قوانين حماية الخصوصية ... بيتك من زجاج
الاقتصادية
د.طارق بن عبدالله الشدي
لقد أصبح المجتمع التقني السعودي استهلاكيا نهما على جميع الصعد الفردية والحكومية وقطاع الأعمال بفضل الطفرة النفطية الحالية، وأدى التسارع في إنشاء الأنظمة المعلوماتية في ظل إغفال نواحي الخصوصية إلى معضلة كبرى تستوجب من المنظمات الحكومية والأهلية ( كحقوق الإنسان) المطالبة برسم سياسات حماية المعلومات الشخصية واستصدار الأنظمة التي تكفل سريتها.
ونقصد بالخصوصية الصلاحيات والمسؤوليات التي تحكم جمع وتخزين واستخدام والاطلاع وتمرير المعلومات الشخصية. والمعلومات الشخصية نقصد بها كل البيانات التي يمكن أن تؤدي (منفردة أو مجتمعة) إلى معرفة هوية الشخص كالاسم أو رقم البطاقة، أو الصور الشخصية، أو الفيديو، أو البصمة.
وتبرز أهمية الخصوصية في وقتنا الحاضر بسبب التغيرات الكبرى في تقنية المعلومات والاتصالات وما تسببه من آثار على الخصوصية، والذي مكّن المنظمات المختلفة من جمع كميات هائلة من البيانات وبالتالي معرفة المزيد عن الأفراد أكثر من أي وقت مضى من التاريخ. فجمع هذه البيانات أصبح أمراً روتينياً ككاميرات المراقبة في الأسواق أو بصمة اليد للموظفين، أو بيانات الشراء. لذا فإن قوانين الحفاظ على الخصوصية هي الجدران التي تحمي معلومات الأفراد من محاولة اقتحامها من فئات المجتمع الأخرى أفراداً وحكومة وقطاع الأعمال. فمجتمع البيوت الزجاجية الذي نعيش فيه حالياً هو من الآثار السلبية للتقدم التقني، فمتى ما تملك الفرد أو المنظمة التقنية اللازمة، ولم تتوافر قوانين حماية لخصوصية الأفراد فأنت تعيش في بيت زجاجي يستطيع الآخرون مشاهدتك، والأسوأ أن هذا الزجاج من النوع العازل العكسي، فهم يشاهدونك وأنت لا تعلم أنهم يشاهدونك، ولذا فإن كل تصرفاتك التلقائية مرصودة. وأدت التقنية الحديثة إلى زوال الحد الفاصل بين الخاص والعام، لذا كان لزاماً استصدار أنظمة تحظر المساس بالمعلومات الشخصية للأفراد دون إذنهم. ولن أكون مبالغاً إذا قلت إن بعض المنظمات تملك معلومات عن الأفراد أكثر مما يعلمها الشخص عن نفسه، ويعود الفضل في ذلك إلى تقنيات التنقيب في المعلومات، فكلما زادت المعلومات غير المباشرة عن الشخص فإننا نستطيع تضييق دائرة نطاق البحث، وفي علم الاحتمالات فإن مجتمع البحث يقل، وتزيد نسبة التطابق وبالتالي تخترق خصوصية الشخص. فمثلاً، ربما لا يدرك الشخص بعضاً من عاداته الشرائية، إلا أن برامج الحاسب الذكية تستطيع استنطاق بياناتك لإظهار سلوكك الشرائي لتصبح بعد ذلك هدفاً مباشراً لبعض الدعايات. كما أن هناك غيابا للمسؤولية المجتمعية عن بعض مزودي الخدمة الذين يتبادلون المعلومات الشخصية للأفراد مع المنظمات الأخرى بهدف ربحي أو غير ربحي.
وهناك حقيقة مرة يجب أن نعيها وهي أن الخصوصية أصبحت مخترقة وعلى نطاق واسع ليس لدينا فحسب، وإنما لدى أعظم الدول تقدماً، فحتى الدول الغربية المغرمة بالخصوصية أصبح اختراق الخصوصية إجراء روتيني كتفتيش الأجهزة المحمولة في المطارات بسبب تكييفها على أنها أوعية معلومات، على الرغم مما قد تحويه من معلومات شخصية أو أمنية أو مالية حساسة. والأخطر أن بعض القوانين الحديثة كقانون الوطنية الجديد في أمريكا يسمح للجهات الأمنية بالوصول إلى قواعد بيانات الشركات الأمريكية والاطلاع على ملفاتها، ويمنع القانون هذه الشركات إخبار العميل بذلك. كما أن نقص الخبرات القانونية في مواضيع تقنية المعلومات في الضبط والقضاء ، وقلة الوعي الأمني لدى المجتمع بحقه في الحفاظ على بياناته الشخصية من الوصول إليها من قبل غير المصرح لهم له دور كبير في تأخر صدور مثل هذه الأنظمة، فنحن بحاجة إلى توعية الجمهور ليكونوا على علم كاف بكيفية حماية معلوماتهم الشخصية والخاصة من السرقة المتعمدة من خلال الاستخدام غير الملائم للتقنية ، وكيف يتصرف إذا ما وجد نفسه ضحية؟ ويجب أن نسأل أنفسنا أيضاً هل نحن نفعل ما يكفي لضمان أن الشركات التي تستخدم التقنية الحديثة لجمع والاحتفاظ بمعلوماتنا الشخصية لأسباب تتعلق بالأعمال التجارية مسؤولة عن جمع والاحتفاظ فقط ما هو ضروري لهذا النشاط وأنّ البيانات آمنة؟