جامعة الإمام.. حديث لا بدّ منه!
التجديد العربي
د. محمد الهرفي
من أصعب الأمور على نفسي أن أتحدث عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لأني أشعر أنها جزء مني، وحديث الإنسان عن جزء منه ليس بالأمر السهل سواءً أكان هذا الحديث مدحاً أو ذماً، ولأنني عُرفت ومنذ أن بدأت الكتابة الصحفية من ثلاثين عاماً على وجه التقريب أن الجزء الأعظم من مقالاتي يصب في الناحية النقدية التي أعتقد أن مجتمعي بحاجة إليها أكثر من المدح الذي لا يفيد، بل قد يضر أحياناً، ولأن المداحين كثر فقد رأيت أن أضع نفسي ممن ينظر إلى الإصلاح متمنياً أن يراه في كل جزء من أجزاء بلادنا العظيمة.
هذه المرة سأخالف طبعي -قدر الإمكان- ففي الجامعة أشياء كثيرة تستحق الإشادة، وتستحق أن يعرفها الآخرون لاسيما عن جامعة عانت الكثير من حملات التشهير من داخل بلادنا ومن خارجها لاسيما في عهد سيئ الذكر «بوش» وبما أنني قلت -قدر الإمكان- فهذا يعني أن هناك ما يستحق التنبيه عليه، وإذا كان المثل العامي يقول: «الزين ما يكمل» فإني آمل من الجامعة «الزينة» أن تخالف هذا المثل العامي فتسعى إلى الكمال في حدود الطاقة البشرية.
لابد لي من القول إن الجامعة في عهد مديرها الحالي الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل خطت خطوات كبيرة في سبيل تطوير الجامعة سواءً من الداخل أو من الخارج حيث ارتبطت مع المجتمع بكثير من الروابط العلمية والاجتماعية التي باتت حديث الناس.
وبطبيعة الحال يستحيل أن أتحدث عن كل شيء في هذه الجامعة ولهذا سأقتصر على أهم ما أعتقد أنه الأفضل، لاسيما أن معظم أساتذة الجامعة لا يعرفون ماذا يجري فيها!! ولست أدري هل هذا تقصير منهم أم منها؟!
جامعة الإمام و«شيوخها» عُرفوا -ولفترة طويلة- بعدائهم للمرأة، واتخاذ خطوات عملية لإظهار هذا العداء، وكانوا محط انتقاد المجتمع الداخلي والخارجي، بل وفي بعض الأحيان كنت أسمع قصصاً مضحكة عن طريقة نظرة مشايخها للمرأة، وآخرها ما سمعته من أمريكي أن بعض مشايخها أفتى بعدم جواز جلوس المرأة على الكرسي لأنه مذكر!!
أعرف أن هذا غير صحيح -في مجمله- لكن الآخرين يريدون خطوات عملية، ولعل ما فعله الصديق الدكتور عبدالملك الشلهوب من افتتاح مكتب إعلامي نسائى في الجامعة تديره الإعلامية النشطة نورة الشبل يعد خطوة إيجابية في هذا الطريق لكي تمارس المرأة «الإمامية» عملها مع بنات جنسها وفي تخصصات يحتاجها المجتمع.
الجامعة فسحت المجال واسعاً أمام الفتاة في التعليم، منتظمة ومنتسبة، وهناك عمادة للدراسات عن بعد ستجعل مشاركة الفتاة في العملية التعليمية أمراً في غاية السهولة، وهذا يحسب للجامعة ومديرها..
السياحة كان لها اهتمام خاص من الجامعة، وقد أصبحت الجامعة من الداعمين الأساسيين للسياحة، وقد وقع مديرها مذكرة تعاون يوم 10/11/1429هـ مع الأمين العام للسياحة، وهذا سيجعلها تشارك بفاعلية في كل الملتقيات والمعارض السياحية في بلادنا، وهذا سيجعل العاملين في هذا القطاع يلتقون مع مجموعة كبيرة من السياح الأجانب، وإن أحسنوا استغلال هذه المناسبات فسيحققون مكاسب كبيرة في مجالي الدعوة والسياحة، الكراسي العلمية كان لها حضور لافت في الجامعة، وقد كسبت الجامعة عدداً منها وفي تخصصات متنوعة، وهذه الكراسي إن أحسن استغلال إمكاناتها فستكون رافداً قوياً لتقدم الجامعة على المستوى العلمي الذي هو ركيزة وجودها.
لكن هذه الكراسي تعاني من مشكلة أن الكثيرين من أساتذة الجامعة لا يعرفون عنها إلا القليل، ومرة أخرى: لست أدري أهذه مشكلتهم، أم هو تقصير من جامعتهم؟!
في الجامعة مركز للحوار، وهو -في ما أعلم- الوحيد في الجامعات السعودية، وقد اعتنت به الجامعة كثيراً، وهو يستحق كل هذه العناية لأهميته للجامعة وسواها لاسيما أن الحوار -بكل مفاهيمه- أصبح جزءاً من ثقافة بلادنا بل وثقافة العالم أجمع.
لكن الجامعة ربما لكثرة أعمالها نسيت كل الذين عملوا على إيجاد هذا المركز، واشتغلوا على تحقيقه ليلاً ونهاراً، وإذا كان هذا يمكن تفسيره وفهمه فإن الصعب جداً تفسير ما يُقال إن بعض إدارات الجامعة أو جمعياتها -لست أدري- تعمل على هدم هذه الفكرة بصورة -إن صحت- فإنها ستسيء إلى الجامعة كثيراً.
في كثير من جلساتي مع زملاء من مختلف الجامعات السعودية، وأحياناً مع أشخاص من خارج بلادنا يسألونني عن لجنة «لست أعرف اسمها الدقيق» مهمتها تصنيف من يتقدم للعمل في الجامعة بوظائف تعليمية، ومعرفة كل شيء عنه، كيف يفكر، من يجالس، أي القنوات الفضائية يشاهد، ما هي الكتب التي يقرؤها.. إلى آخر ذلك من الأسئلة التي يحار العاقل في فهم دوافعها، بل وفي فهم قيمتها العلمية أو سواها.
في اعتقادي -إن صح ما سمعته- فهذا عبث يتنافى مع سعي الجامعة لتطوير الحوار وآلياته بين أعضائها، فالحوار لا يكون بين أشخاص متفقين على كل شيء، وليس من مصلحة الجامعة -بل ولا أية مؤسسة، أن يكون العاملون فيها نسخة مكررة بعضهم عن البعض الآخر، ثم إن هذه الطريقة، وتلك اللجنة، لن تحقق شيئاً مما تريده بتلك الصورة بل قد تكون النتائج عكسية والبوادر تدل على ذلك.
صورة الجامعة آخذة في التحسن السريع، ولا أحب أن يخدش هذه الصورة أي عمل مهما كان صغيراً.. والكبار يترفعون عن الصغائر.