Announcement

Collapse
No announcement yet.

المرأة : قبل كونها أماً وزوجة وعورة وأسيرة

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • المرأة : قبل كونها أماً وزوجة وعورة وأسيرة

    المرأة : قبل كونها أماً وزوجة وعورة وأسيرة
    عبدالله المطيري
    لم يكتف خطيب الجمعة بذكرها مرة واحدة بل رددها مرارا وكأنها شعار يلخص مجمل نظرته للمرأة، كان يردد بنشوة"النساء أسيرات للرجال". لا أعلم من أين أتى الخطيب بهذا الشعار الذي ينسبه ويسوقه باسم الإسلام وبوصفه أمراً من الله يجب علينا تنفيذه وإلا كنا من الضالين نسأل الله العافية. شخصيا لم أكن أتوقع من خطيب الجمعة شيئا آخر. فما هو إلا متحدث باسم خطاب عالي الصوت يتردد على آذاننا في المسجد والمدرسة والإذاعة والتلفزيون كل يوم وكل ليلة حتى ألفناه ولم نعد نستنكره بل أصبحنا نردد مقولاته بكل عفوية وبرمجة.
    ليس هذا الخطاب نشازا في مجتمعنا وهنا تكمن المعضلة، ففي مجتمعنا ما يزال هناك من يستعيب الأكل مع زوجته لكونها امرأة ولا يليق بالفحل أن يأكل معها من صحن واحد. كما أنه ما يزال هناك من يردف بعد ذكره للمرأة بقوله "وأنت بكرامة" يقصد تكريم المستمعين من الدنس الذي لحق بهم من ذكره للمرأة في سالفته "حكايته". هذا الوضع هو ترسب طويل لثقافة شديدة الرسوخ طويلة الأمد تجعل المرأة في مرتبة دنيا بدرجات عدة عن الرجل.
    كان هذا الأمر مشتركا في كل الأمم والحضارات تقريبا أظنه بسبب الفارق في القوة البدنية بين الرجل والمرأة. الذي حصل بعد ذلك أن كثيراً من الثقافات تنبهت لهذا الأمر وتوقفت عنده وعملت على تغييره بدرجات متفاوتة حتى تحسن حال المرأة كثيرا وارتقت إلى مكانتها الطبيعية كإنسان مكتمل الإنسانية والحقوق والواجبات. الحضارة الغربية خطت الخطوات الأوسع في هذا المجال بما هو مشاهد من تحصل المرأة على حقوقها سواء على مستوى التقنين في الدساتير الوطنية أو على مستوى التطبيق العملي.
    في تاريخنا وثقافتنا العربية الإسلامية كان الإسلام كـ "نص" قد ارتقى بمرتبة المرأة عما كانت عليه في فترة ما قبل الإسلام. ولكن الواقع العملي شهد بعد فترة بسيطة عودة المرأة إلى منطقة قريبة مما كانت عليه. بل إن الأمر زادت قسوته بعد تغلغل الرؤى الفحولية في المنتج الفقهي، أي الجزء من الدين المماس مباشرة للحياة اليومية للفرد. بل أصبحت هذه النظرة الفحولية مشكّلا من مشكّلاته القوية والموجهة. ازداد في هذه المرحلة الإشكال فلم تعد القضية قضية عادات وتقاليد بل إنها تلبست الفهم والتفسير والتأويل الديني ذاته.
    إن النظرة إلى المرأة هي جزء من النظرة للإنسان بعمومه. أين يقع الإنسان كمجرد من الصفات الزائدة عن كونه إنساناً في ثقافتنا و ممارساتنا؟ لو تأملنا قليلا في تعاملنا مع العمالة الوافدة لدينا لعلمنا أن احترامنا لإنسان ما هو ناتج عن مدى ارتباطنا به وليس لكونه إنساناً نشترك معه في الإنسانية بل حين نتأمل مفردات التعليم نجدها خالية تماما من الحديث عن الإنسانية بإيجابية كخلوها من مفردات العقل والحرية. المرأة تدور في هذه الدائرة فهي ضحية لخليط من التصورات البدائية التي لم ترتق بعد للحضارية.
    (المرأة/الجنس) ما زال هو المحور الذي يشكل مجمل النظرة للمرأة لدينا. وفي مجتمع يعتبر فيه الجنس هاجسا مكبوتا ومجرما، وبحكم أنه، أي الجنس، فطري وطبيعي في الإنسان فإنه لا بد خارج في تمظهرات من تحت السطح جنسية في حقيقتها ولكنها تخرج بمسميات أخرى غير ممنوعة بل قد تكون محببة. بمعنى أن الهوس بالجنس بتجريمه وإخفائه يجعله حاضرا في كل التفاسير والتصورات للأحداث اليومية بوعي أو بدون وعي. وبالتالي فإن المرأة وهي المجسّدة للجنس تبقى ضمن دائرة شديدة الحساسية والأهمية للرجل فهي من جهة هوسه الجنسي اللذيذ ومن ناحية أخرى شيطانه الذي يتجسد الجنس من خلاله. فكيف العمل مع الهوس اللذيذ/الشيطان. إنه احتكاره في الداخل وحجبه ومنعه من الظهور للاستمتاع بجانبه اللذيذ وإخفاء جانبه المخيف. ولا بد من اختلاق مفاهيم أو مقولات مبررة ومقنّعة لمثل هذا الهوس المنصب على(المرأة/ الجنس). كانت مقولة (المرأة العورة) الأقدر على التبرير والتقنيع خصوصا لموافقتها للطبع البشري المتملك والمستحوذ والأناني. ومن هنا أصبحت المرأة عورة فقط. أي أن جوهر المرأة قد تحول من الإنسانية إلى العورة. ومن هنا تظهر الفروق، فحين يكون جوهر المرأة هو إنسانيتها فإن قيم الإنسانية كالحرية والعقل والأهلية والاستحقاق تصبح هي مرادفات المرأة ومنطلقات النظر إليها. أما في حال كون جوهر المرأة هو أنها عورة فإن مقولات الستر والحجب والتغطية هي المرادفات والملازمات لذكر المرأة. ومن هنا يمكن أن نفهم منطلقات خطيب الجمعة في كون المرأة أسيرة للرجل فإن مقولة الأسر مشتركة مع مقولة العورة في أن كلتيهما تبرر المنع والمراقبة والإخفاء والشك، فالآسر بالضرورة متشكك في الأسير ولا يمكن أن يمنحه الثقة وهو أيضا مانع ومخفي وعازل له من كل تفاعلات الأحياء ما استطاع.
    كانت وما زالت هذه هي محاور خطيب الجمعة والواعظ ورب البيت والمعلم حين الحديث عن المرأة. إن القضية الأولى في الحديث عن المرأة هو كيف نغطيها. ما أعجبنا.. يا ترى ما الذنب الذي اقترفته المرأة لتبدو مجرد شيء يجب تغطيته؟ هذا أهم شيء. كل الأمور الباقية تعتبر هامشية متى تحققت التغطية. ما الأمور الهامشية يا ترى، إنها الحقوق الأساسية للإنسان الحق في الحياة الطبيعية والعمل وفي التفكير وفي المشاركة في الحياة العامة. لم يتحدث"الضجيج" عن هذه القضايا ولم يصمت عنها بل عارضها معارضة شديدة وقاسية. كم من الصفحات سوّدت ومن المنابر ضججت من أجل أن عباءة المرأة يجب أن تكون على الرأس وليست على الكتف وكم منها تحدثت عن أبسط حقوق المرأة المهدرة.
    هذه الانتكاسة في النظر للمرأة هي من أشد النقاط تغلغلا وحساسية في الوعي واللاوعي الفردي والجمعي لدينا ولعلها من أشد القضايا التي يجب أن يواجهها الفرد والمجتمع، يواجه ذاته فهي مكمن المرض وطريق العلاج. خصوصا أن هذا الهوس يتم ترسيخه والتأكيد عليه في التربية بشكل مبالغ فيه حتى إن الطفل في الثامنة والتاسعة من عمره تحول إلى رقيب على أمه في لباسها و حركاتها وهو ما يزال في حضنها التربوي.
    المرأة نصف المجتمع هل هذا كاف لجعل الحديث عنها واجبا و لازما على كل مهتم بالشأن العام. أكثر من ذلك إعطاء للمشروعية هو أن المرأة في مجتمعنا مظلومة ومسلوبة لكثير من حقوقها، والحديث عن المظلوم ولو كان فردا واحدا هو من أوجب الواجبات. وبالتالي فإن بحث هذا الموضوع وعلى أوسع المستويات أمر طبيعي ومفترض بحثا في جذور المشكلة وسعيا للتعمق فيها كمشكلة عويصة تحتاج لكافة التخصصات العلمية في بحثها و اقتراح حل جريء ومباشر.
    هل الدين يعتبر عائقا في سبيل تحقيق التغيير في وضع المرأة؟ الجواب فيما أراه لا. هل الفكر التقليدي بشقيه الديني والثقافي يشكل عائقا في سبيل تحقيق التغيير في وضع المرأة؟ أقول بشكل كبير نعم. وتعليل ذلك أنه وعلى مدار التاريخ كان دور المنهج في قراءة النص قادرا على تحوير النص وحمله على ما يريد فإن كان المنهج فحوليا و عنصريا ضد المرأة كما يغلب على الساحة لدينا، فإنه قادر على اختزال النص وممارسة الانتقائية عليه وبالتالي يتلبس هذا الفهم النص ويُظهر نفسه متماهيا معه وكأنه هو. وهل نتوقع من شخص خلف حتى الآن ثماني مطلقات، هل نتوقع منه أن يكون قادرا على قراءة النص الديني بموضوعية وتجرد. أرى أنه من الصعب تخيل ذلك. ومن الصعب أيضا أن نتوقع من شاعر لا تحضر المرأة في قصيده إلا بوصفها كائناً مثيراً للشهوة والذي هو وجه آخر لمقولة المرأة/الجنس، من الصعب أن نتوقع منه دفعا لقضية المرأة في طريق التفعيل و محاولة الحل.
    إذن فإن البحث في إشكالية المرأة شأن يجب أن يبحثه ذوو الأدوات العلمية من مفكرين وعلماء نفس واجتماع وغيرهم من المتخصصين ذوي الشأن. خصوصا من يحمل منهم روح التغيير والتحديث والتنوير، فهذه الروح هي وحدها الكفيلة بقطع ذلك التسلسل لمقولات التقليد المحنطة والتي هي حاضرة وماثلة وهي سبب ما نحن فيه ولا يمكن الخروج عليها إلا بتفعيل مقولات العقل والمنطق والعلم فهذه هي مقولات وأدوات هذا العصر المحققة للنهوض والتنوير شئنا ذلك أم أبيناه.
    * كاتب سعودي
    الوطن 13/07/2005

Working...
X