ظاهرة التكفير .. مؤتمر للمواجهة والاعتدال
كلمة الاقتصادية
لأن الاعتدال والوسطية منهج الإسلام في طرح جميع القضايا ومعالجتها، وقد سارت المملكة على مبدأ ثابت في التعامل مع القضايا المعاصرة، خصوصا تلك التي جنحت فيها الأفهام وضلت فيها العقول، فقد جاء مؤتمر ظاهرة التكفير ليضع القواعد الصحيحة والأسس السليمة في موضعها وليصحح الأخطاء التي تراكمت منذ زمن وأصبح تداولها على أنها من المسلمات من أخطر ما يمس الأمن الفكري بل ومن أكثر ما يلحق الضرر بالعلاقة بين المسلمين من شتى القوميات والطوائف والمذاهب والجنسيات، والأخطر من ذلك أن هذه الظاهرة أصبحت مادة إعلامية في بعض القنوات الفضائية وامتلأت وسائل الاتصال بأفكارها المسمومة، وبحضور لافت لمن يتزعمون تلك الأفكار الظلامية.
إن وعي المسلمين بما يهدد أمن بلدانهم وشعوبهم يجب أن ينطلق من ذلك التهديد المباشر الذي يسلكه بعض المسلمين ضد بعضهم تحت أوهام زائفة وأفكار مضللة ودعاوى مشبوهة، تخلق أجيالا من المندفعين والمتحمسين، في ظل جهل مطبق بمدى سعة الدين الإسلامي واستيعابه التباين في وجهات النظر، بل وفي الأقوال الفقهية التي تعكس ما يتضمنه الإسلام من قابلية للاختلاف. وفي المقابل فإن الإسلام عقيدة وشريعة وعبادة يحرص أشد الحرص على تحقيق الوحدة بين المسلمين ونبذ الفرقة والخلاف وتجاوز النزعات الشخصية والذاتية ليعلي من شأن المصلحة العامة، وفرض الاحترام لسماحة الإسلام والحفاظ على الدماء والأموال وسائر الحقوق من أن تكون معرضة للاعتداء، أو المساس بها بأي صورة كانت.
إن مؤتمر ظاهرة التكفير الذي يعقد في المدينة المنورة يعالج قضية من أهم قضايا الساعة، وهو مؤتمر يحظى برعاية سامية ويأتي في إطار جهود متتابعة ومتعددة من أجل حجب طوفان هذه الظاهرة، والتأكيد على مبادئ الإسلام. ولأن تحليل هذه الظاهرة من حيث أسبابها خطوة أولى في معرفة كيفية مواجهتها، فإن المؤتمر سيركز على هذه الظاهرة من حيث الأسباب والآثار التي نتجت عنها ثم بحث العلاج، وفي هذه المحاور الثلاثة إحاطة كاملة بهذه الظاهرة من جذورها حتى تحديد وسائل علاجها.
لقد عانى المسلمون كثيرا من فهم بعض المسلمين الخاطئ لتعاليم الإسلام، بل وكانت هناك ظواهر أخرى أضرت بالمسلمين والعالم كله كنتيجة طبيعية للتكفير ألا وهي ظاهرة الإرهاب، التي فتحت بابا واسعا لإهدار الدماء البريئة من المسلمين وغيرهم، وانبرى لها من الجهلاء الذين أثموا وضلوا وأضلوا كثيرا، بل وأوجدوا مبررات زائفة نسبوها إلى الإسلام، والإسلام منها براء.
إن التكفير تطرف يتعارض تماما مع تسامح الإسلام الذي دعا إلى الحوار والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتقديم النموذج الأمثل في العلاقة بين المسلمين فيما بينهم وبين غيرهم من الديانات والمذاهب، ولقد كانت المملكة ولا تزال وستظل نموذجاً يحظى بالاحترام الدولي باعتبارها خير من يمثل الإسلام كدين وثقافة وحضارة، ورغم ما واجهته من ظاهرة التكفير والتطرف والإرهاب وخلط المفاهيم إلا أن وضوح النهج وعدالة المواقف وحكمة القيادة زادت من رصيدنا العالمي الذي حظي باحترام العالم في مواجهة التكفير والتطرف والإرهاب، مع حفاظ على المكتسبات المحلية والدولية، وهو ما يجد تقديراً وإعجاباً دولياً.