قنابل موقوتة عبر الإنترنت
الجهاد الإلكتروني ظاهرة جديدة تهدد العالم بعيدا عن مواجهات الجيوش وقبضة الأمن
الجهاد الإلكتروني ظاهرة جديدة تهدد العالم بعيدا عن مواجهات الجيوش وقبضة الأمن
الخبراء يحذرون من أخطار الحرب النفسية التي تشنها منتديات الفكر التكفيري على الرموز السياسية والعلماء

مجموعة من الأسلحة التي تصل إلى الفئة الضالة التي تجند عملاءها بالبريد الإلكتروني
الرياض:محمد الملفي
تحولت شبكة المعلومات الدولية " الإنترنت " إلى وسيلة في أيدي الإرهابيين لشن الحرب على الشعوب والحكومات التي تعترض أعمالها الإجرامية والحصول على المعلومات حول تصنيع الأسلحة التقليدية والكيماوية ومعرفة أنباء الخصوم لها لفرض ما تطلق عليه الجهاد الإلكتروني. فالإنترنت تحولت من شبكة معلومات توحد العالم الذي أصبح بفضلها كالقرية الصغيرة إلى أداة في يد الإرهابيين لبث أفكارهم المسمومة وتجنيد عناصرهم الذين يضعون خطط التفجيرات وتوجيه قنابلهم الموقوتة التي تقتل الأبرياء بل وبث نتائج أعمالهم كما فعلوا مرارا بعد اغتيالهم إحدى الشخصيات التي وقع آخرها مع رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية في العراق الأسبوع الماضي بعد اغتياله ونشرهم الصور المقززة عن قطع الرؤوس للأجانب في السعودية وغيرها من العمليات التي نفذتها الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة على وجه التحديد. ورغم نجاح الأجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب في البلاد بعد أن حققت نجاحات كبيرة في القضاء على الفئة الضالة إلا أن الأجهزة الأمنية في السعودية وغيرها من الدول المستهدفة بالإرهاب مازال عليها مواجهة التحدي على الصعيد الفكري. فأفكار الإرهابيين للأسف باتت متاحة للجميع لأن وسيلة الإنترنت تعد وسيطاً (حراً) تنعدم فيه كل أشكال الرقابة المسبقة بحيث لا يمكن التحكم في كل مدخلاته ومخرجاته بشكل منضبط كما هو الحال في الوسائل الإعلامية الأخرى. وأصبحت الشبكة العنكبوتية هي وسيلة الاتصال الوحيدة المتاحة للفئات الخارجة على المجتمع حيث لا يحميها نظام دولة ولا تمتلك وسيلة مسجلة رسميا تنطق باسمها. والراصد لاستخدامات شبكة الإنترنت يجد أن منتديات ومواقع الإنترنت تشكل ملاذا آمنا لأعضاء الفئة الضالة وتعد الموزع الرئيس لفكرهم وفتاواهم إضافة إلى توزيعها وتسويقها لمحاضرات وندوات أبرز رموزهم، وتحولت " الإنترنت " إلى المنفذ الوحيد الذي يوظفه أصحاب هذا الفكر لخدمة مخططاتهم الفكرية، والعملياتية سواء من حيث الترويج، أو الاتصال والتنسيق. وأدركت هذه الجماعات طبيعة مستخدمي الإنترنت ومن هنا كان الاستغلال لجاذبية خطاب (الرفض) للواقع الذي ترفعه مدويا، علاوة على توظيف الاستمالات العاطفية وتعلية الفكر العنيف كبديل لتصحيح الأوضاع، وساعد على رواج هذه الأفكار هيمنة هذه الجماعات ومناصريها على العديد من المنتديات الشهيرة منذ عام 1997 حينما بدأت القاعدة بالتركيز على العالم العربي عبر ما تنشره منذ عدة سنوات مستهدفة شرائح الشباب الذين هم عماد مستخدمي الشبكة.
تبادل المعلومات
وعن تبادل المجموعات الإرهابية والمتضامنين معهم للمعلومات عبر الإنترنت قال الباحث في مركز الدراسات الأمنية بكلية الملك فهد الأمنية الدكتور فايز بن عبدالله الشهري إنه في عصر التقنية والحاسبات وثورة الاتصال لم ينحسر الإرهاب كظاهرة وكل ما في الأمر أن الإرهابيين بدلوا كثيرا في تكتيكاتهم ووسائلهم مستفيدين من كل مظاهر التقنية الحديثة وبشكل خاص شبكة الإنترنت.
ويوضح أن تعريفات الإرهاب تركزت بشكل عام على استخدام العنف أو التهديد به في وصف الإرهاب إلا أن هذا المفهوم قد لا ينسحب (بشكل تام) على الإرهاب باستخدام أو عبر شبكات الحاسبات والأجهزة الحديثة، والسبب مرده هنا إلى أن العنف بشكله المادي قد لا يتحقق بصورة مباشرة كما هو الحال في نتائج أعمال الإرهاب التقليدي إلا إذا اشتمل هذا العمل على أفعال مادية يقوم بها مرتكب العملية، ومن هذا المنطلق فإن الإرهاب الإلكتروني هو في أغلبه حرب متبادلة في المعرفة بين الإرهابي والمقاوِم.
وعلى الرغم من أن الإنترنت تُثمّن عادة بما تحويه من الثروات المعلوماتية المخزّنة، والخدمات المتنوعة للجميع إلا أن قيمتها الحقيقية هي في الأعداد الهائلة من مستخدميها التي يستهدفها الجميع بمن فيهم الإرهابيون. ومن هنا كانت شبكة الإنترنت هدفا ووسيلة لأصحاب الأفكار بحيث وصلت المنتديات التي تروج للفكر التكفيري على سبيل المثال إلى أكثر من 70 منتدى قبل وبعد 11 سبتمبر 2001، إلا أنها سرعان ما أغلقت واحدا تلو الآخر بحيث لم يبق من هذه المنتديات إلا حوالي عشرة منتديات يعاني بعضها من كثرة التنقل بين السفريات والمواقع المجانية. وأضاف فهد الشهري عن التنظيمات الإرهابية أنه لا يمكن تصور شكل موحد ينظم كل تشكيلات المجموعات الإرهابية لاختلاف ظروف كل مجموعة أمنيا وعملياتيا. وإذا تحدثنا عن تنظيم مثل تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به فإننا نفرق بين مستويين من التنظيم: الأول: تنظيم القاعدة الأساسي الذي تبنى رسميا الكثير من العمليات كما ظهر ذلك في البيانات والأشرطة.
المستوى الثاني مجموعات صغيرة من المرتبطين روحيا وفكريا برموز القاعدة ويتلقون منها الإشارات والمنهج دون أن يكون هناك جزم باتصال مباشر في الوقت الحالي على الأقل مع قيادات التنظيم العليا في المنافي المجهولة لظروف أمنية بحتة، وفي المجمل تتكون هذه التنظيمات من العديد من الخلايا العنقودية المعقدة التراتبية والعلاقات بين عناصرها سواء على المستوى الأفقي (قيادات الخلايا الأخرى) أو الرأسي (المرؤوسين وفق البيعة بالإمرة). مؤكداً أن هذه التنظيمات اكتسبت خبرة واضحة في أساليب التخفي وتنويم خلايا بعينها في بلدان كثيرة لوقت الحاجة جراء الملاحقات الأمنية والحصار المالي والإعلامي لكل مواردها.
التنظيم الإداري
وقال عضو مجلس الشورى والمختص في قضايا الإرهاب الدكتور خليل الخليل عن التنظيم الإداري للخلايا الإرهابية، وتوزيع المهام والتنسيق العالي بين المجموعات اللوجستية والمجموعات القتالية إن العمليات الإرهابية معقدة ولها عناصر أساسية، ومن أهمها وجود قيادة، وممولين، ووسطاء، ومنفذين، وهذه العناصر أساسية لأي عملية إرهابية، وعادة القيادة الأساسية مختفية وغير معروفة وليس لها اتصال مباشر بالمنفذين. وأكد الخليل على ضرورة البحث عن القيادات الإرهابية لاعتبار كل القيادات المعروفة هي الأساس في العمليات الإرهابية المدمرة.
ودعا إلى البحث والتعرف على القيادات الفاعلة التي توجه وتنظم في الميدان، موضحاً أن هناك القيادات الفكرية والروحية التي تزرع الثقة وتبث الحماسة، وهؤلاء يهيئون المناخ العام، ويقدمون الذرائع والمحاذير للإرهاب، وأشار إلى أنه من المطمئن أن الإرهاب لا يستطيع كسب التأييد من الناس مدة طويلة، ومع ذلك لا بد من مواجهة الإرهاب على جميع الأصعدة وأهمها الصعيد الثقافي والفكري، ليساند الدور الأمني الذي هو الأساس في حسم المعارك الميدانية مع الإرهابيين وتطهير الدول والمجتمعات من تنظيماتهم وخلاياهم.
شراسة الحرب
وقال المستشار الإعلامي للسفير السعودي في بريطانيا جمال خاشقجي عن تنظيم هذه المجموعات لأنفسها، رغم شراسة الحرب ضدها: إنه من الواضح أن الأجهزة الأمنية في السعودية وغيرها من الدول المستهدفة بالإرهاب تحقق انتصارات على الإرهابيين كبيرة، وذلك على الصعيد الميداني، لكن التحدي مازال قائما على الصعيد الفكري،فأفكار الإرهابيين للأسف باتت متاحة وتعيد القاعدة تشكيل مجموعاتها عبر البريد الإلكتروني، وقد يقع مثلما حصل مؤخراً من أن هناك مجموعات غير مرتبطة بتنظيم معين، تنشأ مثل "الفقع" (نوع من الفطر ينبت في الصحراء) في بيئة منعزلة تماماً مثلما حدث في القاهرة الشهر قبل الماضي حيث مازال هناك خيط يربطها بالتنظيمات الإرهابية القديمة، حيث اتضح أن هذه المجموعة مستقلة إلى حدٍ كبير باستثناء الاتصال القديم بين أحد عناصرها، وتنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر. وأعرب "خاشقجي" عن أن الخطورة في التنظيمات الإرهابية الحالية هي أنها قليلة العدد، ولكن تأثيرها قوي جداً في إثارة القلق للمجتمعات التي تنشط فيها. بمعنى أن 50 شخصاً في دولة ما لن يستطيعوا تقويض النظام القائم، ولكن يتسببون في إثارة الخوف والبلبلة في المجتمع، وشاهدنا نحن طبيعة عملياتهم، فهم يجيدون إحداث العمليات التي بالفعل ترهب المجتمع وتشغل الدولة، رغم عجزهم وعدم قدرتهم على التغيير، ويعلمون أنهم عاجزون عن تحقيق هذا الهدف
البحث عن القيادات
وقال المحامي عبد العزيز القاسم إن القاعدة أثبتت قدرة كبيرة على التجنيد والحشد، وأحد مظاهر هذه القدرة هو إعادة أنصارها، وتنظيمهم مرة أخرى، يعود هذا النجاح في أساسه إلى مشكلة تشهدها المجتمعات الإسلامية، وهي حالة الإحباط والغضب القائمة في المجتمعات، توفر هذه الحالة تعبئة ساخنة لعناصر في المجتمع مرتفعة الجاهزية، وتنخرط في تجمعات الحركات الثورية المتفرعة عن القاعدة أو بعبارة أدق في التجمعات التي تبنت فكر القاعدة وروحها. ودعا عبد العزيز القاسم إلى محاربة أفكار الإرهاب عن طريق إزالة حالة اليأس والفشل السياسي الذي ينتاب المجتمع العربي وأن تصبح الحكومات معبرة عن ضمائر الشعوب، مبينا أن مصير حركات القاعدة وفروعهما تحكمه مبادرات العالم، والأنظمة السياسية إذا شاءت أن تعيد تشكيل البيئات المحبطة التي خلقت الظروف الملائمة لنجاح القاعدة وغيرها.
التشكيلات الإرهابية
وبين الدكتور "الشهري" أن التنظيمات الإرهابية في العادة تتألف من العديد من الأقسام التي تندرج وتعمل تحت القيادة العامة أو القيادة الإقليمية أو حتى مجموعات متفرقة في البلد الواحد.
وأوضح أن هذه الأقسام تعمل وفق تنظيم يكفل تنفيذ كل مجموعة للعديد من المهام، وعند التخطيط للعمليات يكون توزيع الأدوار وفقا للبناء التنظيمي الذي يحدد المهام، ومن خلال استقراء أدبيات المجموعات التي قامت بأعمال العنف في المملكة نجد أن أكثر هذه التشكيلات شيوعا يتم على النحو التالي:
المجموعة القيادية (أمراء المجموعات والخلايا)
المجموعة القتالية (العسكرية)
المجموعة الفكرية (الشرعية)
المجموعة التنظيمية (التموين والأمن والتمويل)
ويذكر أن المجموعة الإعلامية توفر الوسائل والرسائل بالتشاور مع القيادة والمجموعات المتخصصة.
وتعد المجموعة الإعلامية من أنشط المجموعات ويختار لها الأعضاء الذين لديهم مهارات اتصالية لغوية وفكرية متميزة علاوة على قدرتهم على استخدام الحاسب الآلي وإتقان برامج النشر الإلكتروني خاصة بعد الاعتماد المكثف من قبل هذه المجموعات على شبكة الإنترنت. ولاتمام المهام الإعلامية يفترض أن تلتقي المجموعة الشرعية مع أعضاء القسم الإعلامي بشكل منتظم لضبط وتنظيم الجهد الإعلامي وإصدار البيانات والنشرات الإلكترونية، ومناكفة الخصوم عبر خدمات الإنترنت المختلفة مثل البريد الإلكتروني ومجموعات الأخبار والمنتديات الشهيرة.
كما قال الشهري إن المجموعات الملاحقة أمنيا استفادت من خدمات الإنترنت بشكل كبير لسببين أولا: آلية شبكة الإنترنت التي تمكن مستخدمها من إخفاء هويته والتحرك والاتصال عبر خدماتها بشكل سري شبه تام.
ثانيا: جماهيرية الشبكة وسرعة وصول محتواها المثير إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
الحرب النفسية
وأوضح الشهري أن هناك عدة طرق يستفيد منها الإرهابيون في نشاطهم الإعلامي، وذلك بإصدار البيانات الفورية حول الأحداث الدولية وبيان موقفهم من بعض القرارات التي تتخذها الحكومات وفق خطاب تحريضي صاخب يعمد إلى تشويه صور الرموز السياسية والتشكيك في نوايا العلماء الرسميين، وفي الجانب الآخر يلجأون إلى تلميع وإظهار نجوم ومفتين معتمدين عندهم كأنصار للمظلومين، ورافضين للهيمنة الغربية وفق خطاب عاطفي حماسي مركز يحاصر الشباب من مستخدمي الإنترنت في أغلب المنتديات الشهيرة.
ويذكر أن الاتصال بين الخلايا المرتبطة يتم بعدة طرق منها استخدام اللغة المشفرة الإخفاء (Steganography) مبينا أن تقارير بريطانية أكدت أن مجموعة من المتعاطفين مع القاعدة استخدموا وسيلة إخفاء الرسائل في ملفات صور وملفات موسيقى وغيرها في عمليات التراسل فيما بينهم. وفي هذا المجال تحديدا لعبت الإنترنت دورا مهما في توفير قنوات التعليم والتدريب المناسبة عبر برامج الحوارات وغرف الدردشة الخاصة وتحميل ملفات الفيديو المصورة لعمليات تركيب المتفجرات ونسف الجسور واغتيال الشخصيات. ويترافق مع هذه المواد التعليمية جهد فكري مكثف لإضفاء الصبغة الشرعية على عمليات الاغتيال والتدمير بهدف تقوية عزائم المترددين واكتساب المزيد من الأنصار.
الإرهاب الإلكتروني
وأكد الدكتور الشهري على أن الإرهابيين يشنون هجمات على مواقع وقواعد بيانات الخصوم، وظهر مصطلح الجهاد الإلكتروني موازيا لهذا المفهوم لإعطاء الصبغة الشرعية على عمليات بعض المجموعات فيما يختص بحملات تدمير المواقع والمنتديات التي تخالف النهج الذي تعتنقه هذه الجماعات، وعادة ما تستهدف مجاميع من المتعاطفين مع هذه الجماعات بعض المواقع بهجوم متزامن بحيث يؤدي في النهاية إلى الإطاحة بخادم الموقع، وفي أحيان كثيرة يستهدفون حسابات البريد الإلكتروني للهدف المقصود إما بالسرقة والتشهير بمحتوياته أو إغراقه بالرسائل الكثيفة التي قد تؤدي إلى حجب الخدمة عن البريد الإلكتروني.
تحولت شبكة المعلومات الدولية " الإنترنت " إلى وسيلة في أيدي الإرهابيين لشن الحرب على الشعوب والحكومات التي تعترض أعمالها الإجرامية والحصول على المعلومات حول تصنيع الأسلحة التقليدية والكيماوية ومعرفة أنباء الخصوم لها لفرض ما تطلق عليه الجهاد الإلكتروني. فالإنترنت تحولت من شبكة معلومات توحد العالم الذي أصبح بفضلها كالقرية الصغيرة إلى أداة في يد الإرهابيين لبث أفكارهم المسمومة وتجنيد عناصرهم الذين يضعون خطط التفجيرات وتوجيه قنابلهم الموقوتة التي تقتل الأبرياء بل وبث نتائج أعمالهم كما فعلوا مرارا بعد اغتيالهم إحدى الشخصيات التي وقع آخرها مع رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية في العراق الأسبوع الماضي بعد اغتياله ونشرهم الصور المقززة عن قطع الرؤوس للأجانب في السعودية وغيرها من العمليات التي نفذتها الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة على وجه التحديد. ورغم نجاح الأجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب في البلاد بعد أن حققت نجاحات كبيرة في القضاء على الفئة الضالة إلا أن الأجهزة الأمنية في السعودية وغيرها من الدول المستهدفة بالإرهاب مازال عليها مواجهة التحدي على الصعيد الفكري. فأفكار الإرهابيين للأسف باتت متاحة للجميع لأن وسيلة الإنترنت تعد وسيطاً (حراً) تنعدم فيه كل أشكال الرقابة المسبقة بحيث لا يمكن التحكم في كل مدخلاته ومخرجاته بشكل منضبط كما هو الحال في الوسائل الإعلامية الأخرى. وأصبحت الشبكة العنكبوتية هي وسيلة الاتصال الوحيدة المتاحة للفئات الخارجة على المجتمع حيث لا يحميها نظام دولة ولا تمتلك وسيلة مسجلة رسميا تنطق باسمها. والراصد لاستخدامات شبكة الإنترنت يجد أن منتديات ومواقع الإنترنت تشكل ملاذا آمنا لأعضاء الفئة الضالة وتعد الموزع الرئيس لفكرهم وفتاواهم إضافة إلى توزيعها وتسويقها لمحاضرات وندوات أبرز رموزهم، وتحولت " الإنترنت " إلى المنفذ الوحيد الذي يوظفه أصحاب هذا الفكر لخدمة مخططاتهم الفكرية، والعملياتية سواء من حيث الترويج، أو الاتصال والتنسيق. وأدركت هذه الجماعات طبيعة مستخدمي الإنترنت ومن هنا كان الاستغلال لجاذبية خطاب (الرفض) للواقع الذي ترفعه مدويا، علاوة على توظيف الاستمالات العاطفية وتعلية الفكر العنيف كبديل لتصحيح الأوضاع، وساعد على رواج هذه الأفكار هيمنة هذه الجماعات ومناصريها على العديد من المنتديات الشهيرة منذ عام 1997 حينما بدأت القاعدة بالتركيز على العالم العربي عبر ما تنشره منذ عدة سنوات مستهدفة شرائح الشباب الذين هم عماد مستخدمي الشبكة.
تبادل المعلومات
وعن تبادل المجموعات الإرهابية والمتضامنين معهم للمعلومات عبر الإنترنت قال الباحث في مركز الدراسات الأمنية بكلية الملك فهد الأمنية الدكتور فايز بن عبدالله الشهري إنه في عصر التقنية والحاسبات وثورة الاتصال لم ينحسر الإرهاب كظاهرة وكل ما في الأمر أن الإرهابيين بدلوا كثيرا في تكتيكاتهم ووسائلهم مستفيدين من كل مظاهر التقنية الحديثة وبشكل خاص شبكة الإنترنت.
ويوضح أن تعريفات الإرهاب تركزت بشكل عام على استخدام العنف أو التهديد به في وصف الإرهاب إلا أن هذا المفهوم قد لا ينسحب (بشكل تام) على الإرهاب باستخدام أو عبر شبكات الحاسبات والأجهزة الحديثة، والسبب مرده هنا إلى أن العنف بشكله المادي قد لا يتحقق بصورة مباشرة كما هو الحال في نتائج أعمال الإرهاب التقليدي إلا إذا اشتمل هذا العمل على أفعال مادية يقوم بها مرتكب العملية، ومن هذا المنطلق فإن الإرهاب الإلكتروني هو في أغلبه حرب متبادلة في المعرفة بين الإرهابي والمقاوِم.
وعلى الرغم من أن الإنترنت تُثمّن عادة بما تحويه من الثروات المعلوماتية المخزّنة، والخدمات المتنوعة للجميع إلا أن قيمتها الحقيقية هي في الأعداد الهائلة من مستخدميها التي يستهدفها الجميع بمن فيهم الإرهابيون. ومن هنا كانت شبكة الإنترنت هدفا ووسيلة لأصحاب الأفكار بحيث وصلت المنتديات التي تروج للفكر التكفيري على سبيل المثال إلى أكثر من 70 منتدى قبل وبعد 11 سبتمبر 2001، إلا أنها سرعان ما أغلقت واحدا تلو الآخر بحيث لم يبق من هذه المنتديات إلا حوالي عشرة منتديات يعاني بعضها من كثرة التنقل بين السفريات والمواقع المجانية. وأضاف فهد الشهري عن التنظيمات الإرهابية أنه لا يمكن تصور شكل موحد ينظم كل تشكيلات المجموعات الإرهابية لاختلاف ظروف كل مجموعة أمنيا وعملياتيا. وإذا تحدثنا عن تنظيم مثل تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به فإننا نفرق بين مستويين من التنظيم: الأول: تنظيم القاعدة الأساسي الذي تبنى رسميا الكثير من العمليات كما ظهر ذلك في البيانات والأشرطة.
المستوى الثاني مجموعات صغيرة من المرتبطين روحيا وفكريا برموز القاعدة ويتلقون منها الإشارات والمنهج دون أن يكون هناك جزم باتصال مباشر في الوقت الحالي على الأقل مع قيادات التنظيم العليا في المنافي المجهولة لظروف أمنية بحتة، وفي المجمل تتكون هذه التنظيمات من العديد من الخلايا العنقودية المعقدة التراتبية والعلاقات بين عناصرها سواء على المستوى الأفقي (قيادات الخلايا الأخرى) أو الرأسي (المرؤوسين وفق البيعة بالإمرة). مؤكداً أن هذه التنظيمات اكتسبت خبرة واضحة في أساليب التخفي وتنويم خلايا بعينها في بلدان كثيرة لوقت الحاجة جراء الملاحقات الأمنية والحصار المالي والإعلامي لكل مواردها.
التنظيم الإداري
وقال عضو مجلس الشورى والمختص في قضايا الإرهاب الدكتور خليل الخليل عن التنظيم الإداري للخلايا الإرهابية، وتوزيع المهام والتنسيق العالي بين المجموعات اللوجستية والمجموعات القتالية إن العمليات الإرهابية معقدة ولها عناصر أساسية، ومن أهمها وجود قيادة، وممولين، ووسطاء، ومنفذين، وهذه العناصر أساسية لأي عملية إرهابية، وعادة القيادة الأساسية مختفية وغير معروفة وليس لها اتصال مباشر بالمنفذين. وأكد الخليل على ضرورة البحث عن القيادات الإرهابية لاعتبار كل القيادات المعروفة هي الأساس في العمليات الإرهابية المدمرة.
ودعا إلى البحث والتعرف على القيادات الفاعلة التي توجه وتنظم في الميدان، موضحاً أن هناك القيادات الفكرية والروحية التي تزرع الثقة وتبث الحماسة، وهؤلاء يهيئون المناخ العام، ويقدمون الذرائع والمحاذير للإرهاب، وأشار إلى أنه من المطمئن أن الإرهاب لا يستطيع كسب التأييد من الناس مدة طويلة، ومع ذلك لا بد من مواجهة الإرهاب على جميع الأصعدة وأهمها الصعيد الثقافي والفكري، ليساند الدور الأمني الذي هو الأساس في حسم المعارك الميدانية مع الإرهابيين وتطهير الدول والمجتمعات من تنظيماتهم وخلاياهم.
شراسة الحرب
وقال المستشار الإعلامي للسفير السعودي في بريطانيا جمال خاشقجي عن تنظيم هذه المجموعات لأنفسها، رغم شراسة الحرب ضدها: إنه من الواضح أن الأجهزة الأمنية في السعودية وغيرها من الدول المستهدفة بالإرهاب تحقق انتصارات على الإرهابيين كبيرة، وذلك على الصعيد الميداني، لكن التحدي مازال قائما على الصعيد الفكري،فأفكار الإرهابيين للأسف باتت متاحة وتعيد القاعدة تشكيل مجموعاتها عبر البريد الإلكتروني، وقد يقع مثلما حصل مؤخراً من أن هناك مجموعات غير مرتبطة بتنظيم معين، تنشأ مثل "الفقع" (نوع من الفطر ينبت في الصحراء) في بيئة منعزلة تماماً مثلما حدث في القاهرة الشهر قبل الماضي حيث مازال هناك خيط يربطها بالتنظيمات الإرهابية القديمة، حيث اتضح أن هذه المجموعة مستقلة إلى حدٍ كبير باستثناء الاتصال القديم بين أحد عناصرها، وتنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر. وأعرب "خاشقجي" عن أن الخطورة في التنظيمات الإرهابية الحالية هي أنها قليلة العدد، ولكن تأثيرها قوي جداً في إثارة القلق للمجتمعات التي تنشط فيها. بمعنى أن 50 شخصاً في دولة ما لن يستطيعوا تقويض النظام القائم، ولكن يتسببون في إثارة الخوف والبلبلة في المجتمع، وشاهدنا نحن طبيعة عملياتهم، فهم يجيدون إحداث العمليات التي بالفعل ترهب المجتمع وتشغل الدولة، رغم عجزهم وعدم قدرتهم على التغيير، ويعلمون أنهم عاجزون عن تحقيق هذا الهدف
البحث عن القيادات
وقال المحامي عبد العزيز القاسم إن القاعدة أثبتت قدرة كبيرة على التجنيد والحشد، وأحد مظاهر هذه القدرة هو إعادة أنصارها، وتنظيمهم مرة أخرى، يعود هذا النجاح في أساسه إلى مشكلة تشهدها المجتمعات الإسلامية، وهي حالة الإحباط والغضب القائمة في المجتمعات، توفر هذه الحالة تعبئة ساخنة لعناصر في المجتمع مرتفعة الجاهزية، وتنخرط في تجمعات الحركات الثورية المتفرعة عن القاعدة أو بعبارة أدق في التجمعات التي تبنت فكر القاعدة وروحها. ودعا عبد العزيز القاسم إلى محاربة أفكار الإرهاب عن طريق إزالة حالة اليأس والفشل السياسي الذي ينتاب المجتمع العربي وأن تصبح الحكومات معبرة عن ضمائر الشعوب، مبينا أن مصير حركات القاعدة وفروعهما تحكمه مبادرات العالم، والأنظمة السياسية إذا شاءت أن تعيد تشكيل البيئات المحبطة التي خلقت الظروف الملائمة لنجاح القاعدة وغيرها.
التشكيلات الإرهابية
وبين الدكتور "الشهري" أن التنظيمات الإرهابية في العادة تتألف من العديد من الأقسام التي تندرج وتعمل تحت القيادة العامة أو القيادة الإقليمية أو حتى مجموعات متفرقة في البلد الواحد.
وأوضح أن هذه الأقسام تعمل وفق تنظيم يكفل تنفيذ كل مجموعة للعديد من المهام، وعند التخطيط للعمليات يكون توزيع الأدوار وفقا للبناء التنظيمي الذي يحدد المهام، ومن خلال استقراء أدبيات المجموعات التي قامت بأعمال العنف في المملكة نجد أن أكثر هذه التشكيلات شيوعا يتم على النحو التالي:
المجموعة القيادية (أمراء المجموعات والخلايا)
المجموعة القتالية (العسكرية)
المجموعة الفكرية (الشرعية)
المجموعة التنظيمية (التموين والأمن والتمويل)
ويذكر أن المجموعة الإعلامية توفر الوسائل والرسائل بالتشاور مع القيادة والمجموعات المتخصصة.
وتعد المجموعة الإعلامية من أنشط المجموعات ويختار لها الأعضاء الذين لديهم مهارات اتصالية لغوية وفكرية متميزة علاوة على قدرتهم على استخدام الحاسب الآلي وإتقان برامج النشر الإلكتروني خاصة بعد الاعتماد المكثف من قبل هذه المجموعات على شبكة الإنترنت. ولاتمام المهام الإعلامية يفترض أن تلتقي المجموعة الشرعية مع أعضاء القسم الإعلامي بشكل منتظم لضبط وتنظيم الجهد الإعلامي وإصدار البيانات والنشرات الإلكترونية، ومناكفة الخصوم عبر خدمات الإنترنت المختلفة مثل البريد الإلكتروني ومجموعات الأخبار والمنتديات الشهيرة.
كما قال الشهري إن المجموعات الملاحقة أمنيا استفادت من خدمات الإنترنت بشكل كبير لسببين أولا: آلية شبكة الإنترنت التي تمكن مستخدمها من إخفاء هويته والتحرك والاتصال عبر خدماتها بشكل سري شبه تام.
ثانيا: جماهيرية الشبكة وسرعة وصول محتواها المثير إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
الحرب النفسية
وأوضح الشهري أن هناك عدة طرق يستفيد منها الإرهابيون في نشاطهم الإعلامي، وذلك بإصدار البيانات الفورية حول الأحداث الدولية وبيان موقفهم من بعض القرارات التي تتخذها الحكومات وفق خطاب تحريضي صاخب يعمد إلى تشويه صور الرموز السياسية والتشكيك في نوايا العلماء الرسميين، وفي الجانب الآخر يلجأون إلى تلميع وإظهار نجوم ومفتين معتمدين عندهم كأنصار للمظلومين، ورافضين للهيمنة الغربية وفق خطاب عاطفي حماسي مركز يحاصر الشباب من مستخدمي الإنترنت في أغلب المنتديات الشهيرة.
ويذكر أن الاتصال بين الخلايا المرتبطة يتم بعدة طرق منها استخدام اللغة المشفرة الإخفاء (Steganography) مبينا أن تقارير بريطانية أكدت أن مجموعة من المتعاطفين مع القاعدة استخدموا وسيلة إخفاء الرسائل في ملفات صور وملفات موسيقى وغيرها في عمليات التراسل فيما بينهم. وفي هذا المجال تحديدا لعبت الإنترنت دورا مهما في توفير قنوات التعليم والتدريب المناسبة عبر برامج الحوارات وغرف الدردشة الخاصة وتحميل ملفات الفيديو المصورة لعمليات تركيب المتفجرات ونسف الجسور واغتيال الشخصيات. ويترافق مع هذه المواد التعليمية جهد فكري مكثف لإضفاء الصبغة الشرعية على عمليات الاغتيال والتدمير بهدف تقوية عزائم المترددين واكتساب المزيد من الأنصار.
الإرهاب الإلكتروني
وأكد الدكتور الشهري على أن الإرهابيين يشنون هجمات على مواقع وقواعد بيانات الخصوم، وظهر مصطلح الجهاد الإلكتروني موازيا لهذا المفهوم لإعطاء الصبغة الشرعية على عمليات بعض المجموعات فيما يختص بحملات تدمير المواقع والمنتديات التي تخالف النهج الذي تعتنقه هذه الجماعات، وعادة ما تستهدف مجاميع من المتعاطفين مع هذه الجماعات بعض المواقع بهجوم متزامن بحيث يؤدي في النهاية إلى الإطاحة بخادم الموقع، وفي أحيان كثيرة يستهدفون حسابات البريد الإلكتروني للهدف المقصود إما بالسرقة والتشهير بمحتوياته أو إغراقه بالرسائل الكثيفة التي قد تؤدي إلى حجب الخدمة عن البريد الإلكتروني.
الوطن 10/07/2005