يقتلون أبناءنا.. فهل نمنحهم أموالنا؟
الاقتصادية
د. سعيد بن علي العضاضي - 14/11/1429هـ
[email protected]
في الأسبوع الماضي أطل علينا رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون، وقبل أن يبين أهداف زيارته بدأ، وكعادة البريطانيين، يبني جسور المودة، ويشعرنا بأهميتنا، وقوة اقتصادنا، ونزاهة مصارفنا، ويبرز بدهاء أننا نحتاج فقط إلى الخبرات الأجنبية والتبعية, بعدها أعلن بوضوح أن مهمته اقتصادية بحتة.
بلادنا ترحب بكل شقيق وتمد يدها لكل صديق فقد سميت "مملكة الإنسانية"، فما من نكبة، أو نائبة، أو عارضة، في الشرق أو في الغرب إلا وقد وصلتها يد القائد الحنون وبلادنا السباقة إلى مساعدة الملهوف، والقانع، والمعتر، وهذا ما يمليه علينا ديننا الحنيف.
إلا أنه يجب أن نكون أكثر فطنة وأدق بصيرة وأن نستغل الأحداث لصالحنا وتكون علاقاتنا بالغير مبنية على مبادئ العلاقات الدولية، وألا نبني مصالح ومعايش الغير على حساب بلادنا وأجيالنا حتى لا نوصف بالغباء.
كما ينبغي أن نجنب الكرم العربي قليلا، فهذا يتعارض مع الطبيعة البشرية ومع أخلاقيات الدبلوماسية الدولية، فالكرم وتقديم الخدمات دون مقابل ودون تنازلات من الطرف الآخر تعد من سمات الشخصية الساذجة في ميدان العلاقات الدولية.
أول درس في مجال الدبلوماسية هو "تهاوي الخدمات"، فالخدمات تتهاوى قيمتها مع مرور الوقت بعكس السلع التي تكون عرضة للزيادة أو النقصان. يقول أستاذ الدبلوماسية روجر داوسون، إن قيمة الخدمة سرعان ما تتهاوى بعد إسدائها، فإن قدمت تنازلا خلال المفاوضات فلتحصل على تنازل مقابل له في الحال ولا تؤخر الثمن وتقول في نفسك إنك أسديت خدمة وبذلك فقد أصبح الطرف الآخر مدينا لك بخدمة مماثلة وسيسديها لك في المستقبل. إنك إن فعلت هذا فثق أن قيمة خدمتك ستتهاوى سريعا لدى الجانب الآخر. وهذه المهارة يتقنها كثير من الساسة، ورجال الأعمال، وبعض الحرفيين، فالحرفي المحنك في مجال السباكة أو الكهرباء يدرك أن أفضل سعر يمكن أن يحصل عليه يكون قبل بداية العمل، أما إذا بدأ في إسداء الخدمة قبل معرفة الثمن فإن سعرها بعد اكتمالها سيقل، وإذا انتظر يوما آخر دون أن يقبض ثمن خدمته فلعله لن ينال نصف ثمنها، وإذا انتظر أسبوعا آخر فقد لا ينال شيئا.
هذه حقائق عن النفس البشرية أصلت في علم التفاوض ويجب أن نتعلمها ونمارسها كما يمارسها الغير ضدنا، فعندما نتفاوض لإسداء خدمة للخروج من الأزمة المالية التي تكتسح البلدان المتقدمة، فيجب قبل التعهد بالمساعدة في حل الأزمة أن نصل إلى حل للمشكلات العالقة عن طريق المقايضة.
يجب أن نبرز بكل شجاعة القضايا المعلقة، منها طرح معاناة المواطنين السعوديين في مناطق شتى من العالم، فإذا لم نستغل هذا الحدث، فما علينا إلا أن ننتظر محنة أخرى يمر بها الغرب كي نحل بعض قضايانا. هناك قضايا نستطيع تطويع الأزمة لحلها مثل وصمنا بـ "الإرهاب"، والاعتداء على أبنائنا بالضرب والسجن والقتل من قبل الحكومات والأفراد في بريطانيا، نيوزيلندا، وأمريكا وغيرها. ففي الوقت الذي نستقبل فيه الوفد البريطاني ويقيم له رجال الأعمال السعوديون مأدبة فاخرة يتعدى 20 بريطانيا على ثلاثة من أبنائنا في مدينة ساوثامتن بالضرب حتى الإغماء، و لولا لطف الله لكان مصيرهم مصير الطالب القطري الذي وافته المنية على يد شرذمة من البريطانيين في مدينة هستنقز وها هو براون يحل ضيفا على قطر هذا الأسبوع.
وماذا عن قضية طالب الدكتوراة حميدان التركي، المسجون في أمريكا دون جرم لمدة 28 سنة؟ تخيل نفسك أو أخوك أو ابنك مكان حميدان هل كان سيغمض لك جفن؟ ماذا عن خطوط الطيران البريطانية التي فرضت ضرائب على السعوديين تسمى ضريبة إرهاب؟ ماذا عن السعودي الذي قتل في نيوزيلندا الأسبوع الماضي دون معرفة الدواعي والأسباب، وغيرها وغيرها كثير.
إن مهارات التفاوض، التي يحلو للبعض تسميتها "مناورات التفاوض"، يمكننا إجادتها والإفادة منها إلا أن مشكلتنا انقسامنا حول أنفسنا، فالآراء التي طرحت حول الأزمة المالية بينت أن مجتمعنا ينشطر إلى قسمين: قسم شامت يرمي أمريكا ومن سايرها بالويل والثبور، وأقول لهؤلاء عليكم بالتعقل وضبط النفس والبعد عن الانفعال، فسلوكيات كهذه تعد جزءا من الغوغائية لا تقدم ولا تؤخر. وقسم آخر لا يرون إلا ما يرى الغرب، خصوصا أمريكا، وأقول لهؤلاء عليكم بالبعد عن الانهزامية والتبعية المقيتة، فأنتم عرب ومسلمون ولن تقبلكم أمم الأرض إلا عربا ومسلمين ولو لبستم ثيابهم، وآمنتم بعقائدهم، ولويتم ألسنتكم على طريقتهم, فلتعودوا إلى أصولكم وحضارتكم، مصدر قوتكم وجهة انتمائكم، وما أمريكا إلا أمة قد خلت من قبلها الأمم، وستنهار كما انهارت الدولة العباسية، والإمبراطورية اليابانية، والإمبراطورية البريطانية، فهذه سنة الله في الخلق، والبقاء له وحده.
وعندما أسرد كلامي هذا أعلم علم اليقين أن رجال الأعمال في بلادنا لا تنقصهم المعرفة ولا التجربة ولا يحتاجون إلى نصيحة من أمثالي، وما دفعني لهذا إلا الغيرة أن يقتلوا أبناءنا ثم يأتون إلينا لنمنحهم أموالنا.