السعوديون يفضلون المكيّف على السباحة صيفا
من رش الماء على الأرض إلى رذاذ في الهواء

الرياض: شاكر أبوطالب
«ما زلت أتذكر جدي، وهو يحمل دلواً من الماء في كل صباح وعصر، لرش الماء أمام منزله، وخصوصاً الجلسة الخارجية (الدّكة أو المركاز) المطلة على الطريق العام في الحارة، حتى تكون جلسته مع أصدقائه وجيرانه لطيفة حديثاً وجواً، كان جدي عثمان يرش الماء ويقول (أحيا بك الله كل شيء** فأحي مجلسنا)» ما سبق كان جزءا من ذكريات عبدالله أحمد، عن سلوك السعوديين في الماضي تجاه ارتفاع درجة الحرارة في المملكة خلال أجزاء كثيرة من العام.
وأضاف عبدالله بأنه كان يتذكر تعامل جده دائماً كلما شاهد «في القنوات الفضائية حال الشعوب الأوروبية عند ارتفاع درجة الحرارة في بيئتهم، يخرجون إلى الشوارع بملابس خفيفة، يهاجرون إلى الشواطئ، ويجلسون في الباحات التي توجد فيها نوافير ماء أو مسطحات مائية، مع أنهم يملكون أجهزة تكييف في أماكن عيشهم وعملهم، إلا أنهم يفضلون التلطيف الطبيعي على الصناعي، بعكس ما نقوم به حالياً في السعودية».
أما قصة محاولة التغلب على ارتفاع درجة الحرارة في السعودية، فتكاد تكون القصة الدائمة في كل عام، نظراً لوجود المملكة ضمن المنطقة المدارية الحارة شمال خط الاستواء، وليس هذا فحسب، بل تنقسم الأراضي السعودية إلى قسمين، بسبب اختراق مدار السرطان للمملكة في منطقة الرياض، والذي تتعامد عليه أشعة الشمس في شهر يونيو (حزيران) من كل عام، فالقسم الأول يقع شمال خط الاستواء وجنوب مدار السرطان، وجميع الأراضي التي تقع في هذا القسم حارة إجمالاً، ما عدا المدن والقرى المرتفعة فوق الجبال، أما القسم الآخر فيقع شمال مدار السرطان، ويميل إلى البرودة في الشتاء، عندما تتعامد الشمس على مدار الجدي.
وفي الماضي السعودي، يقول سلطان البلوي «كان تخفيض الحرارة وتلطيف الجو بطرق بدائية، ولكنها طبيعية، فالبدو يشرعون خيامهم، أي يرفعون بيت الشعر من الخلف، حتى يدخل الهواء من الجهتين، من الأمام والخلف، ثم ترش أرضية ومحيط الخيمة بالماء، لتبريد درجة حرارة الهواء الداخل للخيمة، من خلال ملامسته للماء، أما البدوي نفسه، فيلبس ملابس ثقيلة وصوفية عند تنقله أو ركوبه الخيل، كالفروة والقميص الصوف والشماغ، وعادة ما يغطي وجهه بالشماغ، حتى يتصبب عرقاً، ومن ثم يخفف من ملابسه أو يفتحها، ليسمح بدخول الهواء لتبخير العرق المتجمع على بشرته، فيبرد جسمه في وسط فصل الصيف، وهذا الفعل عادة ما يستغربه الذين يعيشون خارج البيئة البدوية، لأنهم يسألون أنفسهم كيف يلبس ملابس ثقيلة في الصيف؟».
وفي المناطق الساحلية، ذكر ياسر خواجي، 39 عاماً، أنه عادة ما يكون الجو لطيفاً ورطباً بالأصل، بسبب قربها من المسطحات المائية، وهي مياه الخليج العربي أو مياه البحر الأحمر، مضيفاً أن أباه «كان دائماً يرش الماء في ساحة منزله، لتثبيت الرمال من التطاير مع نسمات الهواء، ولتنخفض درجة الحرارة في الفترة ما بين العصر والمغرب، لا سيما في فصل الصيف، أما في الليل فيقوم والدي بتبليل الشراشف أو قطع القماش الكبيرة، ومن ثم تعليقها في مجرى الرياح الداخلة للبيت الشعبي (العشّة) أو الغرفة، حتى يبرد الهواء، وكان حال الهواء الداخل أفضل مما ينفثه المكيف، حالياً، من وجهة نظري».
أما اليوم، فالحال تغير كثيراً في السعودية، خاصة بعد انتشار مكيفات الهواء في كل مناطق المملكة المغطاة بالكهرباء، وبجميع أنواعها، فهناك الصحراوي الذي يعتمد على مرور الماء على شبكة ألياف وتبليلها، حيث تقوم المروحة بتمرير الهواء ودفعه في فراغات شبكة الألياف المبللة، أما النوع الآخر فيعتمد على (الفريون)، وهو غاز يضغط ليتحول إلى غاز فريون ساخن ذي ضغط عال، يمر عبر مجموعة من الأنابيب الحلزونية لتبديد حرارته، وتحويله إلى سائل، وهذا السائل يمر من خلال صمام تضخيم ليتبخر، ويتحول إلى غاز فريون بارد ذي ضغط منخفض، وهو الذي يقوم بتبريد الجو المحيط عندما يمر خلال مجموعة أخرى من الأنابيب الحلزونية ليمتص حرارتها، وهذه الفكرة مطبقة بشكل أو آخر في المكيفات ومكيفات النوافذ، أما المكيفات المفصولة، المعروفة باسم (السبليت)، فلا تختلف إلا في فصل الجانب الداخلي البارد، المتكون من صمام التضخيم والأنابيب الحلزونية الباردة والمراوح عن الجانب الخارجي الساخن، ولا يتميز إلا بقدرته على زيادة التبريد وخفض الضوضاء الداخلية مقارنة بمكيفات النوافذ، وليس هذا فحسب، بل أصبح المكيف رفيقا دائما في السيارة أو المنزل أو المكتب، أو في أي مكان يمر به الإنسان في المناطق الحارة، والتي تملك امكانات مادية تمكنها من ذلك.
وخلق المناخ الصحراوي الذي يطغى على معظم مدن المملكة، الحاجة لاختراع تلطيف الجو برش رذاذ الماء في الهواء، من خلال شبكة من الأنابيب المصنوعة من البلاستيك، والمثقوبة في نقاط متساوية المسافات تقريباً، تغطيها رؤوس معدنية مليئة بالمسامات الصغيرة جداً، وتمتد تلك الأنابيب على أعمدة من الحديد، أو على جذوع الشجر، على ارتفاع لا يتجاوز المترين ونصف المتر، يضخ فيها الماء بقوة ضغط معينة، يتحول من خلالها الماء من حالته السائلة العادية، إلى رذاذ خفيف ينتشر في أرجاء المكان، تحمله بعض نسمات الهواء، وحتى يصبح المكان أكثر لطفاً وانتعاشاً، تزرع مساحة من العشب، تتخللها بعض الأشجار الصغيرة* وهذه التقنية استخدمت كأول مرة في السعودية في بعض المشاعر المقدسة خلال موسم الحج في تسعينات القرن الماضي، بهدف تخفيض درجة الحرارة في معظم فترات النهار، وفي الأماكن المزدحمة بالحجاج* والآن أصبح معظم المساكن أو المجمعات المبنية حديثاً، يستخدم في بنائها العوازل الحرارية في الجدران، لمنع حرارة الجو الخارجي من الدخول، أو العكس، بل أصبح العزل الحراري من الشروط الضرورية للتصريح بالبناء.
والسعوديون أيضاً يخففون حرارة الجو المحيطة بهم، من خلال لبس الملابس الخفيفة والبيضاء، للسماح بدخول الهواء ولعكس أشعة الشمس، ويهرع سكان المناطق الساحلية للسباحة في فصل الصيف، في مياه البحر الأحمر والخليج العربي في الفترة المسائية، التي تمتد غالباً من الرابعة عصراً وحتى السابعة صباحاً، غير أن النساء لا يسمح لهن بالسباحة، لاشتراطات دينية واجتماعية، إلا في المسابح المغطاة أو في ظلمة الليل على الشواطئ البعيدة عن الأعين، وبلبسهن الكامل، بسبب عدم وجود بدائل في فترة النهار تسمح لهن بالسباحة، فيما يصر بعض السعوديين لمحاربة درجة الحرارة المرتفعة بالسفر للمناطق المعتدلة داخل السعودية أو خارجها.
الشرق الاوسط 20/07/2005
«ما زلت أتذكر جدي، وهو يحمل دلواً من الماء في كل صباح وعصر، لرش الماء أمام منزله، وخصوصاً الجلسة الخارجية (الدّكة أو المركاز) المطلة على الطريق العام في الحارة، حتى تكون جلسته مع أصدقائه وجيرانه لطيفة حديثاً وجواً، كان جدي عثمان يرش الماء ويقول (أحيا بك الله كل شيء** فأحي مجلسنا)» ما سبق كان جزءا من ذكريات عبدالله أحمد، عن سلوك السعوديين في الماضي تجاه ارتفاع درجة الحرارة في المملكة خلال أجزاء كثيرة من العام.
وأضاف عبدالله بأنه كان يتذكر تعامل جده دائماً كلما شاهد «في القنوات الفضائية حال الشعوب الأوروبية عند ارتفاع درجة الحرارة في بيئتهم، يخرجون إلى الشوارع بملابس خفيفة، يهاجرون إلى الشواطئ، ويجلسون في الباحات التي توجد فيها نوافير ماء أو مسطحات مائية، مع أنهم يملكون أجهزة تكييف في أماكن عيشهم وعملهم، إلا أنهم يفضلون التلطيف الطبيعي على الصناعي، بعكس ما نقوم به حالياً في السعودية».
أما قصة محاولة التغلب على ارتفاع درجة الحرارة في السعودية، فتكاد تكون القصة الدائمة في كل عام، نظراً لوجود المملكة ضمن المنطقة المدارية الحارة شمال خط الاستواء، وليس هذا فحسب، بل تنقسم الأراضي السعودية إلى قسمين، بسبب اختراق مدار السرطان للمملكة في منطقة الرياض، والذي تتعامد عليه أشعة الشمس في شهر يونيو (حزيران) من كل عام، فالقسم الأول يقع شمال خط الاستواء وجنوب مدار السرطان، وجميع الأراضي التي تقع في هذا القسم حارة إجمالاً، ما عدا المدن والقرى المرتفعة فوق الجبال، أما القسم الآخر فيقع شمال مدار السرطان، ويميل إلى البرودة في الشتاء، عندما تتعامد الشمس على مدار الجدي.
وفي الماضي السعودي، يقول سلطان البلوي «كان تخفيض الحرارة وتلطيف الجو بطرق بدائية، ولكنها طبيعية، فالبدو يشرعون خيامهم، أي يرفعون بيت الشعر من الخلف، حتى يدخل الهواء من الجهتين، من الأمام والخلف، ثم ترش أرضية ومحيط الخيمة بالماء، لتبريد درجة حرارة الهواء الداخل للخيمة، من خلال ملامسته للماء، أما البدوي نفسه، فيلبس ملابس ثقيلة وصوفية عند تنقله أو ركوبه الخيل، كالفروة والقميص الصوف والشماغ، وعادة ما يغطي وجهه بالشماغ، حتى يتصبب عرقاً، ومن ثم يخفف من ملابسه أو يفتحها، ليسمح بدخول الهواء لتبخير العرق المتجمع على بشرته، فيبرد جسمه في وسط فصل الصيف، وهذا الفعل عادة ما يستغربه الذين يعيشون خارج البيئة البدوية، لأنهم يسألون أنفسهم كيف يلبس ملابس ثقيلة في الصيف؟».
وفي المناطق الساحلية، ذكر ياسر خواجي، 39 عاماً، أنه عادة ما يكون الجو لطيفاً ورطباً بالأصل، بسبب قربها من المسطحات المائية، وهي مياه الخليج العربي أو مياه البحر الأحمر، مضيفاً أن أباه «كان دائماً يرش الماء في ساحة منزله، لتثبيت الرمال من التطاير مع نسمات الهواء، ولتنخفض درجة الحرارة في الفترة ما بين العصر والمغرب، لا سيما في فصل الصيف، أما في الليل فيقوم والدي بتبليل الشراشف أو قطع القماش الكبيرة، ومن ثم تعليقها في مجرى الرياح الداخلة للبيت الشعبي (العشّة) أو الغرفة، حتى يبرد الهواء، وكان حال الهواء الداخل أفضل مما ينفثه المكيف، حالياً، من وجهة نظري».
أما اليوم، فالحال تغير كثيراً في السعودية، خاصة بعد انتشار مكيفات الهواء في كل مناطق المملكة المغطاة بالكهرباء، وبجميع أنواعها، فهناك الصحراوي الذي يعتمد على مرور الماء على شبكة ألياف وتبليلها، حيث تقوم المروحة بتمرير الهواء ودفعه في فراغات شبكة الألياف المبللة، أما النوع الآخر فيعتمد على (الفريون)، وهو غاز يضغط ليتحول إلى غاز فريون ساخن ذي ضغط عال، يمر عبر مجموعة من الأنابيب الحلزونية لتبديد حرارته، وتحويله إلى سائل، وهذا السائل يمر من خلال صمام تضخيم ليتبخر، ويتحول إلى غاز فريون بارد ذي ضغط منخفض، وهو الذي يقوم بتبريد الجو المحيط عندما يمر خلال مجموعة أخرى من الأنابيب الحلزونية ليمتص حرارتها، وهذه الفكرة مطبقة بشكل أو آخر في المكيفات ومكيفات النوافذ، أما المكيفات المفصولة، المعروفة باسم (السبليت)، فلا تختلف إلا في فصل الجانب الداخلي البارد، المتكون من صمام التضخيم والأنابيب الحلزونية الباردة والمراوح عن الجانب الخارجي الساخن، ولا يتميز إلا بقدرته على زيادة التبريد وخفض الضوضاء الداخلية مقارنة بمكيفات النوافذ، وليس هذا فحسب، بل أصبح المكيف رفيقا دائما في السيارة أو المنزل أو المكتب، أو في أي مكان يمر به الإنسان في المناطق الحارة، والتي تملك امكانات مادية تمكنها من ذلك.
وخلق المناخ الصحراوي الذي يطغى على معظم مدن المملكة، الحاجة لاختراع تلطيف الجو برش رذاذ الماء في الهواء، من خلال شبكة من الأنابيب المصنوعة من البلاستيك، والمثقوبة في نقاط متساوية المسافات تقريباً، تغطيها رؤوس معدنية مليئة بالمسامات الصغيرة جداً، وتمتد تلك الأنابيب على أعمدة من الحديد، أو على جذوع الشجر، على ارتفاع لا يتجاوز المترين ونصف المتر، يضخ فيها الماء بقوة ضغط معينة، يتحول من خلالها الماء من حالته السائلة العادية، إلى رذاذ خفيف ينتشر في أرجاء المكان، تحمله بعض نسمات الهواء، وحتى يصبح المكان أكثر لطفاً وانتعاشاً، تزرع مساحة من العشب، تتخللها بعض الأشجار الصغيرة* وهذه التقنية استخدمت كأول مرة في السعودية في بعض المشاعر المقدسة خلال موسم الحج في تسعينات القرن الماضي، بهدف تخفيض درجة الحرارة في معظم فترات النهار، وفي الأماكن المزدحمة بالحجاج* والآن أصبح معظم المساكن أو المجمعات المبنية حديثاً، يستخدم في بنائها العوازل الحرارية في الجدران، لمنع حرارة الجو الخارجي من الدخول، أو العكس، بل أصبح العزل الحراري من الشروط الضرورية للتصريح بالبناء.
والسعوديون أيضاً يخففون حرارة الجو المحيطة بهم، من خلال لبس الملابس الخفيفة والبيضاء، للسماح بدخول الهواء ولعكس أشعة الشمس، ويهرع سكان المناطق الساحلية للسباحة في فصل الصيف، في مياه البحر الأحمر والخليج العربي في الفترة المسائية، التي تمتد غالباً من الرابعة عصراً وحتى السابعة صباحاً، غير أن النساء لا يسمح لهن بالسباحة، لاشتراطات دينية واجتماعية، إلا في المسابح المغطاة أو في ظلمة الليل على الشواطئ البعيدة عن الأعين، وبلبسهن الكامل، بسبب عدم وجود بدائل في فترة النهار تسمح لهن بالسباحة، فيما يصر بعض السعوديين لمحاربة درجة الحرارة المرتفعة بالسفر للمناطق المعتدلة داخل السعودية أو خارجها.
الشرق الاوسط 20/07/2005