السياسة في حوار الأديان
كلمة الاقتصادية
في الأسابيع القليلة الماضية قفزت إلى عناوين الصحف الغربية مرة أخرى عبارة حوار الأديان الذي عقد في نيويورك بدعوة من خادم الحرمين الشريفين. والواقع أن هذا الحوار لم يكن إلا تطورا طبيعيا للحوار الذي جرى بين المسلمين والمسيحيين خلال فترة التسعينيات، إلا أن الحوار الحالي أصبح مدعوماً من الدول، ففي التسعينيات فُتن بعض المسلمين الأفراد بـ "الحوار مع الأديان الأخرى" أو مع "الغرب" بغية الوصول إلى تعايش سلمي - كما يقال - من خلال نبذ الصراعات والاعتراف المتبادل بين الجميع عن طريق إقامة المؤتمرات واللقاءات. وعلى الرغم من أن تلك المؤتمرات حققت إنجازات لا بأس بها على مستوى النخب بين الطرفين، إلا أن هذه النتائج قد تبخرت بعد أحداث أيلول (سبتمبر)، ما حدا بكثير من المسلمين الذين يدعون لهذه المؤتمرات أن يعلنوا زيف هذه المؤتمرات ودعوات الحوار؛ عندما وجدوها لا تختلف كثيرًا عن الطرح الرسمي للمؤسسات الغربية الرافضة لقبول الثقافة الأخرى!
وعلى الرغم من أن تلك التجربة أسهمت في تطوير الفكر الإسلامي، إلا أنها لم تغير من نظرة الغرب إلى المسلمين لعدة أسباب: الأول أن الحوار لم تتوافر له مرجعية واضحة في الدول الإسلامية، حيث كان الحوار عبارة عن اجتهادات فردية. أما الحوار الحالي فتقف وراءه دولة "الرسالة" ومهبط الوحي. أما السبب الثاني، فإن الحوار السابق كان على مستوى أفراد ومؤسسات غربية ذات طابع "تبشيري" بعكس حوار اليوم، فهو يجذب دولا وحكومات غربية. أما السبب الثالث فهو يرجع إلى المأزق الذي تعيشه المسيحية في عقر دارها ـ أوروبا ـ فالدين المسيحي أصبح مجرد شعار على هامش العلمانية، وهذا ما جعل الحوارات الدينية ـ خاصة مع ممثلي النصرانية الغربية ـ تجربة سلبية، لا تبعث على رجاء وآمال تُذكر من وراء هذه الحوارات.
وعلى كل حال، وحتى لا تتكرر التجارب السابقة في "حوار الأديان"، فإن نقطة الارتكاز التي ينبغي الانطلاق منها في الحوار الحالي هي تحديد أطراف الحوار تحديداً واضحاً. وهنا فإن الحوار ينبغي أن يكون بين الطرفين الرئيسين: الإسلام والمسيحية أو المسلمين والمسيحيين. أما النقطة الثانية فهي تغيير الموقف الرسمي والشعبي في الدول الغربية من الإسلام والمسلمين، فالإعلام الغربي مازال، وبدعم سياسي، يقف من الإسلام والمسلمين موقف الإنكار، وعدم الاعتراف أو القبول، فلا الإسلام في عرفهم دين سماوي، ولا رسوله صادق في رسالته، ولا كتابه وحي من السماء. أما النقطة الأخيرة فهي ضرورة استخدام الحوار لحل المشكلات التي تعانيها الدول الإسلامية، فبينما أيدت الدول الإسلامية هذا المؤتمر والتزمت بأهدافه الإنسانية، حاولت إسرائيل تسييس المؤتمر بالحديث عن "التطبيع" و"المصافحة". وهنا تتضح النوايا الدفينة في إفساد ما حققه المؤتمر من نجاح.
لذا فإن المناداة بإبعاد السياسة عن حوار الأديان ينبغي ألا يطبق على المسلمين فقط، فالواقع السياسي للمسلمين يدعو إلى استثمار نجاح هذا المؤتمر لعرض القضايا السياسية للمسلمين، حيث إن حوار الأديان هو في جوهره حوار سياسي بين المسلمين والمسيحيين.