متى يكون لدينا شعار سياحي؟
الاقتصادية
د. عبد الله الفايز - مهندس معماري ومخطط 11/11/1429هـ
يعمد كثير من الدول إلى وضع شعار"لوجو" يعكس هوية السياحة فيها. فمثلاً شعار إسبانيا هو "كل شيء تحت الشمس" وشعار كندا "واصل الاستكشاف" وشعار تايوان "المس قلبك" وشعار كوستاريكا "بدون إضافات صناعية" وسريلانكا "أرض ليس مثلها". وإلى غير ذلك من الشعارات. فمتى يكون لدينا شعار"كوبوريت ايدننتي" يجسد صناعتنا السياحية ويعكس هويتنا وعاداتنا وتقاليدنا ويربط الترويح الديني بالسياحي. وبحيث يمكن تطبيعه "براندنق". وأن يكون ضمن منظومة وحملة ترويجية وتوعوية لتحقيق الرؤية المطلوبة.
بالطبع وضع الشعار يجب أن يكون وفق دراسة متكاملة عن صناعة السياحة الوطنية وأساسياتها ومقوماتها ورؤيتها للسنوات المقبلة. يتم وضع تقرير متكامل عنها قبل أن يطرح في مسابقة لتصميم الشعار. وليس فقط أن يطرح لفنانين ليس لديهم الخبرة المهنية في أساسيات وعلم تصميم الشعار. فتصميم الشعارات أن يكون منسجماَ مع نسق ونسيج السياحة هو علم متخصص. وقد سبق أن قامت معظم الشركات الكبرى بتنفيذ تلك الشعارات عن طريق شركات متخصصة في الهوية الاعتبارية للشركات وقابليته للتطبيع. منها على سبيل المثال شركات المشروبات الغازية وشركات النفط وملياَ شعاري "سابك" و"أرامكو" و"الاتصالات".
والشعار السياحي مرتبط بمدى تطبيعه محلياَ ودولياَ. ويجب أن يكون هو المحرك والرائد للمواطن لتوعيته لدوره في السياحة ومدى أهمية السياحة له وما تدره له وللاقتصاد الوطني.
فالكثير منا يلجأ للسفر إلى خارج المملكة ولكننا نفاجأ بأن تلك الدول سواء كانت عربية أو أجنبية لا تختلف فيما لديها من مناطق ومراكز سياحية أو ترفيهية سواء من مبان أو أسواق أو فنادق عما تزخر به مدن المملكة. ولكن الشيء الوحيد الذي نفتقده هو وجود توجه وتوعية وفق شعار يحدد أطر تعاملنا و احترامنا وحبنا كمواطنين لبعضنا بعضا ولإخواننا من الدول الصديقة ومدى احترامنا للأنظمة والقوانين وإعطاء الوجه المضيء عن حضارتنا. وأن ينتهي حبنا للتدخل في حريات وخصوصيات الآخرين وكأننا أوصياء عليهم. هل مات لدينا كرم الضيافة العربية؟ ولماذا نهرب ونختبئ أو ننعزل عن بعضنا ونكره أن يرانا أو يقترب منا إخواننا حتى في صحراء الله الواسعة تجدنا لا نتحمل أن يحل أحد حولنا. بينما نجد هؤلاء المواطنين أنفسهم خارج المملكة يتمسكون بالنظام ويحترمون ويتزاحمون لمخالطة غيرهم فسبحان الله!
الكثيرون منا يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم وأنهم يتفوقون على غيرهم وبغرور "ارفع راسك أنت سعودي غيرك ينقص وأنت تزود". فمتى نتغير ونصلح هذا الخلل الذي يكلفنا كثيراً من البلايين من المدخرات التي تهاجر إلى الخارج ليستفيد منها جيراننا والأجانب. ومتى تقدر أهمية احتواء هذه الأموال لتدور داخل الوطن ولننتفع بها في القضاء على البطالة والفقر. فالله لا يصلح قوم حتى يصلحوا ما بأنفسهم.
والشعار والحملة المصاحبة له للتوعية لاحترام الآخرين وحتى بعضنا بعضا وعدم التدخل في حرياتهم الشرعية "ولا تجسسوا" واحترام الأنظمة هي مظهر حضاري ينبع من ديننا الحنيف وتعاليم الشريعة ودافع كبير للتحول إلى السياحة الداخلية والتي تعتبر شرياناً اقتصاديا مهما. هل اندثر كرم الضيافة العربية؟ إننا نفتقد وجود الروابط الاجتماعية بيننا كسعوديين ونحاول أن نختبئ أو ننعزل عن الآخرين. بدلاَ من التلاحم والتقارب وحب بعضنا بعضا. فالمواطن هو محور السياحة فهو الذي صنع المدن كامتداد لرغباته الاجتماعية والاقتصادية وحلم كثيراً بالتمتع بمباهجها لقضاء أوقات استجمام هنيئة ولاكتشاف حضارات وتجارب الآخرين. والسياحة لن تعيش دون دور الإنسان الواعي لخلق الأجواء السياحية. وهنا يكمن دور الوعي السياحي لدى المواطن ومدى تقبله فكرة السياحة وما الإغراءات أو التحديات التي تدفعه إلى تبنى فكرة السياحة.
والوعي والشعار والحملة أمور مهمة جداً وهي من أهم المحاور التي يجب أن تسير يداً بيد مع الخطة الوطنية لهيكلة السياحة. فهل نحن كمواطنين جاهزون للسياحة؟ وهل نعي ما تدره لنا السياحة من النواحي المادية والمعنوية؟ ( تدوير الأموال وتوطينها) ( قيمة حضارية بين الدول الأخرى) مما يعطي التشجيع والتعريف بمواردنا وصادراتنا وديننا.
وهل لدينا كشعب مستهلك للسياحة خارج الوطن وبنسبة كبيرة فهم لمعنى السياحة. إن مفهومنا للسياحة هو السفر إلى أكبر مدن العالم والسكن في أفخم الفنادق والبذخ في المصاريف والتسوق والسهر. فما أن يبدأ موسم الإجازات حتى نرى أفواج الطيور المهاجرة أو الهجرة العكسية والفلول التي تسبب الازدحامات على السفر حيث تكتظ المطارات بالمغادرين وكأنهم ينزحون. القليل منا من يسافر للاستجمام في جزر أو قرى هادئة لزياراة المحميات الطبيعية أو تسلق الجبال أو قيادة العجلات أو ممارسة أنواع الرياضة المفيدة للجسم والعقل مثل السباحة وركوب الخيل والمعسكرات الصيفية.
والوعي السياحي يرتكز تماماً على مدى وعي الشعوب وتقبلهم واحترامهم السائح وتقديرهم ما يدره عليهم من فوائد لاقتصاده ومجتمعه. كما أن السياحة تعتمد على تفعيلنا الحياة الاجتماعية للمدينة وإظهار عاداتنا وتقاليدنا العريقة التي تجذب السياح الذين يبحثون عن التعرف على عادات وتقاليد الشعوب الأخرى. لذلك فإنه من الواجب علينا أن يكون لدينا شعار يعكس توجهنا ويكون ديدننا لنخلق روح التقارب الاجتماعي في المدينة وجعلها حية ومتألقة في ظل وجود البعد الإنساني للمدينة ومدى توافر البيئة العمرانية المناسبة لحجم الإنسان واحتياجاته في البيئة المحيطة به سواء في المنزل أو في الفراغات العامة في ظل وجود الخدمات الأساسية للحياة الحضرية. ودور المواطن في المساهمة في تسديد النقص في مفهومنا للسياحة بقدر المستطاع ومحاولة الاستفادة من الساحات العامة للتقارب والتلاحم الاجتماعي ومحاولة التعايش مع بعضنا بعضا. (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).