التنوع هو الأصل
هالة الدوسري - الحياة
خلال الوقت الذي قضيته في الولايات المتحدة الأميركية تلقيت دعوات واستفسارات عدة عن الثقافة المحلية السعودية والإسلام كأسلوب حياة، وهل يقدم الإعلام الأميركي تلك الصورة الحقيقية عنا، وأستطيع الآن أن أقول بكل ثقة إن هناك الكثير من المعلومات غير الدقيقة والتي أسيء تفسيرها وترويجها بسبب أبناء ثقافتنا أولاً وليس فقط بسبب الإعلام الغربي، سواء عن الإسلام أو المجتمع أو وضع المرأة أو أي موضوع آخر يخصنا، وبالطبع التلاقي مع المختلف لا بد أن يبرز لنا أوجه نقصنا، فلم يستطع الغرب بكل اختلافه أن يصل إلى الحضارة العلمية والمدنية التي عجزنا نحن عن الوصول إليها إلا لتميز ما اختص به عنا.
والدعوات التي تلقيتها بصورة غير رسمية في كل الأحوال تبدأ في العادة بشرح سريع لبلادنا، وتنتهي بسرد مفصل بسبب طبيعة الأسئلة لدقائق وضع المرأة، ونظرة المجتمع لها، ومشاركتها وملامح الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية لدينا، أجد نفسي كثيراً ما أعترف بوجود خلل ما في التعليم، وتفسير مبادئ الإسلام بما يناسب العصر ومبدأ التعبير عن الرأي، والتعامل مع المختلف، على رغم كل ما وصلنا إليه في عمر بلادنا الحديث، وأبرر دائماً للمستمع الأجنبي بلغة المنطق، لماذا من الصعب في بلاد كبلادنا ما زالت في طور التكوين والتجربة والانتقال، أن تنتهج أسلوباً مواكباً للعصر الحديث في مؤسساتها، التي وإن تمتعت بقدر من التطور المادي إلا أنها لا زالت في مرحلة مخاض لتطور الإنسان السعودي الحديث، الذي يتلقى الآن عبر الإعلام والعمل وعبر الشبكة العنكبوتية أول تجاربه في التعامل مع التنوع والاختلاف.
ربما جاء مؤتمر «حوار الأديان» الذي اختتم أعماله أخيراً في نيويورك في وقت مناسب لطرح أهمية تقبل الآخر واحترامه كشرط لتلاقح الثقافات وتعايشها، ولست هنا بصدد الحديث عن المؤتمر أو أهميته السياسية والحضارية، أنا فقط أحاول أن أجعل كل من يطلق لدينا فكرة ما أو خطاباً أو عملاً من أي نوع، أن يضع في اعتباره أن هناك من ينتظر خطابه وفكرته، ليس فقط لأننا ولعوامل سياسية ودينية واجتماعية عدة نمثل الآن موضوعاً ساخناً للعالم بأسره، ولكن لأننا نمثل روح الإسلام وعدالته، ولأن كل شخص منا حتى وإن كان ذا سلطة دينية أو مؤسسية يجب في النهاية ألا يمثل سوى نفسه وفكره، ولا يصح أن يتم تعميم أي فكر أو سلوك على ملايين السعوديين والسعوديات، ونحن كأي مجتمع لدينا تنوع حضاري وثقافي بعدد أبناء هذا الشعب من مختلف المشارب والمذاهب، ولكن ليس لدينا تنوع مؤسسي ورسمي وفكري يعبر عن هذه الأطياف، وليست هذه مشكلة صانعي القرار في الحكومات بقدر ما هي مشكلة من يصل إلى السلطة التنفيذية، فيكيفها بحسب ما يناسب فهمه واعتقاده.
الرسالة الأساسية لمؤتمر حوار الأديان، الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين تستحق التوقف والتأمل، والخطابات التي ألقاها العديد من الرموز السياسية والدينية أكدت على ضرورة التعايش السلمي بين البشر على اختلافهم، وضرورة احترام هذا التنوع والاختلاف بما يضمن العدالة للجميع، وكان من الجميل أن تبادر المملكة بهذه الدعوة للحوار لإبراز توجهات القيادة بوضوح حول التعصب الديني أو المذهبي، وعلى رغم ذلك الفكر المتسامح إلا أن الملك في جوابه عن سؤال ما عن إمكان تطبيق هذه الدعوة على أرض الواقع، كان أقل تفاؤلاً، أقر بأن التغيير لا يمكن أن يتم بصورة فورية، لأن شخصاً ما يقرر التغيير بل بصورة متدرجة مع نمو الوعي بالآخر وبخطأ التعصب، فمن الصعب أن نفهم المختلف بدون أن نتعايش معه، وبدون أن ندرك إنسانيته التي تجمعنا نحن معه.
وكانت مصادفة أن يأتي «حوار الأديان» في الوقت الذي دعيت فيه لإلقاء محاضرة عن السعودية لمجموعة من طلبة كلية الأعمال كجزء من مقرر دراسي للتعرف على تنوع الحضارات، اخترت أن أقدم للصف مقاطع من بعض اللقاءات المعروضة على موقع «اليوتيوب» الشهير عن أحداث محلية سعودية، أو لقاءات مع شخصيات سعودية باللغة الإنكليزية، وتركت المجال لتلقي تعليقاتهم على المشاهد المعروضة والرد على تساؤلاتهم، وكنت أتمنى أن أسجل الحوار الذي دار ليسمعه كل صانع للقرار لدينا.
دارت الأسئلة حول إمكان حضور السياح للمملكة للتعرف على ثقافتها المحلية بصفة شخصية، وما نظرة السعوديين للشعب الأميركي؟ وهل هو أمر آمن أن يزور الأميركيون المملكة للسياحة أو لزيارة شخص ما أو للعمل؟ هل تستطيع المرأة الأميركية أن تتجول في المملكة بصفة طبيعية؟ وكيف أمكنني كامرأة سعودية أن أمارس العمل أو التعلم أو السفر؟ وما فرصة حدوث ذلك لعموم النساء السعوديات؟ ما مدى حرفية وتطور التعامل في قطاع الأعمال؟ وهل الاستثمار هناك أكثر أمناً من بلاد أخرى؟ و غيرها من الأسئلة التي حاولت بقدر الإمكان أن أقدم إجابة وافية لها، والتي تركتني أكثر تساؤلاً من المستمعين إلا عن أسباب تعثرنا في فتح قنوات التواصل مع العالم سياحياً وإعلامياً وعملياً، فلا يوجد حقيقة مبررات دينية أو مجتمعية تمنعنا من تقبل التنوع واحتوائه كمبدأ أساسي للتعايش السلمي والتطور الإنساني، كل التساؤلات المطروحة في مواجهة أي فرد سعودي في الخارج تُبرز اختلافه، كما تُبرز أيضاً حاجته لمعرفة المختلف واحتوائه، فالتنوع في الفكر وأسلوب الحياة وحرية الاختيار هو الأصل، أما الجمود ورفض المختلف وفرض القوالب، فهذا هو الخروج عن طبيعة البشر.
هالة الدوسري - الحياة
خلال الوقت الذي قضيته في الولايات المتحدة الأميركية تلقيت دعوات واستفسارات عدة عن الثقافة المحلية السعودية والإسلام كأسلوب حياة، وهل يقدم الإعلام الأميركي تلك الصورة الحقيقية عنا، وأستطيع الآن أن أقول بكل ثقة إن هناك الكثير من المعلومات غير الدقيقة والتي أسيء تفسيرها وترويجها بسبب أبناء ثقافتنا أولاً وليس فقط بسبب الإعلام الغربي، سواء عن الإسلام أو المجتمع أو وضع المرأة أو أي موضوع آخر يخصنا، وبالطبع التلاقي مع المختلف لا بد أن يبرز لنا أوجه نقصنا، فلم يستطع الغرب بكل اختلافه أن يصل إلى الحضارة العلمية والمدنية التي عجزنا نحن عن الوصول إليها إلا لتميز ما اختص به عنا.
والدعوات التي تلقيتها بصورة غير رسمية في كل الأحوال تبدأ في العادة بشرح سريع لبلادنا، وتنتهي بسرد مفصل بسبب طبيعة الأسئلة لدقائق وضع المرأة، ونظرة المجتمع لها، ومشاركتها وملامح الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية لدينا، أجد نفسي كثيراً ما أعترف بوجود خلل ما في التعليم، وتفسير مبادئ الإسلام بما يناسب العصر ومبدأ التعبير عن الرأي، والتعامل مع المختلف، على رغم كل ما وصلنا إليه في عمر بلادنا الحديث، وأبرر دائماً للمستمع الأجنبي بلغة المنطق، لماذا من الصعب في بلاد كبلادنا ما زالت في طور التكوين والتجربة والانتقال، أن تنتهج أسلوباً مواكباً للعصر الحديث في مؤسساتها، التي وإن تمتعت بقدر من التطور المادي إلا أنها لا زالت في مرحلة مخاض لتطور الإنسان السعودي الحديث، الذي يتلقى الآن عبر الإعلام والعمل وعبر الشبكة العنكبوتية أول تجاربه في التعامل مع التنوع والاختلاف.
ربما جاء مؤتمر «حوار الأديان» الذي اختتم أعماله أخيراً في نيويورك في وقت مناسب لطرح أهمية تقبل الآخر واحترامه كشرط لتلاقح الثقافات وتعايشها، ولست هنا بصدد الحديث عن المؤتمر أو أهميته السياسية والحضارية، أنا فقط أحاول أن أجعل كل من يطلق لدينا فكرة ما أو خطاباً أو عملاً من أي نوع، أن يضع في اعتباره أن هناك من ينتظر خطابه وفكرته، ليس فقط لأننا ولعوامل سياسية ودينية واجتماعية عدة نمثل الآن موضوعاً ساخناً للعالم بأسره، ولكن لأننا نمثل روح الإسلام وعدالته، ولأن كل شخص منا حتى وإن كان ذا سلطة دينية أو مؤسسية يجب في النهاية ألا يمثل سوى نفسه وفكره، ولا يصح أن يتم تعميم أي فكر أو سلوك على ملايين السعوديين والسعوديات، ونحن كأي مجتمع لدينا تنوع حضاري وثقافي بعدد أبناء هذا الشعب من مختلف المشارب والمذاهب، ولكن ليس لدينا تنوع مؤسسي ورسمي وفكري يعبر عن هذه الأطياف، وليست هذه مشكلة صانعي القرار في الحكومات بقدر ما هي مشكلة من يصل إلى السلطة التنفيذية، فيكيفها بحسب ما يناسب فهمه واعتقاده.
الرسالة الأساسية لمؤتمر حوار الأديان، الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين تستحق التوقف والتأمل، والخطابات التي ألقاها العديد من الرموز السياسية والدينية أكدت على ضرورة التعايش السلمي بين البشر على اختلافهم، وضرورة احترام هذا التنوع والاختلاف بما يضمن العدالة للجميع، وكان من الجميل أن تبادر المملكة بهذه الدعوة للحوار لإبراز توجهات القيادة بوضوح حول التعصب الديني أو المذهبي، وعلى رغم ذلك الفكر المتسامح إلا أن الملك في جوابه عن سؤال ما عن إمكان تطبيق هذه الدعوة على أرض الواقع، كان أقل تفاؤلاً، أقر بأن التغيير لا يمكن أن يتم بصورة فورية، لأن شخصاً ما يقرر التغيير بل بصورة متدرجة مع نمو الوعي بالآخر وبخطأ التعصب، فمن الصعب أن نفهم المختلف بدون أن نتعايش معه، وبدون أن ندرك إنسانيته التي تجمعنا نحن معه.
وكانت مصادفة أن يأتي «حوار الأديان» في الوقت الذي دعيت فيه لإلقاء محاضرة عن السعودية لمجموعة من طلبة كلية الأعمال كجزء من مقرر دراسي للتعرف على تنوع الحضارات، اخترت أن أقدم للصف مقاطع من بعض اللقاءات المعروضة على موقع «اليوتيوب» الشهير عن أحداث محلية سعودية، أو لقاءات مع شخصيات سعودية باللغة الإنكليزية، وتركت المجال لتلقي تعليقاتهم على المشاهد المعروضة والرد على تساؤلاتهم، وكنت أتمنى أن أسجل الحوار الذي دار ليسمعه كل صانع للقرار لدينا.
دارت الأسئلة حول إمكان حضور السياح للمملكة للتعرف على ثقافتها المحلية بصفة شخصية، وما نظرة السعوديين للشعب الأميركي؟ وهل هو أمر آمن أن يزور الأميركيون المملكة للسياحة أو لزيارة شخص ما أو للعمل؟ هل تستطيع المرأة الأميركية أن تتجول في المملكة بصفة طبيعية؟ وكيف أمكنني كامرأة سعودية أن أمارس العمل أو التعلم أو السفر؟ وما فرصة حدوث ذلك لعموم النساء السعوديات؟ ما مدى حرفية وتطور التعامل في قطاع الأعمال؟ وهل الاستثمار هناك أكثر أمناً من بلاد أخرى؟ و غيرها من الأسئلة التي حاولت بقدر الإمكان أن أقدم إجابة وافية لها، والتي تركتني أكثر تساؤلاً من المستمعين إلا عن أسباب تعثرنا في فتح قنوات التواصل مع العالم سياحياً وإعلامياً وعملياً، فلا يوجد حقيقة مبررات دينية أو مجتمعية تمنعنا من تقبل التنوع واحتوائه كمبدأ أساسي للتعايش السلمي والتطور الإنساني، كل التساؤلات المطروحة في مواجهة أي فرد سعودي في الخارج تُبرز اختلافه، كما تُبرز أيضاً حاجته لمعرفة المختلف واحتوائه، فالتنوع في الفكر وأسلوب الحياة وحرية الاختيار هو الأصل، أما الجمود ورفض المختلف وفرض القوالب، فهذا هو الخروج عن طبيعة البشر.
Comment