وحوش المنازل في السعودية!
الاقتصادية
هاني الظاهري
درج الكثير من الناس في مجتمعنا على تخويف أطفالهم الصغار بـ (الوحش) لمنعهم من الخروج من المنزل خوفاً وحرصاً عليهم, وهذا الكائن المظلوم (الوحش) له أشباه كثيرون وغير معروفين أيضاً فهناك عديد من الأسر تستخدم كائنات متعددة للغرض نفسه وهي كائنات تختلف باختلاف المناطق فهناك (الغولة, والسعلوة, وأم السعف والليف, وبقعا, وغيرها) وأتذكر أنني منذ سنوات طفولتي الأولى وحتى نهاية المرحلة المتوسطة لم أكن أتجرأ على ركوب سيارة الأجرة (التاكسي) تأثراً بقصة رويت لي عن سائق تاكسي يجوب شوارع المدينة وبمجرد ان يجد زبونا يأخذه إلى أي شارع مظلم ليكشف له أن إحدى ساقيه ساق حمارقبل أن يثب عليه ويلتهمه!
طبعاً تعرفون الكثير من القصص المشابهة, والتي هدفها التخويف لا أكثر.. لكن وبما أن الشيء بالشيء يذكر.. تذكرت الآن أحد أجمل الكتب التي قرأتها وما زال عالقاً في ذهني وهو كتاب (المخلوقات الوهمية) لـ(خورخي بورخيس) الذي يقدم تعريفات مطولة لغالبية المخلوقات التي لا وجود لها إلا في مخيلات الشعوب المختلفة لكن مالم يعلمه بورخيس عندما جمع حكايات بعض تلك المخلوقات المثيرة للرعب والتي تتمتع بعدائية مفرطة تجاه بني البشر, أن بيننا اليوم كائنات حقيقية تحمل صفات مخلوقاته الوهميه, وهذه الكائنات الحقيقية والتي يصح أن تسمى الوحوش البشرية في تزايد مستمر وأخبارها تنشر على صفحات الصحف كل يوم تخيلوا..!
إن من أتحدث عنهم يا سادة ياكرام هم أناس نزعت الرحمة نزعاً من قلوبهم, وباتوا يرتكبون الجريمة تلو الأخرى في حق أبنائهم, حتى أن بعض قصص تعذيب هؤلاء لأطفالهم تؤكد أنهم يستمتعون بهذا العمل أي يمارسون تعذيب الأطفال المساكين بمزاج وسلطنة, وليس أدل على ذلك من طرق التعذيب المفزعة التي يتبعونها فبالله عليكم هل يمكن تصور وحشية أكثر من هذه؟
في الكثير من دول العالم يمنع مثل هؤلاء الوحوش من تربية أبنائهم أو حتى الالتقاء بهم, بحيث تؤمن لهم السلطات ملاذاً آمناً يحتضنهم بعيداً عن العنف والوحشية التي مورست ضدهم من قبل أقرب الناس إليهم, كما يندر أن تشاهد شخصاً يعنف ابنه في الشارع دون أن يقوم الحاضرون بإبلاغ الشرطة لاعتقاله في الحال, وهذا ما حدث مع شخص أعرفه جيداً ذهب قبل سنوات إلى الولايات المتحدة بهدف السياحة, وبينما كان يعنف أحد أطفاله إثر نوبة غضب ألمت به في المنزل الذي يقطنه فوجيء بأفراد الشرطة يقتحمون المنزل ويكلبشونه ويتلون عليه حقوقه قبل أن يصطحبوه كمجرم إلى مركز الشرطة, ليعلم فيما بعد أن جارته أبلغت عنه الشرطة عندما سمعت صراخه على طفله وأحست بأنه سيعتدي عليه بالضرب.. أما في مجتمعنا فالأمر مختلف تماماً ولا أبالغ إن قلت أن جيرانه هنا سيكونون في قمة السعادة وهم يستمعون إلى الصراخ نفسه وربما رددوا (أحسن خل هالبزر يتربى)!
إنني أدعوكم جميعاً إلى إشاعة ثقافة إبلاغ السلطات عن أي حادثة اعتداء على الأطفال من قبل والديهم أو أقاربهم سواء كانوا من جيرانكم أو معارفكم, فهؤلاء الأطفال أمانة في أعناقنا جميعاً, وكم أتمنى أن تقوم هيئة حقوق الإنسان السعودية بحملة توعوية في المدارس و وسائل الإعلام لوقف جرائم الاعتداء على الطفولة من قبل وحوش المنازل الذين يسرحون ويمرحون بيننا, وأن تُسن القوانين الصارمة لمعاقبتهم ورفع ولايتهم على اولئك الأبرياء الذين ليس لهم ذنب سوى أنهم وجدوا أنفسهم دون اختيار منهم في منازل تقطنها كائنات متوحشة!