Announcement

Collapse
No announcement yet.

نورة بنت عبدالرحمن: من الذي أضعف المرأة؟

Collapse
X
 
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • نورة بنت عبدالرحمن: من الذي أضعف المرأة؟

    نورة بنت عبدالرحمن: من الذي أضعف المرأة؟



    علي سعد الموسى - الوطن


    نورة: وحتى لو كان الاسم العروبي مبهجا سلسا، إلا أنني أقرأ فيه دلالة الاسم على المعنى. لم أعرف في حياتي امرأة تحمل الاسم إلا وكانت حازمة لماحة وقوية الحجة والإرادة. ربما لأنني أقرأ الاسم بالعاطفة كونه يحمل في حروفه الأربعة أحب الأسماء إلي وأغلاها لدي. نورة: هي الرجل الأول الذي عرفته طفلا، والأطفال بالحب والغريزة يتلمسون خصائل الرجال وخصائصهم من خيال الأم.

    كانت نورة بالنسبة لي، ولا تزال، مصدر الخوف من براثن الخطأ وشعلة العاطفة الجياشة التي لا تصل للإسفاف والدلال. كانت - نورة - تعرف الحد الفاصل في الخيط الرفيع لحدود التربية ما بين تفاصيل أربعة رجال ومثلهم من البنات قبل أن تنحاز أخيرا، وتماما، للرجل، في الخامس من آخر العنقود.

    ربما لأنها آثرت آخر مشوارها أن تكون كما هي: امرأة تتقمص نصف رجل ولا تساوم على أقل من هذه النسبة.

    بالأمس فقط، أعاد خادم الحرمين الشريفين، كل الاعتبار للاسم، للمرأة، وللتاريخ أيضا وهو يطلق اسم الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل على أكبر جامعة نسائية في هذا الكون الفسيح. (وللعلم، فالجامعة ليست الأولى التي تخصص كل مقاعدها للمرأة، فهناك جامعات مغلقة لها في الجنوب الأمريكي، وفي اليابان، ولا أعلم بقية الخريطة).

    في المبادرة يبرز السؤال: من الذي أضعف المرأة وهمش دورها حتى أصبح من العيب أن تذكر بالاسم؟ تذكر مصادر التاريخ أن الأميرة نورة بنت عبدالرحمن كانت تحذر أخاها، وهو الفارس الكبير، من مغبة إطالة المكوث بين النساء حتى ولو كانت الأم أو الزوجة لأن فيهن من ركود الهمم ما يهبط بألق الفارس وطموحه. وحين بكته النساء وهو يغادر الكويت لاسترداد الرياض في المحاولة الثالثة، كانت نورة بنت عبدالرحمن تقسو عليه بالكلمات وتتعمد القسوة بالتحفيز. كانت أقرب الناس إليه ولم يضر الفارس الكبير أن يعترف بدورها التاريخي في شحذ عزيمته ولم يتردد في أن يبوح بعد الانتصار بأنها الملهم والمحرض فهي لم تستسلم لليأس والدعة ومخاوف النساء على الرجال.

    وكانت هذه المرأة، باعتراف التاريخ، حجرا أساسيا من أحجار هذه الوحدة. كانت نصف رجل متكاملة ولكن: خلف رجل لم يقبل من الرجولة إلا بنسبة كاملة. تزوجت نورة بنت عبدالرحمن الفيصل بابن عمها كي ترتق انقساما بالأسرة وكي لا تشغل خلافات أبناء العمومة، أخاها، عن مشواره المثير الخطير.

    أدركت أن المصاهرة والنسب كفيلان بتجسير الهوة "قابلت نورة بنت عبدالرحمن الفيصل عشرات الوفود التي زارت قصر الإمام وتوسطت لديه في عشرات القضايا وكانت تختار من القضايا للشفعة ما تظن أن تركها سيؤلب عليه أهل القضايا في بدء المشوار لبناء الدولة. كانت صاحبة نظرة سياسية متقدمة على مجايليها، وبكل صدق، فقد أهملتها العقود الأخيرة، لا لأنها - نورة بنت عبدالرحمن الفيصل، بل لأنها امرأة، ومرة أخرى من الذي أضعف دور المرأة؟

    هي، أولا: ثقافة العيب، التي نسفت كل تاريخنا المشرق مع المرأة منذ بزوغ فجر الإسلام حتى اللحظة. هي ثانيا ثقافة النفط الذي أحال كل المجتمع إلى بطالة من الارتكان والدعة، وفي مجتمع لم يعد للرجل من وظيفة إنتاجية مبدعة فكيف تزاحمه المرأة على فرصة عمل. حين كانت الحياة شظفا من العيش ورزقا من العرق والكفاح، ما قبل النفط، كان المجتمع، وكانت الأسرة، بحاجة إلى كل قطرة عرق وإلى كل نصف يد تمتد إلى الحقول والمراعي والاحتطاب وإلى الأسواق وإلى كل منافذ الكفاح الشريف. حين كانت المرأة نصف القوة العاملة في المجتمع، كانت رمزا للشرف والمروءة، بل وللرجولة، نحن فيكم وبالبرهان سيثبت العكس. من فيكم يشك أن نسبة الجريمة بنسب الانحلال هي اليوم أضعاف مضاعفة لزمن نورة بنت عبدالرحمن الفيصل.

    اليوم لا نريد من جامعة الأميرة نورة أن تكون مجرد دكان لاختبارات الأوراق، بل مكانا لبناء الشخصية. نريد من الجامعة أن تزرع إصرار - الاسم - الضخم وكفاحه ورجولته وقوة شخصيته.

    نريد منها أن تغرس في كل طالبة مفهوم المرأة الواثقة، لا تلك التابعة المباعة. نريد منها أن تزرع بالاستنساخ شيئا من تلك الصور التي كانت - عليها - أخت عبدالعزيز - ونريد منها مادة دراسية مقررة على كل طالبة - عن هذه الشخصية، لا لذاتها فحسب، بل لتاريخها الذي كان آخر أدوار المرأة قبل أن تنقرض.


    * أكاديمي وكاتب سعودي
    الباطل صوته أعلى، وأبواقه اوسع، واكاذيبه لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن ان تقف عند حد. فكيف اذا كان بعض ابطاله قد بات في نظر نفسه والعميان من حوله من انصاف آلهة.
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎