Announcement

Collapse
No announcement yet.

توجيه الإعانات الحكومية للضمان الاجتماعي

Collapse
X
 
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • توجيه الإعانات الحكومية للضمان الاجتماعي

    توجيه الإعانات الحكومية للضمان الاجتماعي



    تركي عبدالعزيز الثنيان - الوطن


    الدولة الراعية "Welfare State " تقوم على فكرة ضمان حد أدنى كريم للمعيشة، أي دعم الفقراء والمتساقطين من حلبة الحياة لأي سبب من الأسباب. هذا الدور تقوم به الدول عبر وسائل عديدة منها الإعانات الحكومية التي يمكن أن يكون لها دور إسعافي في التقاط المكلومين والمعدمين من رعايا الدولة الذين تكالبت عليهم الظروف لتجبرهم على العيش بشكل تعيس. بل ويمكن لها أن تؤدي أكثر من دور، فرعاية الفقراء يمكن أن تحقق معها أيضا تحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية تسعى الدولة لتحقيقها.

    للتوضيح لنأخذ مثالا واقعيا ونرى كيف يمكن تطبيقه على أرض الواقع. فوفقا لوزارة الشؤون الاجتماعية، فإن المستفيدين المسجلين في الضمان الاجتماعي يبلغ عددهم أكثر من ستمئة وأربعين ألف حالة أسرية. وحتى لو افترضنا أن "حالة أسرية" تعني 3 أفراد على المتوسط-وليس أربعة كما فعل زميلنا القدير الرطيان- فهذا يعني أن هناك مليوني مواطن سعودي فقير، ينفعهم أي دخل إضافي. أيضا، إذا عرفنا أن مخصصات الضمان الاجتماعي تبلغ قرابة 20 ملياراً ما بين مخصصات أصلية وأخرى تدعيمية وطارئة. ووفقا لوزارة الشؤون الاجتماعية، فإن مخصصات الضمان تبدأ بمبلغ 861 ريالاً شهرياً للشخص الواحد، و1145 للاثنين، و1400 لعائلة من ثلاثة أشخاص. وإذا أخذنا المبلغ الذي للتو تم صرفه وهو أقل من مليار ريال سعودي، يمكن أن نصل إلى المتوسط، عبر قسمة المبلغ على العدد: مليار تقسيم 662 ألف شخص يساوي مبلغاً لا يتجاوز 1500 ريال، شهريا، وهو ما يعني أن غالب الحالات الأسرية التي تعنيها الوزارة تقع في دائرة (ثلاثة أفراد)، ولا أدري كيف يمكن لهؤلاء أن يعيشوا بمبلغ 50 ريالاً في اليوم، في ظل غلاء معيشي أرهق كاهل متوسطي الحال فما بالك بمن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت حتى لم يجدوا إلا الضمان الاجتماعي ليتعلقوا به ولو كان تعلق الغريق بالقشة. حسن، ما رأيكم لو أنه بالإمكان دعم هؤلاء بضعف 100% زيادة؟

    هذا ليس مجرد تنظير، بل هو ممكن واقعيا عبر توجيه بعض الإعانات الحكومية توجيها مختلفا، وأوضح مثال هو إعانة الوقود. فالدولة تقوم الآن بدعم أسعار الوقود –بنزين وديزل وكيرويسين- وتبيعه بأسعار منخفضة جدا لا تقارن مع كل دول العالم، مع أن المستفيد الأكبر من هذا الدعم هم ملاك السيارات الكثيرة، وعصابات التستر، والمهربون، وتجار النقل الثقيل والخفيف، وغيرهم. هذا الدعم يكلف ميزانية الدولة ما بين 20 إلى 30 مليار ريال سنوياً، دون الدخول في التكاليف غير المباشرة كالتلوث البيئي واستنزاف مخزون الأجيال. ولو غيرت الدولة دعمها فبدلا من أن تدعم أسعار الوقود تدعم حسابات الفقراء والمحتاجين من المسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي، لأمكن توفير مبلغ يفوق 20 ملياراً لصندوق الضمان الاجتماعي.

    أقدر رأي المعترضين، ولكن هل يرضيكم منع أي بادرة فيها إنقاذ لإخوتنا – وتنقية لهوائنا وكبح لاستنزاف مخزون أجيالنا؟ في العام الماضي، توفيت مشاعل ذات 15 عاما في هجرة الديدب 30 كلم شرق عرعر، والتي كانت تسكن في منزل ذويها المبني من الصفيح، بسبب البرد الشديد وغيرها من الأبرياء الذين ليس لهم ذنب أنهم ولدوا لأبوين فقيرين، وهناك أعداد كبيرة تسكن بيوت الصفيح يدعون الله ليلا نهارا أن لا يتخطف البرد فلذات أكبادهم بسبب فقرهم. من الممكن أن أتخيل أن يمضي الرجل أو المرأة الليل دون غطاء كاف، وإن أتعبه البرد، ولكن كيف يمكن أن ينعس هؤلاء وأطفالهم يرتجفون طوال الليل من البرد، ولا يمكنهم فعل شيء لأجلهم؟ بإمكاننا إيقاف هذه المآسي عبر إعادة توجيه إعانة الوقود. أظنه من اللازمات اعتماد إعانة لفصل الشتاء، يكفل شتاء دافئاً، اليوم وقبل أن تهب رياح المربعانية حتى لو كان على حساب ارتفاع أسعار بنزين السيارات.

    ومن نافلة القول إن الإعانة ما هي إلا مساعدة من الدولة لأجل توفير سلعة أو خدمة بسعر أقل من سعر السوق يتوجب أن يتم استقطاعها من الدخل العام لسبب وجيه. في وضعية إعانة الوقود، المستفيد الأكبر ليس الفقراء والمحتاجين، حقيقة، بل يقعون في آخر سلم المستفيدين.

    هناك من يغذي الاعتماد على إعانات الدولة لأن المستفيدين كثر وليس من السهل تحديد أكثرهم استفادة وإن كان غالبا هو الأقل ضجيجا لأنهم يجدون من يقوم بدور "اللوبي" نيابة عنهم بالمجان. فهل نستمر في الترافع عن قلة محدودة تغرف من نعيم هذا البلد دون تناسب مع البقية؟ ثقوا يا من تدافعون عن هذه الإعانة أن المبلغ الذي ستتكبدونه ضئيلاً (إذا لم تخفضوا من حجم استهلاككم) ولكن المبلغ الذي سيدفعه الصامتون ليس هينا، تذكروا أن المستهلك الأكبر للوقود بكل أنواعه ليس المواطن العادي. وتذكروا دائما أن الشتاء قادم وهناك من يموت من برده.


    * أستاذ قانون في جامعة الملك سعود
    الباطل صوته أعلى، وأبواقه اوسع، واكاذيبه لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن ان تقف عند حد. فكيف اذا كان بعض ابطاله قد بات في نظر نفسه والعميان من حوله من انصاف آلهة.
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎