السعوديون وفرص العمل
الاقتصادية
د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري
في حديث لم يكن مرتبا له دار نقاش حول وضع الشباب السعودي من الجنسين وما يعانونه من مشكلات عديدة، من أهمها إيجاد فرص عمل لهم وتأكيد عديد منهم أنهم خريجو الجامعات، ولكن للأسف لم يجدوا فرص العمل سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، وأن مثل هذه المشكلة أصبحت تقلق أهاليهم أولا ثم المسؤولين عن التنمية البشرية ثانيا في المملكة. تشعب الحوار والنقاش وطغت عليه النظرة المتكررة وربما المتشائمة من أن الشباب السعودي يبحث عن فرص العمل المريحة التي لا تتطلب عملا ولا التزاما، إنما تحت مظلة مفهوم الضمان الاجتماعي، لهذا فإنهم يبحثون عن فرص العمل في القطاع الحكومي على أساس أنه قطاع لا يحاسب المقصر ولا يكافئ المنتج وعلاوته السنوية تأتي مع مطلع كل عام بغض النظر عن حسن الأداء أو سوئه, كما أن العمل الحكومي يعد ملجأ آمنا لمن يريد القليل الدائم بدلا من الكثير المنقطع.
أكد أحد المحاورين أن السعودية فيها أكثر من سبعة ملايين متعاقد، وهذا يدل على وجود فرص العمل لمن أراد أن يعمل, وذكر برنامج سعودة الوظائف في القطاعين العام والخاص، وأوضح دور وزارة العمل في ذلك، منها إصرارها على سعودة أسواق الخضار والعاملين في المحال التجارية، وغيرها كثير.
حقيقة شرد بي الذهن عن النقاش، لأني لم أجد فيه جديدا يضاف وحلقت بعيدا في تفكير مختلف يدور حول نوع العمل الحقيقي الذي يجب التركيز عليه لاستقطاب الشباب السعودي للعمل, هذا العمل الذي يجب أن ينطلق من القاعدة الاقتصادية الأساسية للمملكة وما هو متوافر فيها، وجاء النفط والحج كعنصرين أساسيين تمتاز بهما المملكة عن سائر دول العالم, وتقديم النفط هنا لاتساع مجاله وفرص العمل فيه.
النفط هو القاعدة الاقتصادية الأساسية للمملكة من خلاله نستطيع أن نقدم فرص عمل لا حصر لها للشباب السعودي، من خلال بناء أجيال في مجالات التنقيب والتطوير والتكرير والإنتاج والإدارة وكما نعرف اليوم أننا لا نشارك العالم في هذا المجال، فلا نملك شركات سعودية عملاقة بكفاءات إدارية وفنية سعودية تجوب العالم للتنقيب عن البترول وإنتاجه وتطوير مشتقاته مستفيدين مما نملكه من قدرة وخبرة في هذا المجال، ولعل شاهدا واحدا حول ذلك يؤكد لنا مدى القدرة على النجاح في هذا المجال، وهو ما تم توظيفه من سعوديين خلال بداية إنشاء شركة أرامكو بكفاءات بسيطة، ولكنها شقت طريقها نحو قيادة الشركة في عديد من المجالات. هذه التجربة كان يفترض بها الاستمرار على نطاق عالمي، بمعنى أننا نجد السعوديين في كل شركة عالمية لها علاقة بالنفط ومشتقاته في جميع المجالات, هذا التوجه يفترض دعمه بعدد من الجامعات السعودية التي تركز على تخريج الكفاءات السعودية ذات العلاقة بالنفط وصناعاته ومثل هذا المجال يشمل فرص تعليم وعمل واسعة ويستقطب آلاف الكفاءات السعودية.
حقيقة إن تجربة إنشاء شركة أرامكو وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن كانت تجربة حكيمة رائدة, كانت تستحق تطويرها وتوسعها وتركيزها على ما يتعلق بالبترول والمعادن ومشتقاتهما, توسعها بحيث تشمل عديد من مناطق المملكة، بمعنى إنشاء فروع للجامعة وعدم انغلاق الجامعة على نفسها بعدد محدد من الطلاب أو توسعها في مجالات أو تخصصات خارج البترول والمعادن.
الحج أو ما يمكن أن يطلق عليه إدارة الحشود والتعامل معها من القطاعات الموظفة للكفاءات السعودية, وإدارة الحج من الأعمال التي تحتاج إلى آلاف الكفاءات في مختلف المجالات من الجنسين وعندما نتحدث عن الحج فإننا نتحدث هنا عن عمل دائم على مدار العام بما يشمل العمرة والزيارة, الحج والعمرة والزيارة تتطلب كفاءات وقيادات إدارية واعية وفاهمة لمعنى إدارة الحشود وكيفية التعامل معهم في مختلف المجالات من نقل وإسكان وإعاشة وتوجيه وتعامل وأمن, هذه الميزة لا توجد في بلد آخر في العالم وعلى مدار العام، فعندما ننجح في بناء مؤسسة إدارية سعودية قوية لإدارة الحشود، فإننا نقدم نموذجا سعوديا جديدا في مجال الإدارة والتنمية، وكما نعرف جميعا أن مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة قبلتان لملايين المسلمين الذين يطمعون في زيارتهما , هاتان المدينتان وما يرتبط بهما من مدن أخرى متى ما توافرت بهما البنية التنموية المتكاملة فإنهما قادرتان ـ بإذن الله ـ على استقطاب أكثر من 200 مليون مسلم سنويا لزيارتهما والصلاة فيهما. هذه الملايين من البشر تحتاج إلى إدارة واعية متكاملة تساعد على دخولها وخروجها وفقا لنظام إداري متكامل يقضي على جميع السلبيات التي يشتكي منها المضيف والضيف.
إن المملكة تملك مقومات اقتصادية رائدة قادرة على استثمارها بما يساعد على إيجاد فرص عمل للشباب السعودي من الجنسين في المملكة ومختلف دول العالم، ولعل تجربة يوسف اليوسفي الشاب السعودي الذي شق طريقه للعمل في شركة فرنسية للتنقيب عن البترول في دول العالم خير مثال يمكن تقديمه اليوم كنموذج للشباب السعودي الطموح الذي يبحث عن فرص عمل, ويوسف قصة تستحق الشرح ولي عودة لها، إن شاء الله.
البترول والحج والعقار مجالات تملك المملكة فيها إمكانات غير طبيعية لاستثمارها وإيجاد فرص العمل من خلالها بما يخدم الإنسان السعودي, العقار والاستثمار فيه وتقديمه كنموذج آخر لفرص الاستثمار سأعود له، إن شاء الله بشيء من التفصيل. وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء, عربي اللسان, إسلامي المعتقد, عالمي الطموح.
وقفة تأمل:
"مضى الليل والفضل الذي لك لا يمضي
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض
على أنني طوقت منك بنعمة
شهيد بها بعض لغيري على بعض
سلام الذي فوق السماوات عرشه
تحظى به يا خير ماش على الأرض"