالة» التي يسعى الارهابيون الى توجيهها من وراء اعمال من هذا النوع، لا تستهدف شل الاقتصاد فقط، بل ايضاً ضرب اهداف سياحية من نوع الفنادق الفخمة والمطاعم والنوادي التي يسهل فيها الاختلاط بين الجنسين، وهو اختلاط غريب على تفكيرهم، وبالتالي يصبح حلالاً في نظرهم القضاء على كل من يتعاطاه. وهذا ما يفسر المجزرة التي ارتكبها هؤلاء في احد مطاعم المدينة ضد اناس لم يكن ذنبهم سوى انهم كانوا يجلسون معاً الى موائد الطعام.
وإذا صحت المعلومات ان بين الارهابيين الذين اعتقلتهم السلطات الهندية باكستانيين من مواليد بريطانيا، كما ان البحرية الهندية تحتجز باخرتين باكستانيتين وتحقق في احتمال ان يكون الارهابيون جاءوا عليهما الى شاطئ مومباي، يصبح الترابط بين تنظيم «القاعدة» والمجموعات الباكستانية المتعاونة معه اكثر وضوحاً، ويصبح الاتهام الذي وجهه بعض المسؤولين الهنود الى دور باكستاني اتهاماً يحتاج الى التوقف عنده بدل نفيه بالمطلق كما فعل مسؤولو باكستان. لقد تحولت منطقة القبائل الحدودية بين باكستان وافغانستان الى موقع مثمر لإنتاج الارهابيين، سواء ممن يعملون مع «القاعدة» او مع تنظيمات باكستانية او هندية، مثل جماعة «عسكر طيبة» التي تقاتل ضد الحكم الهندي في كشمير وتتخذ من باكستان مقراً لها، وهي المجموعة التي نفذت الهجوم على البرلمان الهندي سنة 2002 والذي كاد يؤدي الى حرب بين البلدين. ففي هذه المنطقة تدرب المسؤولون عن اعتداءات مدريد في آذار (مارس) 2004 ولندن في تموز 2005 وعن محاولات تفجير طائرات فوق المحيط الاطلسي.
لباكستان مصلحة في النظر الى داخلها قليلاً بدل الاكتفاء بنفي التهم، سواء جاءت من حكومة افغانستان بشأن دور منطقة القبائل في توفير الامن لـ «القاعدة» و «طالبان» أو من الحكومة الهندية كما هي الحال الآن. فهذه الأعمال الإرهابية تشكل خطراً كذلك على باكستان نفسها وهي التي عانت منها مثل سواها واكثر. فزوجة الرئيس آصف زرداري ذهبت ضحيتها قبل ان يتاح لها تسلم المنصب الذي يحتله هو الآن، كما ان اكثر من 1500 شخص قتلوا في هجمات انتحارية متفرقة ضد المدن الباكستانية منذ اعلنت «القاعدة» و «طالبان» الجهاد ضد إسلام آباد بحجة تعاونها مع الاميركيين في الحرب على الارهاب.
يجب ان يدفع الى الاهتمام ايضاً أن هجمات مومباي تحصل في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الهندية - الباكستانية تحسناً واضحاً منذ انتخاب زرداري رئيساً لباكستان. ولا شك ان هذه الهجمات تهدف، في ما تهدف إليه، الى ضرب هذا المناخ الجديد الذي يقطع الطريق على امكان استغلال الخلافات بين البلدين. فالقائمون عليها يدركون أن اصبع الاتهام الهندي سيتجه مباشرة الى حكومة باكستان، وسيدفع الى تحالف أوثق بين الجماعات الارهابية والمسؤولين في الاستخبارات الباكستانية وربما في الجيش ايضاً، والذين بينهم من يتعاطف مع هذه الجماعات لأسباب تتصل بقضية كشمير او بوضع المسلمين في الهند الى جانب تاريخ طويل من المدّ والجزر في العلاقات بين نيودلهي واسلام آباد.
غير أن الهجمات الأخيرة سوف تترك اثرها كذلك على الوضع الهندي الداخلي نفسه، حيث التعصب الهندوسي الخامد الآن ضد المسلمين لا يقل تطرفاً عن سواه، وهو ما يمكن ان يدفع بهذه المجموعات الى الواجهة السياسية على حساب حزب المؤتمر الذي عانت قياداته ايضاً من الارهاب على يد المتطرفين السيخ وسواهم.
في كل حال، من شأن الارهاب، كما في كل مرة، ان يؤدي الى المزيد من التطرف والقليل من تشغيل العقل او بناء العلاقات بين الاديان والشعوب والدول على أسس اكثر انفتاحاً وواقعية. وسواء تمكن الارهابيون من القضاء على اعداد قليلة او كثيرة من رهائنهم، فإنهم ينجحون دائماً في تنمية ثقافة التعصب والانغلاق والقتل التي باتت ثقافتهم الوحيدة
الياس حرفوش - الحياة -
تتراوح هجمات ليل 26 تشرين الثاني (نوفمبر) على مدينة مومباي الهندية في حجمها بين 11 ايلول (سبتمبر) الاميركية و7 تموز (يوليو) اللندنية. المدينة نفسها تمثل موقعاً مهماً على خريطة المال والاتصالات الحديثة والنمو الاقتصادي في الهند، بحيث باتت توازي في الأهمية كلاً من لندن ونيويورك. وبهذا المعنى يصبح استهدافها استهدافاً لما ترمز إليه من ثقل بين المدن الهندية الصاعدة. الى جانب «الرسالة» التي يسعى الارهابيون الى توجيهها من وراء اعمال من هذا النوع، لا تستهدف شل الاقتصاد فقط، بل ايضاً ضرب اهداف سياحية من نوع الفنادق الفخمة والمطاعم والنوادي التي يسهل فيها الاختلاط بين الجنسين، وهو اختلاط غريب على تفكيرهم، وبالتالي يصبح حلالاً في نظرهم القضاء على كل من يتعاطاه. وهذا ما يفسر المجزرة التي ارتكبها هؤلاء في احد مطاعم المدينة ضد اناس لم يكن ذنبهم سوى انهم كانوا يجلسون معاً الى موائد الطعام.
وإذا صحت المعلومات ان بين الارهابيين الذين اعتقلتهم السلطات الهندية باكستانيين من مواليد بريطانيا، كما ان البحرية الهندية تحتجز باخرتين باكستانيتين وتحقق في احتمال ان يكون الارهابيون جاءوا عليهما الى شاطئ مومباي، يصبح الترابط بين تنظيم «القاعدة» والمجموعات الباكستانية المتعاونة معه اكثر وضوحاً، ويصبح الاتهام الذي وجهه بعض المسؤولين الهنود الى دور باكستاني اتهاماً يحتاج الى التوقف عنده بدل نفيه بالمطلق كما فعل مسؤولو باكستان. لقد تحولت منطقة القبائل الحدودية بين باكستان وافغانستان الى موقع مثمر لإنتاج الارهابيين، سواء ممن يعملون مع «القاعدة» او مع تنظيمات باكستانية او هندية، مثل جماعة «عسكر طيبة» التي تقاتل ضد الحكم الهندي في كشمير وتتخذ من باكستان مقراً لها، وهي المجموعة التي نفذت الهجوم على البرلمان الهندي سنة 2002 والذي كاد يؤدي الى حرب بين البلدين. ففي هذه المنطقة تدرب المسؤولون عن اعتداءات مدريد في آذار (مارس) 2004 ولندن في تموز 2005 وعن محاولات تفجير طائرات فوق المحيط الاطلسي.
لباكستان مصلحة في النظر الى داخلها قليلاً بدل الاكتفاء بنفي التهم، سواء جاءت من حكومة افغانستان بشأن دور منطقة القبائل في توفير الامن لـ «القاعدة» و «طالبان» أو من الحكومة الهندية كما هي الحال الآن. فهذه الأعمال الإرهابية تشكل خطراً كذلك على باكستان نفسها وهي التي عانت منها مثل سواها واكثر. فزوجة الرئيس آصف زرداري ذهبت ضحيتها قبل ان يتاح لها تسلم المنصب الذي يحتله هو الآن، كما ان اكثر من 1500 شخص قتلوا في هجمات انتحارية متفرقة ضد المدن الباكستانية منذ اعلنت «القاعدة» و «طالبان» الجهاد ضد إسلام آباد بحجة تعاونها مع الاميركيين في الحرب على الارهاب.
يجب ان يدفع الى الاهتمام ايضاً أن هجمات مومباي تحصل في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الهندية - الباكستانية تحسناً واضحاً منذ انتخاب زرداري رئيساً لباكستان. ولا شك ان هذه الهجمات تهدف، في ما تهدف إليه، الى ضرب هذا المناخ الجديد الذي يقطع الطريق على امكان استغلال الخلافات بين البلدين. فالقائمون عليها يدركون أن اصبع الاتهام الهندي سيتجه مباشرة الى حكومة باكستان، وسيدفع الى تحالف أوثق بين الجماعات الارهابية والمسؤولين في الاستخبارات الباكستانية وربما في الجيش ايضاً، والذين بينهم من يتعاطف مع هذه الجماعات لأسباب تتصل بقضية كشمير او بوضع المسلمين في الهند الى جانب تاريخ طويل من المدّ والجزر في العلاقات بين نيودلهي واسلام آباد.
غير أن الهجمات الأخيرة سوف تترك اثرها كذلك على الوضع الهندي الداخلي نفسه، حيث التعصب الهندوسي الخامد الآن ضد المسلمين لا يقل تطرفاً عن سواه، وهو ما يمكن ان يدفع بهذه المجموعات الى الواجهة السياسية على حساب حزب المؤتمر الذي عانت قياداته ايضاً من الارهاب على يد المتطرفين السيخ وسواهم.
في كل حال، من شأن الارهاب، كما في كل مرة، ان يؤدي الى المزيد من التطرف والقليل من تشغيل العقل او بناء العلاقات بين الاديان والشعوب والدول على أسس اكثر انفتاحاً وواقعية. وسواء تمكن الارهابيون من القضاء على اعداد قليلة او كثيرة من رهائنهم، فإنهم ينجحون دائماً في تنمية ثقافة التعصب والانغلاق والقتل التي باتت ثقافتهم الوحيدة