أطباء على قائمة الانتظار للعمل
عبدالله صادق دحلان - الوطن
كنت وما زلت أشيد بجهود وزارة العمل في مجال معالجة قضية البطالة التي أختلف العديد من المتخصصين في حسابها رغم اتفاقنا جميعاً على التعريف الدولي لها والصادر من منظمة العمل الدولية، والتي عرفت العاطل بأنه كل من هو قادر على العمل مؤهل له راغب فيه باحث عنه ولم يجده، وعليه فإن من لا يبحث عن العمل حتى لو كان مؤهلاً قادراً لا يحسب ضمن أعداد البطالة. والحقيقة وزارة العمل وأجهزتها والمؤسسات والصناديق التابعة لها تقوم بجهد كبير وملموس في مجالات التأهيل والتشغيل ورغم أن جميع الجهود تبذل في تأهيل العمالة ذات التأهيل المتوسط والمهني والفني والإداري وهي القاعدة العريضة من الوظائف المشغولة بعمالة أجنبية وهي وظائف لو شملها أو بعضها برنامج الإحلال بعد التأهيل لعالجنا قضية البطالة لسنوات طويلة قادمة وهي آمال نتمنى أن نتعاون جميعاً لتحقيقها.
إلا أن تحول قضية البطالة إلى التخصصات النادرة ولحاملي الشهادات العليا أو الطبية يدفعني اليوم للتداخل بهذه المقالة التي استفزتني لكتابتها والدة طبيب سعودي شاهدت لقاء تلفزيونياً شاركتُ فيه أوضح فيه نشاط وزارة العمل والقطاع الخاص لمحاربة البطالة. وقد أعيد بث المقابلة الأسبوع الماضي. وبعد بثها أرسلت لي رسالة تقول لي إنكم تكذبون على المجتمع والمشاهدين والقراء، وعلى ولي أمركم عندما تظهرون على شاشات التلفزيون السعودي والفضائيات الأخرى أو وسائل الإعلام المقروءة وتحاولون إخفاء الحقائق وتجميل الموقف، وتدافعون أحياناً عن القطاع الخاص وتؤكدون رغبته في التعاون لتشغيل الشباب، وقالت إن القطاع الخاص يحارب السعودة وذلك من خلال وضع العراقيل والحجج الواهية لتشغيل الشباب السعودي المؤهل تأهيلاً عالياً أو بسيطاً ، وضربت لي أمثلة عن المستشفيات السعودية التي ترفض تعيين الأطباء السعوديين حديثي التخرج وإذا مورست عليهم ضغوط من مكاتب العمل أو وساطات شخصية فإن التعيين يكون بالإكراه وبرواتب تعادل رواتب الفراشين وبعض السائقين بما يعادل الفين وسبعمئة وثلاثة آلاف ريال . بالإضافة إلى أساليب التنفير والإحباط التي يواجهها الأطباء حديثو التخرج من بعض الدكاترة الأجانب في نفس التخصص.
رسالة طويلة وهجوم قوي قالت فيه إنني أم لدكتور تعبت وعانيت طوال حياتي لتربيته وتعليمه في أفضل المدارس الخاصة ثم ابتعثته على حسابي الخاص للدراسة خارج المملكة، وقبل تخرجه بسنتين تم ضمه للبعثة الحكومية وتخرج طبيب أسنان وعاد للمملكة لتبدأ رحلة المعاناة ابتداء من توجيه وزارة التعليم العالي لجامعة الملك عبدالعزيز لكلية طب الأسنان لإجراء اختبارات التقييم لتوجيه الأطباء الخريجين من جامعات خارج المملكة والراغبين في إنهاء سنة الامتياز في المملكة . وهي اختبارات ترتبط بالأطباء الذين ينهون سنة الامتياز، وفي المتوسط تكون مدة الانتظار لإجراء الاختبارات حوالي ستة أشهر بحد أقصى ثم يتم التوجيه لمستشفيات حكومية وحتى يتم القبول في أحدهم تكون مدة الانتظار ستة أشهر أخرى وبعد الانتهاء من سنة الامتياز تبدأ مرحلة معادلة الشهادة لدى إدارة معادلة الشهادات في وزارة التعليم العالي رغم أن الشهادة صادرة من إحدى الجامعات المعتمدة من الملحقية الثقافية السعودية ومصادقة منها ونظراً لضخامة عدد الشهادات المطلوب معادلتها تأخذ فترة المعادلة في المتوسط من شهرين إلى أربعة أشهر ومن ثم تتم المعادلة وتبدأ المعاناة الكبرى وهي معاناة العمل في إحدى الوظائف الطبية في أحد المستشفيات الحكومية أو الخاصة .
(وهي معاناة تمتد إلى خمس سنوات أحياناً عند بعض الحالات التي علمتُ بها وبهذا يكون الطالب قد تبخرت معلوماته وعلمه في هذه الفترة الطويلة) . وتبدأ عملية البحث من ديوان الخدمة المدنية والذي عادة تكون إجابته عدم اعتماد وظائف من وزارة المالية وتبدأ معاناة البحث في القطاع الخاص عن طريق المستشفيات والمستوصفات والعيادات الخاصة وبعد سنوات من البحث تكون النتيجة المحبطة وهي أن القطاع الخاص غير جاد وغير راغب في تعيين الأطباء السعوديين حديثي التخرج ليس لحداثة تخرجهم وإنما لارتفاع تكاليفهم ، ويفضل الأجنبي أو الآسيوي ذو التكاليف المنخفضة جداً .
أما الحقيقة الثانية فهي أن القطاع الصحي الحكومي مستشفيات ومراكز صحية مليء بالأطباء الأجانب ومن يراجع ويحلل قوائم الأطباء في القطاع الصحي الحكومي يفاجأ بالنسب العالية جداً للأطباء الأجانب حتى في مجال طب الأسنان وما زالت الطلبات لاستقدام أطباء أجانب كبيرة جداً وهي حقائق تثبتها الأرقام والإحصائيات. واستمرت والدة الدكتور قائلة إذا كان هذا حال ووضع بطالة الأطباء السعوديين فمن باب أولى التخصصات الأخرى، وإذا وصلت البطالة إلى الأطباء والمهندسين وفنيي المختبرات فإن الأزمة في تفاقم.
وفي وجهة نظري الشخصية أن القضية يصعب علينا اتهام وزارة العمل بها لأن القطاع الصحي الحكومي قطاع لا يرتبط بوزارة العمل وهو القطاع الأكبر استيعابا للأطباء الخريجين الجدد وهو القطاع الأكثر توسعاً وتطوراً أما القطاع الخاص الصحي فهو قطاع يخضع لوزارة الصحة أولاً في المراقبة والمتابعة والإشراف والتقييم وتجديد التراخيص وهي الأكثر سلطة في التأثير عليه ولو تعاونت وزارة الصحة مع وزارة العمل لوضع برنامج إحلالي غير مكلف على المستشفيات الخاصة يتحمل صندوق تنمية الموارد البشرية تكلفة تشغيل الخريجين الجدد لمدة عام لكسب الخبرة ثم يتم الإحلال مكان الأطباء المستقدمين لأن الأطباء الجدد لن يستطيعوا أن يكسبوا الخبرة إلا إذا أتيحت لهم الفرصة للعمل بجانب الأطباء ذوي الخبرة الطويلة وهذا الاقتراح ينطبق على الدكاترة الجدد الراغبين في العمل في المستشفيات الحكومية التي بها دكاترة أجانب من ذوي الخبرة الطويلة ويصعب الاستغناء عنهم مباشرة لأن ذلك سيسبب انخفاضاً كبيراً في مستوى الخدمة الطبية التي لها تأثير كبير على صحة المواطنين وأرواحهم .
لهذا فإن قضية الإحلال للأطباء تحتاج إلى فترة على الأقل عام إلى عاميين من التدريب بجانب الأطباء ذوي الخبرة، مع علمي بأن هذا الاقتراح سيكلف ميزانية الدولة في السنوات العشر القادمة مئات الملايين لأن المطلوب هو استحداث وظائف مؤقتة على بند الأجور لمدة عام أو عامين لكل طبيب متخرج جديد متقدم لوظيفة مشغولة بطبيب أجنبي، علماً بأن هناك قراراً سامياً ينص على أن الطبيب السعودي له الأولوية في الإحلال مكان الطبيب الأجنبي حال تقدمه للوظيفة إلا أن هذا القرار لم ينفذ كما ينبغي وتُوضع العقبات والجسور لمنع تطبيق هذا القرار.
وبدون الدخول في التفاصيل ورغم قناعتي بأنه ليس مسؤولية وزارة العمل في إرغام القطاع الصحي الحكومي لتشغيل الأطباء حديثي التخرج فهي مسؤولية وزارة الصحة أولاً ، وهي ليست مسؤولية وزارة الخدمة المدنية في اعتماد استحداث الوظائف وإنما هي مسؤولية وزارة المالية في اعتماد الوظائف.
وهكذا تدور حلقة المسؤولية وكنت أظن أن والدة الدكتور الذي يعاني صعوبة التوظيف هي الوحيدة لأن لا وساطة لها، إلا أنني اكتشفت أن القضية أكبر من ذلك حتى أولئك الذين يتصورون أن لهم قدرة على الوساطة يعانون من نفس القضية فقد أبلغني ثلاثة من زملائي أعضاء مجلس الشورى أحتفظ بأسمائهم وممن خدموا الدولة في وظائف وكلاء وزارات بأنهم عاشوا مأساة مع بناتهم الطبيبات في تخصص أطباء أسنان تخرجن من جامعة سعودية ومن أوائل الخريجين مستوى علمياً وطالت مدة انتظار إحداهن إلى خمس سنوات والأخرى ثلاث سنوات حتى تم قبولهن في الوقت الذي رفض القطاع الخاص تشغيلهن بحجج واهية وغير مقبولة، واشتغل البعض برواتب الفين وسبعمئة ريال فقط لكسب الخبرة وانتظارا للتعيين.
نعم أعلم جيداً أنه ليس من الضروري أن تضمن الدولة تشغيل كل خريج أو كل طبيب فالطبيب المتميز لابد وأن يبحث عن المكان اللائق به في أي مكان، لكن المنطق يقول إن من حق المواطن المؤهل تأهيلاً جيداً ومنافساً للمتعاقد في الدولة أن يحصل على وظيفة المتعاقد إذا وُجدت وإذا لم توجد لعدم الحاجة لها فلن نطلب من الدولة تشغيل من لا حاجة لها بهم. رغم علمي بأن القطاع الصحي يحتاج إلى عشرات السنين ليحقق نسبة السعودة العادلة ولن نقبل سعودة الأطباء على حساب الجودة فالباب ينبغي أن يكون مفتوحاً للتعاقد مع الأطباء الأجانب المتميزين وأذهب إلى أبعد من ذلك في المطالبة بمنح الجنسية السعودية للأطباء الأجانب المتميزين بدون الشروط الصعبة وذلك تشجيعاً للأطباء غير السعوديين المتميزين . مع العلم بأننا نفخر اليوم بأن في المملكة مجموعة من الأطباء الاستشاريين والأخصائيين يعتبرون من أشهر الأطباء في العالم العربي سواء في مجال فصل الأطفال الملتصقين جسدياً أو في مجال جراحة القلب والعيون والكلى والعظام والنساء والمسالك البولية والأطفال وغيرها. وهي حقيقة ولقد سجل بعضهم اسمه في قائمة الأطباء المتميزين في العالم، ويأتي لهم مرضى من جميع أنحاء العالم . هذه حقيقة وليست مجاملة وتدفعنا هذه الحقيقة للعناية بالجيل الحديث من الأطباء وفتح المجال لهم لكسب الخبرات وابتعاثهم لتكملة دراستهم وخبراتهم دولياً .
آمل أن يتم تشغيل الأطباء حديثي التخرج بعد انتهاء فترة الامتياز مباشرة حتى على بند الأجور لكسب الخبرة ثم تعيينهم بعد نجاحهم في أدائهم خلال فترة التجربة. وعلى أبنائي من الأطباء حديثي التخرج قبول الوظيفة في أي مستشفى أو مركز صحي في أي موقع في بلادنا، فخدمة المواطنين أو ممارسة المهنة الشريفة تكون في أي مدينة أو قرية كبيرة أو صغيرة وعلينا ألا نمتنع عن أداء الواجب مهما كانت صعوبته ولن نقبل الأعذار أو الوساطات في تحديد موقع العمل شريطة أن تكون المعاملة عادلة للكل وينبغي أن يوضع نظام يحدد الزمن للخدمة في المناطق النائية.
*كاتب اقتصادي سعودي
عبدالله صادق دحلان - الوطن
كنت وما زلت أشيد بجهود وزارة العمل في مجال معالجة قضية البطالة التي أختلف العديد من المتخصصين في حسابها رغم اتفاقنا جميعاً على التعريف الدولي لها والصادر من منظمة العمل الدولية، والتي عرفت العاطل بأنه كل من هو قادر على العمل مؤهل له راغب فيه باحث عنه ولم يجده، وعليه فإن من لا يبحث عن العمل حتى لو كان مؤهلاً قادراً لا يحسب ضمن أعداد البطالة. والحقيقة وزارة العمل وأجهزتها والمؤسسات والصناديق التابعة لها تقوم بجهد كبير وملموس في مجالات التأهيل والتشغيل ورغم أن جميع الجهود تبذل في تأهيل العمالة ذات التأهيل المتوسط والمهني والفني والإداري وهي القاعدة العريضة من الوظائف المشغولة بعمالة أجنبية وهي وظائف لو شملها أو بعضها برنامج الإحلال بعد التأهيل لعالجنا قضية البطالة لسنوات طويلة قادمة وهي آمال نتمنى أن نتعاون جميعاً لتحقيقها.
إلا أن تحول قضية البطالة إلى التخصصات النادرة ولحاملي الشهادات العليا أو الطبية يدفعني اليوم للتداخل بهذه المقالة التي استفزتني لكتابتها والدة طبيب سعودي شاهدت لقاء تلفزيونياً شاركتُ فيه أوضح فيه نشاط وزارة العمل والقطاع الخاص لمحاربة البطالة. وقد أعيد بث المقابلة الأسبوع الماضي. وبعد بثها أرسلت لي رسالة تقول لي إنكم تكذبون على المجتمع والمشاهدين والقراء، وعلى ولي أمركم عندما تظهرون على شاشات التلفزيون السعودي والفضائيات الأخرى أو وسائل الإعلام المقروءة وتحاولون إخفاء الحقائق وتجميل الموقف، وتدافعون أحياناً عن القطاع الخاص وتؤكدون رغبته في التعاون لتشغيل الشباب، وقالت إن القطاع الخاص يحارب السعودة وذلك من خلال وضع العراقيل والحجج الواهية لتشغيل الشباب السعودي المؤهل تأهيلاً عالياً أو بسيطاً ، وضربت لي أمثلة عن المستشفيات السعودية التي ترفض تعيين الأطباء السعوديين حديثي التخرج وإذا مورست عليهم ضغوط من مكاتب العمل أو وساطات شخصية فإن التعيين يكون بالإكراه وبرواتب تعادل رواتب الفراشين وبعض السائقين بما يعادل الفين وسبعمئة وثلاثة آلاف ريال . بالإضافة إلى أساليب التنفير والإحباط التي يواجهها الأطباء حديثو التخرج من بعض الدكاترة الأجانب في نفس التخصص.
رسالة طويلة وهجوم قوي قالت فيه إنني أم لدكتور تعبت وعانيت طوال حياتي لتربيته وتعليمه في أفضل المدارس الخاصة ثم ابتعثته على حسابي الخاص للدراسة خارج المملكة، وقبل تخرجه بسنتين تم ضمه للبعثة الحكومية وتخرج طبيب أسنان وعاد للمملكة لتبدأ رحلة المعاناة ابتداء من توجيه وزارة التعليم العالي لجامعة الملك عبدالعزيز لكلية طب الأسنان لإجراء اختبارات التقييم لتوجيه الأطباء الخريجين من جامعات خارج المملكة والراغبين في إنهاء سنة الامتياز في المملكة . وهي اختبارات ترتبط بالأطباء الذين ينهون سنة الامتياز، وفي المتوسط تكون مدة الانتظار لإجراء الاختبارات حوالي ستة أشهر بحد أقصى ثم يتم التوجيه لمستشفيات حكومية وحتى يتم القبول في أحدهم تكون مدة الانتظار ستة أشهر أخرى وبعد الانتهاء من سنة الامتياز تبدأ مرحلة معادلة الشهادة لدى إدارة معادلة الشهادات في وزارة التعليم العالي رغم أن الشهادة صادرة من إحدى الجامعات المعتمدة من الملحقية الثقافية السعودية ومصادقة منها ونظراً لضخامة عدد الشهادات المطلوب معادلتها تأخذ فترة المعادلة في المتوسط من شهرين إلى أربعة أشهر ومن ثم تتم المعادلة وتبدأ المعاناة الكبرى وهي معاناة العمل في إحدى الوظائف الطبية في أحد المستشفيات الحكومية أو الخاصة .
(وهي معاناة تمتد إلى خمس سنوات أحياناً عند بعض الحالات التي علمتُ بها وبهذا يكون الطالب قد تبخرت معلوماته وعلمه في هذه الفترة الطويلة) . وتبدأ عملية البحث من ديوان الخدمة المدنية والذي عادة تكون إجابته عدم اعتماد وظائف من وزارة المالية وتبدأ معاناة البحث في القطاع الخاص عن طريق المستشفيات والمستوصفات والعيادات الخاصة وبعد سنوات من البحث تكون النتيجة المحبطة وهي أن القطاع الخاص غير جاد وغير راغب في تعيين الأطباء السعوديين حديثي التخرج ليس لحداثة تخرجهم وإنما لارتفاع تكاليفهم ، ويفضل الأجنبي أو الآسيوي ذو التكاليف المنخفضة جداً .
أما الحقيقة الثانية فهي أن القطاع الصحي الحكومي مستشفيات ومراكز صحية مليء بالأطباء الأجانب ومن يراجع ويحلل قوائم الأطباء في القطاع الصحي الحكومي يفاجأ بالنسب العالية جداً للأطباء الأجانب حتى في مجال طب الأسنان وما زالت الطلبات لاستقدام أطباء أجانب كبيرة جداً وهي حقائق تثبتها الأرقام والإحصائيات. واستمرت والدة الدكتور قائلة إذا كان هذا حال ووضع بطالة الأطباء السعوديين فمن باب أولى التخصصات الأخرى، وإذا وصلت البطالة إلى الأطباء والمهندسين وفنيي المختبرات فإن الأزمة في تفاقم.
وفي وجهة نظري الشخصية أن القضية يصعب علينا اتهام وزارة العمل بها لأن القطاع الصحي الحكومي قطاع لا يرتبط بوزارة العمل وهو القطاع الأكبر استيعابا للأطباء الخريجين الجدد وهو القطاع الأكثر توسعاً وتطوراً أما القطاع الخاص الصحي فهو قطاع يخضع لوزارة الصحة أولاً في المراقبة والمتابعة والإشراف والتقييم وتجديد التراخيص وهي الأكثر سلطة في التأثير عليه ولو تعاونت وزارة الصحة مع وزارة العمل لوضع برنامج إحلالي غير مكلف على المستشفيات الخاصة يتحمل صندوق تنمية الموارد البشرية تكلفة تشغيل الخريجين الجدد لمدة عام لكسب الخبرة ثم يتم الإحلال مكان الأطباء المستقدمين لأن الأطباء الجدد لن يستطيعوا أن يكسبوا الخبرة إلا إذا أتيحت لهم الفرصة للعمل بجانب الأطباء ذوي الخبرة الطويلة وهذا الاقتراح ينطبق على الدكاترة الجدد الراغبين في العمل في المستشفيات الحكومية التي بها دكاترة أجانب من ذوي الخبرة الطويلة ويصعب الاستغناء عنهم مباشرة لأن ذلك سيسبب انخفاضاً كبيراً في مستوى الخدمة الطبية التي لها تأثير كبير على صحة المواطنين وأرواحهم .
لهذا فإن قضية الإحلال للأطباء تحتاج إلى فترة على الأقل عام إلى عاميين من التدريب بجانب الأطباء ذوي الخبرة، مع علمي بأن هذا الاقتراح سيكلف ميزانية الدولة في السنوات العشر القادمة مئات الملايين لأن المطلوب هو استحداث وظائف مؤقتة على بند الأجور لمدة عام أو عامين لكل طبيب متخرج جديد متقدم لوظيفة مشغولة بطبيب أجنبي، علماً بأن هناك قراراً سامياً ينص على أن الطبيب السعودي له الأولوية في الإحلال مكان الطبيب الأجنبي حال تقدمه للوظيفة إلا أن هذا القرار لم ينفذ كما ينبغي وتُوضع العقبات والجسور لمنع تطبيق هذا القرار.
وبدون الدخول في التفاصيل ورغم قناعتي بأنه ليس مسؤولية وزارة العمل في إرغام القطاع الصحي الحكومي لتشغيل الأطباء حديثي التخرج فهي مسؤولية وزارة الصحة أولاً ، وهي ليست مسؤولية وزارة الخدمة المدنية في اعتماد استحداث الوظائف وإنما هي مسؤولية وزارة المالية في اعتماد الوظائف.
وهكذا تدور حلقة المسؤولية وكنت أظن أن والدة الدكتور الذي يعاني صعوبة التوظيف هي الوحيدة لأن لا وساطة لها، إلا أنني اكتشفت أن القضية أكبر من ذلك حتى أولئك الذين يتصورون أن لهم قدرة على الوساطة يعانون من نفس القضية فقد أبلغني ثلاثة من زملائي أعضاء مجلس الشورى أحتفظ بأسمائهم وممن خدموا الدولة في وظائف وكلاء وزارات بأنهم عاشوا مأساة مع بناتهم الطبيبات في تخصص أطباء أسنان تخرجن من جامعة سعودية ومن أوائل الخريجين مستوى علمياً وطالت مدة انتظار إحداهن إلى خمس سنوات والأخرى ثلاث سنوات حتى تم قبولهن في الوقت الذي رفض القطاع الخاص تشغيلهن بحجج واهية وغير مقبولة، واشتغل البعض برواتب الفين وسبعمئة ريال فقط لكسب الخبرة وانتظارا للتعيين.
نعم أعلم جيداً أنه ليس من الضروري أن تضمن الدولة تشغيل كل خريج أو كل طبيب فالطبيب المتميز لابد وأن يبحث عن المكان اللائق به في أي مكان، لكن المنطق يقول إن من حق المواطن المؤهل تأهيلاً جيداً ومنافساً للمتعاقد في الدولة أن يحصل على وظيفة المتعاقد إذا وُجدت وإذا لم توجد لعدم الحاجة لها فلن نطلب من الدولة تشغيل من لا حاجة لها بهم. رغم علمي بأن القطاع الصحي يحتاج إلى عشرات السنين ليحقق نسبة السعودة العادلة ولن نقبل سعودة الأطباء على حساب الجودة فالباب ينبغي أن يكون مفتوحاً للتعاقد مع الأطباء الأجانب المتميزين وأذهب إلى أبعد من ذلك في المطالبة بمنح الجنسية السعودية للأطباء الأجانب المتميزين بدون الشروط الصعبة وذلك تشجيعاً للأطباء غير السعوديين المتميزين . مع العلم بأننا نفخر اليوم بأن في المملكة مجموعة من الأطباء الاستشاريين والأخصائيين يعتبرون من أشهر الأطباء في العالم العربي سواء في مجال فصل الأطفال الملتصقين جسدياً أو في مجال جراحة القلب والعيون والكلى والعظام والنساء والمسالك البولية والأطفال وغيرها. وهي حقيقة ولقد سجل بعضهم اسمه في قائمة الأطباء المتميزين في العالم، ويأتي لهم مرضى من جميع أنحاء العالم . هذه حقيقة وليست مجاملة وتدفعنا هذه الحقيقة للعناية بالجيل الحديث من الأطباء وفتح المجال لهم لكسب الخبرات وابتعاثهم لتكملة دراستهم وخبراتهم دولياً .
آمل أن يتم تشغيل الأطباء حديثي التخرج بعد انتهاء فترة الامتياز مباشرة حتى على بند الأجور لكسب الخبرة ثم تعيينهم بعد نجاحهم في أدائهم خلال فترة التجربة. وعلى أبنائي من الأطباء حديثي التخرج قبول الوظيفة في أي مستشفى أو مركز صحي في أي موقع في بلادنا، فخدمة المواطنين أو ممارسة المهنة الشريفة تكون في أي مدينة أو قرية كبيرة أو صغيرة وعلينا ألا نمتنع عن أداء الواجب مهما كانت صعوبته ولن نقبل الأعذار أو الوساطات في تحديد موقع العمل شريطة أن تكون المعاملة عادلة للكل وينبغي أن يوضع نظام يحدد الزمن للخدمة في المناطق النائية.
*كاتب اقتصادي سعودي