البرازيلي لاعب كرة ... فماذا عني؟
عبدالله ناصر العتيبي - الحياة
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الشهيرة، تغيرت صورة السعوديين في الخارج بشكل كبير، وتعرضت لتشويه مفاجئ وسريع وانقلابي، بسبب مشاركة 15 سعودياً من أصل 19 في تنفيذ العملية الإجرامية التي تم توجيهها للمدنيين الأبرياء، على عكس ما تدعو له أخلاق الإسلام قبل تعاليمه. صار السعودي متهماً في مطارات العالم حتى تثبت براءته، وصار ملاحقاً من أجهزة الاستخبارات والهجرة في كل دولة يزورها أو يدرس بها، وقد كان في السابق مرحباً به في أغلب دول العالم، إلى درجة أن بعض حكومات الدول تتعامل معه تقريباً بالكيفية نفسها التي تتعامل بها مع مواطنيها.
هذا التغير المفاجئ في معاملة السعوديين في الخارج أصاب «الحالة» السعودية بنوع من الاضطراب وعدم وضوح الرؤية، وأسهم في نشوء حالة عدم ثقة بين الدائرة السعودية ودائرة العولمة الكبيرة إلى الحد الذي خفت فيه من تنامي الحاجة إلى الانعزال، وبالتالي الوقوع فيه وفي هذا تحقيق لرغبة الرجعيين الذين أعادونا إلى الوراء عشرات السنين بسبب تشجيعهم ودعمهم لغزوة مانهاتن.
سلفيونا، إلا من رحم ربي، يريدون منا أن نتخلص من ثمار الحضارة ونعود إلى زمن بيوت الطين والحصير، لظنهم أن في ذلك عودة إلى الإسلام الحقيقي، وكأن هذا الدين العظيم لا يعيش إلا في بيئات متفق عليها سلفاً، كأنه غير قادر على التعاطي مع تقدم العلوم واطرادها! يكفي أن تجلس مع أحد هؤلاء الرجعيين لتعرف حقيقة دعوتهم القاصرة إلى الانعزال، وليس ببعيد عن الذاكرة ما كان يفعله بعضهم في إحدى المدن من ابتعاد عن كل مكتسبات المدنية الحديثة وكأنها شر مطلق. هؤلاء يظنون جهلاً أنهم بذلك ينقون الإسلام من شوائب وهمية علقت به، بينما هم في الحقيقة يطعنونه في أهم ميزة فيه وهي صلاحيته لكل زمان ومكان.
الصورة السعودية العالمية الجديدة تطلبت تدخلاً عاجلاً من الحكومة السعودية لترميم ما يمكن ترميمه في الذهنية الكونية، وتم هذا فعلاً بأن اتفقت بعض سفاراتنا في الخارج مع شركات علاقات عامة كبيرة لتحسين الصورة السعودية وإعادتها إلى سابق عهدها من جديد من خلال إطلاق حملة دعائية ضخمة تستهدف مواطني الدول التي تغيرت فيها صورة السعودي، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. نشرت عشرات الإعلانات الصحافية المدفوعة، وتم بث عدد كبير من الإعلانات التلفزيونية الموجهة. ثم انتهت الحملة كما بدأت، من غير تغير واضح في العقلية الكونية تجاه السعوديين!
لماذا لم تؤثر الحملة الإعلامية كثيراً في تغيير واقع ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)؟ ولماذا اكتفى السعوديون بهذا النوع من الحملات؟ وهل هناك حملات مؤثرة يمكن تفعيلها مستقبلياً؟
دائماً ما يتعامل الإنسان مع المدخلات في وعيه المباشر بتمحيص وتدقيق شديدين، ويبقيها في وعيه إلى أن تختفي شيئاً فشيئاً إذا لم يقتنع بها من غير أن يسمح لها بالمرور إلي لا وعيه «منطقة الخلود الذهني»، أما إذا اقتنع بها فهو بذلك يعطيها الإذن إلى التسرب إلى اللاوعي، وبالتالي يجعلها مشاركة في صنع شخصيته العامة ومحددة لتصرفاته الفطرية.
الحملة السعودية عبر الصحافة المقروءة والتلفزيونية كانت توجيهية أكثر من اللازم، وكانت تخاطب الوعي الأوروبي والأميركي الذي انجرح للتو 15 رجلاً ماتوا من أجل «صندوق» وهمي، كما تقول الأغنية الكرتونية الشهيرة، لذلك لم يكتب لها أن تتسرب إلى منطقة الخلود الذهني الأوروبية أو الأميركية، وبالتالي بقي الوضع كما هو قبل إطلاق الحملة.
أظن أن هذا النوع من الحملات محكوم عليه بالفشل حتى قبل أن يبدأ، واعتقد جازماً أن مخاطبة الوعي في ظل وجود هذه النوعية من الظروف أمر ليس بذي قيمة.
حملات تحسين الصورة العامة يفترض فيها أن تخاطب اللاوعي مباشرة لتكون مؤثرة على المدى البعيد، وذلك بأن تتناول جوانب ليس لها علاقة بالهدف الرئيس من الحملة، لكنه في نهاية الأمر يقود إلى صنع صورة جيدة للمواطن السعودي.
قبل بدء أولمبياد بكين الماضي قلت لأحد أصدقائي إنه كان على السعودية أن تستثمر المليارات في تهيئة المنتخبات السعودية المشاركة في الدورة الأولمبية العالمية، اقتداءً ببعض الدول التي صرفت مليارات الدولارات على فرقها المشاركة «صرفت الصين على تهيئة فرقها عشرة مليارات دولار»، فقال لي بلهجة عامية يشوبها شيء من الاستهجان «هذا اللي ناقص!». صديقي هذا مهندس متخرج من جامعة عريقة، ويعمل مديراً في شركة عالمية ضخمة، لكنه مع ذلك يرى أن الاستثمار في الرياضة فيه توجيه للأموال في غير وجهتهها الحقيقية. صديقي المتعلم يعتقد أن الاستثمار في تهيئة وتنمية الجانب الرياضي فيه إخلال بالاستثمار في جهات أخرى هي أحق.
قلت لصديقي عندما أذكر البرازيل أمامك فما أول ما يتبادر إلى ذهنك؟ قال كرة القدم. وعندما أذكر الكاميرون فما الذي سيحضر في ذهنك أولاً؟ قال روجيه ميلا. وعندما أذكر نيوزيلاند؟ فقال منتخبها لكرة القدم الذي شارك في تصفيات لوس أنغلوس في سنغافورة عام ١٩٨٤. قلت له فتأكد أنني عندما أقول السعودية أمام مواطن أميركي يعيش في بلدة أميركية صغيرة، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه صورة الإرهابي الذي قتل أكثر من ثلاثة آلاف مدني خلال أقل من نصف ساعة.
يجب علينا إذا ما أردنا آن نغير الصورة النمطية للسعودية والسعوديين أن نستثمر المليارات في بناء منتخبات قادرة على تحقيق بطولات عالمية جماهيرية مهمة. يجب علينا إن أردنا تغيير الواقع المشوه أن نستثمر مليارات الريالات في صنع مسرح سعودي يصل يوماً ما إلى برودوي. يجب علينا إن أردنا أن نكون كونيين أن نستثمر المليارات في اختراع منتج سعودي يستطيع اختراق أسواق العالم، وبالتالي يحمل الصورة الحقيقية لنا. علينا أن نفعل ذلك وإلا فلنبقَ معزولين في بيوت طينية.
* كاتب وصحافي سعودي - أبو ظبي
عبدالله ناصر العتيبي - الحياة
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الشهيرة، تغيرت صورة السعوديين في الخارج بشكل كبير، وتعرضت لتشويه مفاجئ وسريع وانقلابي، بسبب مشاركة 15 سعودياً من أصل 19 في تنفيذ العملية الإجرامية التي تم توجيهها للمدنيين الأبرياء، على عكس ما تدعو له أخلاق الإسلام قبل تعاليمه. صار السعودي متهماً في مطارات العالم حتى تثبت براءته، وصار ملاحقاً من أجهزة الاستخبارات والهجرة في كل دولة يزورها أو يدرس بها، وقد كان في السابق مرحباً به في أغلب دول العالم، إلى درجة أن بعض حكومات الدول تتعامل معه تقريباً بالكيفية نفسها التي تتعامل بها مع مواطنيها.
هذا التغير المفاجئ في معاملة السعوديين في الخارج أصاب «الحالة» السعودية بنوع من الاضطراب وعدم وضوح الرؤية، وأسهم في نشوء حالة عدم ثقة بين الدائرة السعودية ودائرة العولمة الكبيرة إلى الحد الذي خفت فيه من تنامي الحاجة إلى الانعزال، وبالتالي الوقوع فيه وفي هذا تحقيق لرغبة الرجعيين الذين أعادونا إلى الوراء عشرات السنين بسبب تشجيعهم ودعمهم لغزوة مانهاتن.
سلفيونا، إلا من رحم ربي، يريدون منا أن نتخلص من ثمار الحضارة ونعود إلى زمن بيوت الطين والحصير، لظنهم أن في ذلك عودة إلى الإسلام الحقيقي، وكأن هذا الدين العظيم لا يعيش إلا في بيئات متفق عليها سلفاً، كأنه غير قادر على التعاطي مع تقدم العلوم واطرادها! يكفي أن تجلس مع أحد هؤلاء الرجعيين لتعرف حقيقة دعوتهم القاصرة إلى الانعزال، وليس ببعيد عن الذاكرة ما كان يفعله بعضهم في إحدى المدن من ابتعاد عن كل مكتسبات المدنية الحديثة وكأنها شر مطلق. هؤلاء يظنون جهلاً أنهم بذلك ينقون الإسلام من شوائب وهمية علقت به، بينما هم في الحقيقة يطعنونه في أهم ميزة فيه وهي صلاحيته لكل زمان ومكان.
الصورة السعودية العالمية الجديدة تطلبت تدخلاً عاجلاً من الحكومة السعودية لترميم ما يمكن ترميمه في الذهنية الكونية، وتم هذا فعلاً بأن اتفقت بعض سفاراتنا في الخارج مع شركات علاقات عامة كبيرة لتحسين الصورة السعودية وإعادتها إلى سابق عهدها من جديد من خلال إطلاق حملة دعائية ضخمة تستهدف مواطني الدول التي تغيرت فيها صورة السعودي، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. نشرت عشرات الإعلانات الصحافية المدفوعة، وتم بث عدد كبير من الإعلانات التلفزيونية الموجهة. ثم انتهت الحملة كما بدأت، من غير تغير واضح في العقلية الكونية تجاه السعوديين!
لماذا لم تؤثر الحملة الإعلامية كثيراً في تغيير واقع ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)؟ ولماذا اكتفى السعوديون بهذا النوع من الحملات؟ وهل هناك حملات مؤثرة يمكن تفعيلها مستقبلياً؟
دائماً ما يتعامل الإنسان مع المدخلات في وعيه المباشر بتمحيص وتدقيق شديدين، ويبقيها في وعيه إلى أن تختفي شيئاً فشيئاً إذا لم يقتنع بها من غير أن يسمح لها بالمرور إلي لا وعيه «منطقة الخلود الذهني»، أما إذا اقتنع بها فهو بذلك يعطيها الإذن إلى التسرب إلى اللاوعي، وبالتالي يجعلها مشاركة في صنع شخصيته العامة ومحددة لتصرفاته الفطرية.
الحملة السعودية عبر الصحافة المقروءة والتلفزيونية كانت توجيهية أكثر من اللازم، وكانت تخاطب الوعي الأوروبي والأميركي الذي انجرح للتو 15 رجلاً ماتوا من أجل «صندوق» وهمي، كما تقول الأغنية الكرتونية الشهيرة، لذلك لم يكتب لها أن تتسرب إلى منطقة الخلود الذهني الأوروبية أو الأميركية، وبالتالي بقي الوضع كما هو قبل إطلاق الحملة.
أظن أن هذا النوع من الحملات محكوم عليه بالفشل حتى قبل أن يبدأ، واعتقد جازماً أن مخاطبة الوعي في ظل وجود هذه النوعية من الظروف أمر ليس بذي قيمة.
حملات تحسين الصورة العامة يفترض فيها أن تخاطب اللاوعي مباشرة لتكون مؤثرة على المدى البعيد، وذلك بأن تتناول جوانب ليس لها علاقة بالهدف الرئيس من الحملة، لكنه في نهاية الأمر يقود إلى صنع صورة جيدة للمواطن السعودي.
قبل بدء أولمبياد بكين الماضي قلت لأحد أصدقائي إنه كان على السعودية أن تستثمر المليارات في تهيئة المنتخبات السعودية المشاركة في الدورة الأولمبية العالمية، اقتداءً ببعض الدول التي صرفت مليارات الدولارات على فرقها المشاركة «صرفت الصين على تهيئة فرقها عشرة مليارات دولار»، فقال لي بلهجة عامية يشوبها شيء من الاستهجان «هذا اللي ناقص!». صديقي هذا مهندس متخرج من جامعة عريقة، ويعمل مديراً في شركة عالمية ضخمة، لكنه مع ذلك يرى أن الاستثمار في الرياضة فيه توجيه للأموال في غير وجهتهها الحقيقية. صديقي المتعلم يعتقد أن الاستثمار في تهيئة وتنمية الجانب الرياضي فيه إخلال بالاستثمار في جهات أخرى هي أحق.
قلت لصديقي عندما أذكر البرازيل أمامك فما أول ما يتبادر إلى ذهنك؟ قال كرة القدم. وعندما أذكر الكاميرون فما الذي سيحضر في ذهنك أولاً؟ قال روجيه ميلا. وعندما أذكر نيوزيلاند؟ فقال منتخبها لكرة القدم الذي شارك في تصفيات لوس أنغلوس في سنغافورة عام ١٩٨٤. قلت له فتأكد أنني عندما أقول السعودية أمام مواطن أميركي يعيش في بلدة أميركية صغيرة، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه صورة الإرهابي الذي قتل أكثر من ثلاثة آلاف مدني خلال أقل من نصف ساعة.
يجب علينا إذا ما أردنا آن نغير الصورة النمطية للسعودية والسعوديين أن نستثمر المليارات في بناء منتخبات قادرة على تحقيق بطولات عالمية جماهيرية مهمة. يجب علينا إن أردنا تغيير الواقع المشوه أن نستثمر مليارات الريالات في صنع مسرح سعودي يصل يوماً ما إلى برودوي. يجب علينا إن أردنا أن نكون كونيين أن نستثمر المليارات في اختراع منتج سعودي يستطيع اختراق أسواق العالم، وبالتالي يحمل الصورة الحقيقية لنا. علينا أن نفعل ذلك وإلا فلنبقَ معزولين في بيوت طينية.
* كاتب وصحافي سعودي - أبو ظبي