ماذا بعد مقتل خاشقجي؟

Collapse
X
 
  • Time
  • Show
Clear All
new posts
  • أمل
    Administrator
    • Nov 2004
    • 69876

    ماذا بعد مقتل خاشقجي؟

    محمد المختار الفال - الحياة

    طرح مقتل الصحافي جمال خاشقجي سؤالاً عريضاً: لماذا انتفض العالم بصورة غير معهودة للاهتمام بقضية اختفائه ثم مقتله؟ فهي ليست المرة الأولى التي تختطف فيها أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية الملاحقين سياسياً وأمنياً، وليست المرة الأولى التي يختفي فيها صحافي ولا يعرف مصيره إلى الأبد، وباتساع السؤال تتفرع الاجتهادات بحثاً عن إجابات تحمل في طياتها دواعي استنفار الدوائر السياسية وهجمة الوسائل الإعلامية واستفزاز أصحاب الرأي.


    وقد يكون من الدواعي المفهومة أن حال الاضطرابات والتجاذبات التي تجري في المنطقة كانت حاضرة وانعكست، بشكل مباشر، على الحدث، فالانقلاب الحوثي وما شكله من تهديدات وتحرك السعودية، على رأس تحالف عربي إسلامي، لإيقاف أخطاره وإعادة الشرعية لليمن أدى إلى مواجهة حقيقية بين الرياض وطهران ومن يدور في فلكها من دول وأحزاب ومنظمات ومؤسسات إعلامية وأصحاب رأي مستفيدين من هذا الوضع.

    والتوتر المتنامي في العلاقة التركية - الأميركية وما يرتبط بها من نتائج الصراع في سورية، أعطى السياسة التركية فرصة استثمار الحادث من خلال «تسريبات» مدروسة جعلت الإعلام التركي «المصدر الأول» ليقود حملة المعلومات الناقصة والشائعات لتغذية القنوات المعادية للسعودية والساعية إلى إشباع نهم المشاهدين في جميع أنحاء العالم، ووجدت «الجزيرة»، وما يدور في فلكها من قنوات تلفزيونية وصحف وموائع ومعلقين سياسيين ميداناً لخلق حالة من الشك في الرواية السعودية أخذ يتضخم ويتورم مع شح المعلومات الصادرة من المصدر الرئيس، ودخل على الخط الإعلام الأميركي، في عمومه، ليدير معركة الانتخابات النصفية في الكونغرس ضد الرئيس ترامب وحزبه وتصويره حليفا لدولة لا تحترم حقوق الإنسان وتغتال أصحاب الرأي، ويمكن أن يضاف إلى هذه الخيوط المتداخلة، التي تحركها أهداف متباينة، العلاقات الشخصية التي ربطت جمال خاشقجي بالعديد من الصحافيين والباحثين الأميركيين والبريطانيين والتحاقه، قبل أشهر، بفريق الرأي في «واشنطن بوست»، كل هذا أعطى اختفاءه ثم مقتله هذه المساحة غير المسبوقة من التغطية الإعلامية ونقل مأساته، من صفتها الجنائية إلى بعدها السياسي وقيمتها الحقوقية وتفاعلها الإعلامي. وهناك مجال لاجتهادات أخرى ترى البواعث متخفية وراء الرغبة في استغلال الواقعة للضغط على الرياض من أجل إضعافها وامتصاص ثرواتها وإشغالها عن المضي على طريق التحول الذي تريد به الانتقال إلى مرحلة جديدة في مسيرتها التنموية.

    وهذا الحادث يثير أسئلة أخرى أهم، من وجهة نظري، تتعلق بنتائجه من قبيل: ما هي الضغوط المحتملة على السعودية؟ وما هي أهدافها؟ وكيف تواجهها؟

    سيكون من المفيد أن تدرك الرياض أن الحادث خطر وصادم وأنه أحدث هزة لها تبعاتها وارتداداتها، لما تضمنه من سلوك خاطئ أورث الشك لدى الكثير من وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث ومجموعات الضغط حيال التعامل مع أهل الرأي المخالف، وأن استعادة الثقة التي عرفت بها السعودية تحتاج إلى معالجة الجزء الجنائي من القضية بالكثير من الشفافية المؤدية إلى حكم قضائي يعاقب المجرمين ويعمل على إيقاف الأسباب التي أدت إليه، وأن يستفاد من التجربة وما كشفته من قصور وأوجه نقص وأخطاء وقع فيها الإعلام حين تخلف، كثيراً، عن الحضور والتأثير على المتلقي السعودي الذي ترك «نهباً» لسيل الإعلام المعادي وتوظيفه الإشاعات والمعلومات الناقصة والروايات المشوهة، وإعادة النظر في سياسة إعطاء المعلومة الرسمية لوسائل الإعلام الوطنية والصديقة وأهل الرأي المؤثرين في الوقت الفعال، فالزمن يعد «بطلا» في الصراع الإعلامي، فالذي يبادر يمكنه، بقليل من المعلومات المدروسة، أن يقود اتجاه التغطية وصناعة رأي عام قادر على مواجهة ما يعاكسه من خطاب، وقد رأينا في مأساة مقتل خاشقجي كيف قاد الجانب التركي الهجمة الإعلامية من خلال «تسريبات» مدروسة كانت «المصدر الأول» الذي تبني عليه وسائل الإعلام انطلاقها ويحفزها للاجتهاد في استخلاص ما تراه يخدم قضيتها ويلبي حاجة جمهورها. وإذا تمكنت السعودية من «تنظيف» التلوث الذي حرك العالم وأزالت الشكوك التي أورثها ووضعت آليات متطورة تمكن إعلامها من التحرك بمهنية، ودرست مواطن الخطر فإنها تكون قد استعدت لمواجهة ما يثيره السؤال: ما هي الضغوط المحتملة؟

    المملكة العربية السعودية دولة كبرى في إقليمها ولاعب رئيس في الاقتصاد والطاقة العالمية وبلد محوري في محيطه الإسلامي ولها مكانة دينية ليست لغيرها، هذا قدرها وإن أزعج البعض، وتأثيرها في دائرتها العربية معروف، ومن الطبيعي أن يكون لها منافسون في كل هذه الدوائر إلى جانب الأطماع الدولية التي ترى في هذا البلد نقطة جاذبة يصاحبها الكثير من الصراع المعلن والخفي، وفي هذا الوقت من تاريخها تمر بتحول شامل يجعلها موضع نظر واهتمام العالم، الحلفاء يريدون الاستفادة من النقلة الاقتصادية والصناعية والمالية والأعداء يرصدون الحركة ومنافذ التأثير على الداخل والخارج ولا يترددون في استغلال ما يرون من قصور أو خطاء، ولهذا يبدو مفهوما أن يستغل الجميع الحال الناتجة عن مقتل خاشقجي، كل يستثمرها بالطريقة والقدر الذي يحقق مصالحه، ومن المتوقع أن تواجه المملكة ضغوطا من أصدقائها الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة، على رغم وجود ترامب في البيت الابيض، الذي أرجح أن يمكث فيه لدورة ثانية، لتعظيم نصيبهم من «كعكة» التحول الاقتصادي والصناعي والترفيهي ودفع الاتهام الموجه لهم من المنافسين السياسيين المحليين في بلدانهم والمؤسسات الإعلامية التي تتهمهم بموالاة السعودية على حساب قيم الحريات وحقوق الإنسان وحرية الرأي، وسيتحرك الخصوم والمنافسون الإقليميون في الدائرة الإسلامية والعربية للتشكيك في مكانة الرياض وقدرتها على الاستمرار في جمع الكلمة ورعاية المصالح المشتركة، وسيندفع «المأزومون» من الدول ووسائل الإعلام والأقلام الكارهة في استمرار التشنيع والتشويه والتشويش على الجبهة الداخلية. ولمواجهة هذه الاحتمالات سيكون من المفيد معالجة آثار الجانب الجنائي من القضية بالشفافية المقنعة وتحقيق العدالة، لأن ذلك يسلب الأعداء ذريعة عدم الوضوح والجدية في التعامل مع مقتل مواطن في مقر هيئة ديبلوماسية، وهذه الخطوة ضرورية ومهمة لأنها ترد على المشككين وتحرر الإعلام الوطني وأهل الرأي من تهمة الدفاع عن «الغامض والناقص»، وتضع المتابع السعودي أمام الحقيقة التي لا تستطيع وسائل إعلام أخرى الالتفاف عليها، ويكون المتلقي المحلي جزءا من «حائط الصد» في مواجهة الخطاب المعادي المشكك في صدقية الروايات الرسمية، ويصبح خطاب الإعلام المحلي مسموعا ومفهوما وموثوقا ومقنعا، لينطلق إلى كشف ما يحاك ضد الوطن من مؤامرات وخطط تستهدف أمنه واستقراره.

    والخلاصة: لا شك عندي أن المملكة العربية السعودية بلد كبير قوي، بقيادته وشعبه، وقادر على تجاوز هذا المنعطف الحرج، لكن ليس من الخطأ إدراك أن مقتل خاشقجي كان حدثاً مزعجاً صادماً أعطى الأعداء ذرائع لتهديد مصالح الوطن، وأن معالجة آثاره بالحكمة تقلل من أخطاره، ومن الحكمة والمصلحة إظهار قوة التماسك والالتفاف حول القيادة.

    * كاتب سعودي.

    الباطل صوته أعلى، وأبواقه اوسع، واكاذيبه لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن ان تقف عند حد. فكيف اذا كان بعض ابطاله قد بات في نظر نفسه والعميان من حوله من انصاف آلهة.
Working...