دورة للوزراء... في أحوال الطقس
جمال بنون - الحياة
شعرت للوهلة الأولى وأنا أقرأ تصريح أمين مدينة الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف، في مؤتمره الصحافي الاسبوع الماضي، الذي طلب فيه تبليغ وزارة المالية بتوقعات الأرصاد، أنه يريد نشر ثقافة علم الأرصاد وأحوال الطقس بين المسؤولين، وهي ثقافة موجودة لدى كثير من الدول المتقدمة، كما أنها تعد من المقدسات فهي مؤشر لجاهزية كل المؤسسات الحكومية والأهلية، وأيضاً تحذير للناس بالعواقب.
إلا أنني تساءلت: لماذا طالب أمين الرياض تبليغ المالية بتوقعات الطقس، ولم يقل الدفاع المدني أو الكهرباء أو حتى المرور وغيرها من الإدارات الحكومية الخدمية التي لها علاقة مباشرة بالناس؟
للأمانة: إدارات الدفاع المدني بفروعها كافة، وعلى رأسها الفريق سعد بن عبدالله التويجري، لديها اهتمام كبير بأخبار الطقس، وهي دائماً ما تحذر الناس من خلال وسائل الإعلام بكوارث طبيعية أو سيول أو غبار، ومرات عدة ترسل رسائل نصية على الهواتف النقالة مستغلة تطور شبكة الاتصالات، وحتى إدارات المرور لديها اهتمام بأخبار الطقس وتتابع نشرات الأحوال الجوية، إلا أنه يعاب عليها عدم استخدامها لوسائل الإعلام المتطورة لإيصال رسالتها، ولهذا تبقى أخبارها عادة إما صحافية أو وكالة الأنباء، ومع ذلك فجهودها الميدانية أوقات الأمطار وموجات الغبار واضحة.
بالنسبة إلى بقية الأجهزة الحكومية، فهي تتحرك وقت الأزمة متى ما وردتها معلومات، فهي ترى أن أخبار الطقس والأحوال الجوية لا تهمها، وإنما دورها ليس الوقاية، بل علاج الحالات الطارئة.
ولكن دعونا نتساءل من جديد: لماذا طرح أمين مدينة الرياض اسم وزارة المالية، وطلب من الصحافيين أن يبلغوا المالية بتوقعات الأرصاد؟ هل وزارة المالية سترطب لنا الجو، وتخفض لنا نسبة الرطوبة العالية؟ أو ستسهم في الانبعاث الحراري؟ وتزيل الغبار والأتربة التي تجتاح بعض مدننا؟ بالفعل أمر محير! لماذا وزارة المالية بالتحديد؟ هل كان يقصد أن نشرات الأحوال الجوية تبث من مقر وزارة المالية؟ فهي معلومات خاطئة، وأرقامها غير صحيحة، أو أن المعلومات التي تبثها مصلحة الأرصاد وحماية البيئة لا تصل إلى وزارة المالية؟ وقد يكون الأمر متعمداً ومقصوداً بحجب معلومات مهمة عن الطقس!
أعتب على أمين مدينة الرياض، إذ لو قال: بلغوا وزارة التجارة بتوقعات الأرصاد، لقلت: «معاه حق»؛ فوزارة التجارة إذا لم تعرف بأحوال الطقس فكيف يكسب التجار في الأزمات والسيول والأمطار؟ كان سيخسر تجار المظلات وتلحق بهم خسارة كبيرة تهز اقتصاد البلد، ولو قال الأمين: بلغوا وزارة الخدمة المدنية بتوقعات الأرصاد لقلت له «مالك حق»، فموظفو الدولة من أكثر متابعي أحوال الطقس والمناسبات ليتغيبوا عن أعمالهم ووظائفهم بلا رقيب أو حسيب، وطقس غياب يومي الأربعاء والسبت عادة موجود بشكل لا يحتاجون معه إلى إبلاغهم، وبالنسبة للمطر، فالموظف الحكومي يتغيب إذا سمع أن أمطاراً هطلت في مدن أخرى، فكيف إذا كانت في مدينته التي يسكن فيها؟
في الدول المتقدمة لا يسافر الناس ولا يخرجون من منازلهم، ولا يسيرون في الشارع ولا يخرجون للسياحة أو التنزه قبل أن يعرفوا أحوال الطقس، وليس مثلما يحدث الآن لدينا، فالناس في الأودية والمدن، وما أن يروا السحب غائمة وممطرة حتى يخرجوا بعائلتهم وأفرادها للتنزه، وأعان الله رجال الدفاع المدني والإسعاف في إنقاذ الذين احتجزتهم السيول!
وحتى لا نخرج من موضوعنا الرئيس والمهم، أود أن أشيد بذكاء أمين مدينة الرياض، فهو لم يوجه تهمة التقصير أو الإهمال إلى وزارة المالية لتأخير اعتماد مشاريع الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، بل قالها بطريقة مختلفة، لكن أوصلت الرسالة، ومادام الدكتور العياف اقترح أن نبلغ وزارة المالية بتوقعات الأرصاد، فأقترح أيضاً أن تقوم الجهات الحكومية والأهلية التي لها مخالصة أو مصلحة مع وزارة المالية ولديها مشاريع لم تعتمد أو مستحقات لم تصرف، أن توضع شاشة كبيرة أمام مبنى الوزارة مقابلة لنافذة الوزير وموظفيه المهمين، تبث من خلالها أخبار الطقس على مدار الساعة في كل مدن السعودية، وتبث أيضاً صور المشاريع المتعثرة، ومستحقات المقاولين والناس، وتبث من خلال الشاشة الأضرار التي لحقت من جراء السيول التي هطلت في جدة والرياض وجازان ومدن أخرى والقرى التي دمرت فيها البيوت، ولا ضرر أن نخصص عربة تكون شاشة متنقلة ترافق الوزير إلى أي مكان يذهب إليه.
ولكن مسألة أن تتابع المالية الأرصاد، فهذا على ما يبدو أن إشكالاً بين الجهازين الحكوميين وراء عدم متابعة الوزارة للأرصاد، فقبل ثلاثة أعوام نشأ خلاف بين وزارة المالية وموظفي الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، كما نشر في الصحف حينها، وقالت الوزارة حينها: «إن قرارها الخاص بإيقاف صرف رواتب موظفي الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة مبني على قرار مجلس الخدمة المدنية، الذي تمت المصادقة عليه من المقام السامي، بوقف صرف العلاوة الفنية لمنسوبي الرئاسة العاملين تحت مسمى راصد أو متنبئ، إضافة إلى أن صرف العلاوة محل اعتراض من ديوان المراقبة العامة لعدم نظاميتها».
خصوم وزارة المالية كثيرون، فقبل خمسة أشهر انتقد ديوان المراقبة العامة وزارة المالية لعدم تمكينه من فحصه الحساب الختامي للدولة ميدانياً، وفي تقرير صحافي أشار الديوان إلى أنه لم يطلع على البيانات المكونة للحساب الختامي السنوي للدولة، وهي عبارة عن أرصدة إجمالية لحسابات مستخرجة من سجلات ودفاتر محاسبية وإحصائية مفصلة بسبب حجب وزارة المالية لتلك السجلات والوثائق من دون سند نظامي. وبيّن الديوان أن مراجعته لبيانات الحساب الختامي للدولة وأرصدته الإجمالية لا تمثل سوى مطالعات ومرئيات عامة حول تلك الأرصدة ولا تفي بمتطلبات الفحص والتحليل المطلوبة نظاماً للتحقق من دقة البيانات الواردة بالحساب الختامي للدولة وصحة مكونات أرقامه الإجمالية وسلامة إعدادها وتوفر أسانيدها النظامية.
ولأن أخبار الطقس أصبحت اليوم مهمة جداً فأنا أطالب بأن تبادر مصلحة الأرصاد وحماية البيئة بإلزام جميع الوزراء والمسؤولين، خصوصاً البلديات والكهرباء، بضرورة الالتحاق بدورات مكثفة في علوم الطقس والأحوال الجوية، لعلها تساعدهم في اتخاذ القرار.
* إعلامي وكاتب اقتصادي.
جمال بنون - الحياة
شعرت للوهلة الأولى وأنا أقرأ تصريح أمين مدينة الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف، في مؤتمره الصحافي الاسبوع الماضي، الذي طلب فيه تبليغ وزارة المالية بتوقعات الأرصاد، أنه يريد نشر ثقافة علم الأرصاد وأحوال الطقس بين المسؤولين، وهي ثقافة موجودة لدى كثير من الدول المتقدمة، كما أنها تعد من المقدسات فهي مؤشر لجاهزية كل المؤسسات الحكومية والأهلية، وأيضاً تحذير للناس بالعواقب.
إلا أنني تساءلت: لماذا طالب أمين الرياض تبليغ المالية بتوقعات الطقس، ولم يقل الدفاع المدني أو الكهرباء أو حتى المرور وغيرها من الإدارات الحكومية الخدمية التي لها علاقة مباشرة بالناس؟
للأمانة: إدارات الدفاع المدني بفروعها كافة، وعلى رأسها الفريق سعد بن عبدالله التويجري، لديها اهتمام كبير بأخبار الطقس، وهي دائماً ما تحذر الناس من خلال وسائل الإعلام بكوارث طبيعية أو سيول أو غبار، ومرات عدة ترسل رسائل نصية على الهواتف النقالة مستغلة تطور شبكة الاتصالات، وحتى إدارات المرور لديها اهتمام بأخبار الطقس وتتابع نشرات الأحوال الجوية، إلا أنه يعاب عليها عدم استخدامها لوسائل الإعلام المتطورة لإيصال رسالتها، ولهذا تبقى أخبارها عادة إما صحافية أو وكالة الأنباء، ومع ذلك فجهودها الميدانية أوقات الأمطار وموجات الغبار واضحة.
بالنسبة إلى بقية الأجهزة الحكومية، فهي تتحرك وقت الأزمة متى ما وردتها معلومات، فهي ترى أن أخبار الطقس والأحوال الجوية لا تهمها، وإنما دورها ليس الوقاية، بل علاج الحالات الطارئة.
ولكن دعونا نتساءل من جديد: لماذا طرح أمين مدينة الرياض اسم وزارة المالية، وطلب من الصحافيين أن يبلغوا المالية بتوقعات الأرصاد؟ هل وزارة المالية سترطب لنا الجو، وتخفض لنا نسبة الرطوبة العالية؟ أو ستسهم في الانبعاث الحراري؟ وتزيل الغبار والأتربة التي تجتاح بعض مدننا؟ بالفعل أمر محير! لماذا وزارة المالية بالتحديد؟ هل كان يقصد أن نشرات الأحوال الجوية تبث من مقر وزارة المالية؟ فهي معلومات خاطئة، وأرقامها غير صحيحة، أو أن المعلومات التي تبثها مصلحة الأرصاد وحماية البيئة لا تصل إلى وزارة المالية؟ وقد يكون الأمر متعمداً ومقصوداً بحجب معلومات مهمة عن الطقس!
أعتب على أمين مدينة الرياض، إذ لو قال: بلغوا وزارة التجارة بتوقعات الأرصاد، لقلت: «معاه حق»؛ فوزارة التجارة إذا لم تعرف بأحوال الطقس فكيف يكسب التجار في الأزمات والسيول والأمطار؟ كان سيخسر تجار المظلات وتلحق بهم خسارة كبيرة تهز اقتصاد البلد، ولو قال الأمين: بلغوا وزارة الخدمة المدنية بتوقعات الأرصاد لقلت له «مالك حق»، فموظفو الدولة من أكثر متابعي أحوال الطقس والمناسبات ليتغيبوا عن أعمالهم ووظائفهم بلا رقيب أو حسيب، وطقس غياب يومي الأربعاء والسبت عادة موجود بشكل لا يحتاجون معه إلى إبلاغهم، وبالنسبة للمطر، فالموظف الحكومي يتغيب إذا سمع أن أمطاراً هطلت في مدن أخرى، فكيف إذا كانت في مدينته التي يسكن فيها؟
في الدول المتقدمة لا يسافر الناس ولا يخرجون من منازلهم، ولا يسيرون في الشارع ولا يخرجون للسياحة أو التنزه قبل أن يعرفوا أحوال الطقس، وليس مثلما يحدث الآن لدينا، فالناس في الأودية والمدن، وما أن يروا السحب غائمة وممطرة حتى يخرجوا بعائلتهم وأفرادها للتنزه، وأعان الله رجال الدفاع المدني والإسعاف في إنقاذ الذين احتجزتهم السيول!
وحتى لا نخرج من موضوعنا الرئيس والمهم، أود أن أشيد بذكاء أمين مدينة الرياض، فهو لم يوجه تهمة التقصير أو الإهمال إلى وزارة المالية لتأخير اعتماد مشاريع الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، بل قالها بطريقة مختلفة، لكن أوصلت الرسالة، ومادام الدكتور العياف اقترح أن نبلغ وزارة المالية بتوقعات الأرصاد، فأقترح أيضاً أن تقوم الجهات الحكومية والأهلية التي لها مخالصة أو مصلحة مع وزارة المالية ولديها مشاريع لم تعتمد أو مستحقات لم تصرف، أن توضع شاشة كبيرة أمام مبنى الوزارة مقابلة لنافذة الوزير وموظفيه المهمين، تبث من خلالها أخبار الطقس على مدار الساعة في كل مدن السعودية، وتبث أيضاً صور المشاريع المتعثرة، ومستحقات المقاولين والناس، وتبث من خلال الشاشة الأضرار التي لحقت من جراء السيول التي هطلت في جدة والرياض وجازان ومدن أخرى والقرى التي دمرت فيها البيوت، ولا ضرر أن نخصص عربة تكون شاشة متنقلة ترافق الوزير إلى أي مكان يذهب إليه.
ولكن مسألة أن تتابع المالية الأرصاد، فهذا على ما يبدو أن إشكالاً بين الجهازين الحكوميين وراء عدم متابعة الوزارة للأرصاد، فقبل ثلاثة أعوام نشأ خلاف بين وزارة المالية وموظفي الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، كما نشر في الصحف حينها، وقالت الوزارة حينها: «إن قرارها الخاص بإيقاف صرف رواتب موظفي الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة مبني على قرار مجلس الخدمة المدنية، الذي تمت المصادقة عليه من المقام السامي، بوقف صرف العلاوة الفنية لمنسوبي الرئاسة العاملين تحت مسمى راصد أو متنبئ، إضافة إلى أن صرف العلاوة محل اعتراض من ديوان المراقبة العامة لعدم نظاميتها».
خصوم وزارة المالية كثيرون، فقبل خمسة أشهر انتقد ديوان المراقبة العامة وزارة المالية لعدم تمكينه من فحصه الحساب الختامي للدولة ميدانياً، وفي تقرير صحافي أشار الديوان إلى أنه لم يطلع على البيانات المكونة للحساب الختامي السنوي للدولة، وهي عبارة عن أرصدة إجمالية لحسابات مستخرجة من سجلات ودفاتر محاسبية وإحصائية مفصلة بسبب حجب وزارة المالية لتلك السجلات والوثائق من دون سند نظامي. وبيّن الديوان أن مراجعته لبيانات الحساب الختامي للدولة وأرصدته الإجمالية لا تمثل سوى مطالعات ومرئيات عامة حول تلك الأرصدة ولا تفي بمتطلبات الفحص والتحليل المطلوبة نظاماً للتحقق من دقة البيانات الواردة بالحساب الختامي للدولة وصحة مكونات أرقامه الإجمالية وسلامة إعدادها وتوفر أسانيدها النظامية.
ولأن أخبار الطقس أصبحت اليوم مهمة جداً فأنا أطالب بأن تبادر مصلحة الأرصاد وحماية البيئة بإلزام جميع الوزراء والمسؤولين، خصوصاً البلديات والكهرباء، بضرورة الالتحاق بدورات مكثفة في علوم الطقس والأحوال الجوية، لعلها تساعدهم في اتخاذ القرار.
* إعلامي وكاتب اقتصادي.